by هادي قبيسي | يوليو 8, 2017 7:30 ص
تحميل البحث[1]
نلاحظ في النص الإلهي توكيدًا على قضية المعرفة، كما نجد في نصوص أدعية أهل بيت العصمة محورية لأخلاقية الخدمة لله، وكذلك نجد في توجيهاتهم وسلوكهم محورية الخدمة في التعامل مع الآخرين. فهذان أصلان تكامليان، ينبغي أن يتوفرا في الإنسان السالك، إذ يجدر به أن يكون عارفًا وخادمًا في الآن عينه، لكن هل كل معرفة يمكن أن تنسجم مع صفة الخدمة وروحية الخادم؟ وما هي المعرفة التي تسهم في تكوين شاكلة الخادم وروحه؟
وبناءً عليه يكون السؤال: هل نحن عندما نتعلم أو نتباحث أو نبحث أو نناقش أو نتأمل أو نحاول العثور على حل لمشكلة ما، وعندما نقوم بسائر اشتغالات المعرفة في أي مجال وساحة، هل نشعر بالخدمة لله سبحانه وتعالى؟ أم نشعر بالقدرة والتميز والاستقلال والنمو؟ هل يمكن أن يكون شعور الخدمة لله منسجمًا مع هذه المشاعر؟
مع الإلفات الضروري إلى أن تحقق هذه المشاعر قد يحصل أثناء الخدمة والسعي بشكل عرضي وتلقائي دون اهتمام وانشغال بتحقيقها، ودون حصول غفلة عن الهدف والغاية السامية بها، ودون تلوث النفس بحالة الأنانية والشح، فحتى صفة الاستقلالية يمكن أن تكون في لباس محمود، عندما يحاول الفرد أن يقدم قيمة إضافية ولا يكتفي بالتلقي والاستفادة مما هو موجود دون حمل هم الآخرين، فلا يكون همه التفاضل عنهم بل خدمتهم.
أما لماذا افترضنا احتمال انعدام الانسجام بين المعرفة والخدمة، فهذا يعود إلى عدة أسباب: أولًا عدم حضور مفهوم الخدمة في السياق المدرسي، ثانيًا اختلاف التصور العمومي عن العالِم عن التصور العمومي للخادم، ثالثًا غياب مفهوم الخدمة عن التداول النظري والعملي وعن محورية التنشئة السلوكية كذلك، وأخيرًا انتشار روحية الاستخدام الغرضي والدنيوي للمعرفة في كثير من الدوائر والصروح.
نقدم في معالجة هذه الإشكالية مفهومًا يجمع بين هذين الأصلين الأساسيين، أصل المعرفة وأصل الخدمة، وهو تحت مسمى المعرفة الخادمة، وهو مفهوم يدعو إلى إيجاد التكامل بينهما ورعاية الإنسجام في سلوك طريق المعرفة والخدمة معًا، فلا تكون المعرفة بلا خدمة ولا الخدمة بلا معرفة. والمعرفة الخادمة هو إطار نظري ذو برنامج ومؤديات عملانية، فهو يتحرك في نطاق العقل العملي وفق المنظار الإسلامي، الذي يريد لهذا العقل أفقًا معرَّفًا بغايات تخلص الإنسان من حيرة العبث أو خمول الهمة.
المعرفة بالأساس أصل كل حركة ومنشأ كل طور ومرحلة “يا كميل.. ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة”. خدمة الآخرين تحتاج كذلك إلى المعرفة، والخدمة عن جهل لا تزيد في السير إلا بعدًا، فالخدمة بلا معرفة الله أو معرفة الآخرين الذين هم هدف الخدمة أو معرفة الزمان هي إما ضالة وإما محدودة. والمعرفة الخادمة هي معرفة تكونت وتشكلت لأجل الخدمة وفقًا لحاجات المخدومين تهدف لتكامل الخادم والمخدوم (وتكامل المعرفة التي تتطور بفعل التفاعل بينهما).
من الناحية الروحية، عندما تكون الغاية التي يبقى القلب منشغلًا بها هي خدمة الله والتوجه إليه والتقرب منه، هذا الميل نحو مالك الملوك هو الذي يؤهلنا لنيل المعرفة الخادمة التي تشكل دربًا وسلسبيلًا لا تعترضه حجب العلم والمعرفة، وتكون المعرفة فيه جهادًا لا حجابًا، وتكون ذات منفعة لنا وللآخرين، فلا يضيع العمر في كسب المعارف وبذلها لزيادة الحجب مع محدودية في النفع للآخرين في الوقت نفسه. فهي تنشأ إذن في مأوى النية والتوجه لا في مدخل التدبير والاقتدار، وإن كانت تصل إلى هذا المدخل لاحقًا، عن طريق العمل والتطبيق، لكن الغاية ليست هنا، بل في مكان آخر.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/8901/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%af%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d9%88%d8%ad%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.