توازنات المنطقة والعالم في ظل الانحدار الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية

 
 
عقد المنتدى الدولي للحوار المسؤول نهار الأربعاء الواقع في 14/ 10/ 2020 ندوة حوارية بعنوان: “توازنات المنطقة والعالم في ظل الانحدار الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، أدارتها الإعلامية بثينة عليق. وشارك فيها من أميركا كل من: الأستاذ الدكتور زياد حافظ، والأستاذ الدكتور سيف دعنا. ومن لبنان كل من: الأستاذ وليد شرارة، والأستاذ جمال واكيم.
افتتحت الإعلامية بثينة عليق الندوة بالترحيب بالضيوف الكرام كلٌّ باسمه، ثم تحدثت عن الأزمة التي تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية، وأنّها تعاني من مسألة التجديد الحضاري وتتحضر لحرب أهلية جديدة، وطرحت عدة أسئلة انطلاقًا من خسارة أميركا ثقة نسبة كبيرة من الشعب وإضافة إلى خسارة الكثير من صورتها في الخارج، ما الذي تغير في الداخل الأميركي؟ وكيف أثّر الوضع الداخلي على تأثيرها ونفوذها في العالم؟
بعدها افتتحت الإعلامية بثينة عليق باب الحوار، وكانت البداية مع الدكتور زياد حافظ من أميركا، الذي تحدث عن تفكك الولايات المتحدة الأميركية، وأنّه من أوائل الذين تحدثوا عن هذا التفكك وأصبح اليوم أكثر قربًا وحقيقة، وأشار في مرحلة لاحقة إلى الخلل في البنية السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية التي تتبع سياسات الهرب إلى الأمام لعدم مواجهة القضايا الداخلية.
ولفت الدكتور حافظ إلى أنّه قد حصل تزايد في وتيرة الانحدار بسبب عوامل جوهرية، موضحًا أنّ ما حصل في السنوات الأربعة الماضية هو تسريع الوتيرة لأنّ ترامب يشكل الوجه الحقيقي لشريحة واسعة من الأميركيين، ويقوم بشكل واضح بما كانت تقوم به السياسات السابقة.
وقال: يوجد في التركيبة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية تصادمًا بين الريف والديموغرافيا والتنوع السكاني هو الأساس، وبالتالي هناك عدم انسجام بين المكونات لهذا المجتمع، بينما في الداخل الأميركي هناك أكثر انسجامًا.
وأشار الدكتور حافظ إلى الانهيار الحاصل في المنظومات السياسية والفكرية التي كانت تتحكم بالحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي والانفصام بين القاعدة والقيادة، وتوقع أن يكون الإقبال ضعيفًا جدًا في الانتخابات. وقال: من الواضح أنّ عدم الاستقرار سيكون القاعدة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذا الانهيار، وكنت أشعر بالتحولات والأزمة منذ أكثر من عشرين سنة ولكن الكورونا أظهرتها للجميع الآن أكثر، وهناك عدة سرديات تترابط معها:
أولًا: ما حصل هو تغيّرات بنيوية في المنظومة الرأسمالية التي كانت منتجة، والتفكيك الحاصل في البنية الصناعية، فصارت تستورد أكثر ما تصدّر، ممّا أدى إلى تحولات اجتماعية في توزيع الثروة حيث اللامساواة هي الأساس.
ثانيًا: الإهمال المتعمد من قبل النخب الحاكمة في إعادة تأهيل البنية التحتية التي هي القاعدة الأساسية للإنتاج.
