المراسم العاشورائيّة.. التوازن بين الشكلانيّ والمضمونيّ
في مثل هذه الأيام من كل سنة تكثر الكتابات عن عاشوراء لا سيما حملات النقد الواسعة التي تطال ما يسمى “المراسم العاشورائية”، وبعض ما يعتريها من مشهدية إحيائية تتعلق بالتطبير وضرب السلاسل وغيرها. ورغم أن هذا النوع من الإحياءات قد تراجع وتقلص إلى حدّ كبير، مقارنة بالسنوات السابقة، بفعل الفتاوى المتعددة للكثير من المراجع العظام، إلا أن الكتابات حول هذا الموضوع باتت تشكل ظاهرة موسمية لبعض الكتّاب، حيث كل واحد منهم يدلي بدلوه فيه.
على أن اللافت في الأمر أن الكتابات النقدية باتت أكثر عددًا من نفس هذه الإحياءات، وأن ما يُظن أنه سعة وانتشار لمثل هذه “التشوهات” ناتج عن “حركية” كبيرة لانتشار مقاطع مصورة لها، هو في الحقيقة انتشار للآلة الإعلامية، أكبر منه انتشار لهذه “الظاهرة”.
والواقع أنه لا أحد يمكنه إنكار أن بعض قراء السيرة الحسينية يبالغون في سرد بعض الأحداث غير الواقعية، لكن ما ينبغي الالتفات إليه أيضًا أنّ منتقدي قراء السيرة يبالغون بدورهم في تصوير حجم انتشار هؤلاء، وفي مدى الخطر الذي يمثلونه على مضمون النهضة الحسينية.
ولعل المشكلة الأساس عند بعض القراء تكمن في الخلط بين الوقائع العاشورائية وما اجترحه بعض الأدباء في المخيال الشعبي العاشورائي، والذي كان يمثل تصويرًا “للسان الحال” لا “واقع الحال”.
ومن هنا، فإن اتهام قرّاء السيرة بتعمّد الإضافات فيه إجحاف كبير، واتهام مغلوط بتعمّد الإدخال إلى السيرة الحسينية ما ليس منها.
من هذا المنطلق، يبدو أن بعض منتقدي قرّاء السيرة لا يقلون خطرًا من القراء أنفسهم؛ لأن القارئ “المبالغ” قد يضفي بعدًا خياليًّا على الواقعيّة (الواقعة) العاشورائية، والناتجة عن الخلط بين “لسان الحال” وواقعه، فيما بعض المنتقدين يشجعون عامّة الناس على “التمادي” في التشكيك في الكثير من الواقع والوقائع، وتاليًا تفريغ عاشوراء من بعدها الوجداني.
على أن الذي لا شك فيه أن التركيز على ضرورة “نكران” البعد الشكلاني للمراسم العاشورائية يعارض الكثير من النصوص المقطوعة الصدور، والتي ركّزت على ضرورة الاعتناء بهذا البعد، مع ضرورة التركيز بشكل مواز على البعد المضموني للواقعة العاشورائية.
إن المراسم العاشورائية، شأنها في ذلك شأن معظم التعاليم الدينية، تأخذ بعين الاعتبار البعدين، الشكلاني والمضموني. من هنا، كانت تعاليم النصوص المقدسة تدعو لإظهار الحزن والبكاء والفجيعة والأسى والألم وغير ذلك.
فليس المطلوب في الإحياء العاشورائي تحوّله إلى حالة من التأمل البوذي، كما ليس المطلوب اقتصار الإحياء على الشكل دون المضمون.
وبكلمة أخرى، ليس المطلوب “عقلنة” عاشوراء على حساب رصيدها الوجداني (الشكلاني)، كما ليس المطلوب حصر عاشوراء ببعدها الشكلاني دون بعدها المعرفي…تحميل المقال
المقالات المرتبطة
التصوّف في الأديان السماويّة الثلاثة: القواسم المشتركة، والخصوصيّات
إنّ التصوّف ظاهرة عالميّة عابرة للأديان والزمان والمكان والإثنوجرافيا، وهو تجربة ذاتيّة فرديّة، وهو كمذهب روحيّ متمثّل في كلّ الأديان، يسعى لاكتشاف الحقيقة الجوهريّة للوجود من خلال تصفية القلب، والتأمّل، والتخلّي عن رغبات الجسد وشهواته، وعن كلّ العيوب الأخلاقيّة، والتحلّي بالفضائل والتواضع، والتقشّف، والزهد.
والدة الشهيد الصدر إن حَكَتْ
لقد حقق السيد الشهيد أمل والدته، فكان قُدّس سره في طليعة العلماء الكبار، الذين تبوأوا الصدارة، في إعلاء كلمة الإسلام.
حكومات تتآمر وشعوب تنتفض: لا للتطبيع
هذا التطبيع له بُعدٌ آخر وهو تطبيع يهدف إلى إضعاف الأمّة الإسلاميّة المتكاملة عبر إظهار ثقافة معيّنة للعدو بأنّه يبحث عن السلام والأمان بيننا.