by والتر راسل ميد - فورِن أفيرز | مارس 17, 2017 1:10 م
إسرائيل الجديدة وتلك القديمة
لماذا يدعم الأميركيّون المسيحيّون[1][1] الدولةَ اليهوديّة؟
في 12 أيّار 1948، دافع كلارك كليفورد، المستشار الأوّل للبيت الأبيض، عن الاعتراف بدولة إسرائيل أمام المجلس الوزاريّ المنقسم للرئيس هاري ترومان. في مقابل جورج مارشال، وزير الخارجيّة، العبوس الوجه ومساعده الأوّل المتشكّك روبرت ليفيت، جادل كليفورد بأنّ الاعتراف بالدولة اليهوديّة هو عمل إنسانيّ متوافق تمامًا مع القيم التقليديّة الأميركيّة. وليقيم الدليل على الزعم الإسرائيليّ بالأحقّيّة بالأرض، استشهد كليفورد بكتاب التثنية: “انظر قد جعلت أمامكم الأرض. ادخلوا وتملّكوا الأرض التي أقسم الربّ لآبائكم ابراهيم واسحق ويعقوب أن يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم”.
لم يقتنع مارشال وأبلغ ترومان بأنّه سيصوّت ضدّه في الانتخابات القادمة إن كانت هذه سياسته. في النهاية وافق مارشال على عدم الخروج باعتراضه إلى العلن. بعد يومين، أعطت الولايات المتّحدة الدولةَ اليهوديّة الاعتراف الرسميّ بعد 11 دقيقة من إعلان إسرائيل وجودها كدولة. ينسب العديد من المراقبين، الأجانب والمحلّيّين، قرار ترومان إلى نفوذ المجتمع اليهوديّ في الولايات المتّحدة. لقد اعتبروا الأصوات اليهوديّة، والتأثير الإعلاميّ، والدعم الماليّ للحملات الانتخابيّة في غاية الأهمّيّة في التنافس الرئاسيّ غير المحسوم النتائج لعام 1948.
منذ ذلك الوقت والنمط نفسه يتكرّر. خبراء السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة المحترمون يناشدون واشنطن أن تكون حذرة في الشرق الأوسط ويحذّرون الرؤساء بأنّ الدعم المفرط لإسرائيل يفرض أثمانًا دوليّة وخيمة. عندما ينقض الرؤساء مستشاريهم الخبراء ويأخذون موقفًا منحازًا لإسرائيل، فإنّ الخبراء يعزون ذلك إلى “اللوبيّ الإسرائيليّ” وينسبون (أو يلومون) إلى هذا اللوبيّ حمل الرئيس على تغيير رأيه. ولكنّ هناك عامل آخر يجب التفكّر فيه. كما دوّن دايفيد ماك كالو، كاتب سيرة ترومان، فإنّ دعم ترومان للدولة اليهوديّة “لاقى شعبيّة كبيرة” في الولايات المتّحدة. أظهر استطلاع للرأي أجرته غالوب في حزيران 1948 بأنّ عدد الأميركيّين “المتعاطفين مع اليهود” كان ثلاثة أضعاف “المتعاطفين مع العرب”. لم يكن هذا الدعم مرحليًّا فقط. الدعم المسيحيّ الواسع لإسرائيل هو أحد أقوى العوامل في السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة، وخلال الستّين سنة الماضية لم يكن هناك استطلاع رأي أجرته غالوب أظهر تعاطفًا أميركيًّا مع العرب أو الفلسطينيّين أكبر من التعاطف مع الإسرائيليّين.
مع الوقت، بالإضافة، ازدادت العاطفة تجاه اسرائيل في الولايات المتّحدة، وخاصّةً بين غير اليهود. شهد تأييد الرأي العامّ لإسرائيل في الولايات المتّحدة خلال سنوات إدارة جورج دبليو بوش ارتفاعًا غير مسبوق، وظلّ كذلك طوال فترتي بوش الرئاسيّتين.
ظهر هذا الازدياد حتّى مع تقلّص الأهمّيّة الديموغرافيّة لليهود. في 1948، شكّل اليهود 3.8 بالمئة من الشعب الأميركيّ. إذا افترضنا أنّ كلّ اليهود الأميركيّين فضّلوا سياسة خارجيّة منحازة لإسرائيل في تلك السنة، فإنّ ما يزيد عن عشرة بالمئة من داعمي إسرائيل الأميركيّين كان من أصل يهوديّ. في 2007، فإنّ اليهود هم 1.8 بالمئة من شعب الولايات المتّحدة، أي ما يعادل كحدّ أقصى 3 بالمئة من داعمي إسرائيل في الولايات المتّحدة.
هذه الأرقام، الدراماتيكيّة بحدّ ذاتها، تقلّل على الأرجح من مستوى الدعم الشعبيّ الحقيقيّ لإسرائيل. عندما سأل مركز بيو للأبحاث في استطلاع رأي عام 2006 إن كانت سياسة الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط عادلة، ترجّح إسرائيل، أو ترجّح الفلسطينيّين، أجاب 47 بالمئة بأنّها عادلة، 6 بالمئة قالوا بأنّها تفضّل الفلسطينيّين، وفقط 27 بالمئة اعتبروا أنّها منحازة لإسرائيل. أُجري الاستطلاع خلال الهجمات الإسرائيليّة ضدّ حزب الله في جنوب لبنان، حين كان الدعم الأميركيّ لإسرائيل مثار جدل أكثر من العادة في العالم. وبالتالي على المرء أن يستنتج أنّ العديدين ممّن يجيبون المستطلعين بأنّ سياسات الولايات المتّحدة عادلة للطرفين، هم في الواقع يفضّلون السياسات التي يعتبرها المراقبون غير الأميركيّين منحازة بقوّة وبشكل غير مسؤول لصالح إسرائيل. لدى الشعب الأميركيّ ترجيحات قليلة في السياسة الخارجيّة تتميّز بهذه الحدّة، العمق والثبات – في مفارقة ملفتة مع الرأي العامّ في بلدان أخرى.
في الولايات المتّحدة، لا تشكّل السياسة الخارجيّة المنحازة لإسرائيل انتصار لوبي صغير على إرادة شعبيّة. إنّها تمثّل قوّة الرأي العامّ في تشكيل السياسة الخارجيّة في وجه مخاوف المهنيّين في السياسة الخارجيّة يقلق تأييد إسرائيل في السياسة الخارجيّة، كما الحرب على الإرهاب والجدار على طول الحدود المكسيكيّة، بعضَ الخبراء والمختصّين ولكنّه يحظى بدعم شعبيّ واسع. هذا لا يعني أنّ “اللوبي الإسرائيليّ” غير موجود أو أنّه لا يساعد في تشكيل السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط. وكذلك لا يعني أنّ الأميركيّين يجب أن يشعروا بغير ما يشعروا به. (يبقى رأيي أنّ الجميع، الأميركيّين والإسرائيليّين ضمنًا، قد يستفيدوا إذا طوّر الأميركيّون فهمًا أكثر تعاطفًا وشموليّةً لرغبات وحاجات الفلسطينيّين). ولكنّه يعني أنّ المصادر المطلقة لسياسة الولايات المتّحدة الشرق أوسطيّة تكمن خارج حدود البِلتواي[2][2] وخارج الجماعة اليهوديّة. لفهم سبب انحياز السياسة الأميركيّة لإسرائيل وعدك حيادها أو انحيازها للفلسطينيّين، على المرء أن يدرس مصادر الدعم غير-النخبويّ، وغير-اليهوديّ للدولة اليهوديّة.
