روح الشهادة انبعاث للروح العقيديّة وصناعة النصر

روح الشهادة انبعاث للروح العقيديّة وصناعة النصر
 
يتمحور الحديث في هذه الإطلالة عن خصوص العقيدة الإسلاميّة وأثرها في انبعاث روح الشهادة والنصر في سلوك الإنسان، فما هو دور العقيدة في زرع روح الشهادة وسقيها وتنميتها؟ وكيف يمكن قراءة الشهادة كمسار وجوديّ يبدأ بالتكليف الإلهيّ وينتهي بلقاء الله تعالى؟ ولتحليل ذلك كان لا بدّ من طرح مجموعة من المداخل تتمحور حول مدى نفوذ العقيدة الإسلامية وتأثيرها في نفوس المؤمنين بها، وكيفية ترابط ذلك مع الشهادة والنصر.
  1. السلوك الإنسانيّ نتاج الاعتقاد.
والقصد من السلوك هنا أعم من العمل الخارجيّ الذي يقوم به الإنسان، وهذه المسألة تتطلّب بعض التحليل لعناصره.
– المعنى والاعتقاد به يحقّقان الهويّة.
لا يكفي مجرّد قراءة وفهم أصول دين أو فكر ما لكي يكون القارىء منتسبًا لذلك الدين أو ذلك الفكر، ويمكن القول: إنّ المعرفة بالدّين ثمّ فهمه، ثمّ الاعتقاد بما فهم، يرسم الهويّة الاعتقاديّة أو الفكريّة بحسب المعتقَد؛ وعلى هذا الأساس، فالفهم والاعتقاد بالفهم يحدّد الهويّة الدينيّة أو الفكريّة للشخص، ويرتّب عليه الأثر وإن لم يعمل بمقتضاه؛ فمن اعتقد بالإسلام دينًا فهويّته الإسلام ولو لم يصلّ مثلاً. والكلام هنا ليس عن الإسلام بالتبعيّة الملحوظ فيه الحكم الفقهيّ الخاص.
 وعلى ذلك، بعد استقرار المعنى في الذهن، كثيرًا ما يبقى ذلك المعنى في دائرة المعلومات العامّة، وربّما ينتقل ويتحوّل إلى نقطة الاعتقاد، وبما أن هويّة المعنى تابعة – غالبًا – في تشكّله لطريقة تحصيله، فكذلك الأمر فإنّ هويّة الاعتقاد تتبع هويّة المعنى المستقرّ.
 ولمـّا يستقرّ الاعتقاد فإنه يسير بنا إلى العمل المسانخ له؛ وبالتالي فإن الاعتقاد سيوّلد سلوكه، إذ إن السلوك نتاج الاعتقاد، وبتعبير أوجز: فإن المنهج ومادة المنهج تولّد المعنى، ثم إن المعنى ينتقل إلى الاعتقاد، ثم الاعتقاد يشكّل أرضيّة السلوك والعمل.
فرتبة المعنى تتحقّق أولًا، ثمّ تتحقق العقيدة، ثم يكون السلوك وفق تلك العقيدة؛ فالتشهد مثلاً محقّق للإسلام، والإنكار محقّق للكفر، والولاية محقّقة للتشيّع، والتلوّن محقّق للنفاق وهكذا…
وهذه القاعدة غير مخصوصة بالعقيدة الإسلامية فهي جارية في كل اعتقاد، فهو مؤثّر بسلوك المعتقدين به بمقدار الإيمان به.
  • نفوذ العقيدة.
ومن البديهيّ أنّ للعقيدة أثرًا بالغًا في الناس، وتظهر طبيعة الترابط بينهما شدّة وضعفًا وفق شدّة الاعتقاد وضعفه، فكلّما كان الاعتقاد شديدًا أو ضعيفًا كان ذاك الاعتقاد طابِعًا للشخصيّات بطبعه؛ وهذا يعني أن شديد العقيدة شديد التطبيق لها في مسلكه، وضعيف العقيدة ضعيف التطبيق.
فلقد ولّدت العقيدة والشعور بالحضور الإلهيّ الدافعية، والمعنوية في العمل الإنسانيّ، وهذا ما دفع نحو التقدم البشري إلى مدارج التكامل في خط المسير إلى الله.
وهذه المؤثّرية تظهر لدى الإنسان في أمرين:
الأمر الأول: داخلي، نفسي؛ بمعنى صنع الذات للفرد الإنسانيّ، وهو ما يوصف “بتزكية النفس، وتطهيرها” وفق التعبير القرآنيّ.
الأمر الثاني: اجتماعي، يرتبط بعلاقات الإنسان مع الإنسان.
وتحليل ذلك أن التوحيد العمليّ مثلًا يرتكز على التوحيد النظريّ، فنحن نعرف الله تعالى، ثم نسير إليه، ونتوجّه بالعبادة له وحده؛ ونُعرض عن كل مُطاع آخر، وهنا يحضر التوحيد الإبراهيميّ حيث يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[1]. فأداء الصلاة والنسك وكيفية المـَحيا والممات هي عمل، وهذا يتوقّف على معرفة أنها لله ربّ العالمين، وبالتالي فمعرفة الله تعالى تمهّد العمل لله تعالى، فيكون التوحيد العملي سلوكيًّا، والنظريّ معرفيًّا.
