قراءة في مقتل الإمام الحسين لابن خلدون
كثيرة هي المعارك والثورات والنهضات، التي اندثر تأثيرها مع الزمن، إلّا معركة وثورة ونهضة الإمام الحسين (ع)، حث إن الزمن يزيد من إشراقها وضيائها. ففي كل عام يجدّد المؤمنون إحياء هذه النهضة، ويستلهم الملايين منها الدروس والعبر. والذي يتابع حرارة إحياء هذه المناسبة العظيمة، يدرك بعمق أنّ الزمن وتداعياته، لم يمنع الناس من إحياء هذه المناسبة. فكل المعارك تصغر مع الزمن إلّا معركة الإمام الحسين (ع)، فإنّ الزمن يزيد من عظمتها، ويجلي حقائقها وأهدافها وغاياتها النبيلة. وكلّ الثورات تأفل بأفول القائمين بها، إلّا ثورة الإمام الحسين (ع)، فإن القائمين بها، يزدادون عظمة وإشراقًا وتأثيرًا. وكل النهضات تتراجع أهدافها وأولوياتها وغاياتها مع الزمن، إلّا نهضة الإمام الحسين (ع) فإنّ الزمن يؤكّد أهدافها، وتبقى أولويات الإصلاح والحرية والكرامة هي الشاخصة والسائدة.
فثورة الإمام الحسين (ع) وعبر الحقب الزمنية المتطاولة، هي أم الثورات ومنطلق النهضات ونموذج المعارك الخالدة. والإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وأنصاره، هم قدوة الثائرين، وأسوة المنعتقين من كل الأغلال من أجل العزة والكرامة. فهم أباة الحرية في زمن انعدامها وغيابها، وهم أئمة الكرامة في كل زمن تُمتهن فيه كرامة الإنسان وتُسحق مقدّساته، وهم المثل الأعلى في التضحية والعطاء في كل زمن يبخل الناس عن العطاء والتضحية. فثورة الإمام الحسين (ع) هي مستودع القيم والمبادئ الإسلامية، كما أنها اللحظة التاريخية التي أثبتت بشكل لا لبس فيه أن الدم ينتصر على السيف، وأن الظلم مهما تمادى واستفحل فهو إلى زوال.
وما نود أن نثيره في هذا السياق، هو ظاهرة تدوين مقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه الكرام من قبل العلماء والخطباء والمؤرخين، حيث اعتنى هؤلاء جميعًا بهذه المعركة، وتم تدوين دقائقها وتفاصيلها، مما وفّر لنا نحن الأجيال اللاحقة، مادة تاريخية هائلة، نتعرّف من خلالها على أعظم ثورة عرفها التاريخ الإنساني.
أضواء على الإمام الحسين.
عاش الإمام الحسين ثمانية وخمسين عامًا، توزّعت بالطريقة التالية: ثماني سنوات في حجر رسول الله (ص) في المدينة المنورة، ثلاثون عامًا عاشها مع أبيه (ع) في المدينة المنورة والكوفة، عشر سنوات عاشها مع أخيه الإمام الحسن (ع) في المدينة المنورة، ما يقارب العشر سنوات عقب استشهاد الإمام الحسن (ع) تسلّم خلالها إمامة الأمة. قضى منها تسع سنين ونصف في المدينة، والستة الأشهر الأخيرة من مسيرته، قضى أربعة منها في مكة بجوار بيت الله، والشهران المتبقيان تصرّما بين المدينة ومكة، والقسم الأعظم منها كان مسير مكة والكوفة وكربلاء، ثم توقّف في كربلاء ثمانية أيام ليستشهد بعدها ظهيرة عاشوراء سنة (61 ) هـ.
والمكتبة الإسلامية اليوم، تضم ما يقارب 4956 كتابًا ومقالًا عن الإمام الحسين (ع) على حسب ما استقصاه الشيخ عبد الجبار الرفاعي في موسوعته المسماة (معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت).
أضواء على كربلاء.
-
ذكرت المصادر على أنّ عدد القتلى في جيش عمر بن سعد بلغ (88) شخصًا، إلّا الشيخ مهدي الحائري المازندراني، صاحب معالي السبطين، فإنه أوصل عدد القتلى إلى (150 ألفًا).