أبناء داوود
تبدأ قصّة الدعم الأميركيّ لدولة يهوديّة في الشرق الأوسط باكرًا. لم يكن ممكنًا أن يكون جون آدامز أكثر وضوحًا حين قال بعد تولّيه الرئاسة “أنا حقًّا أتمنّى لليهود في يهوذا دولة مستقلّة”. منذ بداية القرن التاسع عشر، انقسم المسيحيّون الصهاينة في الولايات المتّحدة إلى معسكرَين رئيسيّين. رأى الصهاينة التنبؤيّون عودة اليهود إلى الأرض الموعودة تحقّقًا للتأويل الحرفيّ للنبوءة الإنجيليّة، والتي ترتبط بعودة المسيح ونهاية العالم. اعتمادًا على تأويل الفصل 18 في نبوءات أشعيا، مثلًا، توقّع القسّ المشيخيّ[3][3] الألبانيّ[4][4] جون ماكدونالد عام 1814 بأنّ الأميركيّين سيعينون اليهود في استعادة بلدهم العريق. الأصوات المورمونيّة[5][5] تلتقي مع هذه الرؤية؛ عودة اليهود إلى الأرض المقدّسة قد بدأت، قال أورسون هايد في 1841: “العجلة العظيمة تدور بلا شكّ، كلمة الله كلّيّ القدرة قد أعلنت أنّها سوف تدور”.
طوّر مسيحيّون آخرون، أقلّ حرفيّة وأقلّ نبوئيّة، صهيونيّة تقدّميّة سيتردّد صداها لعقود بين المسيحيّين المتديّنين والعلمانيّين. آمن المسيحيّون الليبراليّون، في القرن التاسع عشر، بأنّ الله يبني عالمًا أفضل من خلال التقدّم البشريّ. لقد رأوا في الولايات المتّحدة، الديمقراطيّة والمساواتيّة (نسبيًّا)، مثالًا جيّدًا على العالم الأفضل الذي يقوم الله ببنائه وأداةً جبّارةً لتنفيذ مخطّطه العظيم. لقد وثّق بعض الأميركيّون البروتستانت بأنّ الله يتحرّك ليعيد يهود العالم المضطهدين والمنحطّين إلى الأرض الموعودة، كما أنّ الله كان يرفع ويحسّن حياة الناس الآخرين الجاهلين وغير المؤمنين من خلال دفع المبادئ البروتستانتيّة والليبراليّة إلى الأمام. لقد أرادوا أن يؤسّس اليهود دولتهم الخاصّة لأنّهم آمنوا بأنّ هذا سوف يحمي اليهود من الاضطهاد، ومن خلال القوى التخليصيّة للحرّيّة والعمل الزراعيّ الصادق، سوف يرفع ويحسّن ما اعتبروه الأخلاقيّة القذرة والوضع الصحّيّ البائس ليهود شرق أوروبّا والسلطنة العثمانيّة. كما عبّر آدامز، “متى ما عادوا إلى دولة مستقلّة وتوقَّف اضطهادُهُم، فسوف يتخلّصون مع الوقت من خشونة طبعهم وقد يصبحون مع الوقت مسيحيّين ليبراليّين موحِّدين”. لهؤلاء المسيحيّين، شكّلت الصهيونيّة الأميركيّة جزءًا من برنامج أعمّ لتحويل العالم وإعلاء شأن المُثُل العليا للولايات المتّحدة.
لم يبنِ جميع الصهاينة التقدميّين حُجَجَهُم على أسس دينيّة. منذ 1816، توقّعت سجل النِيل الأسبوعيّ، الدوريّة الأميركيّة الإخباريّة الرائدة خلال معظم النصف الأول من القرن التاسع عشر، بالعودة الوشيكة لليهود إلى دولة مستقلّة عاصمتها القدس ورحّبت بها. اعتبرت المجلّة بأنّ عودة اليهود سوف تدفع بالتنوير والتقدّم إلى الأمام – وهذا، بوضوح، سيكون جيّدًا للولايات المتّحدة كما هو جيّد لليهود.
فيما يتعلّق بالصهاينة التنبّئيّون، فقد أصبحوا أكثر عديدًا بعد الحرب الأهليّة، وصارت رؤيتهم لدور الدولة اليهوديّة المُعاد بناؤها في الأحداث المؤدّية إلى نهاية العالم أكثر تطوّرًا. كانت الكتب والكرّاسات التي تركّز على العودة المتوقّعة لليهود وتتكهّن حول هويّة وعودة “القبائل العائدة” للعبرانيّين القدامى من بين الكتب الأكثر مبيعًا. ووَضَع الارتباط بين دوايت مودي، الإنجيليّ الأوّل في البلد، وسايروس سكوفيلد، دارس الإنجيل المهمّ، مستقبل تاريخ إسرائيل بحزم في قلب المخيّلة البروتيستانتيّة الأميركيّة المحافظة.
وجدت هذه المجموعات من الصهاينة المسيحيّين حلفاء جدد، وإن بغيضين، بعد 1880، عندما بدأت الهجرة الضخمة لليهود الروس إلى الولايات المتّحدة. بعض هؤلاء، كما بعض اليهود الألمان الأميركيّين المستوعبين (المتأمركين)، تأمّلوا أن يستبدلوا أميركا بفلسطين كوطن مستقبليّ لما شكّل حينها مجموعة غير مرغوب بها بالمرّة من المهاجرين. أمّا بالنسبة لمعادي الساميّة، فقد يشكّل تأسيس دولة يهوديّة “شفاءً” لليهود من الخصائص التي ينسبها إليهم العديد من المسيحيّين، وقد لا يشفيهم، ولكن في أيّ حال، فإنّ تأسيس هذه الدولة سيقلّل من هجرة اليهود إلى الولايات المتّحدة.
في عام 1891، اجتمعت هذه الفصائل من الصهيونيّة المسيحيّة. قدّم القائد الشعبيّ الميثوديّ[6][6] ويليام بلاكستون عريضةً إلى الرئيس الأميركيّ بنجامين هاريسون يدعو فيها الولايات المتّحدة إلى استعمال مساعيها الحميدة لعقد مؤتمر للقوى الأوروبّيّة بغية إقناع الإمبراطوريّة العثمانيّة بتسليم فلسطين إلى اليهود. كان الأربعمئة الذين وقّعوا على العريضة بغالبيّتهم من غير اليهود وكان من ضمنهم رئيس المحكمة العليا؛ رئيس مجلس النوّاب؛ رؤساء لجنتَي الضرائب والخارجيّة في مجلس النوّاب؛ الرئيس المستقبليّ ويليام ماك كينلي؛ عُمداء بالتيمور، وبوسطن، وشيكاغو، ونيويورك، وفيلادلفيا، وواشنطن؛ محرِّرو ومالكو جريدتَي إيست كوست وشيكاغو الرائدتين؛ وعدد مؤثّر من الإكليروس الأسقفيّ، والميثوديّ، والمشيخيّ، والكاثوليكيّ. رجال الأعمال الذين وقّعوا العريضة تضمّنوا سايروس ماك كورماك، وجون روكفلر، وجون بيربونت مورغان. كان أعمدة المؤسّسة المسيحيّة الأميركيّة يعلنون عن دعمهم لجهد دبلوماسيّ أميركيّ لخلق دولة إسرائيليّة في أراضي الإنجيل في وقت لم تكن فيه الجماعة اليهوديّة كبيرة أو قويّة، ولم يوجد شيء كلوبي إسرائيليّ.
