by معهد المعارف الحكميّة | أكتوبر 20, 2016 12:34 م
حوار مع الشيخ سمير خير الدين
يرجع الاهتمام بفكر الشهيد مرتضى مطهري لما يتميز به شخصه وفكره، ففكره يجمع بين الأصالة والعمق، بين العقلية الاجتهادية الحوزوية المتحركة وبين العقلية الأكاديمية، فهو يغوص في العمق الفكري ويصوغ وفقًا لذلك النتائج بصيغة سهلة سلسة فهو يحفظ عمق الفكرة دون الاستغراق في تعقيدات التركيب والمصطلحات.
فهو يشبه صائغ الذهب الذي يجعل من التبر الخام حلى متنوعة.
وما يؤكد تلك الأصالة أنه كان عظيمًا في قلوب العظام، وكبيرًا في نفوس الكبار، فقال فيه الإمام الخميني “أما أنا فقد فقدت ولدًا عزيزًا وقد فجعت بوفاته فكان من الأشخاص الذين أعدهم ثمرة حياتي” وأنه “يمنح الروح أنسًا واطمئنانًا”، أضف إلى دعوة الإمام القائد لتدريس فكره. بناءً لهذا فأنت تنهل من الماء العذب من الصفاء والفكر الأصيل، كل هذا جعل من الشهيد مطهري منارةً يستنار بنورها وتجذب إليها المتعطشين للفكر الأصيل.
هناك عدة نقاط يمكن إرجاعها إلى ثلاثة، ترتبط بمقاربة الشهيد مطهري لموضوع العدل، وأعتقد أن جديده يظهر في هذه النقاط الثلاثة:
إذن أخلص في هذ النقطة للقول أن السبب الثاني الذي دعا لبحث العدل عند الشهيد مطهري بهذه التوسعة والجدى هو مجموع تلك المباني التي اعتمد عليها.
ووفق هذه المنهجية تتولد المعارف بالنسبة للنصوص ووفق منهج التلازم أو الاقتضاء المنطقي تتكثر المعارف العقلية ثم يجمع ما بين المعارف العقلية والمعارف النصية ثانيًا هناك خصوصية أخرى وهي الهدفية وتظهر بأن الشهيد لا يبحث المسائل للترف الذهني والفكري بل لهدف أساسي هو التوعية للإسلام الأصيل والوقوف في وجه الانحرافات الفكرة والأيديولوجية، وفي هذا السياق كان يقول “أنني ومنذ حوالي عشرين عامًا كلما أمسكت بالقلم بيدي وكتبت كتابًا أو مقالةً استهدفت هدفًا واحدًا وهو حل المشكلات والجواب عن الأسئلة التي تدور حول محور واحد وهو الإسلام في هذا العصر”، وكانت كتاباته تارة فلسفية وأخرى اجتماعية وثالثة أخلاقية ورابعة أخلاقية وخامسة فقهية ومع أن هذه المواضيع متغايرة ولكن كانت غاية واحدة تجمعها وهي الإسلام. ثالثًا في الخصوصية بلحاظ بحثه أنه يمتلك حس المعاصرة والروح الاستنهاضية وهذا بدا في طبيعة المواضيع والأبحاث التي يبحثها الشهيد مطهري، وقد بدا أن أكثر ما ألفه كان أصله محاضرات وهذا يعني أنه حركي وليس مكتبي، ولكن ميزته عندما يحاضر أن محاضرته تأتي بقوة البحث حتى لا تجد فرقًا في المضمون بين البحث المحقق والمحاضرة الملقاة وهذا يبدو في كتاباته. أختم هذه الفقرة لأقول هناك ترابط في منهج الشهيد مطهري عند بحثه في العدل وغيره من المسائل، هناك ترابط بين التأسيس العقائدي والعملي، فليست العقائد عند الشهيد تبحث لإثبات صحتها وهو يعبر بالقول أن معرفة الله تؤثر تلقائيًا في جميع الشخصيات والنفسيات وأخلاق البشر وأعمالهم، إذن كل هذا يجعلنا نرى الشهيد في بحثه لمسألة العدل يستجمع المباني الرؤيوية والمباني الدقيقة والخصائص المتنوعة عندما نريد أن نرى الجديد لا نستطيع النظر فقط في النتائج بل لا بد أن نرى الشهيد بما قدمه من مباني وخصائص ونتائج.
