by معهد المعارف الحكميّة | أبريل 13, 2021 10:04 ص
المهدي أو المخلص معتقد جاء في الكتب السماوية على نحو الضرورة لخلاص الإنسانية، وإن التراث الديني للشعوب حمل الكثير من الآيات والروايات والأبحاث والنظريات التي تحدثت عنه. لماذا المخلص أو المهدي، وما هو المسار الزمني والجغرافي له، ومتى يكون ذلك وما هي صفاته؟ كل تراث ديني، بحسب معتقده، أجاب عنها بطريقته.
لا شك أن مفهوم المسيح المخلص، أو المسيا، أو الغائب، أو المرجع، أو المهدي، وسائر هذه الأسماء تعود إلى ذلك الشخص الذي ينتظره الناس كل حسب معتقده منذ زمن بعيد، وهو من المعتقدات المهمة التي تخص الإنسان ووجدانه ومستقبله البشري على وجه الأرض، وإن الأديان ربطت خلاص الإنسان به، والعقلية الإنسانية ذهبت إلى فلسفة هذا المفهوم كأصل من الوجود البشري، والبحث في التراث الديني تتناول هذا المفهوم كضرورة بشرية. اتفق الناس على المفهوم كضرورة، واختلفوا في المصداق من يكون هذا الشخص، ولد أم لم يولد، أم هو أدمي، أم هو ابن الرب، أم هو إمام من نسل آل محمد (ص)؟
ولأن الحديث في مفهوم المهدوية أو المخلص هو موضوع حيوي ضروري، وأن العقل والدين يذهب إلى الخوض فيه، سنتناوله من ناحية التراث الديني للشعوب وكيف تناول هذا المفهوم أهل الكتاب وأصحاب المذاهب الإسلامية؟ وما هو المشترك فيما بينها في هذا المعتقد، صفات المخلّص أو المهدي، وما هي أهدافه الأساسية في مقابل الظلم والجور؟
جاء في المعجم العربي الحديث لخليل الجَر في تعريف التراث: “هو الورث والإرث والميراث وأصل التاء في التراث “الواو”[1][1]. ما ورث ووُرث ورثًا وإرثًا وإرثه ورثةً تراثًا فلانًا: انتقل إليه مال فلان بعد وفاته: “ورث المال ووَجد عن فلان”: صار مال فلان ومجده إليه والورث: ما يخلفه الميتُ لورثته[2][2]، وفي القرآن الكريم جاء: ﴿ورث سليمان داود﴾[3][3]، ﴿يرثني ويرث من آل يعقوب﴾[4][4]، ﴿إن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾[5][5]، ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾[6][6].
التراث اصطلاحًا هو العادات والتقاليد والتجارب والفنون والعلوم المختلفة الفلسفية والتاريخية والأدبية لدى الشعوب والتي تمتد من جيل إلى جيل متصلة بالجيل الذي يليه يسمّى الموروث الإنساني.
الاهتمام بمفهوم المخلص أو المهدي ليس نقاشًا حديثًا، إنما بدأ منذ فجر التاريخ، والنقاش والبحث كان وما زال عقليًّا فلسفيًّا، أو روائيًّا نصّيًّا، أو ما اجتمع بين الفلسفي العقلي والروائي، لكن بالمحصّلة إن المخلّص هو حلم الإنسانية المشترك بين المعتقدين بالأديان.
فاليهودية تعتقد أنّ المخلّص الموعود هو من بني إسرائيل، وأنّه من نسل النبي داود (ع)، وقالوا: إنّ هذا المخلّص سوف يخرج في آخر الزمان فيقيم العدل ويحكم بالقسطاس، وجاء في المزمور 72 من مزامير داود (ع) ما نصّه: “اللهم اعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك”، وابن الملك إشارة إلى المنقذ في آخر الزمان، ومجموعة من كتب اليهودية والعهد القديم ورد فيها حديثٌ عن المنتظَر الموعود، ومنها كتاب دانيال النبي وكتاب أشعيا النبي، وقد جاء في زبور داود (ع) كما أنبأنا القرآن الكريم ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
تقول اليهودية حينما يأتي المسيا المنتظر تَطرح الأرض فطيرًا وملابس من الصوف، وقمحًا حَبُّه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمن تَرجِع السلطة لليهود، وكل الأمم تَخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمئة عبد يخدمونه، وثلاثمئة وعشرة تحت سلطته، لكن المسيح لا يأتي إلا بعد انقِضاء حكم الخارجين عن دين بني إسرائيل.
