الأرض المحروقة
قدّامَنا رواية مأساة، تصوّر فاجعة مِن فجائع الزمان المهولة، وقت أُحميَ للحرب وطيس معروف زندُهُ أين كان، ومَن أوراه. ومتى لم تكن الحرب مصيبة المصائب، ونائبة النوائب؟!
﴿مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾. ذاك هو الإنسان العَجول، الهلوع، الجزوع، المَنوع.
﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾. عادةٌ اعتادها، غير مضطرّ فيها إلّا إلى تبريرها وتعليلها. وما أسوغَ الكذب في شفتَيِ الخنجر الغادر!
في هذه الرواية، يتنزّه المؤلّف عن الترويج لأحد على حساب آخر. إنّه ليس إيرانيًّا، ولا أهوازيًّا، ولا مؤيّدًا نصيرًا، ولا عدوًّا لدودًا.
يتخلّص مِن بطاقة “الهُويّة”، ويطرح جانبًا لغته، ويخبّئ دينَه ومذهبه، ويستر عاداتِه وتقاليدَه وأزياءه وما يملك، ليتجلّى بإنسانيّته. إنسانيّته المتألّمة الموجعة، التي انفجرت فيها الحرب، فتمزّقت أحزانًا، ودموعًا، وأسًى، ورعبًا، وركامًا، ودمارًا، ومقابر عبّدَتْ طرقاتِها المآتم.
“أحمد محمود” في أرضه المحروقة واقعيّ، وواقعيّته بصدقها مخيفة.
تقديم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعم الصحّة، والأمان، والسلام.
وبعد،
فماذا يُريد “أحمد محمود” مِن قارئ روايته “الأرض المحروقة”؟ وماذا يريد له؟
قدّامَنا رواية مأساة، تصوّر فاجعة مِن فجائع الزمان المهولة، وقت أُحميَ للحرب وطيس معروف زندُهُ أين كان، ومَن أوراه. ومتى لم تكن الحرب مصيبة المصائب، ونائبة النوائب؟!
﴿مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾. ذاك هو الإنسان العَجول، الهلوع، الجزوع، المَنوع.
﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾. عادةٌ اعتادها، غير مضطرّ فيها إلّا إلى تبريرها وتعليلها. وما أسوغَ الكذب في شفتَيِ الخنجر الغادر!
في هذه الرواية، يتنزّه المؤلّف عن الترويج لأحد على حساب آخر. إنّه ليس إيرانيًّا، ولا أهوازيًّا، ولا مؤيّدًا نصيرًا، ولا عدوًّا لدودًا.
يتخلّص مِن بطاقة “الهُويّة”، ويطرح جانبًا لغته، ويخبّئ دينَه ومذهبه، ويستر عاداتِه وتقاليدَه وأزياءه وما يملك، ليتجلّى بإنسانيّته. إنسانيّته المتألّمة الموجعة، التي انفجرت فيها الحرب، فتمزّقت أحزانًا، ودموعًا، وأسًى، ورعبًا، وركامًا، ودمارًا، ومقابر عبّدَتْ طرقاتِها المآتم.
“أحمد محمود” في أرضه المحروقة واقعيّ، وواقعيّته بصدقها مخيفة.
يصوّر الحرب بألوانها القاتمة، ولا يدّعي بطولة أو ترفّعًا على الجراح. يفتح العيون على رماد الفاجعة قبل أن تنثره رياح الدهر في بلاقع النسيان. ولعلّ بُغيته واحدة: أن يعيش الإنسان- وهو على وثير فراشه يقرأ، وفي أثير أيّامه- فيما يعنيه النار والحديد مِن كارثة.
لماذا؟ كيلا يقيء الدهرُ ما ابتلعه مِن حروب حربًا جديدة.
وأنّى ذلك؟!
في “الأرض المحروقة” مشاهد لبلاد “إيران” الخارجة لتوّها مِن ثورتِها الباهظة الثمينة العزيزة. مشاهد لرجال لم يكونوا يومًا أنقى حالًا، ولا أرقى فعلاً ومقالًا. ترى فيهم من امتزجت السماء بلحمه حتّى تمثّلت فيه إيثارًا أسطوريًّا، ومَن لا يعرف الدين إلّا متجرًا مربحًا، انتهازًا للمضطرّ، وسحقًا للفقير المعترّ.
ترى المدمنَ على الأفيون. وهل كانت “إيران” الشاه إلّا معبرًا عالميًّا للمخدّر، وسوقًا مربحةً للساقطين؟! ولا تكاد تحكم على المدمن؛ فهو لا يهوى أفيونه بقدر ما صار عاجزًا عن التخلّص مِنه.
في هذه الرواية حواسّ تلتقط العالم صورةً، وصوتًا، ورائحةً، وملمسًا، وأساليب عيش بسيطة مأنوس بها، لها أدواتُها المنزليّة، وهمومها التي يكدّسها العمل والوظيفة على كاهلها، وأخبارها المذاعة على أثير ضعيف.
هنا ترى العاشق، والشهيد، وأخا الفقيد، والجريح، والطبيب، والأمّ البطلة، والثكلى، والفارّ إلى مخيم “التهجير”، والعائد مِنه اللائذ بالشرف في أرض الأهلين.
تسمع طائرات “الميغ”، وقذائف الدبّابات، والصواريخ، ورصاص البندقيّات، والصراخ، والأنين، والضحكات، وقوقاة الدجاج، وصياح الديكة، وأغاني المطر.
ومِن حقّ القارئ أن يقول وهو يقلّب صفحات الغمّ والكدر: قد اكتفيت! شبعتُ همًّا، وبؤسًا، وقلقًا. امتلأتُ خوفًا وجزعًا. فإن فعل، فقد أقرّ للكاتب بالنجاح فيما يُريد.
فإمّا فرغ مِن القراءة، فليخرجْ يده مِن ذاك الماضي المحمرّ المدامع، وليمددْها إلى المستقبل، ليستنقذ مِن يستطيع إنقاذه من اضطرام صراع، واصطلامٍ في نزاع.
وليقل: الحمد لله على نعم الصحّة، والأمان، والسلام.
الحرب: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.
والحرب: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾.
وشتّان ما بين اعتداء ودفاع!
طارق إسماعيل إدريس
ذكر في كتاب ( أنا و الكتاب ) أن الإمام الخامنئي دام ظله الشريف قال : ” كتب ذلك السيّد… كتاب الأرض المحروقة، الّذي هو ضدّ الحرب بالكامل، ولا يوجد فيه أيّ أفكار ثوريّة على الإطلاق! كما أنّ له كتاباً آخر ضدّ الثورة… رواية طويلة مؤلّفة من ثلاثة مجلّدات. لا أريد الآن أن أذكر اسمه، فمن لم يسمع به إلى الآن، فليبقَ دون أن يسمع به. لقد تعجّبت عندما رأيت في إحدى الصحف الخاصّة أنّ أحد الإخوة كتب كتاباً حول أدب الحرب … “