وصايا مشتركة
يجب أن يبدأ أيّ نقاش للمواقف الأميركيّة تجاه إسرائيل من الإنجيل. لقد غُمس المِخيال الأميركيّ في النصوص العبريّة لقرون. نشأ هذا التأثير مع إعادة اكتشاف العهد القديم خلال الثورة الإصلاحيّة، وبرز مع تطّور اللاهوت الكالفِني (الذي ركّز على الاستمراريّة بين التدبيرَين القديم والجديد للنعمة الإلهيّة)، وجُعِل أكثر أهمّيّة بسبب التشابه التاريخيّ بين التجربتين الأميركيّة الحديثة والعبرانيّة العريقة؛ وبالنتيجة، صارت لغة وأبطال وأفكار العهد القديم نافذةً في النفس الأميركيّة.
كان تدريس العبريّة الإنجيليّة إلزاميًّا لفترة طويلة من تاريخ الولايات المتّحدة في جامعات كولومبيا، ودارتماوث، وهارفرد، وبرنستون، ويال. جايمس ماديسون أكمل دراسته في برنستون في سنتين ولكنّه بقي سنةً إضافيّةً ليدرس العبريّة. كان المبشّرون وموزّعو الكرّاسات الكولونياليّون يصفون أميركا، مرّةً إثر أخرى، ككنعان جديدة، “أرض تفيض عسلًا ولبنًا،” ويذكّرون مستمعيهم بأنّه كما خسر العبرانيّون البركات لأنّهم أغضبوا الربّ، فإنّ الأميركيّون سيعانون إذا عصوا الربّ الذي قادهم إلى الأرض الموعودة. اليوم أيضًا، تتخلّل الإحالات إلى العهد القديم الكتابات والخطابات وحتّى الجغرافيا السياسيّة الأميركيّة – يوجد أكثر من ألف مدينة وقرية في الولايات المتّحدة يشتقّ اسمها من الكتاب المقدّس.
إنّ التعبير الأكثر دراماتيكيّة عن أهمّيّة العهد القديم في الثقافة الأميركيّة اليوم يتمثّل بصعود التدبيريّة، تفسير لنبوءات العهد القديم يعطي وزنًا خاصًّا لمفاهيمه الدينيّة مثل لاهوت العهد ويعزو دورًا حاسمًا لدولة يهوديّة مستعادة (عاصمتها القدس) في مستقبل التاريخ. يبدو أنّ سبعة بالمئة من الأميركيّين يلتزمون هذا الموقف اللاهوتيّ (ما يجعل هذه المجموعة أكبر بأربع مرّات من الجماعة اليهوديّة الأميركيّة)، ويتأثّر بهم عدد أكبر من الأميركيّين بدرجة أكثر أو أقلّ. المؤيّدون لهذه الرؤية عادةً (ولكن ليس دائمًا) ما يشتركون مع اليهود الأرثوذكس في رؤيتهم بأنّ على اليهود أن يصرّوا على دولة تتضمّن كلّ المنطقة الموعودة للعبرانيّين؛ يعارضون كلّ تسوية مناطقيّة مع الفلسطينيّين ويدعمون المستوطنات اليهوديّة في الضفّة الغربيّة. ولكنّ هذا هو رأي الأقلّيّة، حتّى ضمن مؤيّدي إسرائيل.
ترتبط الصهيونيّة المسيحيّة التقدّميّة، من ناحية أخرى، بالأخلاق المسيحيّة أكثر من ارتباطها بالنبوءة. إنّها مرتبطة بمعظمها بالشعور بالذنب والإحساس بأنّ معاملة المسيحيّين السيّئة لليهود في الماضي تمنعهم من تقبّل المسيحيّة. لأكثر من ألف عام عانى يهود أوروبّا من وحشيّة فظيعة وفي بعض الأحيان لا توصف على أيدي المسيحيّين الأوروبّيّين. ومع أنّ بعض البروتستانت الأميركان أيّدوا هذا التاريخ من التعصّب ومعاداة الساميّة، فإنّ العديد من البروتستانت الأميركيّين الليبراليّين من القرن التاسع عشر فصاعدًا رأوا أنّ رفض هذا التاريخ يشكّل إحدى المهمّات المحدِّدة لهويّة الكنيسة الأميركيّة الإصلاحيّة والتنويريّة. كان بإمكان هؤلاء البروتستانت (وفعلوا ذلك بارتياح) أن يستنكروا معاداة الساميّة الكاثوليكيّة كنتيجة لفساد الكنيسة البابويّة غير المأسوف عليه، ولكن لم يكن سهلًا التخلّص من الكلمات والمآثر المعادية للساميّة لمصلحين كمارتِن لوثر. اعتبر العديد من أتباع الكنائس الأميركيّة البروتستانتيّة الليبراليّة أنّ واجبهم المقدّس في إكمال الثورة الإصلاحيّة يكمن في تخليص المسيحيّة من مخلّفات معالمها “القروسطيّة”، مثل المعتقدات الخرافيّة، والتعصّب الأعمى، ومعاداة الساميّة. ولطالما شكّل التعويض عن خطايا الماضي بحماية اليهود اختبارًا دينيًّا مهمًّا للعديد من البروتستانت الأميركيّين (وليس كلّهم قطعًا).
في المقابل، لم يشعر معظم المسيحيّين الأميركيّين بشيء من الذنب تجاه علاقات جماعتهم التاريخيّة مع العالم الإسلاميّ. يرى العديد من المسلمين الصراع المسيحيّ-الإسلاميّ خلال الألفيّة الأخيرة كظاهرة ثابتة ومتجانسة؛ الأميركيّون البروتستانت يخالفونهم في ذلك. إنّهم يستنكرون وحشيّة الحملات الصليبيّة ومبدأ الحرب المقدّسة، مثلًا، ويعتبرونها أخطاءً كاثوليكيّة وليست أخطاءً مسيحيّة عامّة، وبأيّ حال فإنّهم ينظرون إلى الحملات الصليبيّة كمسألة قديمة وكردّ فعل على اعتداءات إسلاميّة سابقة. هم يرفضون أيضًا ضراوة القوى الأوروبّيّة في القرون القريبة، ولكن يعتبرونها مدفوعةً من إمبرياليّة العالم القديم وليس من المسيحيّة وبالتالي لا يتحمّلون أيّ مسؤوليّة تجاهها. (ثمّة استثناء مهمّ يستحقّ الذكر: نسجت العديد من الإرساليّات الأميركيّة الناشطة في الشرق الأوسط علاقات عميقة مع سكّان المنطقة العرب ودعمت بقوّة القوميّة العربيّة، لبغضها للكولونياليّة الأوروبّيّة ولأملها بأنّ حركة قوميّة علمانيّة ستحسّن موقف المسيحيّين العرب. هذه الجماعة التبشيريّة ساهمت في تطوّر الفرقة العربويّة Arabist في وزارة الخارجيّة وفي الارتداد الذي حصل في التيّارات الرئيسيّة للكنائس البروتستانتيّة ضدّ السياسات الإسرائيليّة بعد حرب 1967).
مع حلول عام 1948، شعر العديد من المسيحيّين في الولايات المتّحدة بعبئ ثقيل من الدين والواجب التاريخيّ تجاه اليهود ولكن ليس تجاه المسلمين. إن كان ثمّة شيء، فقد آمنوا بأنّ العالم الإسلاميّ هو المدين للإرساليّات المسيحيّة الأميركيّة لتأسيسها العديد من المستشفيات والجامعات الرائدة وللدعم المسيحيّ الأميركيّ قبل وبعد الحرب العالميّة الثانية الذي ساهم في ظهور الدول العربيّة والمسلمة المستقلّة.
