تعيين ليلة القدر (مقاربة للروايات الشيعيّة والسنيّة)
مقدِّمة
لا شك في أن ليلة القدر هي ليلة نزول القرآن وهي في شهر رمضان وفيها تُقدّر الأرزاق والآجال ويُفرَق كلُّ أمرٍ حكيم، بدليل أن القرآن نزل في شهر رمضان المبارك وتحديدًا في ليلة القدر لقول الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾[1]، ولقوله جَلَّ جَلاله في سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، مضافًا إلى قوله سبحانه وتعالى في سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[2].
يشترك السنّة والشيعة في تعظيم ليلة القدر، والحثّ على إحيائها بالعبادة والتضرّع إلى الله، وبأنّها خيرٌ من ألف شهر، نعم قد اختلفوا في تحديدها وإن كان هناك جهة اشتراك بينهم في ذلك أيضًا، وهي أنّها على أغلب الروايات المشهورة بين الفريقين هي في العشر الأواخر من شهر رمضان.
أوّلًا: تعيين ليلة القدر في المصادر الشيعيّة.
تكتسب ليلة القدر عند الشيعة أهميّة قصوى، وهذا ما يفسّر كثرة الروايات في تعيين هذ الليلة، وفي فضلها وآدابها وأعمالها، ومعانيها الظاهريّة وتأويلاتها الباطنيّة، يقول الإمام الخميني في كتابه الآداب المعنويّة للصلاة: “إنّ ليلة القدر صارت صاحبة قدر لأنها ليلة وصال النبى الخاتم، وليلة وصول العاشق الحقيقي إلى محبوبه حيث إنَّ تنزّل الملائكة ونزول الوحي يكون بعد حصول الفناء والقرب الحقيقي”[3]، والأهمّ في المقام ما يرتبط بالروايات الواردة في التعيين.
- طوائف الروايات المعيِّنة.
تتنوّع الروايات المعيِّنة لليلة القدر في المصادر الشيعيّة، فبعضها يجعلها في العشر الأواخر، والبعض الآخر في ليلة ٍمحدّدة وهي إمّا 19، أو 21، أو 23، على نحو التعيين في إحداها أو الترديد بينها، يقول الشيخ الطوسي: “وليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان بلا خلاف، وهي ليلة الإفراد بلا خلاف. وقال أصحابنا هي إحدى الليلتين؛ إما ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وجوّز قومٌ: أن يكون سائر ليالي الإفراد إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين وتسع وعشرين”[4].
أ. ليلة القدر في العشر الأواخر.
رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ وَزُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ … ﴾ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ؟
قَالَ: “نَعَمْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهِيَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَلَمْ يُنْزَلِ الْقُرْآنُ إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، قَالَ يُقَدَّرُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ خَيْرٍ وَ شَرٍّ”[5].
ب. ما يدلّ على أنها إحدى ليال ثلاث: 19، أو 21، أو 23.
عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ حَسَّانَ أَبِي عَلِيٍّ قَالَ: “سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ- قَالَ اطْلُبْهَا فِي تِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثٍ َ عِشْرِينَ”[6].
ج. ما يدل على أنها إحدى ليلتين: ٢١ أو 23.
عن حَسَّانَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟
فَقَالَ: “الْتَمِسْهَا فِي لَيْلَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ”[7].
د. ما يدل على أنها ليلة ثلاث وعشرين.
أهمّ ما ورد في المقام هي روايات ليلة الجهني، أمّا سببُ تسميتها بالجُهني كما صرَّح بذلك الشيخ الصدوق (قدَّس الله نفسه الزَّكية) فيعود إلى نسبتها إلى رجل من أصحاب النبي المصطفى (ص) يُسمى بعبد الله بن أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِي الْجُهَنِي إثرَ حديثٍ جرى بينه وبين الرسول (ص).
أمّا قصّة الجهني الذي سمّيت الليلة باسمه فهي كما ترويها الأحاديث والروايات كالتالي:
رَوى مُحَمَّدُ بْن يُوسُف عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ:
” إِنَّ الْجُهَنِيَّ أَتَى النَّبِيَّ (ص)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِبِلًا وَغَنَماً وَغِلْمَةً وَعَمَلَةً، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْمُرَنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .
فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَسَارَّهُ فِي أُذُنِهِ، فَكَانَ الْجُهَنِيُّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ دَخَلَ بِإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَأَهْلِهِ إِلَى مَكَانِهِ”[8].
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اللَّيَالِي الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْغُسْلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ .
فَقَالَ: “لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَ عِشْرِين “.
وَقَالَ: “لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ هِيَ لَيْلَةُ الْجُهَنِيِّ “.
وفي حديثٍ آخر للجهني أيضًا: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (ص): إِنَّ مَنْزِلِي نَاءٍ عَنِ الْمَدِينَةِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا؟
فَأَمَرَهُ بِلَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ”[9].
