المحاضرة الرابعة- وجوه مستبشرة

by معهد المعارف الحكميّة | سبتمبر 5, 2019 3:19 م

تطرق سماحة الشيخ شفيق جرادي في اليوم الرابع من سلسلة المحاضرات العاشورائية “وجوه مستبشرة” إلى موضوع قرار الإمام الحسين بالخروج إلى كربلاء، حيث نصحه الكثيرون بالعدول عن قراره وأن يغير مقصده وطريقه، إلا أن الإمام عليه السلام ضلّ مصمّمًا ومقتنعًا بما يقصده، لافتًا سماحته إلى أن الذين نصحوه بتغيير قراره حذروه من أن من يقصدهم قد خذلوا أبيه وخذلوا أخيه، بالتالي كيف تأمن لهم وتتجه وتلبي طلباتهم؟ أما آن لك أيها الإمام أن تيأس منهم؟ لكن الإمام الحسين عليه السلام لم ييأس، وهو على يقين من النتائج التي تنتظره.

وأشار سماحته، إلى أنه بنفس هذه المسيرة كان هناك آباء وأمهات وزوجات كانت لديهم القناعة بالمآل وإلى أين يصلون. رغم ذلك لم تيأس النساء، ودفعت بالرجال للقتال والشهادة. أيضًا كان الأب والأم يرسلون أبناءهم، مع علمهم بالنتيجة، أيضًا لم يدخل اليأس إلى قلوبهم، بل بقوا متمسكين بالإمام الحسين عليه السلام إلى آخر الطريق.

وتابع سماحته،  الأصل الأساس برغم ذلك أنه عليه السلام أكمل الطريق حتى الشهادة ولم ييأس.

وأضاف سماحته، ما هو السبب بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، أبقى الأمل عند الإمام زين العابدين في إعادة الحياة إلى دين محمد (ص) رغم كل ما حصل معه؟ وما هو السبب الذي جعل الذين انتموا إلى الأئمة منذ شهادة الإمام الحسين عليه السلام وحتى يومنا هذا بأن لا ييأسوا من الإنتماء إلى هذا النهج الأصيل، الذي هو نهج محمد (ص)، ولم يدخل اليأس إلى قلوبهم؟

أشار سماحته إلى صنفين من الناس: صنف منهم يعمل حساباته على أساس المحيط الذي يعيش فيه. وصنف آخر من الناس  كل حساباتهم مبنية على علاقتهم بربهم. موضحًا سماحته، أن الإمام الحسين عليه السلام ومن كان معه كانوا على تمام اليقين أن الارتباط الناجع والناجح هو أن تربط أمورك بربك.

ولفت سماحته إلى أنه بعد الغيبة الكبرى للحجة (عج) كان لدى الشيعة إيمان وقناعة بأن علاقتهم بالقائم (عج) هي علاقة مع معصوم حي، ولديه ألطاف وبركات دائمة، لذلك هم ببركته أصل رباطهم وارتباطهم وعقيدتهم هو أنهم يراهنون على العلاقة بالله سبحانه وتعالى.

واعتبر سماحته، أن الذين لا يمكن لهم أن ييأسوا هم الذين بنوا علاقتهم مع الله، فعند الله لا تضيع الأمور. أما الذين بنوا علاقتهم مع الدنيا، فحضور اليأس في نفوسهم فرصها كثيرة ومتاحة. والسبب في ذلك أن أهل الدينا يبنون في داخلهم جملة من الآمال والطموحات ليست موضوعية. وفي رهانهم على شأن الدني هم غير موضوعيين في قراراتهم.

ورأى سماحته، أن من ضمن الأجواء التي تحيط ببعض من يعتبرون أنفسهم متدينين ويقولون أنهم يؤمنون بالله ويثقون به، لكنهم بمسألة من المسائل يضعون كل رهانهم على الدنيا. فكم من هؤلاء راهنوا على ذلك وفشلوا. وأضاف سماحته، أن المقياس هو في طريقة العيش التي نعيشها، المقياس أيضًا في طريقة المدارس، ومن الأهل وما يعقدونه من طموح، من المسلسلات، ومن الإعلام الذي يعمل على تغيير الأمزجة، مثلًا يعرضون مشاهد عن العرس الأسطوري لفلان، ويسلط الضوء على هذا العرس، لكن ولا لحظة يتكلمون عن الحياة الأسرية، وكيف تتم تربية الأولاد بأمان وتفاهم، ومؤكدًا سماحته، أنه على إثر ذلك تصاغ أديان دنيا جديدة.

