المهدوية والخلاص عند أصحاب الأديان والمعتقدات

by معهد المعارف الحكميّة | أبريل 16, 2021 12:55 م

عقد المنتدى الدولي للحوار المسؤول ندوة حوارية[1][1] بعنوان: “المهدوية والخلاص عند أصحاب الأديان والمعتقدات”، أدارها الإعلامي حسن سليم. وشارك فيها كلٌّ من: سماحة الشيخ جمال الدوسري[2][2] من العراق، والأب جورج خوام[3][3] من لبنان، والدكتور أحمد ماجد[4][4] من لبنان.

افتتح الإعلامي حسن سليم الندوة مرحّبًا بالضيوف الكرام كلٌّ باسمه وصفته. وقال: ورد في (مستدرك الصحيحين، للحاكم النيسابوري. الجزء الرابع/ الصفحة 557)، عن رسول الله (ص) أنّه قال: “المهدي منّا أهل البيت يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا”. وفي إنجيل متى: “وإنّما الذي عندكم تمسكوا به إلى أن يأتي من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطانًا على الأمم فيرعاها بقضيب من حديد كما تُكسر آنية من خزف وأعطيه كوكب الصبح”. وفي المزمور السابع والثلاثين، كتاب المزامير: “الصدّيقون يرثون الأرض إلى الأبد أما الأشرار فيبادرون جميعًا عقب الأشرار ينقطع”. وراثة الأرض والقسط والعدل وعناوين أخرى اجتمعت عليها الأديان كأهداف ستتحقق على يد مخلص للبشرية.

وسأل: الوعد بالظهور والقيام، هل هو إخبار بحصول هذا التحوّل العظيم أم هدف تمهيدي لا بدّ من العمل عليه لتحقيقه؟

وكانت البداية مع سماحة الشيخ جمال الدوسري، الذي أجاب عن سؤال: هل يمكن القول بأنّ هناك تفاوت بين الأديان والمعتقدات في الإيمان والاعتقاد بقضية المهدوية والخلاص، أم أنّ التفاوت موضعه الكيفية والسبل؟ فقال: تعيش الأمة الإسلامية جمعاء في أيام شهر شعبان المعظم الذي استفتحنا فيه ولادات أهل البيت (ع)، وكذلك ولادة وفرحة وبهجة ولادة المنقذ للبشرية جمعاء سيدنا ومولانا المهدي المنتظر (عج). ما من ديانة سماوية إلا وبشرت بالمنقذ والمصلح، ورجل في آخر الزمان يعيد للبشرية جميعًا العزة والكرامة والعدالة والسعادة والأمن والأمان. وبشّرنا النبي (ص) كذلك، وبشّر الصحابة قبل 1400 سنة. فالإمام المهدي (ع) هو عقيدة ودين. والمُنكر لهذه العقيدة ولوجود أو خروج الإمام المهدي (ع) في آخر الزمان ليس مرتبطًا بهذا الدين.

وتابع سماحته: ربما نختلف في بعض الأمور، أنّ إخواننا الإمامية يقولون إنّ الإمام المهدي مولود، بينما الكثير من المذاهب السنّيّة تقول سوف يولد في آخر الزمان. ولكن المحصّلة النهائية التي إذا ما خرج فيها صاحب الأمر والزمان، وصاحب الأمر والعدالة السماوية، فإنّه سوف يتفق عليه جميع البشرية بلا استثناء.

واعتبر أنّ المسيحية اليوم تشكّل أكثر من ثلثي العالم بأجمعه، وعندما يخرج المسيح (ع) وينزل عيسى (ع) ويقدّمه الناس إمامًا ليصلي بهم؛ فإنّ جميع المسلمين والمسيحيين سيتفقون على عيسى ليصلي بهم، وإذا به يتأخر ويقدّم الإمام المهدي (ع) فيصلي إمامًا بعيسى (ع) وبالبشرية جميعًا. وهذا إقرار من قبل نبي الله عيسى بأنّ الدين هو دين الإسلام، وبأنّ الدين هو دين النبي المصطفى (ص)، وبأنّ هذا الرجل الذي سوف يملأ الأرض عدلًا وقسطًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا هو من العترة النبوية الشريفة.