2.علّة إخفاء الليلة وعدم تعيينها الدقيق.
هذه هي أهمّ الروايات في التحديد عند الشيعة،كما أنّ التتبّع فيها يوحي بأنّ النبي (ص) والأئمة (ع) امتنعوا عن التحديد الدقيق لليلة القدر لأسبابٍ منها ما هو مذكور في أحاديثهم، ومنها ما لم تذكر لأسباب خافية علينا، ولعل من أهم تلك الأسباب هو إرادة حث الناس على اغتنام الفرصة الذهبية المتوفرة في شهر الرحمة والغفران وإحياء ليالي هذا الشهر بالعبادة والذكر والصلاة والدعاء والتوجه إلى الله، بل في بعض الروايات ما يشير صراحة ًإلى ذلك: عن ابن عرادة قال: قيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): أخبرنا عن ليلة القدر؟ فقال: “ما أخلو من أن أكون أعلمها، ولست أشك أن اللَّه إنما يسترها عنكم نظرًا لكم، لأنكم لو أعلمكموها عملتم فيها وتركتم غيرها وأرجو أن لا تخطئكم إن شاء اللَّه”[10].
وللعلّامة المجلسي كلامٌ لطيفٌ في بيان عدم التعيين وعلّة الإخفاء: “ثم اعلم: أن عدم تعيينه (ع) ليلة القدر ومع علمه بها ومبالغة السائل في استعلامها لحكمة عظيمة اقتضت إخفاؤها وهي أيضًا مخفية، وعلى ما يصل إليه عقولنا يمكن أن يكون لعبادة الناس في الليالي المشتبهة فيها. كالحكمة في إخفاء الاسم الأعظم ليداوموا على جميع أسماء الله ليفوزوا به، وكذا إخفاء أولياء الله من بين سائر الناس ليحترز الناس من إيذاء كل أحد ويكرموا جميع الناس حذرًا من احتمال كونه ولي الله …”[11].
وقريبٌ منه ما يذكره العلّامة الطباطبائي: “وإنما لم تعين (ولم تحدد ليلة القدر) تعظيمًا لأمرها وأن لا يستهان فيها بارتكاب المعاصي”[12].
كما أنّ المتأمّل فيها لا بدّ أن يلاحظ التركيز الكبير على الليلة الثالثة والعشرين ممّا يُقوّي في النفس أن ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين، وأن الليالي السابقة هي بمثابة المقدمة ولها دور تحضيري للنفوس لتتهيأ وتستعد للرقي في سلَّم الكمال الروحي مرحلة تلو أخرى فتصل إلى ذروة كمالها في ليلة القدر، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال: “التَّقْدِيرُ فِي لَيْلَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَالْإِبْرَامُ فِي لَيْلَةِ إِحْدى وَعِشْرِينَ، وَالْإمْضَاءُ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ”[13].
ثانيًا: ليلة القدر عند السنّة.
- تعيين ليلة القدر في المصادر السنيّة.
اختلف علماء أهل السنّة كثيرًا في تحديد ليلة القدر، فبعضهم قال بأنّها في العشر الأواخر وآخرون في السبع الأواخر، والبعض أنّها تنتقل في ليالي العشر الأخير من رمضان، وهي في الأوتار آكد منها في الأشفاع، وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، كما قد نجد من يقول بأنّها الثالثة والعشرين، ولأبي حامد الغزالي كلام ٌ لطيفٌ يبيّن هذا الاختلاف: “قال الغزالي وغيره: إن كان أول الشّهر يوم الأحد أو الأربعاء فهي ليلة تسع وعشرين، أو يوم الاثنين فهي ليلة إحدى وعشرين، أو يوم الثلاثاء أو يوم الجمعة فهي ليلة سبع وعشرين، أو يوم الخميس فهي ليلة خمس وعشرين، أو يوم السبت فهي ليلة ثلاث وعشرين”[14].
وفي هذا الاختلاف يقول العلّامة الطباطبائي في الميزان: “وأما من طرق أهل السنة فقد اختلفت الروايات اختلافًا عجيبًا يكاد لا يضبط، والمعروف عندهم أنَّها ليلة سبع وعشرون فيها نزلت القرآن، ومن أراد الحصول عليها فليراجع الدر المنثور وسائر الجوامع”[15].
لذلك نرى بعض علماء السنّة ذهب إلى أنّ السبيل الوحيد للتوفيق ما بين تلك الأقوال المتعارضة وبعضها البعض، هو الجمع ما بينها، وممن قال بذلك مالك وابن حنبل والماوردي وابن حجر العسقلاني وغيرهم الكثير.
- طوائف الروايات المعيّنة في المصادر الحديثيّة.
ما ورد أنَّها في العَشر الأواخر من رمضان:
- عن عائشةَ قالتْ: كان رسولُ الله (ص) يُجاوِر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ، ويقول: “تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ”[16].