ورأى سماحته، أن الأساس والأصل الذي أريد أن أبني عليه، أنك هنا يجب أن تراعي جملة من الثقافة التي أخذناها من حضارة معينة ونلتزم بها، بحيث يبدأ القتال على الأولاد حتى قبل الطلاق، والسبب في ذلك مزاجنا الذي يراهن على الدنيا.

وأشار سماحته إلى الناتج الحاصل منذ 20 سنة إلى الآن، من بعد ما تثقفت الناس أكثر وتعلمنت أكثر، وتعلمت أكثر وصارت تفكر أكثر، أنظروا إلى نسبة التفكك الأسري، انظروا إلى تلك المرحلة وكيف كانت، مثلًا،  إذا كان يحصل طلاق، الجميع يعرف به، لأن الطلاق كان حالة ناشزة في ذلك الوقت.

ولفت سماحته إلى ضرورة أن نحدد إسلاميًّا وقرآنيا ما هو اليأس، وما هي صنوفه.

وذكر سماحته أن تعريف اليأس: هو أن لا تصيب ما كنت تأمل به، فحينما لا أحقق ما أرغب به يصبح عندي انتكاسات نفسية، وأصل إلى اليأس. موضحًا سماحته، إلى أن هذا النوع من اليأس قُسِّم قرآنيا إلى: كلمة اليأس، وكلمة القنوط. والفرق بينهما:

وأشار سماحته، إلى أن لهذين الصنفين ثلاث مستويات:

  1. يأس إيمان، تصل معه لدرجة إلى أنه حتى البحر الأبيض المتوسط لا يغسل ذنوبي.
  2. يأس تجاه فعل الله بالحياة، القضاء والقدر، مثلًا، مكتوب علي أن أبقى فقيرًا، والله سبحانه وتعالى لا يريدني أن أنجب أطفالًا، وغيرها من الأمور، هذا اسمه يأس من القضاء والقدر، وهذا أصعب أنواع اليأس.
  3. اليأس الاجتماعي، هذا النوع الثالث من اليأس يجعلك لا تثق بأحد من الناس، لدرجة أكره معها الناس.

ورأى سماحته أنه بخصوص اليأس الإيماني، هناك آيات تدل على عدم القنوط واليأس من رحمة الله، وعلى ضرورة التمسك برحمة الله، وأن نتوب توبة نصوحًا، وأن نقف بين يدي الله عز وجل ونخاطبه بهذه الكلمات: يا سريع الرضا اغفر لمن لا يملك إلا الدعاء فإنك فعّال لما تشاء.

وختم سماحته محاضرته بالقول: علينا أن نثق بالله حق الثقة، والمثال الأعلى في ذلك وفي هذا الجانب المرتبط بالبعد الإيماني والثقة بالله، أنه حينما أطبقت الدنيا على الإمام الحسين ومن معه، ولم يبق معه أي ناصر، ولا أي معين، واستشهد الإمام الحسين، وسبيت زينب (ع)، وكبّلت يدا الإمام السجاد، وسيقوا إلى مجلس يزيد الذي قال لهم، إنه انتصر عليهم جميعًا، ملتفتًا إلى الإمام زين العابدين يسأله من منا الذي انتصر؟ صمت الإمام السجاد قليلًا، وإذا بالمؤذن يؤذن، وحينما وصل إلى أشهد أنّ محمدًا رسول الله، يلتفت الإمام السجاد ناحية يزيد ويقول له: طالما هذا المؤذن يشير إلى نبينا محمد فنحن من انتصر، والسبب أنه يصدّق وعد الله، والله جعل، الأرض طوع يمينه، لأنهم ثبتوا على الخط الذي رسمه الله لهم.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/9894/9894/