اختلف الرابيين اليهود في فكرهم عن المخلص، فمنهم من قال أن المسيا هو الرب، ومنهم من قال بأن المسيا من نسل يهوذا، ومنهم من قال إن اسمه حنانيا، ومنهم أطلق عليه اسم ينون، ومنهم من قال إن له ثمانية أسماء.
ومن الطقوس المهمة التي يقوم بها اليهود المرتبطة بالمخلص هو يوم الغُفران الذي يُصلي فيه اليهود صلاة يَطلبون فيها الغفران عن خطاياهم التي فعلوها، والأيمان التي أدَّوها زورًا، والعهود التي تعهَّدوا بها ولم يوفوا، ومِن هنا سَهُل عليهم ارتكاب الخطايا، مهما بلَغ تَجاوزها ما دامت تعود عليهم أفرادًا وجماعات بما هو كسب لدُنياهم، إلى أن تقوم دولتهم أو دولة المسيح، فلا يَكونون في حاجة إلى الخطايا؛ لأن كل شيء يأخُذ طريقه لصالحِهم[7][7].
يمثل المسيح للمؤمنين بالمسيحية “المخلص والفادى”، وهو كما يقول الكتاب المقدّس: “وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإنسان، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ”. (إنجيل يوحنا، 3: 14-17) “به نحيا ونتحرك ونُوجد”. ويقول: “منه وبه وله كل الأشياء”، وجاء المسيح إلى اليهود خاصة لكنهم لم يقبلوه كما جاء في “يوحنا 11:1”. وكذلك سموه “سامرى” وانتهى الأمر بصلبه حتى إنهم افتدوا “لصًّا” وتركوه هو معلق على الصليب.
قال عنه الملاك في البشارة إنه يدعي يسوع “لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (متى1: 21). ولم يقتصر خلاصه على شعبه، بل قال “لم آت لأدين العالم، بل لأخلص العالم” (يو12: 47). بل قيل إنه “هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (يو4: 42). وقد قال عن نفسه إنه “جاء لكي يخلص ما قد هلك” (متى18: 11) (لو19: 10) … والعالم كله تحت حكم الهلاك. وهو جاء ليخلص من الخطايا: ويخلص شعبه من خطاياهم (متى1: 21). وكما قال بولس الرسول: “إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطأة الذين أولهم أنا” (1تى1: 15). وقال: “بذل نفسه لأجلنا يفدينا من كل إثم” (تى2: 14). وقال أيضًا: “المسيح افتدانا من لعنة الناموس[8]” (غل2: 13). ويعتقدون بأن المسيح جاء ليحقق الخلاص الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم ويعيد الإنسان مرة أخرى إلى الفردوس بعد سقوط الإنسان الأول في الخطيئة، ولما لم يحدث هذا في الوقت الذي كان فيه بين الناس، ولما رفعه الله للسماء حيًّا، هناك، فالمسيحيون ينتظرون عودته كي يكمل رسالة السلام التي بدأها.
الكنائس بوجه عام تلتزم بحرفية الكتاب المقدس في أمر عودة المسيح، والتي تعتبر عودة المسيح من الأمور الغيبية التي لا يعلم موعدها إلا الله، يدور الحديث بين المسيحيين عن عصر رجوع المسيح وعودته. فقد ذكرت عودة المسيح أكثر من 300 مرة في الكتاب المقدس، فيقول في إنجيل (متى 24): مَا هي عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: “انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ باسمي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ، وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلُّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ، لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ في أَمَاكِنَ”.