ثالثًا: الانفصام الحاصل بين الواقع والعالم الافتراضي، فالنخب الحاكمة منذ السبعينات ارتأت أن تقوم بخيارات اقتصادية سياسية واليوم تحصد نتائجها في تحويل الاقتصاد الإنتاجي إلى اقتصاد ريعي إنتاجي. 
ورأى الدكتور حافظ أنّ البنية الرأسمالية هي التي تحركت وأدّت إلى تغييرات في المجتمع، وساعدها في ذلك التغيرات في البنية السكانية فالنمو الطبيعي للسكان هو دون المستوى المطلوب للحفاظ على المستوى الحضاري، بالتالي هم بحاجة إلى الهجرة التي بدورها أدّت إلى كسر التوازن الذي كان قائمًا في الولايات المتحدة حتى منتصف السبعينات. وقال: أعتقد أنّه بحلول 2040 لن تكون الأكثرية البيضاء هي الأكثرية، والبنية السياسية التي انبثقت عن مرحلة التأسيس لم تعد صالحة لاستيعاب هذه التغييرات. 
وأكد الدكتور حافظ أنّنا في مرحلة انتقالية وهنالك محاولات جدية لخلق نظام مدفوعات عالمي يتجنب الدولار والحراك المزاجي في القيادة الأميركية في التحكم بالأمور، لن يفرز عن عملة واحدة بل عن أساليب مدفوعات متعددة مثل مدفوعات بالعملة الوطنية، ومدفوعات بالتبادل العيني، ومدفوعات بسلة من العملات الافتراضية أو الفعلية المرتكزة على الذهب أو غيره.
وختم الدكتور زياد حافظ بالقول: إنّ المستقبل لنا وليس لغيرنا، والفرصة التاريخية المتاحة لنا كبيرة جدًا، والخطة للوصول إلى ما نريده للنهضة بمجتمعاتنا العربية موجودة تبدأ على الصعيد الاقتصادي في مفهوم التشبيك الاقتصادي. وفي لبنان لا يمكن أن تحل المشكلة الاقتصادية بمعزل عن خيارات استراتيجية وتكوين الكتلة العربية التي تستطيع أن تقوم بالعلاقة الندّية مع كل دول الجوار في المنطقة، معتبرًا أنّ النموذج الصيني الاقتصادي جدير بالدراسة. مشيرًا إلى النموذج القرآني الذي تكلم عنه السيد محمد باقر الصدر في كتابه “اقتصادنا” وهو عدم التركيز على تراكم الثروة بل على توزيعه. مؤكدًا على أنّه لا يجب أن يكون العمل على تكوين الثروة، ولكن على تكوين المعرفة.
ثم بعد ذلك، تحدث الأستاذ وليد شرارة من لبنان، وقال: إنّ الثقة في المثال الأميركي تتراجع بسبب الانقسام السياسي والعنف المتفشي بسبب السلاح وانتشار الإدمان، وسوء الإدارة المالية، وتزايد عدم الموازاة في الداخل الأميركي، والبنية التحتية السيئة، وترامب المثير للجدل كلها مؤشرات لذهابها إلى وضع أسوأ. ولكن تماسك الوضع الداخلي الأميركي ارتبط بقدرة الولايات المتحدة الأميركية على السيطرة والنهب ومنع صعود المنافسين. 
ولفت الأستاذ شرارة إلى ديناميات العولمة التي سمحت لقوى أخرى غير الغربية بأن تصبح أقطاب في العولمة كالصين والهند وغيرها، ممّا أدى إلى تأجيج التناقضات الداخلية، ونحن اليوم أمام شرخ حقيقي، والعديد من الباحثين والمفكرين يتحدثون عن أميركيتين من جهة النخب المعولمة، ومن جهة أخرى كتلة ترامب.
وعن موضوع تعزيز وتعميق الأزمة في الولايات المتحدة الأميركية قال الأستاذ شرارة: الحرب على الإرهاب وأفغانستان والعراق وأكلاف هاتين الحربين المباشرة بشريًّا واقتصاديًّا أظهرتا حدود القدرة الأميركية على السيطرة واستطاعت المقاومات أن تفشل كل أهدافها.
واعتبر الأستاذ شرارة أننا اليوم في خضم عملية صراعية محتدمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي قد تكون طويلة، وما سيحدد المستقبل هو كيف ولمصلحة من ستُحسم هذه الصراعات؟ 
