أقام المنتدى الدولي للحوار المسؤول في معهد المعارف الحكمية ندوة فكرية بعنوان: حوار منهجي في العلمانية، وذلك عبر الفضاء الافتراضي، شارك فيها الأستاذ الدكتور حسين رحال، والدكتور يوسف حمادي، والإدارة كانت للإعلامي عدي الموسوي.
البداية كانت مع الأستاذ الدكتور حسين رحال بمحاضرة تحت عنوان: نحو تجاوز ثنائية العلماني الديني في الاجتماع العربي الإسلامي، تطرق فيها إلى أن فكرة العلاقة بين العلماني والديني هو موضوع مهم وشامل ودائم الجدل في الفكر والسياسة.
واعتبر الدكتور رحال أنه لكي ندرس هذه الظاهرة بدقة لجأنا إلى مجموعة من الكتابات التي اعتمدها علماء الاجتماع في محاولة التقاط نماذج العلمانية، وهناك نموذج يستخدمه عدد من العماء أمثال ألفريد ستيفان وراجيف بهارغاف الذين اعتمدوا على ثلاثة معايير من المستويات: مستوى الغايات، مستوى المؤسسات، ومستوى السياسات.
ولفت إلى أن هذه العناصر الثلاث، عناصر الانفصال يصفها الباحثان بأنها في نفس الوقت هي عناصر اتصال وليست فقط عناصر انفصال.
وأشار إلى وجود علمانيات وليست علمانية واحدة، والتركيز على العلمانية الفرنسية والأميركية هو تركيز مخادع لا يسمح لنا برؤية مآلات الأمور.
واعتبر الدكتور رحال أن أي تحالف إذا انتصر يكون للكنيسة أو المؤسسة الدينية دور معه.
ورأى أن العلمانية نشأت بعد الحروب الدينية نتيجة طوق الناس إلى عالم علماني.
ولفت إلى أن النمط الأوروبي متعدد إلى حد نقول إن غايات الدولة لا تنفصل عن غايات المؤسسة الدينية.
ثم أضاف، أنه في موضوع الغايات يسجل لعدد من الباحثين مثال بهارغاف إدانتهم للدولة العلمانية غير الأخلاقية، وأن الدولة الأفضل، حسب رأي بهارغاف، هي الدولة الأخلاقية. وهذا تطور كبير في فهم العلماني، إذا بقي علمانيًّا، لمسار العلمانية.
ثم تطرق الدكتور رحال إلى أن فهم المفكرين الغربيين للعلمانية أن الفصل بين أميركا وفرنسا مختلف، ففي أميركا الفصل الأميركي مطلوب منه حماية الدولة المدنية عن سطوة الدولة، بينما الفصل في فرنسا، العلمانية تحمي الدولة من الكنيسة والدين.
وتساءل هل أن سياسات الدولة نحو الأفراد هي سياسات تمييزية أم أنها تعامل الفرد كسياسي؟ معتبرًا أنه في موضوع السياسات هناك أزمة كبيرة للعلمانية يتبدّى في بعض الظروف كأزمة الحجاب مثلًا…، ما دفع الكثير من العلماء الدارسين للعلمانية إلى لقول: إن على العلمانية أن تؤهل نفسها لتصبح مطابقة للمواصفات الإنسانية.
واعتبر أن هناك مسارًا في النماذج العلمانية في العالم يتكيف مع الدين، ويحترم الخصوصيات الثقافية والدينية والاجتماعية ويلبي حاجتها الخصوصية.
ورأى، أنه الآن في المجتمعات التي تأخذ بظاهرة الدولة فإنها تبتعد عن الفصل في الغايات والفصل في المؤسسات والفصل في السياسات.
وأشار إلى أن علماء الاجتماع حاليًّا يدعون إلى تسوية تحفظ فيها عمومية الدولة وخصوصية الدين… وحق الناس في التدين وفي الفصل.
ثم تساءل الدكتور رحال، هل تنتج المجتمعات الإسلامية حداثتها بما يناسب الوقت الراهن، أو نموذج العلاقة بين الدولة والدين في داخل الثقافة الإسلامية؟ الجواب، نعم، نحن لسنا مضطرين لنموذج فرنسي وغيره، نحن نحتاج إلى بناء حداثتنا الخاصة.
واعتبر أن العلمانية لم تنه الميل نحو المقدس الاجتماعي، المقدس انتقل من الدين إلى الدنيا في قسم منه، والإنسان لا يحيا بدون مقدّسات.