وعدد شهداء عاشوراء يتراوح في المصادر بين (73) شهيدًا أو (107) من الشهداء، وعلى أكثر الأقوال (233) شهيدًا.
-
عدد أصحاب الإمام الحسين (ع) حال نزوله كربلاء، 69 رجلًا، وارتفع العدد بانضمام 20 رجلًا من جيش عمر بن سعد، فبلغ المجموع 89 رجلًا.
وفي كتاب بحار الأنوار وصل عدد أصحاب الحسين (ع) إلى ألف راكب، ومئة راجل.
-
عدد الجروح التي أصيب بها الإمام الحسين (ع) تراوحت في كتب التاريخ والسيرة من 63 إلى120 و 320 إلى 1900 جرحًا، وأوصل البعض عدد الجراحات إلى 4180 جرحًا.
لماذا المقاتل؟
يُعتبر الأصبغ بن نباتة الحنظلي (ت 64 هـ)، هو أول من ألّف كتابًا مستقلًّا عن واقعة كربلاء أسماه (مقتل الحسين). وقد دوّن هذه الحقيقة آغا بزرك الطهراني في كتابه المعروف (الذريعة إلى تصانيف الشيعة).
وثمة أسئلة أساسية تثيرها عملية تدوين المقاتل، إلّا أنّ من أهمها هو سؤال: لماذا دوّن العلماء والمؤرّخين والخطباء مقتل الإمام الحسين (ع)؟
وبإمكاننا أن نجيب عن هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
-
نشدان الثواب وشفاعة الإمام الحسين (ع)، حيث لا شك أن خدمة الإمام الحسين (ع) لها الثواب العظيم، وينال الإنسان الصادق من ورائها شفاعة الإمام الحسين (ع) في يوم المحشر.
ولا شك أن من أبرز مظاهر الخدمة الرسالية للإمام الحسين (ع)، هو تدوين تاريخه ومقتله؛ وذلك لحفظ هذا التاريخ، وتعريف الأجيال اللاحقة بدقائق وتفاصيل معركة الإمام الحسين (ع).
ويقول في هذا الصدد الشيخ ابن نما الحلّي (567 – 645 هـ) في مقدّمة مقتله: إن الذي بعثني على عمل هذا المقتل أني رأيت المقاتل قد احتوى بعضها على الإكثار والتسويل، وبعضها على الاختصار والتقليل، فهي بين طويل مسهب، وقصير قاصر عن الفوائد، غير معرّب، والنكت فيها قليلة، ومرابعها من الطرف والغرائب محيلة. فوضعت هذا المقتل متوسّطًا بين المقاتل، قريبًا من يد المتناول، لا يفضي لملالة وهذر، ولا يجفى لنزارة وقصر، ترتاح القلوب إلى عذوبة ألفاظه، ويوقظ الراقد من نومه وإغماضه، وتسرح النواظر في رياضه، وينبّه الغافل عن هذا المصاب والذاهل عن الجزع والاكتئاب.
-
حفظ حقائق التاريخ من عوامل الاندثار والتزييف، إذ أن هذه المقاتل، حفظت تاريخ هذه المعركة، وشكّلت في الإجمال مرجعية تاريخية للتعرّف على تفاصيل هذه المعركة الخالدة؛ وذلك لأن الروايات الشفهية بوحدها لا تحفظ تاريخًا، لأنها معرّضة للاندثار بموت أصحابها. لذلك فإنّ أصحاب المقاتل في الإجمال، قدّموا خدمة جليلة للأمة والمجتمع، بفعل تدوينهم لسيرة الإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدّسة. كما أن مفهوم الحفظ، يتّسع لمعنى الوقوف ضد عمليات التزييف لأحداث التاريخ وشخصياته.
إذ أن الدولة الأموية عملت وعبر وعّاظ السلاطين إلى تزييف الكثير من أحداث التاريخ وشخصياته. من هنا ولكي لا تنطلي لعبة التزييف على الأمّة في أجيالها اللاحقة، تمّ تدوين مقتل الإمام الحسين (ع) بكل تفاصيله، وتحميل الدولة الأموية بكل أجهزتها مسؤولية هذه الجريمة النكراء.