وختم الأستاذ وليد شرارة بالقول: الولايات المتحدة الأميركية سيطرت على العالم عندما كان بإمكانها شن الحروب، واليوم أصبحت أضعف من ذلك، وهي اتبعت في منطقتنا سياسة ضغط على إيران ومحور المقاومة، ومحاولة خلق حرب هجينة نتيجة عجزها عن شن حرب أخرى، ونحن في هذه المنطقة تحديدًا استطعنا أن نحقق إنجازات عندما تراجعت السيطرة الخارجية.
بعد ذلك، انتقل الكلام إلى الدكتور جمال واكيم من لبنان، الذي تحدّث عن الأسباب الداخلية التي أدت إلى تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأميركية وقدرتها على السيطرة والنهب وقال: ليست الولايات المتحدة الأميركية أول إمبراطورية في التاريخ ولن تكون الأخيرة بمفهومها القائم على مركزة رأس المال والثروة، والعولمة ليست ظاهرة جديدة، ورأى أنّنا نتجه إلى نظام متعدد الأقطاب.
واعتبر الدكتور واكيم أنّه منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن لم يمر عقدًا من الزمن لم تشن فيه حربًا كبرى إلى أن انتفت قدرة النهب لديها، وتحديدًا مع حرب العراق، وعدم سيطرتها على النفظ نتيجة تصاعد المقاومة العراقية، كما وتبين أنّ الحروب الحديثة التكنولوجية مكلفة جدًا، مما يدل على أنّها لن تبقى القوة الأساسية في العالم.
وأشار الدكتور واكيم إلى التوقعات بتقسيم الولايات المتحدة الأميركية إلى عدة دول، وقال: بتقديري أنّها لم تغرق عندنا إلا في محاولة لاحتواء الصين. ثم تحدث عن حرب أفغانستان، وأحداث 11 أيلول متسائلًا حول نظرية المؤامرة، وهل هناك من الداخل الأميركي من كان يعرف بما سيحصل في 11 أيلول ولكنه غض النظر من أجل غزو أفغانستان؟ وبيّن سبب غزو أفغانستان الذي يخدم الفصل بين الصين وايران، لأنّ أفغانستان هي أعلى هضبة في أوراسيا، ومنها يطل الأميركيون على منطقة وسط آسيا التي تشكل نقطة ضعف في الأمن القومي الصيني.
وختم الدكتور واكيم بالقول: لا تزال الولايات المتحدة تسيطر على مصر، لأنّها تاريخيًّا إمّا أن تكون القوة البحرية الأولى في العالم، أو تقع تحت سيطرة القوة الأولى في العالم، وفشل البريكس لأنّ الأوراسيين عندهم قصور نظر بإيلاء أهمية لإخراج مصر من القبضة الأميركية، وقال: المنطقة أمام فرصة تاريخية لها حيثياتها، وتتكرر المسائل في البعد الجغرافي دائمًا لأنّ الجغرافيا ثابتة، والصراع بين الكتلة الأوراسية والكتلة الأطلسية سيكون على أفريقيا وسيكون على المحيط الهندي، والكتلة الأوراسية نجحت بفك الحصار عن نفسها، من هنا حاولوا إيجاد البديل وكانت السودان التي حاربوها فيما بعد.
وتحدث الدكتور سيف دعنا من أميركا، عن الأسباب الداخلية التي أدّت إلى أزمة في الولايات المتحدة الأميركية وفقدانها لقدرتها على النهب في العالم، وأن تعود دولة طبيعية، فهي ذاهبة إلى التفكك، وقال: من الضروري وضع الصورة العامة لكل الأحداث لأنّنا نعيش مرحلة انتقالية على المستوى العالمي وهو السياق الأكبر الذي تحدث فيه التحولات داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار الدكتور دعنا إلى الهيمنة الغربية على العالم الذي تم اختراعه منذ القرن الثامن عشر، وهذا يفترض أنّ التحول ليس تقليديًّا في المنظومة العالمية، وما يحصل الآن يشبه الانقلاب الحضاري الذي ترافَق مع اختراع العالم في القرن التاسع عشر.