وسأل لماذا لا نعتبر النموذج الإسلامي في إيران بداية، كذلك في بلدان إسلامية أخرى يكون لها نماذجها الخاصة؟
وختم الدكتور حسين رحال محاضرته بالقول: إننا إذا دققنا في ظاهرة العلمانية جيدًا، نستطيع أن نتجاوز الأساطير المؤسسة لثنائية العلماني الديني في الاجتماع العربي الإسلامي.
المحاضرة الثانية كانت مع الدكتور يوسف حمادي تحت عنوان: العلمانية كبراديغم. حيث تطرق إلى تعريف مفهوم البراديغيم، فهو عبارة عن مجموعة من الفرضيات النظرية، الأطروحات، الأدوات المنهجية، القواعد والممارسات العلمية التي يحملها مجموعة من العلماء ويستخدمونها في حقل علمي محدد (فيزياء، علم اجتماع، علم نفس… مثلًا براديغيم الماركسية، براديغيم التحليل النفسي. (….
معتبرًا أن هذا البراديغيم / النموذج الإرشادي هو بمثابة إطار يتحرك العلماء بداخله، غالبًا لا يخرج العلماء من إطارهم النظري لإيجاد حل للغز أو أحجية تواجههم خلال عملهم. لأن الخروج من البراديغيم والبحث عن تفسيرات خارجه يعني دخوله في أزمة.
وأشار إلى أن قوة البراديغيم وقدرته على الهيمنة في مجال علمي محدد، أنه الأنجح في تقديم التفسيرات وفي حل الألغاز، و عندما يكف عن القيام بهذه المهمة يصبح في خطر، وهنا يكون قد أصيب في نواته الصلبة.
ثم تطرق الدكتور حمادي إلى مفهوم الجماعة العلمية، فهم مجموعة من العلماء الكبار في حقل علمي محدد، ممن يتولون التدريس في أهم الجامعات، وممن ينشرون أبحاثهم في أهم المجلات العلمية. لافتًا إلى ما يقوله هؤلاء يصبح حقائق غير قابلة للنقاش.
واعتبر أن مفهوم العلمانية، كان في البداية يعني حقبة زمنية، ولاحقًا انتقل إلى مفهوم الزمن الأرضي، بعد نزول البشر من السماء إلى الأرض. مشيرًا إلى أنه في القرن الثالث عشر استخدمته الكنيسة للتمييز بين نوعين من رجال الدين: رجال الدين الدنيويون، ورجال الدين المتنسكون في صوامعهم المعزولون عن الدنيا وشؤونها.
وأضاف أن نظرية العلمانية – التقدّم هذه بلغت من القوة حدًّا دفع بأحد علماء اجتماع الأديان (خوسيه كازنوفا) إلى القول: إنها “بلغت حدًّا من الإجماع، والمصداقية جعلها تقع خارج دائرة أية مساءلة أو تشكيك أو دحض، وخارج أي تدقيق في علمية أدلتها”.
واعتبر أن نقض مسلّمة تلازم التحديث مع العلمانية وخروج الدين من الفضاء العام لم تؤد أطروحة تلازم العلمانية والتحديث إلى نهاياتها السعيدة فمعظم دول العالم الثالث التي تبنت هذا الخيار لم تصل إلى التقدم الموعود فلا مصر اقتربت من الاتحاد السوفياتي، ولا إيران لحقت بالولايات المتحدة الاميركية، لافتًا إلى أن هذان الحدثان وخاصة الثورة الإسلامية في إيران أيقظت العالم على حقيقة أن الدين لا يزال فاعلًا وأنه لا يزال عاملًا محددًا في بنية المجتمعات، وأن إجراءات العلمنة التي تبنّاها الشاه لعشرات سنوات سقطت خلال أيام. ما شكّل أول اهتزاز كبير في مصداقية البراديغيم.
وأكّد أنه ليس صحيحًا أن هناك حداثة واحدة هي الحداثة الغربية، وهذه الحداثة تشترط فصل الدين عن الدولة كشرط لتحققها، بل هناك حداثات أخرى (اليابانية / أندونسيا / الهند / إيران ) يمكن أن يكون الدين شرط أساسي لتحقّقها.
وختم الدكتور يوسف حمادي محاضرته بقول لرودني ستارك من أن براديغيم العلمانية مات، ويجب دفنه في مقبرة النظريات الفاشلة.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.