وأضاف سماحته قائلًا: من كلمات الإمام الحسين (ع) “بنا فتح الله وبنا يختم”. لا بدّ أن نعيش بقلوبنا وأرواحنا بأنّنا خير أمة أُخرجت للناس كما وصفها الله سبحانه وتعالى ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[5][5]، فلا يأس ولا إحباط ولا تهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلاح الحال والبلاد والدين، ونفع الناس والمسلمين جميعًا. معلّلًا السبب في ذلك أنّ الأمة تعيش في ضياع وبُعد عن الله، وجميع البشرية ربما تعيش في قهر واضطهاد؛ وقد طغى عليها المال، والحكّام الجائرون، والشهوات التي لا يمكن لهذه الأمة أن تعيد عزتها وكرامتها ومكانتها الدينية والإنسانية والإسلامية، إلا يوم أن ترجع إلى رياض هذا الدين. مستندًا إلى قول النبي (ص): “تركت فيكم اثنان ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، وهذا خطاب للمسلمين ولجميع الناس.

وختم سماحة الشيخ جمال الدوسري كلامه قائلًا: لقد ابتعدت الأمة اليوم عن القرآن العظيم وعن العترة الطيبة الطاهرة، وأصبحت تعظّم البشر وتستمع إليهم أكثر من تعظيمها لدين الله واستماعها للقرآن العظيم. وتعظّم الناس الذين لا قيمة ولا وزن لهم أكثر من تعظيمها واستماعها لأهل البيت (ع). لا يمكن لهذه الأمة أن تعيد لها عزها وكرامتها ورشدها ومكانتها، إلا يوم تعرف سبيل الخلاص والنجاة والفلاح. نحن الفقراء إلى الإمام المهدي (ع) ولكنّنا الأغنياء به. جميع الديانات تتفق، وجميعها قد بشرت، والله سبحانه وتعالى قال ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾[6][6]. ما زال الأمل مكتوبًا لهذه الأمة في نصر الله وفرجه وفتحه. وما زالت طائفة من أهل الحق والعدل والصلاح والإصلاح ظاهرين على الحق كله لا يضرهم من خالفهم.

بعد ذلك، تحدث الأب جورج خوام، عن وراثة الأرض والقسط والعدل، وعناوين أخرى اجتمعت عليها الأديان كأهداف ستتحقق على يد مخلص البشرية. وأجاب عن سؤال: هل الوعد بالظهور والقيام هو إخبار بحصول هذا التحوّل العظيم، أم هدف تمهيدي لا بدّ من العمل عليه لتحقيقه في آليات التمهيد؟ فقال: فيما يتعلق بموضوع الخلاص في المسيحية، وبناءً على ما تفضلتم به من آيات، هناك نقطة أولى يجب أن أشير إليها، وهي أنّ المسيحية ترى موضوع الخلاص من جانبين:

الأول: تاريخي جرى ووقع في شخص معين، وزمن معين، على يد رسل حواريين كانوا معه. وهذا الجانب التاريخي بالنسبة إلينا أصبح من الماضي المحقق ونبني عليه كلّ ما يُدعى لاهوتًا أو علم كلام في هذا الموضوع.

والثاني: يتعلق بالخلاص، وهو موضوع رجاء، أي القادم من الأيام. فهناك جزء من التاريخ لم يحصل بعد وسوف يكون له واقع آخر متصل في ما سبق من أحداث وأشخاص وتعاليم.

وأكد الأب خوام أنّ موضوع الخلاص في المسيحية هو موضوع واحد، وإنّما يُنظر إليه من حيث التاريخ ومن حيث الرجاء. وشخص السيد المسيح هو المحور، فهو الذي افتدى البشرية في شخصه بموته ثم بقيامته، وترك تعاليم لكي يسير عليها من اتبعه.