أبناء عم مُختارون
إنّ إحساس الولايات المتّحدة بهويّتها ومهمّتها في العالم قد تَشكّل من خلال قراءات في التاريخ والفكر العبرانيّ. عبّر الكاتب هِرمان مِلفيل[7][7] عن هذه الرؤية، كما يلي: “نحن الأميركيّون شعب مختار، وذو خصوصيّة – نحن إسرائيلُ زماننا؛ نحن نحمل قوس الحرّيّات في العالم”. من زمن التطهّريّين[8][8] إلى يومنا هذا، رأى الكهنة، والمفكّرون، والسياسيّون في الولايات المتّحدة – العلمانيّون كما المتديّنين، الليبراليّون كما المحافظين – الشعب الأميركيّ كشعب مختار، مرتبط بقَدَره وبمجموعة من العقائد أكثر من ارتباطة بالدم. آمن الأميركيّون بأنّ الله (أو التاريخ) قد أتى بهم إلى أرض جديدة وجعلهم أغنياء وعظماء وأنّ استمرار رخائهم يعتمد على إنجاز تعهّداتهم تجاه الله أو تجاه المبادئ التي جعلتهم مباركين إلى الآن. إهمال هذه المبادئ – التوجّه نحو العِجل الذهبيّ – سوف يجلب إليهم البلاء.
نظر كلّ من الأميركيّين المتديّنين وغير المتديّنين إلى النصوص العبرانيّة بحثًا عن نموذج لشعبٍ تميّز بمهمّته ودُعي إلى قَدَرٍ يغيّر العالم. هل كانت الأرض التي سكنها الأميركيّون تعود إلى غيرهم؟ نعم، ولكنّ العبرانيّين أيضًا احتلّوا أرض الكنعانيّين. هل استطاعت المستوطنات الأميركيّة الصغيرة جدًّا والمسلّحة فقط بعدالة قضيّتها أن تهزم أعظم أمبراطوريّة في العالم؟ كذلك صرع داوود، الراعي الوضيع، جالوت. هل كان الأميركيّون في القرن التاسع عشر منبوذين ويُزدرى بِهِم لِمُثُلهم الديمقراطيّة؟ هكذا كان العبرانيّون مُحاطين بالوثنيّين. هل هزم الأميركيّون أعداءهم في الداخل والخارج؟ هكذا، بحسب النصوص المقدّسة، انتصر العبرانيّون. وعندما احتجز الأميركيّون الملايين من العبيد في انتهاك لمبادئهم، ألم يُعاقبوا ويُبتلوا؟ بلى، وبكثير شبه مع العبرانيّين، عانوا من نتائج خطاياهم أمام الله.
إنّ الفهم الخرافيّ لطبيعة الولايات المتّحدة وقَدَرِها هو واحد من أكثر العوامل قوّةً وثباتًا في الفكر والثقافة الأميركيّة. يؤمن العديد من الأميركيّين اليوم، كما فعل العبرانيّون القدامى، بأنّهم يحملون وحيًا ليس لهم لوحدهم في النهاية بل لكلّ العالم؛ لطالما اعتبروا أنفسهم إسرائيلَ الله الجديدة. إحدى النتائج العديدة لهذه القرابة، اعتبارُ العديد من الأميركيّين بأن على الشعوب المختارة أن تساعد بعضها. لا يزعجهم أنّ تأييد الولايات المتّحدة لإسرائيل، الشعب والدولة المعزولة والمنبوذة، يجعلها غير محبوبة ويخلق لها المشاكل. إنّ تبني الولايات المتّحدة لدور حامي إسرائيل وصديق اليهود هو إحدى وسائل شرعنة وضعها كدولة دُعِيَت لقَدَرٍ فريد من قِبَل الله.
أكثر من ذلك، اعتبرت الولايات المتّحدة، منذ القرن التاسع عشر، نفسها وكيلًا لله في حماية وافتداء اليهود. آمن الأميركيّون بأنّ اليهود سينبثقون من ظروفهم المنحطّة إذا ما انتقلوا من أحياء البؤس إلى الريف – تمامًا كما بنى الأميركيّون المهاجرون من كلّ أوروبّا حياةً أفضل وشخصيّةً أصلب كمزارعين جيفرسونيّين[9][9]. أمّا المسيحيّون الليبراليّون كآدامز فقد أملوا بأنّ هذا سوف يرفع اليهود مع الوقت إلى نور البروتستانتيّة الليبراليّة كجزء من حركة النهوض البشريّة العامّة. أمّا الصهاينة التنبؤيّون فقد أملوا بأن تتسبّب الاهتداءات الواسعة لليهود إلى المسيحيّة في إطلاق عجلة نهاية العالم وعودة المسيح. بكلا الحالين، فإنّ دور الولايات المتّحدة في عودة اليهود قد حقّق توقّعات الأميركيّين المسيحيّين حول حركة التاريخ وثبت معتقداتهم بشأن هويّة الولايات المتّحدة ودورها.
دول استيطانيّة
تشترك الولايات المتّحدة واسرائيل أيضًا بوضعيّتهما كدول استيطانيّة – دول تشكّلت من شعوب أتت لتسيطر على أراضيها الحاليّة بعد إزاحة السكان الأصليّين. كِلتا الدولتين تأثّرتا بقوّة بتاريخ من الصراع والمواجهة مع الّذين أزاحوهم، وكلتاهما رامتا تبريرات من مصادر مشابهة. انصرف الأميركيّون والإسرائيليّون بشكل أساسيّ إلى العهد القديم الذي تروي أوراقه المقدّسة قصّة الصراع بين العبرانيّين القدامى والكنعانيّين، السكّان السابقين للأرض التي آمن العبرانيّون بأنّهم وُعِدوا بها. وجد الأميركيّون فكرةَ أنّهم إسرائيل الله الجديدة جذّابةً للغاية لأنّها ساعدتهم على تبرير إزاحتهم للأميركيّين الأصليّين. كما عبّر ثيودور روزفلت في كتابه الواسع الانتشار عن تاريخ الغرب الأميركيّ،
عديدون من أفضل حمّالي الحطب[10][10] كانوا من قرّاء الإنجيل، ولكنّهم نشأوا في كنف مذهب استفاد الكثير من العهد القديم، وركّز قليلًا على مبادئ الشفقة، والحقيقة، والرحمة. لقد نظروا إلى خصومهم كما نظر الأنبياء العبرانيّون إلى أعداء إسرائيل. ما هي القبائح التي ارتكبها الكنعانيّون ليدمَّروا أمام يوشع، مقارنةً مع قبائح المتوحّشين الحمر الذين يجب أن يرث هؤلاء، شعبٌ مختار آخر، أراضيهم؟.
(روزفلت نفسه، كما أبناء عمّه فرانكلين وإليانور، كان صهيونيًّا مسيحيًّا. كتب في عام 1918، “يبدو لي من المناسب تمامًا أن نبدأ بدولة صهيونيّة حول القدس”).