بناء لذلك يمكن تناول خمس نتائج:
أولًا: تؤثّر معرفة الله بصورة طبيعية في كل أرجاء الشخصية الإنسانية، وفي روح وأخلاق وأعمال بني الإنسان وبالتالي-كما يعبّر الشيخ مطهري-: “كلّما كان الإيمان قويًّا وصلبًا فإن نفوذ معرفة الله في الوجود الإنسانيّ كان أعمق، وسيطرتها على الشخصية الإنسانية كان أقوى”[2]. وبصياغة أخرى، فإن مؤثّرية الإيمان على الشخصية مرتبطة بدرجة الإيمان؛ إذ كلما علت درجة الإيمان اشتد التأثير.
ثانيًا: هذا ما سينعكس وحدة الشخصية الإنسانية من الناحية النفسية، فالإسلام نادى بالتوحيد الروحي والنفسي في ظل الإيمان بالله، وعبادة الواحد، الذي لا شريك له.
ثالثًا: هذه الوحدة الروحية هي وحدة محرّكة ودافعة للمجتمع في الاتجاه الإنسانيّ التكامليّ، فمتى ما  تحقّقت الوحدة في النفس تحقّقت الدافعية لتحقيق الوحدة في المجتمع؛ فالوحدة الأولى أو التغيير الأول هو داخلي، هو حركة تطهيرية، والوحدة الثانية هي خارجية، تشكّل حركة إصلاحية؛ وبهذا يظهر أن العامل العقائدي عامل أساسيّ في حياة البشرية؛ يقول الشيخ مطهري: “إن العقيدة بوجود مثل هذه الحسابات في العالم هي التي ربّت المسلمين في صدر الإسلام على الفعالية والنشاط، وغرست فيهم الشجاعة والتضحية التي لا نظير لها في العالم. يقول القرآن الكريم في وصفهم: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ[3][4].
رابعًا: إلى جانب الإيمان تشتعل جذوة الحب الإلهي، وبإكسيره تتحقّق جذبة العشق حتى لا يرى المرء “محبوبًا ولا مطلوبًا سوى الله وهو سبحانه معشوقهم الأصلي”[5]. وبعضهم لا يرى في الوجود إلا الله ومظاهره “فيرى الله في كل شيء….”.
فالإيمان مشعل للحبّ، والحبّ ليس مفهومًا عقليًّا تداوليًّا كالعلة والمعلول، ضمن المفاهيم والمصطلحات المنتسبة إلى لغة العقل ومبتكراته، بل الحب الإلهي، بمعنى الانشداد والانجذاب الإنساني، ليس لغة، هو حياة وروح ونبض، حياة القلوب ونبضها؛ فالقلب يحيا بالحبّ، وفقًا لهذا هناك تعبير للإمام الخميني (رض) يقول فيه: اكتب بقلم عقلك على صفحة قلبك أن لا مؤثّر في الوجود إلا الله تعالى، وإذا تحقّقت قوة الحب، فأثرها سر يصل إلى حد الإعجاز، مدهش هذا النوع من القوى، إذ يتميّز بقدرة “تحويلية” للنفوس أنفذ من فعل الكيمياء في المعادن. عجبًا، قلب لا يخفق بالحب الإلهي! إنه طين. هو سر النقلة والتحول من حقائق إلى حقائق، من القسوة إلى اللين، من الموت إلى الحياة. فالحب الحارق يذيب كل أنواع الحوائل بين الحبيب، والحبيب الحقيقي، إنه الاندفاع والانجذاب الصرف في حركة الإنسان نحو الله.
وفقًا لذلك؛ فاجتماع الإيمان والحب، يشعر بالأنس واللذة والاندفاع فيتمظهر إقبالًا، وجهادًا، وحركية، وثورة…
خامسًا: التناسب بين الباطن والظاهر؛ وبهذا يكون السلوك الخارجي متّسقًا مع الداخل كانبثاق النور من النور؛ لأن الأصيل في صنع الخارج هو الداخل، وقد قيل: “إذا ضرع القلب خشعت الجوارح”، وهذا الاتساق يتمظهر في مواضع الجهاد والقتال ثباتًا واستقرارًا وصبرًا واحتسابًا، وإن كان العدد والعدة قلة قليلة، وكذلك في الصلاة خشوعًا ولذة وتقرّبًا وعروجًا، وإقبالًا، وفي العلاقات صدقًا وأمانة وإصلاحًا وفعلًا خيرًا…
  1. تبعيّة المفاهيم لمنظوماتها.
ربما نقع بالخطأ منهجيًّا عندما تتمّ معالجة المفاهيم مستقلة عن منظوماتها، فالمفاهيم تستقي معانيها من الرؤية العامّة التي تظلّلها، وبالتالي لا يصح الدخول إلى مفهوم الشهادة والنصر من نفس الشهادة والنصر، ولا يمكن الاكتفاء بالتعرف على حقيقة كل منهما بالمعاني اللغوية، فلا بدّ إلى جنب ذلك من النظر في الرؤية الكونية الإسلامية فيما يتصل بالنظرة إلى الله تعالى والكون والإنسان والمفاهيم المرتبطة بذلك.
