حكومات تتآمر وشعوب تنتفض: لا للتطبيع

حكومات تتآمر وشعوب تنتفض: لا للتطبيع
 
في خضمّ حملات التطبيع التي يشهدها عالمنا العربيّ والإسلاميّ حيث يقوم العدوّ الصهيوني بمحاولات كثيرة لطمس حقيقة عروبة فلسطين، وحقّ الفلسطينيين في أرضهم ومقدّساتهم التي ليست مقدّسات إسلاميّة فحسب، بل ومسيحيّة وتاريخيّة أيضًا، حيث شهدت تلك المقدّسات والآثار على تاريخ وحضارة الذين سكنوا تلك الأرض وجعلوها بلادًا لهم واستفادوا من خيّراتها، واستمرّت الأجيال بتوريث هذا الإرث الثّمين لأبناء الأرض جيلًا بعد جيل حتى بدأت هجرة اليهود لفلسطين منذ العالم ١٨٨٢ عندما هاجر اليهود إلى فلسطين من أوروبا، حيث كان هناك خلافات بين اليهود والأوروبيين الذين اعتبروا اليهود عبئًا عليهم وعلى حضارتهم. ومنذ أن بدأ الاحتلال البريطانيّ لفلسطين والمنطقة وجدت بريطانيا حجّة دينيّة لزرع اليهود في فلسطين بهدف سرقة خيرات فلسطين والتّخلّص من اليهود في أوروبا.
حتّى لا ندخل في تفاصيل الهجرة والاحتلال الصهيوني لفلسطين فإنّه من الجدير ذكره أنّ هناك فرقًا بين اليهوديّة والصّهيونية، فإن كل صهيونيّ يهوديّ وليس كلّ يهوديّ صهيونيّ.
لقد نشأت العديد من الحركات الدّينية اليهوديّة التي تُدين الحركة الصّهيونيّة والتي تُمارس أسوأ أشكال الحروب والعنف والتّدمير على الفلسطينيين عبر الزّمن.
وبالحديث عن الدّين فإنّ الدّول الإسلاميّة التي لجأت إلى الخيارات الانهزاميّة أمام العدوّ الصهيوني وهي دول لم تدخل يومًا في صراع مع العدو الصهيوني، فإنّ هذا النّوع من التطبيع أخطر بكثير من تجارب التطبيع السّابقة التي حصلت في مصر والأردن ومع السّلطة الفلسطينية.
 هذا التطبيع له بُعدٌ آخر وهو تطبيع يهدف إلى إضعاف الأمّة الإسلاميّة المتكاملة عبر إظهار ثقافة معيّنة للعدو بأنّه يبحث عن السلام والأمان بيننا. ومنذ أن بدأت موجة التطبيع الجديدة بشكل رسميّ مع دولة الإمارات والبحرين فإن الهدف كان استهداف الفكر، إذ يحاولون تغيير فكرتنا حول العدوّ الصهيوني محاولين إظهار صورة حسنةٍ عن العدوّ.
وأكثر ما يُلفتُ النّظر هو أن هذه الدّول الإسلامية تُحرّف في الدّين والتّاريخ الإسلاميّ لإظهار أن التطبيع هو طريق نحو السّلام العالميّ مع غضّ النّظر عن آلة القتل الصهيونيّة في فلسطين ولبنان، حيث ارتُكبت أفظع المجازر على مرّ العقود، فيما بعض النّفوس محتارة إن كان التطبيع حلالًا أم حرامًا، حتّى وصل البعض للظنّ بأن الفلسطينيين هم سبب المشكلة مع الصهاينة! وانتقل مرض العنصريّة من الصهاينة إلى بعض العرب خصوصًا في الخليج الذين بات بعضهم يشتم علنًا الشعب الفلسطيني وينعته بالشعب المتخلّف والغير حضاريّ متناسين تاريخ وحضارة فلسطين وإرثها أمام حضارتهم وإرثهم في الخليج العربيّ.
من النّاحية الدينيّة فإن أمّة محمّد (ص) لا تُطبّع ولا تتنازل عن شبر من أرضها لا لليهود ولا لأي مستعمر آخر، ولقد كان في التّاريخ تجارب حركات مقاومة عربيّة وإسلاميّة قاومت الاستعمار الغربيّ بكل أشكاله.
الأمّة الإسلاميّة لا تطبّع وهي الأمّة التي تتّبع خير الرّسل رسول الإسلام محمّد (ص)، وهو الذي نشر تعاليم الدّين والحق في الأرجاء، وكلّما اختلطت الأمور على المسلمين في العالم فإنّهم يعودون لكتاب الله وتعاليم الرّسول (ص). كما في أيّ شُبهة فإن الرّسول (ص) وتعاليمه تبقى أصدق وأوثق ما يرجع إليه المسلم فهو وحي الإله عزّ وجلّ بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾[1]. فما قام الرّسول (ص) بفعل إلّا بوحي من الله عزّ وجلّ.
في تجربة عهد المسلمين مع العدو فإنّ التجربة التي يُحاول شيوخ التطبيع شرحها وسردها منتقصةً أو مُحرّفة هي معاهدة التّعايش التي عقدها الرسول (ص) مع اليهود، وكي لا ندخل في تشبيه وربط اليهود والحركة الصّهيونيّة حيث تمّ شرح ذلك مُسبقًا، فإن ما يهمّ هنا هو أخذ العبرة من التّجربة بغضّ النّظر عن الذي تُعقد معه اتّفاقيّة التّعايش هذه.