إلى جانب الوعد الإلهيّ المباشر، تقدّم الأميركيّون بتبريرين مهمّين آخرين في نزاعهم مع الأميركيّين الأصليّين، هما مبدأ التوسّع في “أراضٍ فارغة” وعقيدة جون لوك ذات الصلة “الاستعمال العادل”، والذي جادل بأنّ الملكيّة غير المستعملة مهدورة وتشكّل إهانةً للطبيعة. شعر المستوطنون الأميركيّون بأنّ الّذين يحسّنون الأرض، ويستوطنونها بكثافة من خلال المزارع الشاسعة وبناء القرى هم أصحاب الحقّ الحقيقيّ بامتلاكها. دافع جون كوينسي آدامز[11][11] عن هذه القضيّة عام 1802: “هل يجب أن يفرضوا ]الهنود[ العزلة الأبديّة على مناطق واسعة من الكرة الأرضيّة…؟” وحذّر توماس جيفرسون بأنّ الأميركيين الأصليّين الذين فشلوا في التعلّم من البيض والانخراط في الزراعة المنتجة سوف يواجهون مصيرًا مروِّعًا. سوف “يرتدّون الى البربريّة والبؤس، يخسرون أعدادهم في الحرب والحاجة، وسوف نكون مضطرّين أن ندفعهم، مع وحوش الغابات، إلى الجبال الصخريّة”.
في تاريخ الولايات المتّحدة، لم تتردّد أصداء هذه الرؤى بين حمّالي الحطب فحسب بل أيضًا بين المواطنين الليبراليّين والمثقّفين. لقد كان لهذه الحجج معنىً خاصّ عندما يتعلّق الأمر بالأرض المقدّسة. كلّما تمعّن الأميركيّون الورعون في أمجاد القدس القديمة وهيكل سليمان، تصوّروا أرضًا خصبة ورائعة – “أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا”، كما يصفها الإنجيل. ولكن في القرن التاسع عشر، عندما بدأ العشرات، ثمّ المئات، وفي النهاية الآلاف من الأميركيّين بزيارة الأرض المقدّسة – كان يحتشد الملايين للاستماع إلى محاضرات وتقارير عن هذه الزيارات – لم يكن ثمّة الكثير من العسل أو اللبن؛ كانت فلسطين من أفقر المقاطعات العثمانيّة وأكثرها تخلُّفًا وخرابًا. للعين الأميركيّة، كانت تلال يهوذا وحقولها الصخريّة جرداء ومُقفرة – اعتبر كثيرون بأنّ الله قد لعن الأرض عندما أرسل اليهود في النفي الثاني، الذي رأوه عقابًا لليهود لفشلهم في الاعتراف بيسوع كالمسيح المخلّص. وهكذا آمن الأميركيّون بأنّ اليهود ينتمون إلى الأرض المقدّسة، وبأنّ الأرض المقدّسة تنتمي إلى اليهود. لن يزدهر اليهود إلّا إذا عادوا إلى موطنهم وكانوا أحرارًا، والأرض لن تُزهر إلّا عند عودة أصحابها الشرعيّين.
شبّه النبيّ أشعيا عودة اليهود المستقبليّة إلى موطنهم بنعمة الله التي تجلب الماء إلى الأرض الصحراويّة. وشاهد الأميركيّون عودة الخصوبة إلى الأرض نتيجة جهود المستوطنين الصهاينة بدهشةِ من يرى النبوءة الإنجيليّة تتحقّق أمام ناظريه. “إنّ ينابيع النشاط الاستيطانيّ اليهوديّ، المغذّاة بوفرة من مال يهود العالم، بدأت تتدفّق في الصحراء”، كتبت مجلّة التايمز في 1946، مردّدة صدى لغة أشعيا. بعد سنتين، إثر الانتصار اليهوديّ في حرب 1948، وصفت المجلّة العرب بأوصاف توجب الشجب اليوم ولكنّها مثّلت في حينها التصوّر الأميركيّ:
يميل العالم الغربيّ إلى التفكير بالعرب كمحاربين بعيونٍ كالصقور على صهوات الخيل. هذا العربيّ ما زال موجودًا، ولكنّه أقلّ بكثير من البائسين المرضى المستلقين على قارعة الطرق الحارّة، جدُّ ضعفاء، مرضى وبلا غاية ليحملوا أنفسهم إلى الظلّ.
رأى الأميركيّون صراعًا بين شعب متخلّف وضعيف وشعب قادر على الاستيطان في البرّيّة وجعلها تُزهر، مُحقّقًا بإعجاز نبوءات قديمة عن دولة يهوديّة.
لطالما اعتُبر اليهود أكثر شعوب شرق أوروبّا بؤسًا: جهلة، ومحرومون، ومتمسّكون بالخرافات، وممزقون، ومشاغبون، وخارج الزمن بشكل ميؤوس منه. أن يقوم هذا الشعب، بعد خضوعه لوحشيّة غير مسبوقة على يد النازيّين، بتأسيس أوّل ديمقراطيّة مستقرّة في الشرق الأوسط، وبناء اقتصاد مزدهر في قلب الصحراء، وهزيمة أعداءٍ جيوشُهم أكبر وأقوى بمرّات من جيشهم مرّة بعد مرّة، بدا كلّ هذا للأميركيّين كدليل تاريخيّ لافت على أحقّيّة أحبِّ مُثُلهم إليهم.
المنعطف إلى اليمين
رغم أنّ الدعم المسيحيّ لإسرائيل في الولايات المتّحدة ظلّ قويًّا وربّما ازداد منذ الحرب العالميّة الثانية، إلّا أنّ طابعه قد تغيّر. حتّى حرب الستّة أيّام، كان الدعم لإسرائيل يأتي بمعظمه من اليسار السياسيّ وكان عادةً أقوى في صفوف الديمقراطيّين منه في صفوف الجمهوريّين. الوجوه الليبراليّة البارزة مثل إليانور روزفلت، وراينولد نيبور، ومارتن لوثر كينغ الإبن، كانت من الأصوات المهمّة في دعوة الولايات المتّحدة لدعم اسرائيل. ولكن منذ 1967، خفّ الدعم الليبراليّ لإسرائيل تدريجيًّا، وارتفع الدعم المحافظ.
في الأربعينات، اجتمعت عدّة عوامل لتجعل الصهيونيّة المسيحيّة التقدّميّة قوّةً فاعلةً في السياسة الأميركيّة، وخاصّةً في اليسار. أوّلًا، كان وقع الهولوكوست على البروتستانتيّة استثنائيًّا. كانت ألمانيا قد أمّنت قيادةً فكريّةً للكنيسة البروتستانتيّة، وصدم الترحيب المُذعن الذي قابلت به معظم الكنائس والأبرشيّات البروتستانتيّة الألمانيّة الحكم النازيّ البروتستانتيّةَ الأميركيّة في الصميم. أصبح البروتستانتيّون الألمان الّذين حاربوا النازية أبطالًا أخلاقيّين ولاهوتيّين في الولايات المتّحدة بعد الحرب، وأصبحت معارضة معاداة الساميّة الاختبار الرئيسيّ الذي يقيس بواسطته الأميركيّون البروتستانت أنفسهم وقادتهم. جعلت هذه الصدمة العميقة ردّة فعلهم الإنسانيّة لدى اتّضاح أمر معسكرات التعذيب والقتل الجماعيّ أكثر حدّة. إنّ عذابات اليهود المشرّدين، والجائعين، والمقهورين في فوضى أوروبّا ما بعد الحرب، حتّمت على البروتستانت الأميركيّين، الّذين كانوا يطالبون بحقوق اليهود طيلة قرن كامل، أن يدعموا بحماسة الخطوات التي رأوا أنّها تؤمّن سلامة يهود أوروبّا.