-
لاعتبارات سياسية ومذهبية عديدة، تحولت المقاتل الحسينية إلى وسيلة لدى بعض الأطراف للدفاع عن السلطة الأموية وتبرئتها من جريمة كربلاء، فكانت بعض المقاتل مادّة في السجال المذهبي والسياسي السائد في لحظة كتابة المقتل. ولعلّ من أبرز المقاتل التي توضح هذه الحقيقة، هو مقتل ابن خلدون.
مقتل ابن خلدون ( 808هـ): ملاحظات عامة.
قبل بيان ملاحظاتنا على مقتل ابن خلدون، نود أن نعرِّف بشكل مختصر بهذه الشخصية. فهو ينتمي إلى عائلة أندلسية، سطع نجمها في أشبيلية، وبعد تدهور نفوذ ملوك الطوائف وتدهور الوضع في الأندلس، غادرت الأسرة أشبيلية إلى سبتة، ومن ثم إلى تونس. كما أصبح ابن خلدون قاضي المالكية في مصر، وفي قلعة بن سلامة انعزل فيها وألّف فيها كتاب العبر المشهور بمقدّمة ابن خلدون خلال أربع سنوات قضاها كاملة في القلعة.
ورحل إلى دمشق، وبعد سيطرة تيمور لنك عليها، قاد ابن خلدون حملة الاستسلام والخضوع للسلطة الجديدة، فهو الذي أقنع الفقهاء والرؤساء بالتسليم وتقديم الطاعة لتيمور لنك.
وكتاب المقتل هو جزء من تاريخ ابن خلدون؛ وهو الكتاب الذي دوّن فيه تاريخ العرب والمسلمين عبر حقب زمنية متعدّدة.
-
إن أغلب المقاتل تبدأ بتدوين ما جرى في كربلاء منذ عهد معاوية بن أبي سفيان؛ بمعنى أن الغالبية، بما فيهم ابن خلدون، يرون أن موجبات القيام والنهوض الحسيني توفرت في عهد معاوية. وينسب ابن خلدون إلى معاوية في بداية مقتله نصيحته إلى ابنه يزيد بقوله: يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأمور، وأخضعت لك رقاب العرب، وجمعت لك ما لم يجمعه أحد، وإنّي أخاف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي انتسب لك إلّا أربعة نفر من قريش: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر. والمفارقة التي يدوّنها ابن خلدون في مقتله، أنه بطريق غير مباشر يبرّئ معاوية من دم الإمام الحسين (ع)، حينما يشير إلى أن نصيحة معاوية إلى ابنه هو أن يعفو عن الإمام الحسين (ع) بقوله: “وأمّا الحسين فإنّ أهل العراق لم يدعوه حتى يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحمًا ما مثله، وحقًّا عظيمًا”.
وعديدة هي المواقع والقصص التي دوّنها ابن خلدون في تاريخه، وتعكس تحامله وبغضه لأهل البيت ومحبته إلى أعدائهم. فقد عدّ في تاريخه معاوية من الخلفاء الراشدين، وبذل قصارى جهده للدفاع عنه، وقد أطلق على من اعتبر معاوية كسرى العرب اسم (أهل الأهواء)، وشبّهه؛ أي معاوية بسليمان بن داوود. ويكرّر ابن خلدون الدعاء التالي حين الانتهاء من كل كلام يتعلّق ببني أمية: “والله يحشرنا في زمرتهم ويرحمنا بالاقتداء بهم”.
