الهوية المقاومة وموقعها في لبنان والمجتمعات العربية

الهوية المقاومة وموقعها في لبنان والمجتمعات العربية

انعقدت عند الساعة الرابعة من بعد ظهر الأربعاء الموافق لـ 27 شباط 2019 جلسة نقاش حول “الهوية المقاومة وموقعها في لبنان والمجتمعات العربية“.

 بدأت الجلسة بكلمة ألقاها الشيخ حسبن السعلوك، أعاد خلالها الأسئلة التي كانت قد طُرِحت على الحاضرين، وأكد أنّ هذه الأسئلة عُمِل من أجل إبقائها مفتوحة، وهي قُدّمت على سبيل إثارة الكلام، الذي من المفترض أن يتركّز على عنصرين أساسيين هما: العلاقة بين المقاومة والمرتكز الثقافي، والعلاقة بينها وبين والفكر.

بدأت الدكتور صفية سعادة المداخلات بالحديث عن الأسئلة، حيث لاحظت أنّها لم تفرّق بين الإثنية والقومية، واعتبرت أنّ هناك فارق كبيرٌ بينهما، حيث لم يعد هناك إثنيات صافية، يمكن الحديث عنها، وقالت: “عندما نتحدث عن القومية بمعنى الإثنية هذا يفترض أنّ القومية، تقوم على عنصري الأرض والشعب، وهذا ما يفترض قيام كيانات إنفصالية داخل المجتمعات الموحّدة، بينما القومية تختلف عن هذا الفهم، وهي ترتبط بالأرض، لذلك قد تحتوي أمة واحدة قوميات متعددة”.

وتابعت، هناك ملاحظة ثانية، تتعلق بهوية المقاومة، فنحن لا نستطيع الكلام عن هويات دينية، فبالنسبة لنا المسيحية والإسلام ليسا انتماءًا، فعندما أتحدث عن تعددية أتحدث عن تعددية ثقافية وليس دينية، كما في بلجيكا فهناك أكثر من قومية ثقافية، ولا يدخل الدين في إطار فهم هذه التعددية.

ثم تكلم الدكتور علي حمية، وقال: ما أريد أن أتوقف عنده هو مفهوم الهوية، وهنا ألاحظ أنّ الكلام عن هوية دينية تبسيط للموضوع، فمنذ نهاية القرن التاسع عشر بدأ الحديث عن الهوية القومية، وكان هذا الحديث يقوم على خلفية هوية الشعب وارتباطه بالشعب والأمة الواحدة، بالتالي لا يمكن حصر الهوية بالمقاومة الدينية، لأنّ الهوية لا تنحصر بحزب أو منظمة فهي هوية وطنية وقومية شاملة، فهل يحتمل مفهوم المقاومة أكثر من هوية، نعم خاصة في بلد مثل لبنان المجتمع فيه منقسم طوليًّا وعرضيًا، يمكن أن تبدأ القوى المتقاربة بإيجاد آليات مشتركة للعمل المقاوم، مع وجود فوارق في فهم المقاومة، بالتالي نحن لا نستطيع أن نصل إلى ضابطة واحدة للمقاومة، فما أحدده للمقاومة لا يمكن أن يحدده غيري. والمقاومة التي تصنع المستقبل هي المقاومة المفروض أن تكون الحضن العام وهي بالتأكيد وطنية لا دينية.

انتقل الحديث بعد ذلك إلى الدكتور أسعد السحمراني ، فشكر الحضور، ودعا إلى إعادة صياغة أطروحة الأسئلة والتركيز على الإنسان، فكل فعل لا بدّ من عودته إلى أصوله الإنسانية والاجتماع الإنساني، هذا ما يدعو إلى التعدد، فالإسلام مثلًا لا مجتمع الانتماء الواحد بدليلين الآية 13 من سورة الحجرات و18 من سورة هود. فلا شيء كالآخر في الكون، الهوية الإنسانية تحمل هذا التنوع، فالتنوع هو الأصل، وما يجمع هو الوطنية ومن ثم العروبة الحضارية والإسلام والمسيحية، فالمقاومة ثقافة، لهذا شدّد المسعودي في ج2 ص 66 دار الفكر 1973 على هذا المفهوم.