ومن الفرق التي تعمل بحسب ما تعتقد بالعمل على تأمين العوامل لظهور المخلص هم الإنجيليين الأمريكيين، إذ يعتقدون بأن جمع اليهود في فلسطين هو البشارة لقيام المخلص فيقولون: “سيأتي الرب يسوع شخصيًا ليبدأ ألفية جديدة، سيحدث هذا عندما تستعيد إسرائيل أرضها، وعندها ستكون المعرفة الإلهية منتشرة في كل بقاع الأرض”. أصبحت هذه العبارة السياسة المتبعة من قبل الجماعة الإنجيلية التدبيرية، وبدأوا بالضغط والتأثير على القرارات السياسية في أمريكا، داعمين بذلك مشروع الدولة الإسرائيلية، فقاموا بالضغط على الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لتبني ودعم وعد بلفور، الوعد الذي أعطاه رئيس الوزراء البريطاني، جيمس بلفور لليهود لإنشاء دولتهم في فلسطين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح للحركة الصهيونية تأثيرها ومكانتها في أوروبا، خاصة بعد أحداث الهولوكوست، تبنت جمعيات الإله، وهي مجموعة مكونة من 144 كنيسة وطنية، قرارًا يدين معاداة السامية ويدعو إلى قيامة دولة إسرائيل. بالنسبة لهذه المجموعات الإنجيلية، فإنّ معركة طاحنة ستقوم في تل مجدو، منطقة يشير إليها سفر رؤيا يوحنا، تقع شمال الأراضي المحتلة، 30 كيلومترًا من جنوب شرق مدينة حيفا. ستحدث المعركة عندما تصبح إسرائيل دولة يهودية بشكل كامل، عندها سيعود المسيح لنصرة أتباعه والتخلّص من الشر. في أحد الرحلات السياحة الدينية التي تقام في إسرائيل، يشرح أحد المبشرين الإنجيليين عن المعركة ويذكر أنّ دول مثل روسيا، وإيران، وأثيوببيا، وتركيا ستأتي لغزو إسرائيل حاملين بذلك أعلام الأمم المتحدة.
المهدي في الإسلام أخذ حيّزًا مهمًّا في النقاش، وتوالت أحاديث ونصوص في المهدي[9] كموعود بُشر بمجيئه، الإمام المهدي عند أهل السنة هو أحد أبرز الموضوعات لدى تياراتها[10] الفكرية ومذاهبها، وعند الكُتّاب والمحققين القدامى منهم والجدد. منهم من اعتقد بوجوده ومنهم من أنكر ذلك محتجين بحديث “ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم”، وهو حديث رواه ابن ماجه والحاكم، لكنه ضعيف كما جزم بذلك جماعة منهم ابن تيمية وغيره. ولكن أغلب المذاهب ذهبت إلى خروجه في آخر الزمان، وما رواه أحمد والترمذي وأبو داود أن النبي (ص) قال: “لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يوطئ اسمه اسمي”، وفي رواية لأبي داود: “يواطيء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي”. والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه أحمد شاكر والألباني. لقد ذهب كثير من علماء الفريقين من الشيعة[11] والسنة[12] إلى تواتر[13] الأحاديث الواردة بشأن المهدي الموعود[14]. وصرّح بتواترها كثير من علمائهم، وأفردوا لها مؤلّفات مستقلّه، أو عقدوا له أبوابًا ضمن مؤلّفاتهم. وقد أحصوا الآيات المرتبطة بموضوعه 250 آية، ورغم استفاضة الأخبار هذه في تعيّن المهدي المسبق في شخصية من شخصيات أهل البيت[15]، إلا أن المهدوية[16] قلّما اجتاحت المجتمعات السنية، حيث اقتصرت هي أيضًا في ذلك على الجوانب التاريخية والرؤية الزمنية للأحداث، فأحال معظمهم موضوع انطباق أوصاف المهدي إلى المستقبل البعيد، تاركين تحديد هويته.
رغم ذلك فإن جموعًا كبيرة من علماء أهل السنة دانو بولادة الموعود[17] بعد أن ترقبت شخصيات كبيرة منهم أخبار أئمة أهل البيت[18]، فاجتمع على ولادته أطياف مختلفة منهم فكريًّا وفقهيًّا وسلوكيًّا، إلى جانب كافة مصادر الإمامية[19]؛ حيث دوّنت مولده ونشأته في القرنين الثالث والرابع للهجرة[20]، خلَفًا للإمام الحسن العسكري[21] الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت[15].
لقد كانت روايات صحيحة[22] لدى الفريقين تربط موضوع المهدي بالخلفاء الاثني عشر[23] تزيد من أهميته، لا سيما أن الأحاديث[24] النبوية حذرت من الميتة على غير معرفة الإمام[25]، واصفة إياها بالميتة الجاهلية[26]، كما أخبرت باضطراب الأرض بمضي الخلفاء[27] وحذرت بخروج كذابين ودجالين[28] من بعدهم قبل قيام الساعة، انطوت على أمر الغيبة[29] .
