تأمّلات معنوية مختصرة حول الجائحة الحالية

تأمّلات معنوية مختصرة حول الجائحة الحالية
ترجمة: محمد علي جرادي
إنّ حياة الإنسان على الأرض فانية، ولا يمكن لها إلّا أن تختلط بأشكال المخاطر، والكوارث، والمآسي الكبيرة أو الصغيرة. ولذا، وُجدت النصوص المقدّسة للحضارات المختلفة لتذكّرنا بهذه الحقيقة، وترشدنا إلى استقاء العبر الصحيحة من هذه الأحداث.
لقد عاشت الإنسانية التقليدية في عالم شارك فيه كل المحيط الكوني في المبادئ الأخلاقية والمعنوية التي حكمت حياة الإنسان. حتى في الغرب، حيث تعمّ أولًا فكرة كونٍ علماني بحت، خالٍ من أي حياة، أو أهمية معنوية، وحيث اختزلت النظرة العالمية المعاصرة الطبيعةَ إلى “شيء”؛ إلى آلة ميّتة لكن معقّدة، فحتى الماضي القريب كان كثيرون يجتمعون في الكنائس والساحات العامة خلال الكوارث الطبيعية ليقرأوا معًا مقدّمة إنجيل يوحنا باللاتينية: in principio erat verbum …[1]
ويمكن ملاحظة مثل هذه الأحداث اليوم في العالم الإسلامي، وفي الهند الهندوسية، وأماكن أخرى. وبسرعة نسي الإنسان المعاصر المبادئ الكامنة في هذه الممارسات.
إلا أنّ الطبيعة، حيّة ذات حياة مستقلّة، وانسجام وإيقاع خاص بها، سواء رأيناها كذلك أم لا.
وعاجلًا أم آجلًا، تردّ الطبيعة على جَور الإنسان وتلقّنه درسًا، كما يؤكّد القرآن في آيات كثيرة. إذ تعلّمنا الطبيعة درسًا معنويًّا، ومحظوظ من استطاع التعلّم منه.   
إذا أردنا الحديث دينيًّا، يعاني الإنسان المعاصر من خطيئة الغرور، من الغطرسة. فلنأمل أن تعلّمنا الكارثة العالمية الحالية التغلّب على هذه الغطرسة، وأن نعيش بتواضع وتعاطف أكبر، لا اتجاه الناس الآخرين فحسب، بل اتجاه كل الكائنات، صغيرها وكبيرها.
ويمكن للكارثة الحالية أن تشكّل فرصة لصحوة معنويّة، وأن ننظر إليها باعتبارها هبة من الله لتفتح أعيننا مجدّدًا على الحقائق المعنوية التي نسيها كثيرون.
وتقدّم لنا الكارثة فرصة للتوجّه أكثر نحو الباطن، وأن نتوجّه نحو التفكّر الذاتي، لنصبح أكثر ألفة مع باطننا، ولكي ننظر إلى الطبيعة باعتبارها صديقًا معنويًّا وعالمـًا من الحقيقة التي لا تحكمها قوى وقوانين عمياء، بل هي محكومة للإرادة الإلهية.
منذ عقود كتب فريجوف شوان رسالة ملائمة لواقعنا الحالي فعلًا. ففي كتابه إضاءة على العوالم القديمة Light on the Ancient Worlds، يصرّح بما يلي: “يندهش الإنسان من المصائب في هذه العالم، دون أن يخطر على باله أنها قد تكون أفعال رحمة، لأنها تمزّق، كما الموت، حجاب الوهم الدنيوي، وتسمح بالتالي للإنسان أن يموت قبل أن يموت، وأن ينتصر بالتالي على الموت”.
        فحينما تشّقق الأرض فجأة تحت أقدامنا، لن نجد أمامنا سوى خيارَين اثنَين: إما أن نغرق في الهاوية، أو أن ينمو لنا جناحان نطير بهما نحو السماء اللامتناهية.
فلنختر الجناحين والطيران، ولنتذكّر الآية القرآنية ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾. وهذا الوجه هو بمعنى من المعاني الوجه الذي نتوجّه به إلى الله. على أمل أن تعيننا المأساة الحالية على أن لا ندير ظهورنا لله، بل أن نتوجّه نحوه.
[1]  في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله.

