المحاضرة التاسعة- وجوه مستبشرة

تناول سماحة الشيخ شفيق جرادي في اليوم التاسع والأخير من المجالس العاشورائية الحديث حول شخصية أبو الفضل العباس عليه السلام، مشيرًا إلى الأمور التي ترتبط بهذه الشخصية والتي عسى من خلالها أن نتعرف ولو من حيث الإشارة إلى السبب الذي جعل الله للعباس من خلاله مثل هذا المقام العالي والخاص والاستثنائي.

وأشار سماحته إلى أنه منذ ولادة العباس عليه السلام وحسب ما يقول الرواة اهتمت به السيدة زينب اهتمامًا خاصًّا جدًّا، من حيث تربيته وبعض شؤونه الخاصة، لدرجة أنها عليها السلام كانت تهتم به أكثر من أمه أم البنين.

ولفت سماحته، إلى ما ينقله بعض المؤرخين من حديث دار بين السيدة زينب وأبيها أمير المؤمنين علي (ع)، حيث توجهت إليه بالسؤال: أبتاه لما تعلق قلبي بهذا الغلام؟ فيلتفت إليها أمير المؤمنين قائلًا: يا زينب، العباس هذا سيكون كفيلك حين تدخلون كربلاء لكنك تعودين بلا عباس”.

وأشار سماحته إلى بعض الخصوصيات في العلاقة بين العباس وزينب عليهما السلام، فهناك رواية تقول، إنها عليها السلام استأذنت في الليلة الأخيرة ولبست عباءة أمها الزهراء لتحث الأنصار وتقوي من عزيمتهم لنصرة الحسين وآل البيت عليهم السلام، فسمعها العباس، فلم يتحمل ما سمع، وخرج من خيمته حاسر الرأس حافي القدمين، مخاطبًا أخته بعتب: أختي زينب أتستنجدين الناس وأنا هنا. موضحًا سماحته، إلى أن هذا أحد النماذج من طبائع وشيم العباس عليه السلام.

وذكر سماحته ما ينقله بعض الكتّاب عن طبيعة العباس عليه السلام هو ما رواه إبراهيم بن مالك الأشتر فيقول: كنت مع العباس في صحبة خاصة، وكنت أعلم أن واحدة من آمال العباس أن يصل إلى الوقت الذي يستحق فيه أن يقاتل بسيف ذو الفقار، وأنه كان يعمل من أجل أن يُنظر إليه فيرى فيه أمير المؤمنين عليه السلام بأنه جيش بحد ذاته. تابع سماحته، أن هناك طموح عسكري كان موجودًا لدى العباس عليه السلام.

ويذكر سماحته الرواية التي تنقل الحديث الذي دار بين العباس ومالك الأشتر، حينما كانوا في صفين، فيقول له العباس: أريدك أن تأذن لي في القتال، فتبسّم مالك، فقال له العباس يا مالك إني أطلب منك أن أكون مع المقاتلين، أيضًا ضحك مالك، انزعج العباس وقال له: يا مالك ألا تريدني أن أنزل وأقاتل في جيش أمير المؤمنين، فيجيبه مالك: يا عباس أنت قمر بني هاشم وعليك أن تدّخر ليوم تضيء فيه ليالي بني هاشم الحالكة.

وأضاف سماحته، أن العباس حين طُلب منه أن يترك جيش الإمام الحسين، ويلتحق بجيش عبيد الله بن زياد، قد عُرضت عليه الدنيا كلها وفي لحظة كان بينه وبين الموت بضع ساعات، لكن كان جوابه عليه السلام عليكم لعائن الله. فكان نبوءة علي بن أبي طالب الذي ادّخره للحظة التي يكون فيها عضدًا لأخيه الإمام الحسين عليه.

وأشار سماحته، إلى أن العباس عندما نزل إلى المشرعة ليجلب الماء، فحسب ما روي عن الإمام الصادق (ع): “كان قلب عمي العباس في تلك اللحظة كصالية الجمر من اللظى”. لافتًا سماحته إلى أنه عليه السلام قاوم هذا الجسد وقاوم هذا الطين فداءً وحبًّا وعشقًا لأبي عبد الله، واستطاعت إرادة العباس أن تهزم جسده المتطلب لشربة ما.

واعتبر سماحته، أن العباس حينما قطعت يمينه عبر بهذا التعبير: والله إن قطعتم يميني فإني أحامي أبدًا عن ديني وعن إمام صادق اليقين؛ فهو بهذه العبارة يختصر كل البعد العرفاني. فالمجاهد فعلًا والشهيد فعلًا إذا قاتل إنما يقاتل من موقع رسالي يؤمن به، وإذا استشهد يستشهد على هذا المبدأ، وهذه القضية الذي يفديها بروحه من أجل أن تنمو شجرة الإسلام.

وأكد سماحته، أن العباس ربيب زينب وعلي والحسين بفضل يمينه الذي قطعت، وبروحه التي امتشقت كل آيات الله قد زرع في الأرض مجدّدًا دين محمد، وما كان لهذا الدين أن يزرع ويصل إلينا لولا العباس ويمين العباس الذي قطعت في سبيل الله.

وتابع سماحته، أن الحسين عليه السلام، وحسب رواية من الروايات، كان يتحدث مع العباس عليه السلام فيقول له: فدتك نفسي. فالعباس هو كهف الحسين.

وأضاف سماحته، حين سقط العباس على الأرض وتوجه إليه الحسين، لم يمتط الحسين لا جوادًا ولا جملًا، بل كان يسير راجلًا، وكان يضع يده على خاصرته. وعندما وصل إلى العباس كان جسدًا بلا روح، فحينما سقط العباس إلى الأرض، خرجت روح الحسين من جسده.

وأشار سماحته، إلى أن شهادة العباس تعني للحسين وزينب:

أولًا: أنه لم يبق من جيش الحسين أحد، فسقط جيش أبي عبد الله.

ثانيًا: العباس كان الرجل الذي يحفظ خيم الحسين، وقوة الحسين بين الناس، وهو الذي كان يمثل الخط الأخير لحفظ الإمام الحسين وولايته. فشهادة العباس كانت إيذانًا لشهادة الإمام الحسين عليه السلام.

وختم سماحة الشيخ شفيق جرادي محاضراته التاسعة من سلسلة المحاضرات العاشورائية بالقول: لو أردنا تعريف العباس من هو فنقول: هو كهف ولاية الحسين، هو باب مدينة ولاية الحسين، ومن أراد الدخول إلى مدينة الحسين لا يدخل إلا عبر باب أبي الفضل العباس، وكان يمثل كامل طرح ولاية الأئمة (ع) المتمثلة بالإمام الحسين (ع). لذلك قُدِّم له من الأئمة شي خاص ومميز، أنه بشفاعته يشفع الأئمة لكل من قصده العباس عليه السلام.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
وجوه مستبشرةمحرم 1441ه

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<