صحيح هناك حضور واضح للجدل الكلامي الذي دار في الفترات الأولى بين الأشاعرة والمعتزلة، لكن المسائل العقائدية خصوصًا فيما يرتبط بالعدل، امتدت إلى هذا العصر أيضًا، فهذه المسائل لا تزال آثارها ممتدة حتى الآن لا أصل كأصل العدل صار يشكل عنوانًا لهوية التشيع لذا حضر هذا الكم من العرض وهنا أحب أن أتوقف قليلًا عند هذه النقطة فالمسائل الكلامية كانت تطرح بمنهج كلامي الذي لم يصل بحسب الشهيد مطهري إلى نتائج نهائية في المسائل ثم نوعية المسائل التي كان يطرحها كانت توضع بيد الفلسفة وتتولى الفلسفة الإجابة عليها، فللكلام قيمة إمدادية حيث كان يمد الفلسفة بأسئلتها ولكنه لم يكن يستطيع أن يجيب، من هنا يعتبر الشهيد أن للكلام أثرا وهو توسيع مدى الفلسفة.
من ناحية أخرى عندما يستعرض الشهيد كثرة الآراء، كان يستعرضه بطريقة أسلوب المقارنة حيث يبين الأراء والمباني ووجوه الاشتراك والافتراق، لكن يجب الالتفات إلى أن حجم إحضار الآخر في نصوص الشهيد مطهري، كان يحضر الإشكال ويحضر الجواب حضور تفاعلي، فالشهيد يرى أن الإسلام من حيث نظامه هو أصيل، ولكن عندما يكون فهم الإسلام قشريًا وباسطًا تكثر الإشكالات، فالإشكالات في الفهم وليس في الواقع، بالتالي كان عندما يبحث الموضوع يستحضر الموضوع العقائدي في التاريخ ليربطه في الواقع وليبني على أساسه النتائج ثم يبني نتائج تفصيلية في ذلك، مثلًا في موضوع أصالة العقل، يعتقد الشهيد بأصالة العقل، ويعتقد بأن الأصالة التي أثبتها التشيع للعقل تفوق الأصالة والحجية التي منحها المعتزلة للعقل، ومبحث العقل هو مبحث معاصر، مثال آخر واقعية الحسن والقبح، هذه المسألة تنبني عليها فروقات في النتائج ما بين العقل الأشعري والعقل المعتزلي، على سبيل المثال في الحق والباطل، العقل يدرك حسن الحق وقبح الباطل، وبالتالي فالحقانية والبطلانية حقيقتان مستقلتان، والعقل يدرك الحقانية فيحصل الميل والجذب، إحقاقها تكوينًا بناءً للانسجام والتناسب بين أصالة الإدراك العقلي وحقانية الحق وكذلك العقل يدرك البطلانية حيث يحصل الدفع والطرد للباطل بالتكوين وذلك بناء للمنافرة بين أصالة الإدراك العقلي وبطلانية الباطل، وبالتالي وفقًا لهذا يكون حسن الحق ذاتيًا وقبح الباطل ذاتيًا والعقل يدرك الحسن ويدرك القبح وكذلك الأمر بالنسبة للعدل والظلم حيث إن مبدأ العدل الإلهي يرتبط بالنظرة لأصالة العقل وأصالة الحسن والقبح وهذا ليس أمرًا مطروحًا بذلك الوقت فقط إنما هو الآن مطروح أيضًا، الآن تطرح أسئلة على الله من خلال صفات الله، والشهيد مطهري يستعرض كل هذه التفاصيل ويحلل العقل الديني الأشعري ويربط ذلك بالفضاء والقدر الذي هو الآن موضوع نقاش، وموضوع معاصر. وفق المدرسة الإمامية الإنسان حر بالقضاء والقدر هو مجبور على الحرية والقضاء والقدر، ولكن وفق الأشعري الديني الإنسان مجبور وفق القضاء والقدر وبالتالي زرع فكرة الجبر بالقضاء والقدر أدت وفق الشهيد مطهري إلى شل المجتمع من خلال إبطال مفاعيل الثورة على الظالم وفق القضاء والقدر، بينما مع الشهيد يصبح القضاء والقدر دافعًا وسببًا للثورة على الظالم وسببا لإحقاق الحق والعدل.