العامل الثاني كان دعم الأميركيّين الإفريقيّين لليهود في وقتٍ كان السود قد بدأوا بلعب دور أكبر في السياسات الانتخابيّة الأميركيّة. خلال الثلاثينات، تابعت الصحافة الأميركيّة الإفريقيّة في الولايات المتّحدة كلّها وعن قرب، فرض سياسات هتلر العنصريّة. لم يُضِع القادة السود فرصة في الإشارة إلى التشابه بين معاملة هتلر لليهود وقوانين جيم كرو في جنوب الولايات المتّحدة المنفصل. بالنسبة للسود، كان اضطهاد اليهود واضحًا عندهم من خلال تجربتهم اليوميّة الخاصّة. وكذلك زوّدهم هذا الاضطهاد بنقاط كلاميّة مهمّة ليقنعوا من خلالها البيض بأنّ التمييز العنصريّ يخالف المبادئ الأميركيّة، وهذا ما ساعد بالتالي على بناء علاقة قويّة بين اليهود الأميركيّين وحركة الحقوق المدنيّة التي وُجدت عام 1945 إثر موت كينغ. حتّى خلال الحرب العالميّة الثانية، دَعَم ناشطون سود من أمثال ويليام دي بوا، زورا نيل هيرستون، لانغستون هيوز، وفيليب راندولف ما أصبح لاحقًا حزب الليكود الإسرائيليّ في جهده لبناء جيش يهوديّ. ذهب قائد حركة الحقوق المدنيّة، آدم كلايتون باول الإبن، أبعد من ذلك حين جمع 150,000$ لمليشيا الإرغون زفاي لومي الصهيونيّة – والتي وصفها بـ”المنظّمة الإرهابيّة السرّيّة في فلسطين” – في احتفال في مدينة نيويورك.
كما كان دعم الاتّحاد السوفياتيّ لدولة إسرائيل المستقلّة مساعدًا. في يالطا، أطلع جوزف ستالين فرانكلين روزفلت بأنّه هو أيضًا صهيونيّ، وفي أيّار 1947، أعلن وزير الخارجيّة السوفياتيّ أندراي غروميكو أمام الأمم المتّحدة بأنّ الاتّحاد السوفياتيّ يدعم تأسيس دولة يهوديّة. هذا الدعم، مهما قصُر عمره، عزّز رؤية العديد من اليساريّين الأميركيّين بأنّ تأسيس وطن لليهود كان جزءًا من الصراع العامّ في سبيل التقدّم حول العالم. بالفعل، في العقود التي تلت الحرب، رأى العديد من الليبراليّين الأميركيّين دعمهم لإسرائيل كجزء من التزامهم بالحرّيّة، معاداة الاستعمار (كان يهود فلسطين يرومون الاستقلال عن البريطانيّين)، الصراع ضدّ التمييز العرقيّ والدينيّ، والعلمانيّة، والإنسانويّة، والتقليد التقدّميّ في السياسات الأميركيّة. بدت إسرائيل حينها تجربة علمانيّة مثاليّة في الديمقراطيّة الاجتماعيّة؛ ذهب الأميركيّون اليهود والأميركيّون المسيحيّون سواء إلى إسرائيل ليختبروا الحياة المنعشة من العمل والألفة في الكيبوتز. وبالتالي، عندما قرّر ترومان تأييد تأسيس إسرائيل في 1948، لم يكن يفكّر فقط في الأصوات اليهوديّة. دعم إسرائيل كان شعبيًّا بين السود في الشمال، الّذين انجذبوا إلى الحزب الديمقراطيّ من خلال الصفقة الجديدة[12][12] وحركة ترومان البطيئة باتّجاه دعم الحرّيّات المدنيّة. ساعدت قضيّة إسرائيل في جذب الناخبين من اليسار الّذين كانوا ميّالين إلى دعم هنري والاس والتقدّميّين. وكذلك ساعدت ترومان في المنافسة على الناخبين المحافظين، وروّاد الكنيسة، وقرّاء الإنجيل ضدّ إنفصاليّي ستروم ثيرموند في الجنوب. كان الدعم لإسرائيل، في الواقع، أحد المسائل التي ساعدت على إبقاء التحالف الانتخابيّ الديمقراطيّ قائمًا.
ولكنّ قاعدة الدعم لإسرائيل قد غيّرت اتّجاهها منذ حرب 1967: بدأ الدعم لإسرائيل يضعف في اليسار وينمو في اليمين. في اليسار، بدأ يظهر نوع من النفور من سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلّة وتقلُّص في الاهتمام بأمن إسرائيل بعد انتصارها في الحرب، ما جعل الكثير من الأميركيّين الإفريقيّين، والبروتستانتيّين، والمفكّرين الليبراليّين، يتعاطفون أكثر مع الرؤى الفلسطينيّة. إنّ تزايد التماهي، من جانب السود مع الحركات المناهضة للاستعمار، وتآكل التحالف الداخليّ بين السود واليهود، إضافةً إلى صعود نجم شخصيّات كمالكوم إكس وقادة أمّة الإسلام، قلّص تدريجيًّا من الدعم لإسرائيل بين الأميركيّين من أصل إفريقيّ. أمّا الكنائس البروتستانتيّة الليبراليّة، من جانبها، فقد أصبحت أكثر تقبّلًا لوجهات نظر الإرساليّات المتعاطفة مع القوميّة العربيّة، كما أنّ أكثر الكنائس أصبحت أكثر نقدًا للأفكار الأميركيّة التقليديّة حول هويّة وقَدَر الولايات المتّحدة، ونأت بنفسها بدرجة أكبر عن القراءات التقليديّة للعهد القديم. (في المقابل، فقد تحسّنت العلاقات بين الأميركيّين الكاثوليك واليهود بعد حرب 1967، بدرجة كبيرة بسبب مقاربة الكنيسة الكاثوليكيّة الجديدة لليهود بعد المجمع الفاتيكانيّ الثاني).
في اليمين، كان التحوّل الأكثر لفتًا للنظر منذ 1967 في اشتداد الدعم لإسرائيل في صفوف المسيحيّين الإنجيليّين، وبشكل أعمّ، في صفوف من أسميتُهم بالناخبين “الجاكسونيّين”[13][13] في قلب الولايات المتّحدة. الجاكسونيّون هم ناخبون قوميّون-شعبويّون يدعمون بناء القوّة العسكريّة الأميركيّة ويتملّكهم شكّ حول المنظّمات الدوليّة ومنظّمات الإغاثة الإنسانيّة. ليس كلّ الإنجيليّين من الجاكسونيّين، وليس كلّ الجاكسونيّين من الإنجيليّين، ولكن ثمّة تداخل بين الدائرتين. العديد من البيض الجنوبيّين هم جاكسونيّون؛ وكذلك الأمر بالنسبة للناخبين المتأرجحين في الشمال المعروفين كديمقراطيّين رايغنيّين[14][14]. شكّل العديد من الجاكسونيّين وجهات نظر سلبيّة عن العرب خلال الحرب الباردة. لقد لاحظوا أنّ الفلسطينيّين والعرب يميلون إلى الوقوف بجانب الاتّحاد السوفياتيّ وحركة عدم الانحياز ضدّ الولايات المتّحدة. لقد تعاطى المصريّون مع الدعم الأميركيّ لهم في أزمة السويس عام 1956 بالاتّجاه نحو السوفيات في طلب الدعم والسلاح، وساعدت الأسلحة والخبراء السوفيات الجيوش العربيّة في التحضير للحروب ضدّ اسرائيل. يميل الجاكسونيّون إلى رؤية العلاقات الدوليّة من موشورهم[15][15] الخاصّ، وإذ انجلت الأحداث في الشرق الأوسط منذ 1967، فقد أصبحوا أكثر تعاطفًا مع إسرائيل في الوقت الذي كان العديد من المراقبين غير الجاكسونيّين في الولايات المتّحدة – والعديد من الناس في بقيّة العالم – أقلّ تعاطفًا. لقد أعادت حرب الستّة أيّام اهتمام الصهاينة التنبّؤيّون بإسرائيل وعمّقت الترابطات المتخيّلة بين اسرائيل والولايات المتّحدة عند الجاكسونيّين. بعد الحرب الباردة، وجد الجاكسونيّون أنّ خصوم الولايات المتّحدة في المنطقة، كالعراق وإيران، هم أكثر أعداء إسرائيل صخبًا أيضًا.
