مباني فهم النّص عند الشهيد الصدر: الحلقة 2
الأسئلة الهرمنيوطيقية عند الغرب
تعرّضنا في المقال السابق إلى بيان سريع لمباني فهم النص عند الأصوليين الشيعة، وسنقف في هذا المقال على هذه المباني عند الباحثين الغرب في المجال الهرمنيوطيقي.
وفي الحقيقة، بما أن المقام لا يتّسع لاستعراض مبانيهم من الحقبة التي بدأت مع الهرمنيوطيقا الكلاسيكية (وأهم أعلامها: دان هاور، ويوهانس رامباخ، ومارتن كلادينيوس)، مرورًا بالهرمنيوطيقا الرومانسية (وأهم أعلامها: فريدريك شلايرماخر، وفيلهلهم ديلتاي)، وصولًا إلى الهرمنيوطيقا الفلسفية (وأهم أعلامها: مارتن هايدغر، وجورج هانس غادامر)، وبما أنه ليس هدفُنا ذلك، ارتأيتُ أن أعرض التساؤلات المهمة المرتبطة بإشكالية فهم النص الديني – وإن كان بعضها أعمّ من النص الديني-، حتى نرى في المقالات اللاحقة: هل تعرّض السيد محمد باقر الصدر لها وقدّم إجاباته، أم لا.
ومن جهة أخرى، إن عرض هذه التساؤلات نفسَه أمرٌ مهمّ، إذ يحرّك عجلة البحث الأصولي الشيعي، فيتصدّى الباحثون للإجابة عنها، أو لبيان عدم أهمية التعرّض لها.
وكيفما كان، فهذه التساؤلات هي:
-
هل يمكن الوصول إلى فهم للنص مطابق لمراد المؤلف؟ أم أن غاية ما يمكن فعله هو الاقتراب من مقصود المؤلف؟ وهذا ما اختلف الباحثون الغربيون في الجواب عنه، بين مؤيد[1] ومعارض.
-
هل الأصل في كل فهم هو سوء الفهم؛ وبعبارة أخرى: هل المفسِّر دائمًا في معرض سوء الفهم[2]؟
-
هل يجب النفوذ إلى ذهنية المؤلف ونفسيته حتى نصل إلى فهم وتفسير صحيحَين[3]؟
-
هل النص أمر تاريخي، بالمعنى المصطلح للتاريخية أو التاريخانية[4] و[5]؟
-
لو كان النص تاريخيًّا، فهل يمكن العبور عن هذا المانع والتخلّص منه؟ هذا أيضًا محلّ جدل بين علماء الغرب، بين مؤيد ومعارض.
-
هل يمكننا تفريغ الفهم أو التفسير من كل الأحكام المسبقة والقبليات المعرفية[6]؟ وهل عدم إمكان ذلك أمر مضر بعملية الفهم والتفسير، بحيث لا يمكننا الوصول إلى مراد المؤلف؟
-
تتفرّع عن الأحكام المسبَقة والقبليات المعرفية عمليةُ انصهار الآفاق[7]، حيث يكون الفهم عبارة عن دمج أفق المفسر والمؤلف. لكن، هل الفهم عبارة عن حوار بين النص والقارئ[8]؟ وهل هذا يعني أنه لا يكون الفهم كاشفًا عن مراد المؤلف؟
-
هل الحوار بين النص والقارئ، على نحو الدور الهرمنيوطيقي الذي بيّنه غادامر[9]، يستمر إلى ما لا نهاية؟
[1] وقد ذهب إلى إمكان فهم مراد المؤلف الفيلسوف واللاهوتي مارتن كلادينيوس (1710 – 1759 م)، وهو من أتباع الهرمنيوطيقا الكلاسيكية، فانظر: أحمدي، بابك، ساختار وتأويل متن، (طهران: نشر مركز، 1389)، الجزء 2، الصفحة 523.
[2] وهذا ما ذهب إليه فريدرك شلايرماخر (1768- 1834م)، فانظر:
kurt Mueller- Vollmer, The Hermeneutics Reader, p. 82
[3] وهذا ما ذهب إليه شلايرماخر، فانظر:
Schleiermacher, Friedrich, Hermeneutics And Criticism and other writings, translated and edited by Andrew Bowie, Cambridge University Press, London, 1998, p. 10
[4] Historicism.
[5] انظر: إلهي راد، صفدر، الهيرمينوطيقا، منشأ المصطلح ومعناه واستعمالاته في الحضارات الإنسانية المختلفة، ترجمة: حسنين الجمال، (بيروت: العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، الطبعة 1، 1440 ه)ـ، الصفحات 122و 136- 139.
[6] يرى مارتن هايدغر عدم إمكان ذلك، ويؤكّد بصراحة على أنه لا وجود للتفسير الخالص والعاري عن كل الشوائب القبلية؛ بل كل تماسّ مع العالم، لا بد أن يكون مبنيًّا على قبليات. ويذكر هايدغر ثلاثة عناصر أساسية دخيلة في تشكل القبليات عند المفسّر، وهي: المعلومات المسبقة (Fore having)، وجهة النظر المسبقة (Fore sight)، والتصور المسبق (Fore conception). فانظر: هايدغر، مارتن، هستى وزمان، ترجمة: سياوش جمادي، (طهران: ققنوس، 1389)، الصفحة 371.
[7] Fusion of horizons
[8] انظر: بابك أحمدي، مصدر سابق، الصفحة 571.
[9] “هو عبارة عن الحوار المتبادل بين النص وبين الفهم المسبق للقارئ. فالقارئ يذهب نحو النص انطلاقًا من أحكامه المسبقة وفهمه المسبق، فيصغي للكلام أو يقرأ النص، ثم يرجع مرة أخرى إلى هذه القبليات والأحكام المسبقة، وقد يُعدّل عليها. ثم ينظر مرة أخرى إلى النص بنظرة جديدة. فهذا الذهاب والإياب من وإلى النص، يستمر حتى ينتهي إلى توافق وانسجام بين النص وبين القارئ. ومن خلال الالتفات إلى المستقبل، فإن هذا الأمر يستمر إلى ما لا نهاية. وبعبارة أخرى، دائمًا في قراءة النص يندمج أفق القارئ مع أفق النص، ويتشكل الفهم في الدور بين هذين الأفقين”، إلهي راد، مصدر سابق، الصفحة 146.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الهرمنيوطيقاالأصوليينالشهيد الصدرمبانيذهنية المؤلفتفريغ الفهمالهرمنيوطيقية المقالات المرتبطة
مشاريع فكرية 20 | الأستاذ حسن رحيم پور أزغدي
المواليد: 1965 م في مدينة مشهد الإيرانيّة. الدراسة: بدأ دروسه الحوزوية في >مدرسة الفيضية< بقم، لكنه لم يتلبّس بالزي الحوزوي.
الإصلاح في مشروع الثورة الحسينيّة
إنّ ما يُطرح حول إمكانية كون حركة الحسين(ع) هي مجرد استدرار للدمعة تعبيرًا عن عاطفة مذهبية في عصرنا…
عاشوراء ونظام القيم الحسينيّة
بمقدار ما نستوعب قيمة الشهادة الحسينية في نسيج حياتنا الرسالية بقدر ما تعي ذواتنا القيم التأسيسية للمجتمع العاشورائي والحياة العاشرائية.