أثر نهضة الحسين في سعادة الأمة

أثر نهضة الحسين في سعادة الأمة

إنّ من وقف على تعاليم الإسلام أيقن بأنها ترمي إلى سعادة البشر في المبدأ والمعاد وقد بالغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قيادة المسلمين إلى سبيل السعادة الحقيقية معلنًا في الأمة قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.

فبادر المسلمون الأوّلون في السعي وراءها واتفقوا في العمل لنيلها فكانت السعادة هدفًا لذوي العقول السليمة والأفكار الحية وغاية تطمئن لها النفوس وترتاح عندها الأرواح.

ولما جاء دور بني أمية ضاعت المقاييس وانعدمت الموازين فاختلط الحابل بالنابل والتبس الحق بالباطل، والناس عادت إليهم جاهليتهم فضلّوا سبيل السعادة واختلفوا في سبل الوصول إليها وطرائق الحصول عليها وذهبوا في تفسيرها مذاهب تتفق مع ميولهم ورغائبهم. ولما استفحل الشر وفشى البغي والجور أعلن الحسين ثورته على الظالمين المستبدين العابثين بشؤون المسلمين وأرسل صرخته المدوية تجلجل في أطراف الأرض وأكناف المعمورة.

لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برمًا.

وكانت نهضته المقدسة وأعماله الجبارة وتضحياته الغالية أشعة كشفت عن مخازي أمية ومساوئ يزيد وأنارت للأمة سبيل سعادتها ووسائل فوزها.

سادتي: إنّ قيام الحسين وقيام نفر من آله الأطياب وأصحابه البهاليل بتلك المفاداة العظيمة دليل على أن لا سبيل إلى سعادة الأمة إلا بقيام كل فرد بما يترتب عليه من واجبات نحو الله ونحو الناس ونحو نفسه.

وقد كانت سيرة الحسين في أعماله تساير ما يقتضيه الواجب الديني، فحياته عليه السلام زاخرة بالمآثر والفخر ملآى بالحنان والإحسان. فمن مآثره التي تتلألأ في سماء المجد وتشع في أنصع صفحات التاريخ إنقاذه أرينب زوجة عبد الله بن سلام من مهاوي الخسران والشقاء من بيت المكر والخداع من حبائل يزيد ومكائد معاوية وذلك بعد ما علم عليه السلام بأنّ معاوية سعى في طلاقها من ابن عمها بحيلة ومكيدة وينبغي تزويجها من ابنه يزيد نظرًا لكمالها وجمالها خطبها حامي الحقيقة لنفسه ثم أعادها إلى حضيرة زوجها ودار سعادتها فسر الزوجان بذلك وشكراه على عنايته ورعايته.

ومن جلائل أعماله عليه السلام إرواء الماء لأعدائه الذين جعجعوا به وروّعوا حرائره وذويه ومنعوه من التوجه إلى بلاد الله المترامية الأطراف. وذلك لما أقبل الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس والتقوا مع الحسين قريبًا من ذي (جشم) أظهروا العطش الشديد والجهد الأكيد فأمر الحسين عليه السلام صحبه الكرام بسقايتهم وسقاية خيلهم فشكرته الإنسانية على هذا الصنيع العظيم الذي برهن على سمو تلك النفس القدسية وشرف ذلك البيت الطاهر بيت الرسالة والأمانة بيت الرياسة والزعامة. ويعيد لنا شبل علي في هذا الإيثار الصحيح ذكريات الماء في صفين سبق معاوية عليًا في الاستيلاء على الماء ومنع أصحاب علي من الورود فأرسل أمير المؤمنين بعض أصحابه فأزالوا جنود معاوية عن المشرعة ثم تركها مباحة للمعسكرين وقال (كلا لست أمنع عنهم ماء أحلّه الله عليهم) يتجلّى من هذه الأعمال الخالدة شرف تلك النفوس الزكية التي تأبى أنْ تقابل مناوئها بالسوء.

وأعظم تلك الحوادث مفعولًا وأبلغها في النفوس تأثيرًا وأجدرها إكبارًا وتقديرًا وأعمّها ذيوعًا وشيوعًا، وأولاها بحثًا ودرسًا وأكثرها إرشادًا وإسعادًا هي نهضته الإصلاحية الكبرى التي لم يعرف التاريخ حادثة أطلت على الدنيا البشرية أروع وأرفع منها.

وقد رسم الحسين عليه السلام خطط النهضة المقدسة وصوّر سبلها ومواقعها ودرس شؤونها وشجونها وألمّ بحوائجها ونتائجها فأيقن بعوائدها وفوائدها. كل ذلك قبل خروجه من مدينة جده الرسول. فكان عليه السلام عالمًا بنجاح القصد وحسن المصير عارفًا بفوز أُمته بعد شهادته. وحياة دين جده بعد تضحيته فشرع بالعمل والتنفيذ. وجمع الهاشميين فقال: “خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة”، حتى بلغ إلى قوله: “كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملئن مني أكراشًا جوفا وأجربةً سغبًا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه فيوفينا أجر الصابرين: ألا ومن كان باذلًا فينا مهجته وموطنًا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا إني راحل مصبحًا إن شاء الله”. وصرح في مقام آخر عن عمله بنهاية أمره فقال: “من لحقنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح”.

أجل لقد بارح الحسين مع أهله مدينة جده وقد أظهر استياءه ونقمته من تصرفات أولياء الأمور في أحكام الدين وشؤون المسلمين. فأعلن للعالم امتناعه عن مبايعة يزيد الفسق والفجور قائلًا: “لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد أنوف حمية ونفوس أبية”،فلا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام”.

نهض ريحانة الرسول في زمرة من آله الأطهار ولفيف من صحبه البهاليل مدافعًا عن دستور الإسلام وأحكام القرآن فقام بتلك المفادات العظيمة والتضحية التي لا مثيل لها في تاريخ البشر. فعلينا أنْ نتخذ من هذه النهضة المقدسة دروسًا تعلمنا معنى القيام بالواجب الذي هو طريق السعادة[1].

[1] مجلة الميزان، العمارة، العدد 28- 28، السنة الرابعة، 1367 هـ، الصفحة 17.


لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<