يقدّر الجاكسونيّون الانتصار، والانتصار الشامل هو أفضل الأنواع. إنّ الانتصار الساحق والجارف للجيش الإسرائيليّ عام 1967 ضدّ جيوش متفوّقة عدديًّا من ثلاث دول قد أسر مخيّلة الجاكسونيّين – في وقت كان أداء الولايات المتّحدة السيّء في فييتنام قد جعل الكثيرين منهم متشائمين حول مستقبل بلدهم. من يومها، فإنّ بعض الأفعال التي كانت تضرّ بصورة إسرائيل في العالم – من قبيل ردّات الفعل غير المتكافئة في الظاهر على الإرهاب الفلسطينيّ – كانت تزيد من التأييد لها في صفوف الجاكسونيّين.
عندما تضرب بضعة صواريخ من غزّة إلى إسرائيل، فإنّ إسرائيل تردّ أحيانًا بالمزيد من القوّة الناريّة، والمزيد من الدمار، والمزيد من الضحايا. في معظم بلدان العالم، يرون ذلك كانتقام مُفرط، كإساءة مساوية أو حتّى أكبر من الهجوم الأصليّ. أمّا الجاكسونيّون فيرون الهجوم الصاروخيّ الفلسطينيّ على أهداف إسرائيليّة كعمل إرهابيّ ويؤمنون بأنّ لإسرائيل حقّ مطلق، وربّما حتّى واجب، في الردّ بكلّ القوّة التي أوتيت. منذ الخمسينات، عندما كان المغيرون الفلسطينيّون يتسلّلون عبر خطوط وقف النار لياهجموا المستوطنات الإسرائيليّة، فإنّ العديد من الفلسطينيّين والعرب كانوا يرون في ذلك، مع بعض التبرير، أعمالًا في غاية الشجاعة في وجه قوّة هائلة. ولكن هكذا اعتداءات متسلّلة ضد أهداف مدنيّة، وخاصّة من خلال التفجيرات الانتحاريّة، تنتهك الأفكار الجاكسونيّة الرئيسة حول الحرب المتحضّرة. ويعتقد الجاكسونيّون بأنّ الردّ الصاعق والشامل ضدّ هكذا تكتيكات هو وحده الكفيل بردع المهاجمين. فهكذا عالج سكّان الحدود الأميركيّين أمر الأميركيّين الأصليّين، وهكذا “أدّب” جنرال الاتّحاد ويليام شيرمان الكونفدراليّين، وهكذا ردّ الجنرال ماك آرثر وترومان على اليابانيّين بسبب بيرل هاربر. في الأصل، لا يستطيع الجاكسونيّون أن يستوعبوا لماذا ينتقد العالم إسرائيل لممارستها ما يرونه حقّها غير القابل للمساءلة في الدفاع عن النفس – لفعلها بالضبط ما قد يفعلونه إن كانوا في مكانها.
في عيون الفلسطينيّين وأنصارهم، فإنّ الفلسطينيّين – المشرّدين، والمهمّشين، والمحتلّين، والمنقسمين – هم أبطال في مواجهتم جبروت قوّة عظمى إقليميّة مدعومة من أقوى أمّة على وجه الأرض. ولكنّ إسرائيل بالنسبة للجاكسونيّين، رغم قوتها كلّها وانتصاراتها كلّها، تبقى داوود المُهدَّد، والمُحاصر من قبل الأعداء. إنّ واقع أنّ العرب وجماعة المليار مسلم يدعمون الفلسطينيّين، وإن كلاميًّا، يعمّق الاعتقاد الجاكسونيّ بأنّ إسرائيل بلد صغير وسهل التعرّض ويستحقّ المساعدة. ما يثير التهكّم أنّ أعظم الانتصارات العسكريّة والسياسيّة للحركة الفلسطينيّة – تطوير مقاومة مسلّحة ناشطة، وكسب دعم (بلاغيّ بمعظمه) مؤسّسات من قبيل الجامعة العربيّة واللجنة العموميّة، وانتقال القاعدة للمقاومة الفلسطينيّة من القوميّة العلمانيّة إلى الدين، وكسب دعم قوى إقليميّة من قبيل عراق صدّام وإيران اليوم – قد انتهت إلى تقوية وتعميق الدعم المسيحيّ الأميركيّ للدولة اليهوديّة.
الأخوّة المسيحيّة
عامل مهمّ آخر ساعد على زيادة التأييد الأميركيّ لإسرائيل هو أنّه منذ 1967 اكتسحت مجموعة من الإحياءات الدينيّة الولايات المتّحدة، مع عواقب مهمّة للرأي العامّ تجاه الشرق الأوسط. كانت إحدى النتائج أنّ الكنائس البروتستانتيّة الليبراليّة النقديّة تجاه إسرائيل، خسرت التأثير السياسيّ والاجتماعيّ. نتيجة أخرى كانت الازدياد المهمّ في الصهيونيّة النبوئيّة، مع الإنجيليّة والأصوليّة المسيحيّة المهتمّة اليوم أكثر بالنبوءة الإنجيليّة ودور إسرائيل في التحضير للأحداث المؤدّية إلى نهاية الزمان.
لم يُظهر العديد من الإنجيليّين والمسيحيّين الأصوليّين الكثير من الاهتمام بإسرائيل مباشرةً بعد استقلالها. لقد توقّعت النبوءة الإنجيليّة بوضوح، بحسب فهمهم، أنّ اليهود سوف يعيدون بناء الهيكل في موقعه الأصليّ، وبما أنّ الأراضي المقدّسة كانت بعدُ بيد العرب، فقد بدا لهم أنّ العدّ العكسيّ لنهاية الزمان قد تباطأ قليلًا. في هذه الأثناء، كانت اسرائيل العلمانيّة والشبه-اجتماعيّة (سوسياليّة) في الخمسينات أقلّ جاذبيّةً للمسيحيّين الأصوليّين مقارنةً مع الليبراليّين. بتركيزهم على التهديد الشيوعيّ في سنوات الذروة للحرب الباردة، كان الإنجيليّون والمسيحيّون الأصوليّون أقلّ انخراطًا في سياسة الولايات المتّحدة الشرق أوسطيّة ممّا كانوا عليه في القرن التاسع عشر.
غيّرت حرب الستّة أيام ذلك؛ لقد كانت المادّةَ المحفّزة لكلّ من حركة الصحوة الإنجيليّة وتجديد الصهيونيّة التنبّؤيّة. إنّ سرعة وقرار انتصار اسرائيل ظهرا كإعجازيّين للعديد من الأميركيّين، وعنى فتح المدينة القديمة بأنّ موقع الهيكل صار في عهدة اليهود. واستثار الإحساس بقرب نهاية الزمان الزخم المطلوب للإحياءات الدينيّة الأميركيّة التي بدأت في تلك الفترة. منذ ذلك الوقت، زوّدت مجموعة من الكتب الأكثر مبيعًا، الخياليّة وغير الخياليّة، ملايين الأميركيّين بإمكانيّة أنّ النبوءة كما ذُكرت في العهدين القديم والجديد تتجلّى اليوم في الشرق الأوسط.