يعتقد أهل السنة والجماعة أن من أشراط الساعة خروج المهدي آخر الزمان، فيملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلًا، كما ملئت جورًا وظلمًا، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويفيض المال.
وقد جاءت السنة ببيان اسمه وصفته ومكان خروجه، فمن ذلك:
أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): “المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت ظلمًا وجورًا، يملك سبع سنين”، رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: “المهدي من عترتي من ولد فاطمة”، رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن علي قال: قال رسول الله (ص): “المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة”، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر والألباني. قال ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم: (أي يتوب الله عليه، ويوفقه ويلهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك).
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول (ص) قال: “يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحًا، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعًا أو ثمانيًا. يعني حججًا”، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات.
وعن ثوبان قال: قال رسول الله (ص): “يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلًا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئًا لم أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي”، رواه ابن ماجه والحاكم وقال: على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح.
قال ابن كثير: “والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دل على ذلك بعض الأحاديث” انتهى.
وقال ابن كثير أيضًا: “والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان، فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لا من سرداب سامراء، كما يزعمه جهلة الرافضة من وجوده فيه الآن، وهم ينتظرون آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا برهان، لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان”.
وقال ابن القيم في المنار المنيف: (ولقد أحسن من قال: ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا؟ فعلى عقولكم العفـاء فإنكم ثلثتم العنقـاء والغيلانـا، ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): “كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم” رواه البخاري ومسلم.
وعن جابر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة”، قال: “فينزل عيسى ابن مريم (ص) فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة”، رواه مسلم. وفي رواية عند الحارث بن أبي أسامة “فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا…” الحديث، قال عنه ابن القيم في المنار المنيف: هذا إسناد جيد.
فهذا بعض ما ورد في ذكر المهدي وخروجه آخر الزمان. وليعلم أن أحاديثه بلغت حد التواتر كما صرح بذلك جماعة من أهل العلم. قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: “وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدّ من معتقداتهم”، إلى أن قال: “وقد روي عمن ذُكر من الصحابة وغير من ذُكر منهم رضي الله عنهم، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة”.
وقال الشوكاني: “والأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثًا، فيها الصحيح والحسن والضعيف، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول…”.
أما الشيعة فإنهم اختلفوا بشخص المهدي حيث ذهبت كل فرقة إلى الاعتقاد بالمهدي على طريقتها ومن هذه الفرق:
الزيدية: وهي تعتقد بأن زيد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو المهدي، وهذه الفرقة أغلب منتسبيها هم في اليمن، ولم يكن زيد يعتقد الإمامة في نفسه، ولم يكن صاحب مذهب فقهي. إنما كان ثائرًا بوجه الظلم والطغيان الذي كان سائدًا في ذلك الزمان. ولكن بعض أصحابه نسبوا إليه بعض العقائد، ثم بمرور الزمان تكوّنت العقائد والفقه الزيدي ونسب كل هذا إلى زيد الشهيد.
النصيرية: وهي فرقة من الغلاة[30] الذين يعتقدون بإمامة[31] محمد بن نصير النمري[32]. تنتسب هذه الطائفة إلى زعيمهم محمد بن نصير النميري، وكنيته أبو شعيب، وكان من الشيعة الاثني عشرية، وأصله من فارس، ثم انفصل عنهم إثر نزاع بينه وبينهم على ثبوت صفة الباب له، حيث ادعى أنه الباب إلى المهدي المنتظر فلم تقرّ له الإمامية بذلك، فانفصل عنهم وكوّن له طائفة، وقد ظل زعيمًا لطائفته إلى أن هلك سنة 260هـ، وبعضهم يذكر أنه في سنة 270هـ وقد كان فيما يقول علماء الفرق – مولى للحسن العسكري- الإمام الحادي عشر للشيعة الاثني عشرية- ولقد كان للحسن العسكري موقف شديد منه ومن آرائه الكفرية، وأتباعه ما زالوا إلى وقتنا الحاضر يعيشون في العراق.
الواقفية: وهم الذين وقفوا على إمامة[33] الإمام الكاظم(ع)[34] بن الإمام جعفر الصادق(ع)[35]، وادّعوا أنه لم يمت، وأنه المهدي الموعود[14] الذي يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا. وهذه الفرقة ليس لها وجود في الوقت الحاضر، وحتى في ذلك الزمان اشتملت على مجموعة صغيرة فذهبت هذه الفرقة بذهابهم.