جاء تعبير “القتل في سبيل الله” في القرآن الكريم وصفًا للشهيد، وبتعبير آخر: عنوان صدق الشهيد هو أن يقتل في سبيل الله تعالى حيث قال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[6]. لكن لم يقتصر صدق عنوان الشهيد على المقتول في سبيل الله، فقد جاء في الروايات عناوين كثيرة تندرج تحت عنوان الشهيد منها “من قتل دون أهله ظلمًا”، و”من قتل دون جاره ظلمًا”، و”من قتل دون ماله ظلمًا”، و”من قتل دون نفسه”، “ومن قتل دون مظلمته”، و”ومن قتل دون ماله”…
 ومن هذا المدخل سنستعرض بعض الخصائص المتعلّقة بالشهادة ومن ذلك:
أ. حقيقة طلب الشهادة هي بالجوهر طلب للقاء الله تعالى.
من الجيّد الإطلالة في تحليل هذا الأمر على المشهد الكربلائيّ؛ ففي حضرة كربلاء نقف أمام مدرسة إلهيّة، قد خطّها الإمام المعصوم بكلّ ملامحها وقيمها وأحداثها؛ ندخل زمانَه، وزمانُه يتجرّع إكسير الألم كلّما تصرّم ذاك الزمان، ونروح إلى مكانه، ليصبح مكانه حزينًا متّشحًا بالسواد، ممتدًّا بالمدى الحسينيّ، فيتجاوز الجغرافيا ليعبُر الزمان حتى كأنه استشهد اليوم، ويعبق برائحة التراب، تراب متّحد مع الدّم الأقدس.
في عتبة كربلاء تكثر المداخل لقراءتها والاستفادة من مناهلها، فهي نور لا طرف له، نور من كلّ جانب، تأتيه من كلّ ناحية، حيث يمكن قراءة حروفها من خلال الإمام الحسين (ع) نفسه كوليّ الله المعصوم، ويمكن تأمّلها من مشهد قيمها النورانيّة التي شعّت بها، ويمكن الولوج إلى عتبتها من خلال أصحاب الإمام الحسين (ع) الذين رسموا اللوحة الكربلائيّة بريشة الدم مع الإمام (ع)؛ بناء لذلك يمكننا التوقف أمام نتيجتين:
النتيجة الأولى: ما كربلاء إلّا المظهر السلوكيّ للعقيدة الإلهيّة.
في هذه الإطلالة سيتمّ التركيز على بعض المشاهد الكربلائيّة، التي تبيّن أن الفعل الكربلائيّ الذي ارتسم ما هو إلا تجلٍّ من تجليّات العقيدة والإيمان بالله تعالى، وبتعبير آخر ما كربلاء إلا المظهر السلوكيّ للعقيدة الإلهيّة.
وفي هذا السياق نطلّ على بعض النماذج الكربلائيّة التي كتبت بقلمها قصّة القيم الإلهيّة والإنسانيّة، قصّة الوصول في كل قيمة إلى ذروتها، قصة الإنسان الكامل بأبهى تجسّد للمعنويّ بالمحسوس، قصّة السير والسلوك إلى الحبيب واللقاء المقدّس معه؛ ما جعلها منارة مقدّسة لكلّ أحرار العالم.
فقد ورد في حديث للإمام الحسين (ع) قوله: “هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله”[7]، يُظهِر هذا الحديث أنّ المصاب صار هيّنًا على الإمام الحسين (ع) رغم دمويّته، وما ذلك إلا لأنّه بعين الله.
وهنا يجدر التوقّف عند العلاقة بين الإيمان وتهوين المصاب على قلبه المقدّس الذي سببه أنّه بعين الله تعالى، وهذه العبارة المباركة “أنّه بعين الله” تشير إلى البُعد العقائديّ الإلهيّ.
فالإيمان بالله هوّن المصيبة، ويبرز المشهد أكثر عند قوله (ع): “وأيتمت العيال لكي أراك..”. وهذا يؤكّد حقيقة؛ وهي أنّ أفعال كربلاء (هيهات منّا الذلّة، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل..، خرجت لطلب الإصلاح…، ومثلي لا يبايع مثله…) هي مظاهر سلوكيّة للإيمان بالله عزّ وجل؛ وبالتالي فإنّ كلّ فعل كربلائيّ كان فعلًا تقرّبيًّا في خطّ المسير إلى الله تعالى.
النتيجة الثانية: اليقين بالعقيدة في كربلاء.
هذه النتيجة تترتّب على سابقتها، فالملفت هو مستوى الحضور اليقينيّ بالله تعالى والآخرة، إضافة إلى تجلّي حبّ أهل البيت (ع)، فالآخرة كانت حاضرة في الدنيا، والمسير إليها هو مجرّد خطوة، وهذا اليقين جعل الأصحاب ذوي بصيرة في نفوسهم؛ ولذا وصفوا بـ”أهل البصائر”.