ومنذ نهاية الحرب الباردة، ظهرت قوّة جديدة متّنت الروابط بين دولة إسرائيل والعديد من المسيحيّين المحافظين الأميركيّين. في الوقت الذي أعطت فيه الإحيائيّة الدينيّة قوّةً وطاقةً للكنائس الإنجيليّة والأصوليّة، اتّجهت أبصار هذه الكنائس تلقاء الخارج. قادت الإحياءات في الماضي إلى موجات من الاهتمام والنشاط التبشيريّ الشديد؛ الإحيائيّة الحاليّة ليست مختلفة. وفي حين بدأت المسيحيّة الأميركيّة تهتمّ أكثر لأمر المسيحيّين في العالم، واجهت أهمّ خصم للمسيحيّة، على الإطلاق، الإسلام. ولاحظت أنّ الظروف التي تواجه المسيحيّين في البلدان ذات الأكثريّة المسلمة ليست جيّدة.
الاهتمام باضطهاد المسيحيّين حول العالم هو سمة مميِّزة للمسيحيّة بشكل عامّ وليس فقط في الولايات المتّحدة. القادة الكنسيّين نفسهم الّذين بذلوا جهودًا للدفاع عن اليهود في السلطنة العثمانيّة وأوروبّا الشرقيّة، انخرطوا في حملات لحماية المسيحيّين في الصين، وكوريا، واليابان، والسلطنة العثمانيّة، من بين أماكن أخرى. دفع صعود الشيوعيّة في القرن العشرين كأعتى عدوّ للدين بالمسيحيّين الأميركيّين إلى بناء منظّمات تهدف إلى تأييد المؤمنين خلف الستار الحديديّ. ولكنّ اضطهاد الشيوعيّين للمسيحيّين تقلّص منذ 1989 (رغم أنّه لم يختفِ) ، وبهذا انتقل مركز الاهتمام إلى العالم الإسلاميّ، حيث يعاني المسيحيّون وأصحاب الديانات الأخرى وغير المتديّنين من تمييز قانونيّ واجتماعيّ – وحيث، في بعض المرّات، يُقتل المسيحيّون ويُضربون من أجل ما يؤمنون به. إضافةً إلى ذلك، فإنّ القوانين في كثير من البلدان الإسلاميّة تمنع الإرشاد وتحوّل الأفراد إلى أديان أخرى – وهذه مسألة غايةً في الأهمّيّة بالنسبة للمسيحيّين الإنجيليّين، الّذين يؤمنون بأنّ الذين يموتون من دون قبول المسيح يتعذّبون في الجحيم وأنّ نشر الإيمان المسيحيّ هو في صلب واجباتهم الأخلاقيّة. إنّ الإعلام الرئيس لا يجعل من مسألة الاضطهاد الأجنبيّ للمسيحيّين محور التركيز في تغطيته الإخباريّة، لكنّ هذا لا يمنع هذه المسألة من صياغة كيف ينظر الأميركيّون إلى الإسلام وبالعَرَض، إلى الصراع بين إسرائيل وبعض جيرانها.
إنّ الرأي الأميركيّ في الشرق الأوسط ليس موحَّدًا، كما أنّه ليس جامدًا طيلة الوقت. لقد خضع منذ 1967 لعدّة تحوّلات، مع تحوّل بعض المجموعات لتصبح أكثر تأييدًا لإسرائيل والبعض الآخر ليصبح أقل تأييدًا. الذين يقفون إلى جانب حزب الليكود من السود اليوم هم أقلّ بكثير من الذين وقفوا إلى جانب الجيش اليهوديّ في الحرب العالميّة الثانية. قد تأتي المزيد من التغيّرات. إنّ قيادةً فلسطينيّة أو عربيّة أكثر حساسيّة تجاه قيم وأولويّات الحضارة الأميركيّة قد تطوِّر تكتيكات جديدة وأكثر فعاليّة مصمّمة لإضعاف، بدل من تقوية، التأييد الأميركيّ للدولة اليهوديّة. فوقف الهجمات الإرهابيّة، مثلًا، مُضافًا إلى مقاومة مدنيّة سلميّة منضبطة ومنظّمة قد تغيّر تصوّرات الجاكسونيّين عن الكفاح الفلسطينيّ. من المحتمل جدًّا أن يقف الأميركيّون الإنجيليّون والأصوليّون خطوات كارتر من صهيونيّة في الشباب إلى ما أسماه هو موقفًا أكثر اعتدالًا الآن. ولكن إن كانت إسرائيل ستواجه أزمة ما جدّيّة، فيبدو من المرجّح أنّ الرأي العامّ سيتّجه إلى الناحية الأخرى. العديد من الأميركيّين الذين يدعون إلى سياسة أكثر اعتدالًا تجاه الفلسطينيّين، يفعلون ذلك لأنّهم يؤمنون بأنّ إسرائيل بأمان مبدئيًّا. إنْ تغيّر هذا التقدير فإنّ استطلاعات الرأي قد تُظهر مستويات أعلى من التأييد الأميركيّ لإسرائيل ممّا هي عليه الآن.
شيء واحد، على الأقلّ، يبدو واضحًا. في المستقبل، كما في الماضي، ستظلّ السياسة الأميركيّة في الشرق الأوسط مُصاغة، للأفضل أو للأسوء، من قبل الأغلبيّة الأميركيّة، وليس من قبل مؤامرات أي أقلّيّة، مهما كانت غنيّة أو مهما تورّط بعض أفرادها في العمليّة السياسيّة.
[1][16] كلمة Gentile في الأصل تعني غير اليهود أو غير العبرانيّين (من الأمم) بشكل عامّ ولكنّها لكثرة تداولها في هذا المورد أصبحت يُقصد بها المسيحيّون.
[2][17] الطريق العامّ الذي يحيط بالعاصمة واشنطن وبعض ضواحيها.
[3][18] الكنيسة المشيخيّة طائفة مسيحيّة من ضمن الكنائس البروتساتنتيّة الإصلاحيّة الغربيّة أوّل ما نشأت في سكوتلندا.
[4][19] نسبةً لمدينة ألباني عاصمة ولاية نيويورك.
[5][20] أو كنيسة يسوع لقدّيسي آخر الزمان. أسّسها جوزيف سميث عام 1830 في أميركا ويُعرف عند أتباعه بالنبيّ.
[6][21] طائفة بروتستانتيّة أسّسها جون ويسلي في بريطانيا في القرن الثامن عشر.
[7][22] هرمان ملفيل (1819-1891م) كاتب أميركي صاحب رواية “موبي ديك”.
[8][23] فرقة بروتستانتية كالفِنية تأسست في بريطانيا في القرن السادس عشر.
[9][24] نسبةً لحقبة الرئيس الأميركيّ توماس جيفرسون (1801-1809).
[10][25] عبارة تستعمل للإشارة إلى سكّان الغابات الفظّين في العادة.
[11][26] الرئيس السادس للولايات المتّحدة الأميركيّة (1825-1829) وابن الرئيس الثاني جون آدامز. من أشهر الدبلوماسيّين والمحلّلين الاستراتيجيّين في تاريخ الولايات المتّحدة.
[12][27] العنوان الذي أطلقه فرانكلين روزفلت على سلسلة من البرامج الاصلاحية والاقتصادية بين عامي 1933 و1938.
[13][28] نسبة للرئيس الأميركي اندرو جاكسون (1829-1837).
[29] [14]نسبة للرئيس الأميركي رونالد ريغان (1981-1989).
[15][30] الموشور قطعة زجاجية شفافة، تكون مثلثة الأضلاع تفصل الضوء الذي يمر فيها إلى ألوان الطيف السبعة.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/8827/%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d9%84%d9%83-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85%d8%a9/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.