وبيّن   الأب خوامأنّ الخلاص من جهة هو لجميع البشر، انطلاقًا من الإيمان بشخص السيد المسيح وما جرى بشأنه كما أورده الرواة الإنجيليون، الذين تركوا لنا نصوصًا في هذا الشأن. ومن جهة ثانية هو عمل كل الأشخاص الذين يدّعون بالمسيحية ويتّبعون تعاليم السيد المسيح. وقال: من حيث الشق الثاني -وهذا ما أراه الآن يدور البحث حوله- المسيحية والكنيسة في مختلف أوجهها ومناطقها، تعمل على توجيه، وعلى عيش، وعلى الدعوة إلى التوجه صوب شخص السيد المسيح، لكي تنتظر وترجو اللقاء به على حسب ما رأى ونظّم وأمر به أتباعه.

وأضاف الأب خوام أنّ الشخص المخلّص الذي نرجو أن يظهر للبشرية، هو هذا الموعد الذي أعطاه في نهاية العالم بأن يرى الجميع يسيرون تحت راية واحدة هي راية الإيمان بتعاليم السيد المسيح. فالظهور هو ظهور تاريخي من جهة، وهو أيضًا رجاء ثابت وواقع نصبو إليه من خلال دعوتنا وعيشنا اليومي في مجتمعاتنا، بالرغم من كل ما يطرأ على المجتمعات البشرية من عذاب وآلام.

وعن سؤال: هل تختلف الديانات والمعتقدات في نوع السند الذي تستدل من خلاله على ثبوت القضية؟ أجاب مشيرًا إلى الموضوع الثقافي الذي يدخل في تركيبته -كمكوّن للفكرة- مجتمع معين بكل ما يتضمن من تعقيدات. وهو مكوّن من أشخاص وتقاليد وعادات وأساطير. وله دور في البعد الثقافي الذي يُسهم أيضًا في التعبير عن فكرة الدين. وهناك أمر آخر كمكوّن ثقافي غير المجتمعي، وهو التقابس الفكري، الذي يعني ثقل مجتمع معين بكثافته المجتمعية، يدخل عليه التقاؤه وتعاطيه مع مجتمعات أخرى قريبة منه، وفي كثير من الأحيان أيضًا على تماس مباشر معه. فالتقابس الفكري هو أيضًا مكوّن آخر من مكوّنات البُعد الثقافي.

ثم يضاف إلى المجتمع التقابس الفكري مع مجتمعات أخرى. ثم مكوّن ثقافي ثالث يُضاف إلى هذين المكوّنين، وهو النمو الفكري الداخلي ضمن نظام إيماني، وهذا يعني أنّ التعبير عن عقيدة أو عن إيمان معين أو عن فكرة يمر داخل الدين نفسه، عبر مراحل وأشخاص يدفعون به إلى الأمام. فلهؤلاء أيضًا دور في تكوين العقيدة والمعتقد. إنّ لهذه العناصر الثلاثة دورها في صياغة العقيدة، وينبغي عدم إهمال هذا الجانب عند الحديث عن موضوع الخلاص، ومواضيع أخرى.

وأضاف أنّ الجانب التشريعي مقبول من أشخاص المعتقد ذاته. وبما أنّه مكوّنًا ثقافيًّا ضمن نظام فكري ديني عقائدي لجماعة معينة، عليها أن تشير إلى هذه المكونات الثقافية وأن لا تقع في خطأ تعميم مكوّن ثقافي لمجتمع معين، وتعميمه على سائر المجتمعات وكأنّها جزء من هذا المجتمع.