الإسماعلية: وهم الذين يعتقدون بإمامة[31] عبد الله بن الإمام الصادق (ع)[36] الملقب بـالأفطح، وأغلب الذين اعتقدوا بإمامته[37] انتقلوا إلى الاعتقاد بإمامة[31] الكاظم (ع)[38]؛ لأنّ عبد الله الأفطح لم يستمر عمره بعد الإمام الصادق (ع)[39] أكثر من 75 يومًا. وكان عددهم قليلًا، وهم من الفرق التي ليس لها وجود في هذا الزمان.
الكيسانية: يعتقدون بإمامة[31] محمد بن الحنفية[40] بعد الإمام الحسين(ع)[41]، وبعد ابن الحنفية[42] ابنه أبو هاشم[43].
يقول السبحاني[44][8][45] إنّ المذهب الكيساني[46] تحدقه إبهامات وغموض في مؤسسه وأتباعه وأهدافه تكاد تدفع الإنسان إلى أنّه مذهب مختلق من جانب الأعداء، ملصق بالشيعة[47]، والغاية تشويش أذهان الشيعة[11] أوّلًا وتحطيم سمعة السيف البّتار المختار بن أبي عبيدة[48] ثانيًا.
الجعفرية أو الاثني عشرية: تعتقد بـالنص على إمامة[49] اثني عشر إمامًا بعد رسول الله[50] (ص)، وأن المراد من الإمامية[19] التي تؤمن بوجود إمام منصوب من قبل الله. ووفقًا لهذا التعريف تندرج جميع الفرق الشيعية[51] تحت عنوان الإمامية[19]. إلا أنّ مصطلح الإمامية[19] الذي يميزها عن سائر الفرق الشيعية[51] هو اعتقادهم بوجود اثني عشر إمامًا[52] منصوص عليهم من قبل الباري تعالى بعد رسول الله (ص)[53]، والذين أسمائهم كالتالي:
وهذه الفرقة لها معتقد بأن الإمام الثاني عشر هو المهدي المنتظر، وهو ابن الحسن العسكري، وتعتقد بأن هذا الإمام ولد وما زال حيًّا، وينتظر الأمر الإلهي بالظهور بناءً للنص عن لسان النبي.
وتهتم الجعفرية بالإمام المهدي اهتمامًا خاصًّا لدى العامة والمحققين والكتاب، والعلماء الشيعة اتفقوا على النصوص واختلفوا في تفسيرها.
فمنهم من قال بأن الانتظار يجب أن يكون بترك الأمور تجري بما هي عليه؛ أي ترك الظلم يسود في العالم مما يعجل في ظهور المهدي (الحجتيين، والتيار الشيرازي والإخباريين)، ومنهم من قال يجب التمهيد لهذا الظهور بالعديد والعدة وكل منهم قدم براهينه، وإذا قارنا بهذه البراهين التي تتحدث عن ترك الظلم يسود، وبين البراهين التي تتحدث عن التمهيد نجد بأن العقل والمنطق يتقبل من يقولون بالتمهيد.
لأن ترك الظلم يسود هذا خلاف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك خلاف لنصرة الحق في مقابل الظلم، وهذا من أسس المذهب الاثني عشري.
الاثني عشرية اجتمعت على صفات المهدي الموعود ومن هو، والنصوص والآيات التي تحدثت عنه كثيرة، وكتبت مصنفات ومجلدات وكتب تتحدث عن هذا الموضوع لا يساع ذكرها الآن، لكن حددت الشيعة الجعفرية أمورًا اتفق عليها وهي:
الهوية: يعتقد الشيعة بأن المهدي قد ولد وما زال حيًّا، وهو محمد بن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر، والدته نرجس[9][66]، ولد في العام 255 هجرية في 15 من شعبان في سامراء في العراق على المشهور، وهنالك من قال غير ذلك.
تتحدث الاثني عشرية أن للمهدي المنتظر أربعة مراحل: الاحتجاب، والغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى، وعصر الظهور.