وفي كلام الإمام الحسين (ع): “من كان باذلًا فينا مهجته، موطّنًا على لقاء الله نفسه..” يركّز على “لقاء الله”؛ ومفهوم “لقاء الله” هو مفهوم عقائديّ؛ ولمـّا كانت عقيدة أصحابه (ع) يقينيّة بالله تعالى فقد أخذوا على أنفسهم توطين أنفسهم على هذا اللقاء، وتوطين النفس هو جهاد يحرّكه الشوق إلى اللقاء، فكلام الإمام يشير إلى أنه قبل الرحيل معه عليهم توطين نفوسهم، وهذا يعني أنّ مَن لم يوطّن نفسه لن يستطيع الرحيل معه والكون في مسيرته، حتى ولو كان معه بجسده؛ لأنه سيفرّ عند أول فرصة.
فلم يكن قتالهم مع الإمام لأنهم محبّون فقط، بل كانت لديهم غاية، وهي ذاك اللقاء، فهم يعلمون إلى أين هم ذاهبون، فيكون “لقاء الله” العلّة الغائيّة المتوهّجة في نفوسهم قبل سيرهم، وبالتالي فالإيمان بالله كان دافعًا نحو الاستعداد وتوطين النفس على لقائه.
ومن جهة أخرى كانت العلاقة بأهل البيت (ع) بلحاظ أنهم أولياء لله تعالى، وامتداد للنبوة كعقيدة مترابطة، وهذا الاعتقاد بأهل البيت يتولّد منه حبّ أهل البيت (ع)، وعليه فالعلاقة مع الإمام الحسين هي علاقة مع ولي الله المقدّس على الأرض.
وقد أدّى هذا الإيمان وهذا اليقين إلى بذل المهج في كربلاء، فبذلُ المهج قد توقّف على تلك المعرفة العقائديّة بالله ورسوله وأهل بيته (ع)؛ ولذا لمـّا أعطاهم الإمام (ع) الفرصة لاتّخاذ الليل جملًا قال برير بن خضير: “يا ابن رسول الله قد منّ الله بك علينا (فلم يقل أنت صديقي أو قرابتي، وتعبير “منّ الله” يدلّ على عمق الفهم العقائديّ؛ فالجواب عقائديّ) أن نقاتل بين يديك تقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة”، ثمّ ربط الأمر بالشفاعة وبيوم القيامة، فهو لـمّا نصر الإمام فقد نصره ليقينه بالآخرة والشفاعة.
أو قول الحرّ بن يزيد الرياحيّ الذي يخيّر نفسه بين الجنة والنار: “إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنّة شيئًا ولو قطعت وحرقت”[8]. فيقينه بالآخرة جعله يندفع اندفاعًا لا سبيل للرجعة عنه.
ولمـّا أراد العبّاس أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين (ع) وأهل بيته، فرمى الماء وملأ القربة، وقال على ما روي:
يا نفسُ من بَعْدِ الحسينِ هوني 
  
وبَعْـدَه لا كنتِ أَنْ تكوني

هَـذا الحسيـنُ واردُ المَـنُونِ  

وتشـربينَ بَـارِدَ الْمَعِينِ

 
إنّ شعلة الإيمان الإلهيّ في صدور الكربلائيّين قد خطّت بأحداث كربلاء، لوحة إلهيّة بدماء الحسين (ع) وأصحابه، ما جعلها منارة مقدّسة لكلّ أحرار العالم.
ب. طلب الشهادة في الصميم طلب للوجود الأرقى.
إن طلب الشهادة هو في جوهره طلب للوجود الأرقى؛ لأنه يستند إلى نظرة لله تعالى والحياة والموت، وليس طلب الشهادة حالة يأس؛ فطالب الشهادة يعرف إلى أين المسير، فهو ينطلق من حالة وعي، فهو يريد أن يكون، فيسير من بقاء إلى بقاء، ولا ينطلق من حالة صدمة واكتئاب، فهذا لا يريد أن يكون، وفي عمقه لا يتحرك ليبقى؛ بناء لذلك نستنتج أمرين:
الأمر الأول: النظرة صحيحة تُري الخطّ البياني لحقيقة الموت كحلقة من حلقات مسار الإنسان.
وبناءً لهذا يتضح ماهية الموت، فهو “ليس عدمًا، وإنما هو تطور وتحوّل، غروب عن نشأة ما، وبدء نشأة أخرى”[9]؛ وعليه يكون الموت ظاهرة وجودية طبيعية تكاملية، يسير المرء من وجود إلى وجود، في أحدهما القابليات فتهذّب، وفي الآخر تتحقّق فعليات، لكن ورد عن الإمام الصادق (ع): “وأشرف الموت قتل الشهادة”[10]. وورد “إن أفضل الموت القتل…”[11]. و”إن أكرم الموت القتل…”[12].
 ومن جهة أخرى، فإن سوء النظرة العقائدية سيؤول حتمًا إلى التشاؤم، والقلق، والحيرة، والخوف، والاضطراب، وأحيانًا الانتحار والاكتئاب والضعف، وما ماثلها، فكل هذه تنتج من سوء النظرة إلى الوجود والحياة.