واعتبر الأب خوام أن الأصل لا يزول بل يصبح جزءًا مكوًنًا وهو يبقى المستند الرئيسي والقاعدة الأساسية لبناء الإيمان. وهو لا يُجنّب ولكن يُضاف عليه ويغنيه. العناصر التي تحدثت عنها تأتي كإضافة وتصح جزءًا مكونًا على الأصل. ويجب أن نضيء على فكرة النمو الإيماني داخل منظومة دينية كي لا نتصلب في تحديد معتقدات معينة لمجتمع معين، ثم نأتي بها معلّبة خالصة، ونرمي بها إلى مجتمعات أخرى. ومثالًا على ذلك من يقول لي أنّ فكرة التوحيد كانت غائبة عن الفراعنة؟ الذين كانوا موجودين قبل أربعة آلاف سنة تقريبًا قبل التقويم الميلادي، وكانت لديهم الديانة والطقوس والكهنة والمعابد، وكل العناصر الأساسية للحديث عن دين وعن معتقد وطقوس. ومن يقول لي بأنّ طريقة الوصول إلى فكرة التوحيد، طريقة التعبير الخاصة بهم لا تصلح في مجتمعات أخرى؟ المجتمعات الأخرى التي رأت في ذاتها أنّها التطور الأكمل والتعبير الأوفى عن الإيمان بالتوحيد. هذا التطور هو الذي جعلنا نقول بأنّ تلك الديانة الفرعونية أصبحت من القديم ونرمي عليها تقييمًا انطلاقًا من مجتمعاتنا، ونموّنا الشخصي والغنى الذي ورثناه نتيجة تطور المجتمعات.

ورأى أنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار المنظومة بحدّ ذاتها وتطورها واختناقها الداخلي، بناءً على عناصر محددة داخلية، ثم نحاول أن نجد ربطًا لها بالإيمان نفسه عند سائر المجتمعات والشعوب.

ثم ختم الأب جورج خوام قائلًا: إذا كان الله واحدًا فالخلاص واحد، أما طرق التعبير عنه فتكون نتيجة تطور ثقافي وبشري. والغنى لا يعني بالضرورة انحرافًا عن الأصل. أنا لا أريد أن أدخل في مواضيع لست مختصًا بها، مثلًا، التعبير عن فكرة المهدوية. إذا كنت أريد أن أقوم ببحث عنها، عليّ أن أنظر إلى تطورها التاريخي على يد من تحدثوا وأفصحوا وكتبوا في هذا المجال، لأرى في أي مرحلة من مراحل نمو العقيدة في هذه النقطة أخذت شكلها وصياغتها وطريقة تعبيرها الأكمل، حيث باتت أمرًا مسلّمًا عند المئات أو الآلاف أو ربما الملايين من البشر.

 

وكان الختام مع الدكتور أحمد ماجد، الذي تحدث عن القضية المهدوية والمخلّص. وأجاب عن سؤال هل الاعتقاد الإسلامي يستند في قضية المهدوية والمخلّص إلى الآيات القرآنية وبيانها، أم يعتمد على أدلة أخرى تاريخية وعلمية وغيرها؟ وقال: لا بدّ في البداية من الإشارة إلى أنّ الحديث عن موضوع المهدوية هو ليس حديثًا إسلاميًّا بالمعنى الدقيق للكلمة. دون شك بأنّ هناك تلميح في النص القرآني لهذا المورد، ولكن معظم ما وصل إلينا وصل عبر الأحاديث النبوية الشريفة.

وتابع الدكتور ماجد قائلًا: سأعالج الموضوع من ناحية، ترتبط بالرؤية التي تنظر إلى البشرية، انطلاقًا من واقع ذات طبيعة إناسية تحاول أن تُظهر هذه الفكرة على أنّها ليست عابرة في تاريخ الأمم والشعوب. إنّما هي من الأفكار أو الأصول الأولية الموجودة عند كل الشعوب في العالم. وإذا نظرت إلى تاريخ الأمم والشعوب سترى بأنّ الشعوب كافة ابتداءً من السومريين كان هناك شخصية دينية وداموزين. وبعد ذلك إذا ذهبنا باتجاه الأسيميين نجد فكرة الخلاص والمهدوية حاضرة بشكل كبير جدًا. وهذا ما تشير إليه لفائف البحر الميت التي تتحدث عن الآتي من الأيام حيث سيظهر المخلص المنقذ للبشرية. وإذا ذهبنا باتجاه اليهودية سنجد أنّ نصوص المزامير وغيرها تؤكد على مجيء المخلص في آخر الزمان. وكل ما نشير إليه يقول لنا بأنّ هناك فكرة أساسية مركزية تشكّل الأصول الأولية التي تسعى إليها الأديان وتعمل على تقديمها للبشرية كعنصر خلاصي. وهذا الموضوع يتعلق بمجيء القائم المهدي في آخر الزمان أو المخلص.