ووصل الدكتور إلى جملة من النتائج هي: المواطنة تملي علي أن أكون مقاومًا، المقاومة لا يصح أن تعطى هوية مذهبية أو طائفية؛ لأنّ المقاومة لا تعطي هويات، فالمقاومة بهذا المعنى هي جزء من المواطنة، لأنّها فعل، والإنسان بطبعه مقاوم، لماذا نريد أن نعطي هوية لها، والهوية أمر ثابت. والكل عليه أن يعمل لها لأنها مصلحة عامة.

وانتقل الحديث إلى ليلى مزبودي التي استهجنت أن تكون المقاومة هوية، وأكدت أنّ المقاومة لا يمكن أن تتشكل كهوية، بالتالي لا بد من السعي إلى مجتمعات مفتوحة، يمكن من خلالها التعارف بين الأفراد، لكي يصل الإنسان إلى المشتركات بينهم، وروت تجربتها الشخصية مع مجموعة مختلفة، كيف كان الجميع يراها مختلفة، وبعد التعارف تمّ قبولها وتفهم خصوصيتها.

بعد ذلك، قدم بيار أبي صعب مداخلة، اعتبر فيها ثقافة المقاومة ليست حكرًا على أحد، وهناك نقاشات حقيقية يجب أن تثار في هذه المرحلة، تعالج الهواجس التي توجد عند الآخرين، وتمنى أن تشغل هذه الأسئلة الحزب دون أن تطال مرتكزاته الفكرية، فليس بالإمكان البقاء على ما نحن عليه، فعلى الحزب أن يجيب على الآخرين على ضوء الفكر الإسلامي لدائرة تتسع لبيئة أكبر من بيئته الخاصة، فنحن أصبحنا في بييئة مفتوحة، لم يعد بالإمكان مخاطبة الناس بالكلام نفسه.

وأضاف: حتى البيئة الخاصة لم تعد قابلة للاحتواء، وهناك كثير منهم، يخرجون نحو بيئات أخرى، صحيح أن الحزب المقاوم هو الذي يشكل مظلة وحماية للجميع حتى للعلماني واللاديني، ولكن يجب على الحزب أن يحتوي الآخرين على ضوء عقيدته ورؤيته.

ثم تحدث سماحة الشيخ شفيق جرادي، وانطلق في حديثه من سؤال ما الهاجس؟ وطرح مجموعة من الأسئلة منها: هل تحمل المقاومة قيمتها الذاتية؟ أين هي المساحة التي من الممكن أن تحفظ أواصر الاشتراك بين هذه القوى؟ كيف يمكن أن نوصل قيم المقاومة بقيم التعددية؟ هل هاجس هذا الموضوع يرتبط بأزمة الحزب أو حماس؟ كيف نحصّن أنفسنا مجتمعيًّا؟ وأكّد سماحته على ضرورة خلق روح للمبادرة حول العيش المشترك دون أن يستنزف الجميع.

وتحدث أسامة حمدان، عن تجربة حماس في المقاومة، وأكد على أن المقاومة هي هوية حقيقية، وهي تتعدى الحالة الحزبية، فالمجتمع الفلسطيني بكليته مقاوم، ولكن هذا الأمر لا يستلزم أن تتحول المقاومة إلى مجرد خزان للدم يفتح عند الحاجة إليه، لا بد من أن يكون ثقافة حقيقية لجميع أفراد المجتمع.

وفي ختام النقاش قدّم سماحة الشيخ شفيق جرادي اقتراحًا توجه به إلى بيار أبي صعب مفاده: حبذا لو يفتح في جريدة الأخبار بابًا يتم فيه الحديث وعلى حلقات حول: (الهوية المقاومة وموقعها في لبنان والمجتمعات العربية)، خاصة وأن هناك أقلام كثيرة مستعدة للكتابة في هذا الموضوع. وقد لاقى هذا الاقتراح استحسانًا من الأستاذ بيار أبي صعب حيث رحب به، كما ومن الحضور الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في الكتابة حوله.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
المقاومةالإسلامالمسيحيّةالهوية

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<