لقد كان الخوف والنفور من الموت “إحدى العلل الدافعة نحو تكوين الفلسفة المتشائمة، والفلاسفة المتشائمون يتصورون الحياة والوجود بلا هدف، وخالية من الفائدة، وعارية عن الحكمة، وقد أوقعهم هذا التصور في لجج الحيرة، والاضطراب، وأحيانًا ألفي في أعماقهم فكرة الانتحار”[13].
الأمر الثاني: حبّ البقاء يستلزم البقاء.
إن البعد العقائديّ يرى أنه من العبث انتهاء الإنسان بانتهاء حياته الدنيويّة؛ بمعنى أن القول بفناء الإنسان وانعدامه بعد فترة عمره، يعني العبث، وهو مستحيل على الله تعالى؛ فلا يصدر عن الحقّ إلا الحقّ لا الباطل والعبث، “فوجود الإنسان ينطوي على أجهزة واستعدادات لا تتناسب مع هذه الدنيا (ولا أقول ضدها)، بل هي تتناسب مع حياة أخرى بعد هذه الحياة، وتلك هي استعدادات ووسائل الأبدية التي جهّز بها”[14].
وهذا يعني أن هناك تناسبًا بين الخلق والبقاء “فالإنسان وتكوينه الواقعي والخفي، قد خلق بشكل غرس فيه الأمل في الخلود، باعتباره وسيلة للوصول إلى الكمال، الذي يستطيعه، ولما كان هذا التكوين، وهذه الاستعدادات المخفية فيه أكبر من الحياة المحدودة بأيامٍ معينة في هذه الدنيا، فلو كانت الحياة مقصورة على الحياة الدنيوية، لأصبحت تلك الاستعدادات لغوًا لا فائدة منها، والإنسان الذي لا يؤمن بالحياة الأبدية، يجد تناقضًا بين تكوينه الواقعي من جهة، وفكره وأمله من جهة أخرى”[15].
فالاستعدادات الروحية للإنسان، “…من بساطة وتجرّد، ورفض للتجزئة والثبات النسبي، “للأنا” الإنسانية، والآمال العريضة التي لا تقبل النهاية، والأفكار الممتدة اللامتناهية، كل هذه قد خلقت متناسبة مع حياة أوسع وأطول، وأعرض، ولعلها خالدة، وأبدية. فالذي يجعل الإنسان “غريبًا” و “غير متجانس” مع هذا العالم الفاني هو هذه الأشياء”[16].
  1. إدراك قيمة الشيء دافع لطلبه.
إن الأشياء الحقيرة لا تطلب، وبمقدار ما تحقّق تلك الأشياء له من منافع يندفع الإنسان نحو الأشياء ، ويعطي قيمة للأشياء بمقدار ما تحقّق له من وجدانات لفقدانات فهو يسعى لجلبها، وهذا يجري في الأمور المادية والمعنوية، وما لم يدرك قيمة الشيء لا يسعى إليه؛ وهنا يحضر السؤال أين محلّ الشهادة من ذلك؟
  • الإيمان بقيمة الشهادة باعث لطلب الشهادة.
ورد في بعض النصوص عن رسول الله (ص) “من طلب الشهادة صادقًا أعطيها، وإن لم تصبه”[17].
ترتبط إرادة الشهادة بمستوى الإيمان لدى المريد، والإيمان زيادة ونقصانًا حالة اختيارية، وتكمن قيمة أن يكون الإيمان فعلًا اختياريًّا إراديًّا أنه الأكثر قوّة؛ لأنه اختيار من بين خيارات، وفيه تقليب لوجوه المحتملات؛ وهذا يكشف عن أنه نوع من الارتباط والتعلّق الواعي بالذات المقدّسة؛ وبالتالي العبادة الواعية لله تعالى، التي ترى في التألّم الإنساني قربًا عباديًّا.
لأن المؤمن عندما يستقرّ الإيمان لديه بالبرهان، سيعيش حياته لأجل هذا الإيمان؛ وسيبذل دمه وروحه ووقته له؛ ويصبح طلب الشهادة دائرًا مدار مصيره؛ وعليه فإن الإيمان الواعي يحدّد جواب المصير في حركة المسار الوجوديّ للإنسان، وهذا سينعكس على سلوكه في عالم الحياة، وهذا المشهد سيكون مقابلًا لمشهد العقيدة المترنّحة أو المشكوكة والمضطّربة.