وبيّن الدكتور ماجد أنّ الموضوع الخلاصي عنصر ثابت في الطبيعة البشرية، لأنّها لو لم تكن لها هذه الخاصية لما انتشرت بين الشعوب على هذه الشاكلة. وقال: يمكن أن نبني العقائد على مستويات عدة، منها: المستوى النصي، فالنص يشير إلى هذا الموضوع ويؤكده الحديث النبوي الشريف. ولكن نستطيع أن نرى أنّ الإجماع على وجود هذا الاعتقاد بين الناس، يدل على أنّ هذه الفكرة المحورية هي عنصر أساسي في الديانات، ومن خلالها يتم ضبط المجتمع من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، وتجعل في الإنسان الرغبة للانطلاق والاستعداد باتجاه إقامة مجتمع العدل الإلهي.

وتابع قائلًا: نجد في اليهودية أن الآيات الواردة في العهد القديم وفي النصوص الدينية تتكلم بأنّه سيأتي المخلص من نسل داوود لكي يقيم مجتمع العدل الإلهي، من أجل أن يعيد جمع اليهودية مرة ثانية في فلسطين لإقامة دولة العدالة. كما وتتحدث الزرادشتية أنّ سوش سيأتي في آخر الزمان، بعدما تمر البشرية بالكثير من المشاكل التي تتعرض فيها للانحلال على المستوى الأخلاقي والأزمات على المستوى الإنساني. فيأتي سوشيا من أجل أن يعيد بناء المملكة الإلهية، وبناء مجتمع العدالة التي تصل إلى حد أنّ البشر يبقون ثلاثين سنة دون أن يذبحوا حيوانًا واحدًا. وكل الديانات تهيّئ الشعوب من أجل استقبال هذه الشخصية التي نتحدث عنها.

وأكّد الدكتور ماجد أنّه لا بدّ من النظر إلى هذا الموضوع نظرة فائقة الأهمية، لأنّه في تاريخ الأديان عادة عندما يتم التحدث عن هذه الموضوعات، يذهب الذين أرّخوا عن هذه الديانات إلى اعتبار بأنّ البشرية قد مرت من مرحلة أولى كانت ذات طبيعة شركية، ثم تطورت بعد ذلك لكي تصل إلى مجتمعات التوحيد الدينية. وقال: ما نتكلم به وتشير إليه بعض الاعتقادات، أنّه إذا كانت هناك أفكار ثابتة موجودة عند مجموعات بشرية متنوعة، فهناك رسالة واحدة أُنزلت على البشرية تعرضت للانحراف طوال التاريخ الإنساني فأُدخلت عليها العقائد الشركية، مما يجعل العناصر الاعتقادية الثابتة فيها تظهر بشكل دائم باعتبارها اعتقادات واضحة تشير إلى الأصل والمرجعية.

وبحسب الدكتور ماجد أنّنا إذا نظرنا إلى الموضوعات التي تكلمت فيها الأديان سنرى أنّ الديانات الشركية تُشرك في وجود إله واحد، بل الشرك يكون في الوسائط الإلهية التي توصل باتجاه الله. فإذا انتزعنا هذه الشركيات الموجودة سنعود إلى مبدأ التوحيد الأصل. مما يشير إلى أنّ الأصل المرجعي هو الأصل الباني، وبالتالي ما حصل بعد ذلك من شرك هو نتيجة إرادة الإنسان أن يكون هناك واقع وتماس مع الذات الإلهية، فحاولوا أن يجعلوا هذه الوسائط تتناسب مع بنيتهم الذهنية.

وقال: إذا ذهبنا باتجاه عقيدة المهدوية أو الخلاص سنرى أنّها عقيدة أصلية تحضر دائمًا داخل البنية الدينية وتستحضرها الشعوب. ولا نستطيع أن نتكلم عن وجود أثر وتأثّر، فالبعض حاول أن يقول بأنّ ما تتحدث به الشيعة الاثنا عشرية له أثر في الديانات الأخرى. ولكن إذا عزلنا هذا الاعتقاد وذهبنا باتجاه ديانات أبعد سنلاحظ أنّ هذه الفكرة موجودة فيها وبشكل فاعل جدًا، مما يؤشر إلى أنّ هذه العقيدة أصلية في جميع الديانات وتشير إلى منبعها الإلهي.

