الصوم: العودة إلى آدم…
في لائحة الواجبات والمحرّمات في الإسلام، الصوم يقع في دائرة تحريم الحلال.
علمًا أن فلسفة التحريم قائمة على مبدأ رفع الضرر بتأثيراته المتنوعة، في الجسد والروح، في الاجتماعي والفردي، في الدنيوي والأخروي.
وعكسه الحلال، بمعنى جلب المنفعة.
الصيام هو الامتناع عن الحلال الجسدي على وجه خاص؛ مأكل ومشرب ونكاح، إضافة إلى الالتزام بما هو حرام دومًا. التزام من المفترض أن يكون أكثر صرامة. ورد في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، لا يصلح الصوم مع الصفات الرذيلة، والأعمال المحرّمة، وظلم الآخرين.
قد يعيدنا مفهوم الصوم بمعنى الامتناع عن الحلال إلى مرحلة الجنة لدى آدم وحواء (عليهما السلام)، والتي سبقت النزول إلى الأرض.
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
من الملاحظ أن المطلب الوحيد الذي طلبه الباري منهما في الجنة مرتبط بالأكل؛ والأكل هو النشاط الإنساني الأول بعد الولادة.
الأمر الإلهي ينطوي هنا على شقّين: إيجابي وسلبي. تحليل وتحريم؛ والتحليل قبل التحريم، والتحليل واسع، والتحريم محصور وضيّق.
الشقّ الإيجابي يكون عبر الإقبال على الأكل، مع سمتين: الأولى نابعة من مفهوم الرغد الذي يفيد الاستمتاع بالكثرة مع الطيبة، والثانية من (حيث شئتما) الذي يفيد حرية الإرادة.
أما الشق السلبي فهو عبر الامتناع عن الاقتراب من الشجرة. ويبدو أن هذا المطلب خارج عن حرية الإرادة، هو إجباري.
رُبّ قائل: إن هذه المرحلة تعليم للإنسان مبدأ الطاعة القائم على الإتيان بما يجيزه الخالق، الحلال والامتناع عمّا يحرّمه قبل دخول التشريع حيّز التنفيذ في المرحلة الأرضية، وهو مدخل له.
ورُبّ من يقول أيضًا: إنه تعليم لحدود الحرية التي أجازها الله أيضًا له.
لأن الملفت هنا أن التحريم جاء بوارد الامتناع عن شيء لا لحاظ واضح للضرر فيه. على غرار منع الاقتراب من النار حيث ضرر الاحتراق لا مفر منه.
هي مجرّد شجرة، يتخيّل لنا الكثير منها في الجنة، يرجّح أنها من الأشجار التي تعطي ثمارًا تؤكل، بلحاظ ما سبقها في الآية ﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾. الأمر الإلهي بعدم الاقتراب منها قد يشمل عدم الأكل منها.
لم تُفد آية قرآنية إلى أنها سامّة، ولم توضح أبدًا أسباب عدم الاقتراب، بل إبليس هو الذي وصفها لهما بشجرة الخلد، وإبليس يكذب؛ لأنهما كانا في عالم الخلود وقد حصل معهما أنهما عندما أكلا منها هبطا إلى عالم الفناء؛ أي عكس ما اقترحه عليهما إبليس.
وبالتالي فلا يبدو الضرر واضح فيها. أحسب أنه لا ضرر أساسًا في الجنة.
وقد أمره بالامتناع عنها بعد أن سمح له بالأكل من غيرها؛ أي إن الأمر الإلهي يفيد بالمناوبة بين المسموح والممنوع، وهو يحيلنا إلى مفهوم الحدود، وكأنه يقول للإنسان: كلْ ولكن بحدود… افعل الحلال ولكن بحدود، فللحلال حدود. وربما أفادنا أن الحرام الحقيقي هو خروج الحلال عن حدوده. البحث يطول.
ورد في أحاديث المعصومين (عليهم السلام) أنه خلال شهر رمضان تُفتح أبواب الجنة ويوثق الشياطين؛ أي إنه تتم إزالة العوائق التي تحول دون الدخول إليها.
ربما كان الباب الأول أن يقوم بما أخفق آدم وحواء في القيام به، الامتناع عن الحلال.
ولا بدّ من أبواب أخرى!!
فالبحث عن الصوم لا بدّ وأن يأخذنا إلى الجنة!
[1] سورة البقرة، الآية 35.
مقال مقتضب و رائع آجركم الله