ويحقّق الإيمان بالله تعالى طمأنينة النفس، ويجعل سلوكها وأحاسيسها متناسبة مع تزكيتها؛ إذ النفس جوهر مجرد لا يتبعّض؛ فهي وإن كانت مرتبطة بالمادّة فعلًا، لكنها مجرّدة عنها ذاتًا؛ فإذا زكت زكت بساطة، وإذا خبثت خبثت كذلك؛ وعليه فحصول التزكية للنفس يحصّل الصفات المتسانخة معها، إذ الشيء إلى جنسه أميل ومن ذلك: الأمان، السكينة، المحبّة، الشجاعة، الرضا، الإيثار، البشر… وعند ذلك تندفع أضدادها؛ وهنا يتجلّى روح الإقدام وإرادة الشهادة كونها فضيلة من تلك الفضائل؛ باعتبار أن الفضائل تستلزم بعضها كونها من شجرة واحدة؛ وتتقوّم روح الشهادة بإرادة الشهادة، وتكمن قيمة روح الإقدام المنبعث من الإيمان في أنه أهمّ من الإقدام؛ إذ الإقدام عند ذاك ما هو إلا انبعاث من تلك الروح المقدّسة والتي تقدّست بفعل الإيمان، وبالتالي يصبح الإقدام مقدّسًا؛ لأنه بذاك اللحاظ الإيمانيّ هو فعل تقرّبيّ نحو الله تعالى؛ وما كان لله تعالى فهو مقدّس، لأن الارتباط بالمقدّس موجب للقداسة.
  • الدنيا دار اختبار.
ليس من السهل تناول موضوع الشهادة دون ربطه بالتكليف؛ لأن صدق الشهادة متوقف على التكليف، ومن جهة أخرى فإن التكليف متلازم مع الجهاد والمشقّة، فلا تكليف بلا مشقّة، ويرى العلامة الطباطبائيّ أن “التكليف من الكلفة بمعنى المشقّة لما فيه من تحميل المشقّة على المكلّف…”[18]. وهذا يعني وجود التلازم بين المشقّة والتكليف، وكلّما حصل التكليف لازمته المشقّة، ومتى ما تحقّقت المشقّة حلّ الألم بدرجات تتبع مقدار المشقّة في التكاليف. وقال: “… وبهذه الأصول الماضية يتبيّن أن التكليف الإلهيّ يلازم الإنسان ما عاش في هذه النشأة الدنيوية…”[19].
 ومن جهة ثالثة يرتبط التكليف بالغاية من وجود عالم الدنيا التي هي دار امتحان وابتلاء قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾[20]. “أي أن الدنيا المركّبة من الحياة والموت، إنما هي مكان لاختبار أعمال الإنسان الجيدة، ولا بدّ هنا من ملاحظة أن اختبار الله من أجل إظهار الاستعدادات والقابليات، ولا يعني هذا سوى منحها الرشد والتكامل، فالاختبار الإلهي يخرج الصفات الإنسانية من مختبأ القوة والاستعداد إلى سطح الفعلية والكمال… وبهذا يتضح أن الآية الماضية تبيِّن هذه الحقيقة، وهو أن الدنيا مكان لتربية الاستعدادات، ولتنمية قوى الإنسان”[21].
ولأن التكليف فعل الله تعالى فهذا يعني أنه مقدّس، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ …﴾[22]. ويمكن أن يؤدّي التكليف إلى الشهادة لا سيّما فيما يتعلق في الجهاد الأصغر؛ ومن جهة أخرى فإن الشهادة تتقوّم بلقاء الله تعالى، فتكون الشهادة لحظة تتويج لمسار وجوديّ بدأ بتكليف الله وختم بلقاء الله تعالى؛ وبتعبير آخر تكون الشهادة خاتمة لبداية ونتيجة لمقدمة؛ أي تكون الشهادة ختامًا بلحاظ مبدئها، وليست مطلق ختام لمطلق مبدأ؛ وعليه ولا يمكن فصل الختام عن المبدأ في مسيرة الشهيد؛ لأن النتائج تابعة لمقدّماتها، وما عنوان الشهادة إلا وصف لفعل بلحاظ ثقافة الفعل وغايته.
 وبالتالي، ستتقدّس الشهادة لأنها من مستلزمات التكليف من ناحية، وهي لقاء لله من ناحية ثانية؛ ومقتضى ذلك أن التوجّه نحو الشهادة يستلزم الوعي والتكليف والجهاد؛ وبهذا المعنى يكون التوجّه نحو الشهادة توجّهًا نحو القداسة.
ج. التوجّه نحو الشهادة توجّه نحو المقدّس.
يرى الشهيد الشيخ مطهري أن النزعات المقدّسة هي “نزعات يراها الإنسان مقدّسة في وجدانه في مرتبة أعلى وأرفع، وكلما ارتفع ميزان تمسّك الإنسان بهذه الميول، ازداد اعتبار الناس لرفعة هذا الإنسان”[23].
ويصف الجهاد “بالمقدّس” فيقول: “إن الحرب متى كانت بعنوان الدفاع، فهي مقدّسة، فإذا كانت دفاعًا عن النفس فهي مقدّسة، وإذا كانت دفاعًا عن الشعب فهي أقدس، وإذا تعدّى الدفاع الحدود القومية، إلى الحدود الإنسانية، فإنه سيكون أكثر قدسية”[24]. وفي نص آخر: “إن الحرب إن كانت حقًّا من أجل الحرية فهي مقدّسة”[25].