ولفت الدكتور ماجد إلى أنّ ما نتكلم عنه، هو في ما يتعلق بالأمر الاعتقادي الذي يتمثّل عقيدة في دين الله. وقد يكون نتيجة الاختلاف في الثقافات بين مجتمع ومجتمع آخر، وقد يجد تعبيرات ثقافية مختلفة. ولكن أصل الاعتقاد بما يمثّل من بُعد داخل المنظومة الدينية لا يمكن أن يكون مختلفًا عليه. وما يحدث من تغييرات وتطور يدخل في إطار البنى الرمزية التي يُعبّر من خلالها الإنسان على الاعتقاد الديني.

وقال: إذا نظرنا إلى نفس المعتقد في بيئات مختلفة لن تكون التعبيرات واحدة، وسيتم إدماج الثقافات السابقة داخل البُعد الاعتقادي الجديد الذي تبنته أمة أو ثقافة من الثقافات. وإذا نظرنا إلى نفس الطقس الديني أو الاعتقادات الدينية سواء كانت في العراق أو إيران أو لبنان، سنرى أنّ هناك اختلافات وقراءات مختلفة ولكنها لا تطال الأصول، وإلا فهذا يعني أنّ الأصول غير ثابتة على مستوى اعتقادي.

الحديث عن التداخل بين الثقافات لا يكون على مستوى اعتقادي وإنّما على مستوى تديّن شعبي وبشرط أساسي أن يكون هذا التديّن يعود إلى الأصول، ومنضبط فيها حتى يكون معتبرًا داخل المنظومة الدينية نفسها.

وختم الدكتور أحمد ماجد قائلًا: إنّ الحديث عن الاختلافات قد ينتج عن الاختلاف في الثقافات التي تجري في مجتمع، وقد تكون متحولة أو مختلفة عما يجري في مجتمع آخر، ولكن الأصل هو في المرجعية الاعتقادية التي تُبنى عليها أصل الممارسة. وشرطها أن تكون متوافقة مع الأصول المرجعية، ولا تخالفها ولا تُحدث فيها أي نوع من أنواع الخلل. وبالتالي تصبح كل التعبيرات عن الفكرة الواحدة معمول بها ويمكن التعبير عنها بشرط عدم التعارض مع الأصول.

 

 

[1][7] يوم الأربعاء 31/ 3/ 2021.

[2][8] إمام وخطيب مسجد الدراوزة في البصرة، وهو رئيس مؤسسة الوحدة الإسلامية في العراق. شارك في المحافل الإسلامية والعالمية والأدبية والسياسية داخل العراق وخارجه وخاصة المناسبات الدينية، وهو عضو في مجمع التقريب بين المذاهب في العراق.

[3][9] دكتوراه في تفسير الكتاب المقدس، ومدير دائرة النشر لدى المكتبة البولوسية، ومدير سابق لمعهد القديس بولس للفلسفة واللاهوت، وهو محاضر جامعي ومترجم عدد من الكتب ومؤلف.

[4][10] دكتوراه في الفلسفة والدراسات الإسلامية، له مؤلفات عدة وله دراسات متعددة في المجالات الثقافية في لبنان والعالم العربي. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات في لبنان والخارج، وهو باحث في معهد المعارف الحكمية.

[5][11] سورة آل عمران، الآية 110.

[6][12] سورة الأنبياء، الآية 105.

Endnotes:
  1. [1]: #_edn1
  2. [2]: #_edn2
  3. [3]: #_edn3
  4. [4]: #_edn4
  5. [5]: #_edn5
  6. [6]: #_edn6
  7. [1]: #_ednref1
  8. [2]: #_ednref2
  9. [3]: #_ednref3
  10. [4]: #_ednref4
  11. [5]: #_ednref5
  12. [6]: #_ednref6

Source URL: https://maarefhekmiya.org/12666/yamahdi6/