وأنا أعتقد بأننا يجحب أن نستفيد من العقلية التي عالج بها الشهيد مطهري الإشكالات التي طرحت في عصره بالاستفادة من التأسيسات التي حصلت عند علماء العقائد سابقًا ومن خلال النصوص القرآنية والروائية والمباني العقلية والفلسفية من المهم جدًا الاستفادة من هذا الكم لتأسيس عقلية تواجه الإشكالات المعاصرة بعقلية أصيلة وعميقة ولم يعد يكفي أن نستجمع مجموعة معارف عقائدية وأن نكررها عندما يطرح السؤال حيث أن السؤال والإشكال يستجد دائمًا وهذا يعني أننا بحاجة لعقلية تتطور إجاباتها مع تطور السؤال، ونحن يممكن أن نستفيد من الشهيد مطهري بعقليته في مقاربته وإجابته بالنسبة للمشاكل العقائدية والاشكالات المعاصرة
بلا شك هناك حاجة ماسة لكي يخرج الدرس العقائدي من منطقة الاختصاص لكي يصبح درسًا في الحياة، فنحن بحاجة لأن تصبح العقائد دافعًا في الموضوعات الحياتية والتربوية والاجتماعية المتنوعة، المشكلة التي يبتلي بها الدرس العقائدي هذه الأيام حصر العقيدة داخله، فالعقيدة يُتعامل معها اليوم كمادة دراسية، بينما العقيدة ليست مجرد مادة بل ترتبط بالمصير والحياة والسلوك، عندما يقول الإمام الحسين عليه السلام مثلًا: “هوّن علي ما نزل بي أنه بعين الله” نرى أنه طوى كربلاء بأحداثها الدموية بكلمة “ما” وهذه الأحداث باتت هينة لأنها بعين الله، وهذا يبرهن أن الفعل العقائدي هو فعل ترجمة للعقيدة، تتميز العقيدة بأن الإنسان يموت لأجلها، وليس كل فكرة صحيحة يموت الإنسان لأجلها، فقواعد اللغة العربية الصحيحة لا يبذل الإنسان دمه لأجلها، وهذا يدعو لإعادة النظر في طريقة طرح الموضوع العقائد، العقيدة ليست مجرد مجموعة مصطلحات، بل تتعلق بالأجيال الآتية والقيم والقناعات، وبكل التفاصيل الحياتية، وبمقدار التعمق بالعقيدة بمقدار النفوذ في مراتب تأملية تجعل من القلب قلبًا مطمئنًا ومن العقل عقلا مكتفيًا ومشبعًا بالتأملات.
لا بد من إعادة طرح الموضوعات العقائدية بأسلوب يفهمه هذا الجيل، فمن الخطأ تعقيد المسائل العقائدية بكثرة المصطلحات، لأن غموض المصطلح يحول بين طالب العقيدة والعقيدة نفسها، فلا بد من إعادة النظر في أسلوب الطرح، لحفظ عمقها مع تقديمها بأسلوب يفهمه هذا الجيل ويتفاعل معه، وهذا ما قام به الشهيد مطهري.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/8139/%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af-%d9%85%d8%b1%d8%aa%d8%b6%d9%89-%d9%85%d8%b7%d9%87%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.