الاحتجاب: بدأت هذه المرحلة منذ ولادة الإمام (ع) سنة 255 هـ[67] حتى استشهاد الإمام العسكري[68] (ع) سنة 260 هـ[69]. حيث كان الإمام العسكري[68] (ع) طوال هذه المدة يقوم بوظيفتين أساسيتين وحساستين: حفظ ابنه من ملاحقة الخلفاء العباسيين، وإثبات ولادته للخواص. ففي إحدى المرات أظهره لأربعين شخصًا من الشيعة وقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه فلا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر[10][70] سنين.
الغيبة الصغرى: بدأت سنة 260هـ بعد شهادة والده الإمام الحسن العسكري[71] (ع) مباشرة واستمرت حتى عام 329 هـ ولمدة 69 سنة، بانتهاء فترة نيابة السفراء الأربعة[72] وبدايات الغيبة الكبرى[73].
وكان الإمام طوال هذه الفترة غائبًا عن الأنظار، أما من كانوا على اتصال به فكانوا يسمون بـ (بالسفراء الأربعة)[74]، وكانوا يعيشون في بغداد[75] يديرون شؤون الشيعة[11]، وهم:
أبو عمرو، عثمان بن سعيد العمري[76] .
أبو جعفر، محمد بن عثمان بن سعيد العمري[77] .
أبو القاسم، الحسين بن رَوْح النوبختي[78].
أبو الحسن، علي بن محمد السمري[79].
الغيبة الكبرى: هذه الفترة بدأت بعد مضي فترة الغيبة الصغرى[80] سنة 329 هـ ولا تزال مستمرة حتى الآن إلى مرحلة عصر الظهور.
مرحلة عصر الظهور: تبدأ هذه الفترة من حين ظهور الإمام (ع) وبسط سلطته على العالم وإرساء قواعد العدل[81] ونشر الدين المحمدي الأصيل بين الرعية، وتنتهي باستشهاده[82] .
الشيعة الاثني عشرية يعتبرون ولادة الامام المهدي من المحطات المهمة في حياتهم، ويقومون بالاحتفال بيوم ولادته، ويوزعون الحلوة ويعتبرونه من الأعياد الكبيرة، وعلاقة المؤمنين منهم به علاقة الموجود فيما بينهم، ويخاطبونه بالأدعية والزيارات المتواترة المنقولة عن أسلافهم.
الأديان والمذاهب اتفقت على أن المخلّص يكون في آخر الزمان يبسط العدل والرخاء، ويمنع الظلم بين البشر وينشر الأمان الاجتماعي والاقتصادي والأمني، وينشر العلم بكافة جوانبه، ويؤكد الصحيح ويصوّب ما دون ذلك، وأن الأديان والمذاهب لا تنكر أنّ للبشرية مخلّصًا يأتي في آخر الزمان ولا بدّ من وجوده رغم اختلافها في المصداق واجتماعها على المعتقد. وإذا رجعنا إلى أسباب الاختلاف في المصداق نجد أن الخلاف سببه:
لكي تصل الحقائق إلى الناس بحقيقة الامام المهدي هنالك طريقين:
الطريق الأول: اجتماع العقول وأهل الحل والربط لدى الأديان بعيدًا عن الأطماع والمصالح والجدلية والنقاش بتجرد بالعقل والنصوص يمكن أن تصل الأمور إلى عاقبة حسنة.
الطريق الثاني: هو ظهور المهدي ليحسم الجدل الحاصل ويحق الحق ويحققه.
[1][83] خليل الجر؛ المعجم العربي الحديث “لاروس”، الصفحة 1280.
[2][84] المصدر نفسه، الصفحة 1280.
[3][85] سورة النمل، الآية 16.
[4][86] سورة مريم، الآية 6.
[5][87] سورة الأنبياء، الآية 105.
[6][88] سورة الفاطر، الآية 32.
[7][89] كامل سعفان، اليهود تاريخ وعقيدة، الصفحتان 151 و 152.
[8][90] الشيخ السبحاني، المذاهب الإسلامية، نشر مؤسسة الإمام الصادق (ع) قم.
[9][91] هي السيدة نرجس (ع) بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح (ع). ومن أسمائها أيضًا: (مليكة) و(صقيل) و(سوسن) و(ريحانة) و(مريم). وقيل: (حكيمة)، وقيل: (خمط).ولكن أشهر أسمائها: (نرجس)، وكنيتها: اُمّ محمد.
[10][92] الشيخ الصدوق، كمال الدين وإتمام النعمة، باب 447، حديث 11، الصفحة 482.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/12630/yamahdi2-2/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.