سيِّد حُسيْن نصر

سيِّد حُسيْن نصر

حسين نصر ولد في (7 أبريل 1933 م) في العاصمة الإيرانية طهران الإيرانية. فيلسوف إسلامي معاصر يعمل بروفسورًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن، وهو فيلسوف إيراني بارز. أستاذ جامعي وباحث علمي. حائز على بكالوريوس في الفيزياء من جامعة (إم.آي.تي). حائز على ماجستير في الجيولوجيا والجغرافيا الفيزيايئة من جامعة (هارفارد). حاز على درجة الأستاذية بعمر 30 عامًا. بعد عودته إلى إيران عمل أستاذًا مساعدًا لتاريخ العلوم والفلسفة الغربية بكلية الآداب في جامعة طهران، وأمينًا لمكتبة الكلية لمدة عشر سنوات. شغل منصب عميد كلية الآداب في جامعة طهران. ترأس جامعة آريامهر الصناعية. أسس الأكاديمية الإيرانية للفلسفة حيث كان أول رئيس لهذه الجمعية في السنوات 1975- 1978. يهتم بحضور المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية في مختلف أنحاء العالم. يمتلك نصر شبكة واسعة من العلاقات بالجامعات ومراکز البحث العلمي والمؤسسات، والمرجعيات الدينية. له مؤلفات عديدة، نذكر منها: • الإسلام في العالم المعاصر. • الإسلام ومحنة الإنسان المعاصر. • الإسلام: أهدافه وحقائقه (مترجم للعربية). • مقدمة إلی العقائد الكونية الإسلامية (مترجم للعربية). • المعرفة والقدوسية. • البحث عن القدّوس: حديث مع رامين جهانبگلو. • الحياة والفكر الإسلامي. • الفنّ الإسلامي والروحانية. • مقالات صوفية. • صدر الدين الشيرازي والحكمة المتعالية. • ضرورة العلم القدسي. • الإنسان والطبيعة. • الفكر العقلاني الإسلامي في بلاد فارس. • حديقة الحقيقة: التصوف ومنهاجه. • ثلاثة حكماء مسلمين: ابن سينا، السهروردي وابن عربي (مترجم إلی العربية). • العلم والحضارة في الإسلام. • محمّد (صلّی الله عليه وآله وسلم): الإنسان الرّباني. • قلب الإسلام: قيم خالدة من أجل الإنسانية (مترجم للعربية). • الفلسفة الإسلامية من أصلها إلی عصر الحاضر.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الانسانجائحةكورونامخاطرالطبيعة

المقالات المرتبطة

إدمند هسّرل: أصل الزمان وتكوّنه

يقتضي التأويل الفنومنولوجيّ للزمان جهدًا خاصًّا إذ لم تفرد المنظومة الفنومنولوجيّة “فئةً” خاصّةً في موضوعه. أمّا موضوعه، فينومنولوجيًّا، بالطبع، فهو الفنومنولوجيا الترَنسندَنتاليّة، أي، بنية كلّ شرط لإمكانيّة المعرفة.

قراءة في كتاب موحى الناجي، الإسلاموية: نظام شمولي جديد

يركّز هذا الكتاب بقلم مهدي مظفري، على العلاقة بين الإسلام ومشروع الإسلاموية السياسي. ويناقش فيه تعدد طوائف الإسلام ومدارسه وأنه لا إجماع على إسلامٍ “صحيح”،

الفكر الإسلامي في العصور الوسطى: دراسات في النص والنقل والترجمة – تكريمًا لهانز دايبر

يمكن دائمًا التعويل على دراسات اللغة العربية وآدابها في العصور الوسطى للكشف عن النوادر والقواسم المشتركة في المنظور الثقافي للمجتمع.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<