وهنا يمكن الحديث عن المسائل التالية:
المسألة الأولى: الشهيد هو “الذي بذل نفسه، على طريق الأهداف الإسلامية السامية، ومن أجل تحقيق القيم الإنسانية الواقعية”[26]. وهذا التعريف لحظ أمورًا:
  1. بذل النفس: فقدّم كل ما يملك لا بعضًا منه.
  2. على طريق الأهداف الإسلامية السامية: وهذا مرتبط بالأهداف الإسلامية.
  3. ومن أجل تحقيق القيم الإنسانية الواقعية: وهذا مرتبط بالقيم الإنسانية.
المسألة الثانية: تقدّس الآثار تبعًا لقدسيّة الهدف؛ إذ إن التحرّك الجهادي المقدّس بكل مظاهره، مآله الآثار والنتائج المقدّسة، حتى ولو لم يصل السائر لأجل العدالة إليها، ولكن سقط في طريقها، وكذا المعاناة، معاناة الفقدان، كاليتم والثكل، والتهجّر، وفقد المال، والبيت، والأهل، والتشريد، والفقر، والجوع، والعطش، والجرح، والألم، والإعاقة، و…
ومن هنا يستنتج الشيخ مطهري أنه: “عندما يقال: إن المقتول دون عياله وماله، شهيد، فإنه في الواقع كذلك؛ بسبب قيامه بالواجب، والتكليف، الذين أملاهما عليه وجدانه، وكرامته، وشرفه، ودينه، وليس عندما يكون الدافع هو المنفعة المادية، فما بالك أن يكون المقتول دون العدل والحرية، ودون التوحيد والإيمان، فإنه لا شك أكثر قدسية، وأعلى مرتبة، وأرفع درجة، بالتأكيد”[27].
ثم إن الآثار تسري على جسد الشهيد، وهذا يظهر من الأحكام المجعولة له؛ التي “منها”: عدم جريان أحكام الميت على جسد الشهيد سوى الصلاة والدفن، فيدفن بدمه ولباسه، من غير تغسيل ولا تكفين.
ومنها: أن “هذا الاستثناء له مغزاه العميق، إنه يرمز إلى أن روح الشهيد بلغت درجة من السمو والطهارة، بحيث ترك هذا السمو والطهر آثاره على جسد الشهيد، وعلى دمه، بل وحتى على ما يرتديه من لباس”[28]. ثم قال الشيخ مطهريّ: “بدن الشهيد “جسد متروّح” إن صح التعبير؛ أي أضحى وجودًا تجري عليه أحكام الروح… ولباسه أضحى.. “لباسًا متجسّدًا” أي تجري عليه أحكام الجسد الذي يضم تلك الروح الطاهرة، فجسد الشهيد ولباسه اكتسبا الشرف من طهر روحه، وعلو فكره، وسمو تضحيته.. وتلك ولاية أخرى على قداسة الشهيد في المفهوم الإسلامي”[29].
المسألة الثالثة: أن القداسة كالنور وجود مشكّك، ومعيار تشكيكه واشتداده هو مدى قربه من الله تعالى،  حيث ربط بين الشهادة وأداء التكليف الذي يهدف إلى تحقيق العدالة والحريّة.
المسألة الرابعة: التلازم بين الشهادة والنصر.
التركيز في هذه الفقرة على طبيعة العلاقة بين الشهادة والنصر؛ حيث يمكن القول: إن إرادة الشهادة هي الرمز والمفتاح للنصر؛ لأن المنتصر منتصر في نفسه قبل انتصاره في الخارج، وقد ينتصر شخص في الخارج ويكون مهزومًا في نفسه، والملفت أن صدق الشهادة ملحوظ فيه عنوان الشهيد المقتول في سبيل الله، أي ملحوظ طرف الجهد والجهاد من قبل المجاهد حتى الشهادة، بينما الملحوظ في عنوان النصر هو نسبته لله تعالى (﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾[30]، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾[31]. من هنا عبّر الإمام أمير المؤمنين (ع) بالفوز عندما ضربه ابن ملجم بالسيف على رأسه فقال: “فزت ورب الكعبة”، وذكر الإمام الخميني أن الشهادة “رمز النصر”.
فكأن الشهادة شرط والنصر جزاؤه؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ…[32]، وهذا يفيد أن الموضوع على نحو المعادلة الشرطية، بمعنى أن نصرة الله لكم مشروطة بنصرتكم لله تعالى؛ وهذا الجهاد سيفضي كثيرًا إلى الشهادة؛ من هنا وضّح العلامة الطباطبائي أن: “… المراد بنصرهم لله أن يجاهدوا في سبيل الله على أن يقاتلوا لوجه الله تأييدًا لدينه وإعلاء لكلمة الحق…”، وأنّ ” …المراد بنصر الله لهم توفيقه الأسباب المقتضية لظهورهم وغلبتهم على عدوهم كإلقاء الرعب في قلوب الكفّار، وإدارة الدوائر للمؤمنين عليهم وربط جأش المؤمنين وتشجيعهم…”[33].
د. نتائج:
بناء على ما تقدّم يمكن استخلاص النتائج الآتية:
أولًا: الشهادة توفيق مع تحقّق شروطه.