ويتفق أغلب المؤرّخين على أن البيعة التي أخذها معاوية لأبنه يزيد كانت بالتهديد والقهر والتزوير والترغيب. إلّا أن ابن خلدون يعتبرها؛ أي البيعة تحتوي على مصلحة اجتماعية وعامة للناس. لذلك يقول: “والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه، إنّما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه”. وفي موقع آخر يبرّئ معاوية من انحراف وفسق يزيد؛ إذ يقول: “ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلافته، فإيّاك أن تظن بمعاوية أنه علم ذلك من يزيد، فإنه أعدل من ذلك وأفضل، بل كان يعذله أيام حياته في سماع الغناء وينهاه عنه”. ولكون الغاية المسيطرة على ابن خلدون في هذا السياق، هو الدفاع عن بني أمية مما أوقعه في مفارقات وتناقضات صارخة، فقد اعتبر يزيد وأنصاره مجتهدين في الدين، وقتلهم الحسين كان اهتمامًا منهم بأمر الدين. إذ يقول ما نصّه: “والحسين فيها شهيد مُثاب، وهو على حق واجتهاد، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضًا واجتهاد”، وفي موقع آخر اعتبر يزيدًا والإمام الحسين (ع) معًا على حق. وفي النص الآنف الذكر مغالطة تاريخية كبرى، لم يكن في جيش يزيد صحابة، بل الصحابة كانوا مع الإمام الحسين (ع)، فقد ذكر بعض المؤرخين أن هناك أكثر من خمسين شهيدًا من شهداء كربلاء كانوا من أصحاب رسول الله (ص).
2ـ. امتاز ابن خلدون في مقدّمته، أنه أعاد كل الظواهر السياسية والحضارية التي تجري للأمم إلى أسبابها وعواملها المباشرة وغير المباشرة، وعمل على الاعتناء بعملية التحليل التي توضح الأسباب والعوامل لكل الظواهر، ولكن في المقتل لم يلتزم بهذا النهج، وإنما اكتفى بعملية السرد التاريخي، الذي يتجاوز بيان الأسباب والعوامل التي أدّت إلى ثورة الإمام الحسين (ع). وفي تقديرنا إن تغييب منهج التحليل وبيان الأسباب التي أدّت لهذه الظاهرة، هي محاولة لتبرئة السلطة السياسية الأموية من مسؤولية ما جرى في كربلاء، وتحميل العسكر وعلى رأسهم عمر بن سعد مسؤولية ذلك.
وينقل صاحب كتاب الصواعق المحرقة عن أبي حامد الغزالي قوله: “لا ينبغي للخطيب وغيره رواية مقتل الحسين، وأيضًا رواية ما يدور بين الصحابة من سجالات وخصام؛ لأن ذلك يستوجب الطعن بأعلام الإسلام والدين”.
-
مع العلم أن أئمة أهل البيت (ع) دوّنوا في روايات واضحة ما جرى للإمام الحسين (ع)، إلّا أن ابن خلدون في مقتله تجاهل ذلك، بل تجاهل ما قاله الإمام الحسين بحق مسلم بن عقيل. لذلك نجد ابن خلدون يذكر أن مسلم بن عقيل خشي الذهاب إلى الكوفة، وجَبُن من القيام بالمهمّة التي أوكلها إليه الإمام الحسين. إذ يقول في مقتله: “سار مسلم فدخل المدينة وصلّى في المسجد، وودّع أهله، واستأجر دليلين من قيس فضلّا الطريق، وعطش القوم فمات الدليلان بعد أن أشارا إليهم بموضع الماء، فانتهوا إليه وشربوا ونجوا فتطيّر مسلم من ذلك وكتب إلى الحسين يستعفيه، فكتب إليه خشيت أن لا يكون حملك على ذلك إلّا الجبن فامض لوجهك والسلام”.
كما أنه؛ أي ابن خلدون، تجاهل بشكل تام ذكر الإمام الحسين وفضائله، وتعامل مع شهادته وما جرى فيها من مآسي وويلات وكأنها معركة عسكرية حدثت بين جيشين.
-
العجيب في مقتل ابن خلدون، أنه ذكر أهم المقدّمات التاريخية للنهضة الحسينية، كما ذكر حركة المختار بعد الثورة، إلّا أنه لم يذكر البتة مقتل الإمام الحسين. ولو دقّقنا في المقتل لوجدنا أن عناوينه الرئيسية هي: “وفاة معاوية ـ بيعة يزيد ـ مسيرة الحسين إلى الكوفة”، (وهنا يركّز فقط على إرسال مسلم بن عقيل إلى الكوفة – مسيرة المختار إلى الكوفة).