وقال الدكتور دعنا: لدينا فرضيات تقول إنّ النظام العالمي كان موجودًا قبل القرن الثامن عشر وتأسس في الشرق، وما يحصل الآن هو إعادة انتقال النظام العالمي إلى الشرق مرة أخرى، ولكنه سيترافق مع عقيدة جديدة كبديل للأيديولوجيا الأوروبية. 
واعتبر الدكتور دعنا أنّ الديمقراطية هي أحد آليات الحكم الرأسمالي، ويتم انتقال السلطة بين أطراف الطبقة الحاكمة، وتحدث عن ترامب أنّه ليس جمهوريًّا بالمعنى التقليدي.
ثم قال: إنّ البعد الأيديولوجي والعقائدي هو من أدوات الهيمنة الغربية على العالم والمطلوب هو إيجاد سردية مختلفة للعالم قبل وبعد الهيمنة الغربية. 
ثم تحدث الدكتور دعنا عن قدرة الصين على الصراع معتبرًا أنّ ما يميز الصين عن كل دول العالم الأخرى العناصر غير الرأسمالية والاستراتيجية والأبعاد الاشتراكية، ففي الصين تعود ملكية البنوك للدولة تحديدًا، والملكية الاشتراكية للأراضي، وهي العائق الأساسي أمام الولايات المتحدة الأميركية من القضاء عليها.
ورأى الدكتور دعنا أنّ هذه السردية هي جزء من الانقلاب الحضاري ولكن الإشكالية في فهمه، ونحن نرى أنّ الحضارة هي إنسانية والجميع يساهم فيها، ولا أتبنى صيغة صراع الحضارات الغربية التي تم الترويج لها، بل أتحدث عن صيغة جديدة لتخيّل طريقة العيش في المستقبل بطريقة مختلفة عن الرأسمالية.
وختم الدكتور سيف دعنا بالقول: أنّنا أمام نموذج اقتصادي بديل، وهناك نموذج سياسي، ولكن القضية الأساسية التي نمر فيها هو السردية الجديدة التي نحتاجها وهذا يتضمن قضيتين:
الأولى: إعادة سرد تاريخ العالم ودور الغرب فيه منذ القرن الثامن عشر، لإعادة النظر بماهية الغرب وماذا فعل هذا الغرب؟
الثانية: بداية التأسيس لسردية وأيديولوجيا وعقيدة جديدة، لطريقة العيش في المستقبل والنظام العالمي الذي سينتج عن الصراعات القائمة الآن، والتي هي ليست عسكرية وجغرافية وسياسية فقط، بل هي عقائدية أيضًا. 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
لبنانالولايات المتحدة الأمركيةفلسطينالتطبيع

المقالات المرتبطة

النظام العالمي ينتقل إلى الشرق الجديد! دكتور سيف دعنا.

من الندوة التي عقدها المنتدى الدولي للحوار المسؤول بعنوان “توازنات المنطقة والعالم في ظل الانحدار الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية” في معهد المعارف الحكمية بتاريخ 14 تشرين أول 2020 عبر تطبيق الزوم ميتينغ وعبر منصتنا على الفايسبوك.

التمييز بين المعرفة والوظيفة- الدكتور إدريس هاني

يجب أن نميّز بين المعرفة والوظيفة، فالمعرفة حاصلة وتتطور وقابلة للتسخير والاستعمال في كل الاتجاهات.

الاستشراق مقدمة للاستعمار- الدكتور فوزي العلوي

“المستشرقون لا يمكن أن يقفوا على أرضية واحدة… منهم من وقف موقف الحق، والكثير منهم للأسف ارتبط اسمهم بدوائر القرار الاستعماري وتنزل ضمن شبهة الاستعمار الجديد”..

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<