ولأن الشهادة ثقافة وتربية  فهي ليست مجرّد قرار وانتهى الأمر، بل هي تستلزم مقدّمات من الإنسان، لكنها ليست من فعل الإنسان، بل هي اختيار ورزق وتوفيق إلهيّ وفي الدعاء: “…وقتلاً في سبيلك فوفّق لنا…”، أو “…وأن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك مع أوليائك تحت راية الحقّ…”؛ لذا كان يقول الشهيد سليماني: “شرط نيل الشهادة أن تسلك طريق الشهداء”، وقبل “أن يستشهد كل شهدائنا كانوا شهداء”، فحال الشهيد حال العالم، فما لم يتعلّم لن يصير عالمـًا، فما لم يسلك طريق الشهداء لن يصير شهيدًا.
ثانيًا: الشهادة وصول.
يستبطن مفهوم الشهادة معنى الوصول، فهي تاج وختام لمسار، ولا محالة فإن الوصول مسبوق بالسير، نعم، ليس كلّ من سار فقد وصل، إلّا أنه حتمًا كل من وصل فقد سار، وبالتالي ليست كل مقدّمة موصلة إلى النتيجة، لذا لن يوصل إلى الشهادة إلّا طريق الشهادة، وطريق الشهادة كامن في ثقافة الشهادة، وهذا يعني أن الشهيد ليس مجرّد مقتول، بل هو خصوص المقتول في سبيل الله تعالى.
وتعبير “سبيل الله” هو إشارة الطريق إلى المبدأ والمنتهى؛ فمنه تعالى كانت البداية وإليه المنتهى، وهذا يؤكد ضرورة فهم ثقافة الشهادة بدقّة حتى يتم التوجّه إليها، والتربية عليها بدقة، باعتبار أنها مفهوم مفتاحيّ في أدب الولاء، باعتبارها أسمى مراتب البرّ فقد ورد عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): فوق كل ذي بر ّبرّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ…”[34].
[1]  سورة الأنعام، الآية 162.
[2] الشيخ مرتضى مطهري، الرؤية الكونية التوحيدية، الصفحة 102.
[3] سورة آل عمران، الآية 173.
[4] الشيخ مرتضى مطهري، الإنسان والقدر، الصفحة 128.
[5] الرؤية الكونية التوحيدية، مصدر سابق، الصفحة 103.
[6] سورة آل عمران، الآية 169.
[7] السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، الصفحة 79.
[8] المفيد، الإرشاد، الجزء 2، الصفحة 99.
[9] الشيخ مرتضى مطهري، العدل الإلهي، الصفحة 225.
[10] الشيخ الصدوق، الآمالي، الصفحة 576.
[11] الكليني، الكافي، الجزء5، الصفحة 54.
[12] الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، الصفحة 54.
[13] العدل الإلهي، مصدر سابق، الصفحة 222.
[14] الشيخ مرتضى مطهري، المعاد، الصفحة 108.
[15] العدل الإلهي، مصدر سابق، الصفحة 232.
[16] المصدر نفسه، الصفحة 227.
[17] الأحسائي، عوالي اللآلىء، الجزء1، الصفحة 101.
[18] العلّامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، الجزء 5، الصفحة 25.
[19] المصدر نفسه، الجزء 12، الصفحة 198.
[20] سورة الملك، الآية 2.
[21] العدل الإلهي، مصدر سابق، الصفحة 231.
[22] سورة البقرة، الآية 286.
[23] الشيخ مرتضى مطهري، الفطرة، الصفحة 55.
[24] الشيخ مرتضى مطهري، محاضرات في الدين والاجتماع، الصفحة 600.
[25] المصدر نفسه، الصفحة 602.
[26]  الشيخ مرتضى مطهري، شهيد يتحدث عن شهيد، الصفحة 8.
[27] الشيخ مرتضى مطهري، الملحمة الحسينية، الجزء3، الصفحة 29.
[28] شهيد يتحدث عن شهيد، مصدر سابق، الصفحة 13.
[29] المصدر نفسه، الصفحة 14.
[30] سورة الحشر، الآية 11.
[31] سورة المجادلة، الآية 21.
[32] سورة محمد، الآية 7.
[33] الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، الجزء 18، الصفحة 229 .
[34] الشيخ الكليني، الكافي، الجزء 2، الصفحة 348.



المقالات المرتبطة

وحدانية الحضارة الإنسانية

منذ ما يربوا على عقد ونيف من الزمان تجدد الحديث عن فرضيتي تعدد الحضارات أو وحدتها ومن ثم عن الخلاف القائم

حين نطق الصبر كلمات

في عتمة الحزن والألم والخوف من الله تعالى، امرأة ورثت كلّ صلابة الرجال، وجمعت صِرف الصبر في قلبها ونفسها التي لم ترَ من الله إلّا جميلًا.

تساؤلات حول العقل المرجعي في الدراسات الدينية

إنّ الحديث عن موقع ودور العقل المرجعي في الدراسات الدينية؛ سوف يضعنا أمام إشكاليتين تتعلق أولاهما بتحديد المقصود من العقل، أما الثانية فبالمقصود من الدراسات الدينية.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<