أمّا حادثة كربلاء وما جرى للإمام الحسين (ع)، وكيف حدثت المعركة، وأهم أحداثها، وأسماء الشهداء، وزعماء المعسكر الأموي، فإنه لا يذكر أي شيء من ذلك. بمعنى أن ابن خلدون تحدّث عن مقدّمات كربلاء دون أن يتحدّث عن كربلاء وما جرى فيها. وفي تقديرنا أن مردّ ذلك يعود إلى الأسباب التالية:
-
لإعطاء ما جرى في كربلاء بعد الطبيعي، وأن ما جرى هو مجرّد معركة عسكرية بين مجموعتين مسلحتين. وفي هذا دفاع عن السلطة الأموية، التي خطّطت ونفّذت أكبر جريمة في التاريخ الإنساني بقتلها حفيد الرسول الأكرم (ص).
-
لتغييب التجاوزات الكبرى التي ارتكبها الجيش الأموي بحق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه، حيث إنه في كربلاء ارتكبت تجاوزات لا يقبلها الطبع العربي، ولا يقرّها الدين الإسلامي من قبيل التمثيل بالجثث، أو مهاجمة النساء وحرق الخيام وقتل الأطفال وما أشبه ذلك. وعلى رأس هذه القضايا، هي قضية الأسرى، حيث إن المعركة لدى جميع المؤرّخين بين مسلمين، وكل الفقهاء والعلماء يقرّرون بأن لا أسر في معارك المسلمين. فكيف حدث أسر في معركة كربلاء، وعلى رأسهم نساء أهل البيت وأحفاد الرسول (ص)؟ إننا نعتقد أن عدم ذكر ما جرى في كربلاء، هو في أحد جوانبه لتغييب التجاوزات الكبرى التي ارتكبها الأمويون بحق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ومقدّسات المسلمين.
-
لرفع المسؤولية عن السلطة السياسية الأموية في الشام، لأننا ندرك أن حجم هذه المعركة وفظاعتها، وإصرار الجند الأموي وقيادته على القيام بها، كلها مؤشرات تجعلنا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن ما جرى في كربلاء هو بقرار سياسي اتخذه يزيد بن معاوية وطبّقه ونفّذه العسكريون الأمويون، وجميع الأحداث التي جرت في الكوفة وفي الشام وقبلهما في مكة المكرّمة، كلّها تؤكّد أن السلطة الأموية هي التي تتحمّل مسؤولية ما جرى في كربلاء.
وتغييب هذه المعركة وفظاعاتها من مقتل ابن خلدون، هو محاولة منه لإعطائها طابعًا موضعيًّا قام به الجيش الأموي تجاه تمرّد مسلح حدث في منطقة من مناطق الدولة الإسلامية. ولا نضيف شيئًا في هذا السياق إذا قلنا: إن ابن خلدون في تاريخه ينافح عن الأمويين، ويدافع عن سياساتهم وممارساتهم. ولكون مأساة كربلاء مما يصعب عليه الدفاع عن الموقف الأموي فيها، فكانت سياسة التجاهل والتجاوز هي أسهل وأنجع السياسات التي لا تسيء إلى الأمويين، وتنظر إلى ما جرى في كربلاء وكأنه معركة عسكرية محضة.
المقالات المرتبطة
التوحيد والعدل في فكر العلامة محمد جواد البلاغي
لا تخرج المسائل العقائدية عن الزمن وتطوّراته، إذ تشكّل بالنسبة للمؤمنين بها، ركائزًا منها تتشكل مقارباتهم وقياساتهم لكل مستجدّات العصر
الإنسان المحور
عن رؤيته للأديان، وفلسفة الدين، والإنسان وموقعيته، كان لنا حوارًا طويلًا في لقاء جمعنا مع البروفيسور بولس خوري
الإنسان من خلال الطبيعة والشخص والفطرة
الإنسان، في التقليد المنطقيّ الشائع، عبارة عن “جسم نامٍ، حسّاس، متحرّك بالإرادة، ناطق”.