في تلك التّجربة دعا الرّسول (ص) اليهود إلى الإسلام الذي يصدق ما بين أيديهم من التّوراة، ولكنّهم لم يفوا بالعهد حتى قال الله فيهم: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ *  أَو كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ* وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[2].
وفي محاولات المطبّعين الحثيثة لتشويه التّاريخ الإسلامي في إظهار أن السلام مع إسرائيل هو سبيل لتحقيق مسعى الإسلام في رسالته السلميّة، فإن حقيقة الأمر أن الإسلام دين سلام ومحبّة، ولكنّ استمرار الكيان الصهيوني في نقض العهود والاتفاقيات، وحملاته العبثيّة نحو طمس التّاريخ الفلسطيني، والاستيطان داخل الأراضي الفلسطينيّة، وحصار أبناء غزّة والضّفة، وتدنيس المسجد الأقصى وجعله ثكنة عسكريّة مخابراتيّة للموساد، ودخول الجنود الصّهاينة بأحذيتهم إلى داخل مسجد قبّة الصخرة، وادّعاء اليهود أنّ هناك تحت المسجد الأقصى هيكلًا لليهود-هيكل سليمان المزعوم- وكلّ المجازر المُرتكبة والأسلحة المحرّمة دوليًا التي استخدمها العدو في حربه ضدّ الشعب الفلسطيني، كل هذا لا يُبرّره الإسلام أبدًا، بل وفرض دين الإسلام الجهاد لاسترجاع الأرض المسلوبة ولوقف هذه المحاولات التي من خلالها الصهاينة يغيّرون شكل الإسلام الحق والمتماسك.
ومن هنا تبقى المقاومة السّبيل الوحيد لمحاربة هذا العدو، وعلينا تعليم الأجيال المستقبلية أن فلسطين الكاملة للعرب، وأن التطبيع حرام شرعًا لا مبرّر دينيّ له لأنّه يتعارض مع القيم الإنسانية في الدّين الإسلامي والقرآن الكريم الذي يُعتبر دستورًا للمسلمين.
ولطالما كانت وصيّة القادة التّابعين لنهج رسول الإسلام محمد (ص) وآل بيته الكرام هي ألا نستسلم أمام العدو مهما كان وضعنا صعبًا، فالعدوّ لجأ إلى الحصار الاقتصادي والحرب الفكريّة كبديل عن الحرب العسكريّة التي تُعتبر أصعب بالنّسبة له، وعلينا الآن وفي موجة التطبيع هذه أن نحارب العدو بنفس أسلوبه فكريًّا واقتصاديًّا، فالحرب النفسية توازي خطورة الحرب العسكريّة، وواجبنا أن نكون بالوعي الكامل والبصيرة لمعرفة كيفيّة مجابهة العدو الصهيوني.
ولقد حذّر سيد الشّهداء السيّد عبّاس الموسوي (قده) من الاستعمار قائلًا: “هدف الاستعمار هو أن تتحوّل هذه الثورة من ثورة ذات صفات إسلاميّة إلى ثورة شيعيّة؛ حتى يُصبح التقاتل سنّيًّا شيعيًّا في العالم الإسلامي، ويتلهّى المسلمون ببعضهم البعض”.
كما قال أيضًا في إحدى خُطبه: “الاستعمار يرى أن وجوده ومصالحه وأهدافه متوقّفة على وجود إسرائيل وقوّتها، فعندما تضعف، ولو معنويًّا، سرعان ما يُدرك الاستعمار الخطر المُحدق به”، واستشهد السيّد الموسويّ بالآية القرآنية: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[3] لإظهار حقّنا الشّرعي في مقابلة الظالم بمثل ما اعتدى علينا به.
في النّهاية سيبقى موقف الحكومات المتآمرة ضعيفًا أمام إرادة الشّعوب ولقد كان للشعب البحريني كما الشّعب السوداني موقفه من التطبيع عبر الرّفض الكامل للقرار. وسيُدرك العدوّ أنّه لن يحقّق مراده في تشويه الحقيقة والتّاريخ فالحق ظاهر لكل من يملكُ الوعي والبصيرة، ولكل صاحب كلمة حقّ أمام سلطان جائر.

 

[1]  سورة النجم، الآيتان 3 و 4.

[2]  سورة البقرة، الآيات 99-101

[3]  سورة البقرة، الآية 194.



المقالات المرتبطة

رأس العبادة | ما الدعاء وما أهميته؟

الدعاء، سنةٌ من السنن المفترضة التي أكّد عليها الإسلام إن في القرآن الكريم، أو في الروايات الشريفة، أو روح المزاج

الأمّة الواحدة في رحاب البيت الحرام

إنّ مكافحة الفتن الطائفيّة، والسعي إلى التقريب، والتفاهم، والتضامن، والتعاون بين المسلمين، من ثوابتنا السياسيّة والحضاريّة والاقتصاديّة

من يخلف النبي (ص)؟

يعتقد الشيعة أن من يخلف النبي محمد (ص) هو الإمام علي (ع)؛ لأن الخلافة هي بنص من الله ورسوله إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<