الصوم محور مجاهدة النفس

الصوم محور مجاهدة النفس

﴿إِنَّ النَّفْسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾؛ إن النفس محط الهوى والغوى والوسوسة، لذلك لا بدّ لصاحب الإيمان من مجاهدة نفسه، لأن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر كما قال رسول الله الأعظم (ص): “جهاد النفس هو الجهاد الأكبر”، فكيف إذا كان جهاد النفس في شهر الصيام في شهر الله، فلا بدّ للصائم من مجاهدة نفسه لينتصر على وساوس ومكائد الشيطان، ويسعى لاغتنام هذه الفرصة التي منحها الله إياها وأنعم علينا في هذا الشهر العظيم بنعمة الصوم لننال رضا الرحمن، فعلى الإنسان المسلم أن يحرص على استغلال مواسم الخير ليعظم قدره في الجنان.

فالصوم بحدّ ذاته يساعد الإنسان على مجاهدة نفسه على الطاعات والابتعاد عن الرذائل والشهوات وحب الهوى والنفس؛ لأن الصوم عبادة روحية بدنية تساعد الإنسان المسلم على طهارة ونقاوة وصفاء نفسه من الرذائل والمعاصي.

وأيضًا يساعده على التخلص من العادات النفسية السيئة كالحقد والبغض والعداوة، فالصوم يطهر النفس من الفواحش القبيحة كالكذب والافتراء والنميمة والغيبة، وغيرها… ليجعلها في محط الصفاء والاطمئنان والسكينة.

كما أن الصوم يقوّي الإيمان ويعلي من الهمة والإرادة والعزيمة، حيث خلق الله الإنسان مجبولًا على حب الشهوات ومنفطرًا على الانغماس في الملذات وحب الهوى. فالصوم هنا جهاد وكفاح مستمر لتلك النفس (المنغمسة بحب الشهوات)، وأيضًا، الصوم يجعل المسلم في حياة روحانية ربانية صافية قائمًا لربه قانتًا لمولاه معترفًا بنعمة ربه عليه، خالصًا لله تبارك وتعالى، مباركًا لقيمة النعم التي منحه إياها الله والتي لا تحصى؛ فأكبر نعمة هي الصحة التي إن وجدت نسيت وإن فقدت ذكرت، فعلى الإنسان أن يدوم بالشكر لخالقه وبارئه لأنّ الصائم يحتاج إلى صحة البدن في صيامه فلذلك أكبر نعمة هي (الصحة)، فإن الصائم يستشعر فضل الله عليه بنعم الطعام والشراب والنكاح بسبب امتناعه عنها مؤقتًا، مما يعزز في النفس الإنسانية الإحساس بحاجات الفقراء والمساكين وغيرهم من المحتاجين، فعندئذٍ تتعود هذه النفس الإنسانية على شكر الله، ويتحقق اليقين في قلب الصائم بأن الله عز وجل هو المالك لهذه النفس والقادر على منحها ومنعها.

كما يساهم الصوم أيضًا في زيادة التقوى في القلوب والخشية من الله عز وجل وتجديد الإيمان. كما أن في الصوم صبرٌ على ما قدّره الله بما يكون من الصبر على الجوع والعطش وذلك بحسب النفس لتحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالى، الذي تكفل بإعطاء الأمر والجزاء لأنها حالة منفردة بين الإنسان وربه لا يشاركه فيها مخلوق، وهي أيضًا خالية من الرياء والمباهاة، حينما يختلي الإنسان بينه وبين نفسه فيزداد تمسكًا وصبرًا وثباتًا لكي يقضي يومه في صلاة ودعاء.

كما أن للصوم أثر كبير في تهذيب النفس وتطهيرها واستقامة السلوك وإصلاحها من جديد وتزكيتها من الأدران.

فالصوم يهذب النفس ليرتقي بالنفس اللوّامة إلى درجات النفس المطمئنة فيرتقي في مكارم الأخلاق، كما يرتقي الصوم بالنفس الأمّارة إلى مرتبة الإحسان والمراقبة فيصلح النفس ويهذبها، وأيضًا يربي الصوم في نفس المسلم خلق الخشية من الله في السر والعلن ويغرس فيها المراقبة.

كما يقوي الصوم إرادة المسلم إذ يعلّمه على ضبط نفسه، ومقاومة رغباتها وميولها، كما يسمو بالنفس الإنسانية من الناحية الخلقية لينال بذلك مرتبة الصائم القائم، قال النبي الأكرم محمد (ص): “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درب الصائم القائم”.

فكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لله وهو يجزي به. فحسبُ الإنسان بعض ما في الصوم ليتعلم الصبر الجميل، حسبه أن يتربى على يد الله ويُصنع على عينه يحمل رسالته وبلوغ أهدافه. فالصيام يقوي العلاقة الروحية بين العبد وربه، فيستشعر مراقبته سبحانه في الأحوال جميعها.

فالحمد لله على نعمة الصيام لسيت لأنها فريضة فقط كما قال الله في محكم كتابه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، بل أيضًا لأنها نعمة تستحق كل الشكر لله العظيم التي من خلالها تتطهر النفس من كل قبيح وعمل مذموم، وتجعل الصائم في حالة استقرار نفسي وصفاء ونقاء لروحه.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
مجاهدة النفسالصومشهر رمضانالصيام

المقالات المرتبطة

الدين عند فويرباخ الإنساني من حرفية النص إلى الإيمان القلبي

يتناول هذا البحث “انثربولوجيا ʼفويرباخʻ الدينية” فيوضح فكرة التحول من “الثيولوجي إلى الأنثربولوجي”

البنيويّة

ثمّة عقبات عديدة تواجه الباحث في البنيويّة تظهر إلى العلن منذ الإطلالة الأولى التي يحاول فيها الباحث تقصّي البنيويّة في مدلولاتها أو مباشرتها فيما يمكن أن تختزنه من تحديد، فالبنيويّة تأبى عن التأطير

ماذا.. ما بعد الغرب؟ معضلة النهايات

الحضارة الغربية حقّقت سيادتها العالمية استنادًا إلى قوّتها المادية، وأن القرنين التاسع عشر والعشرين يشكِّلان سقف الحضارة الغربية، وأنّ نهاية القرن العشرين سوف تكون حافَّة هذا السقف وبداية الانهيار.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<