- عن أبي هُرَيرَةَ: أنَّ رسولَ الله (ص) قال: “أُريتُ ليلَةَ القدْرِ، ثُمَّ أيقظَنِي بعضُ أهلِي فنُسِّيتُها؛ فالْتَمِسوها في العَشرِ الغَوابِرِ”[17].
- عن عبد الله بن عُمرَ قال: سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول لليلةِ القَدْر “إنَّ ناسًا منكم قدْ أُرُوا أنَّها في السَّبع الأُوَل، وأُرِي ناسٌ منكم أنَّها في السَّبع الغَوابِر؛ فالْتمِسوها في العَشْر الغَوابِرِ”[18].
ما ورَد في الْتِماسها في الوَتْر من العَشر الأواخِر:
- عن عائشةَ أنَّ رسولَ الله (ص) قال: “تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ”[19].
- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ (ص) فقال: “إنِّي أُريتُ ليلةَ القَدْرِ، وإنِّي نُسِّيتُها (أو أُنسيتُها)؛ فالْتمِسوها في العَشرِ الأواخرِ من كلِّ وَترٍ“[20].
ما ورَد في الْتِماسها في التَّاسعة والسَّابعة والخامسة من العَشر:
- عن ابنِ عبَّاس أنَّ النبيَّ (ص) قال: “الْتمِسوها في العَشر الأواخِر من رمضانَ؛ لَيلةَ القَدْر في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى”[21].
- عن ابن عبَّاس: قال: قال رسولُ الله (ص): “هِي في العَشر، هي في تِسع يَمضِين، أو في سَبْعٍ يَبقَين”؛ يعني: ليلةَ القَدْر”[22].
- عن عُبادةَ بن الصَّامتِ قال: خرَج النبيُّ ليُخبِرَنا بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى رجُلانِ من المسلمين، فقال: “خرجتُ لأُخبِرَكم بليلةِ القَدْر، فتَلاحَى فلانٌ وفلانٌ؛ فرُفِعتْ! وعسى أنْ يكونَ خيرًا لكم؛ فالْتمِسوها في التَّاسعةِ والسَّابعةِ والخامسةِ“[23].
والمقصود: في ليلة التاسع والعشرين وما قبلها من الوتر، أو في ليلة الحادي والعشرين وما بعدها من الوتر، أو في ليلة الثاني والعشرين وما بعدها من الشفع.
ما ورَد في الْتِماسها في السَّبع الأَواخِر:
- عن عبد اللهِ بن عُمرَ قال: قال رسولُ الله (ص): “الْتمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ – يعْنِي: ليلَةَ القدْرِ- فإنْ ضَعُفَ أحدُكم أوْ عَجَزَ، فلا يُغْلَبَنَّ علَى السَّبْعِ البواقِي”[24].
- عن ابن عُمرَ أنَّ أُناسًا أُرُوا ليلةَ القَدْر في السَّبع الأواخِر، وأنَّ أُناسًا أُرُوا أنَّها في العَشر الأواخِر، فقال النبيُّ (ص): “الْتَمِسوها في السَّبع الأواخِرِ”[25].
ما ورَد في أنَّها ليلةُ الثَّالث والعِشرين:
عن عبد اللهِ بن أُنيسٍ أنَّ رسولَ الله (ص) قال: “أُريتُ ليلةَ القَدْر، ثمَّ أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرين، فصلَّى بنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ فانصرَف، وإنَّ أثَرَ الماء والطِّين على جَبهته وأنفِه. قال: وكان عبد الله بن أُنيسٍ يقول: ثلاث وعِشرين”[26].
ما ورَد في أنَّها ليلةُ السَّابع والعِشرين:
قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ (رض) في لَيلةِ القَدْرِ: “واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ (ص) بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ“[27].
2 . عن أبي هُرَيرَةَ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ (ص) فقال: “أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟”[28]. (شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).
الخاتمة
- إنّ أدنى تأمّل في القرآن الكريم والروايات الشريفة يكفي لبيان فضل ليلة القدر، وما تحتله من أهمية عظيمة عند الباري (عزَّ وجلَّ)، ولذلك لا تُحيا ليلةٌ طوال العام كما تُحيا هـذه الليلة، وفيـها تتواجد كلُّ فئات المجتمع، والسعيد والمحظوظ من وفّق لإحيائها حقَّ الإحياء، بل إنّ بعض الروايات عن الرسول (ص) تشير إلى أنّها من المواهب الإلهيّة التي خصَّ بها الله تعالى أمّة المسلمين، من هنا نرى الربط بينها وبين الإمامة في بعض الروايات، أو السيّدة الزهراء في الإرث الروائي الشيعي، أو كونها الذات المحمديّة، أو البنية المحمديّة في الإرث الصوفي والعرفاني[29].
- من خلال هذه المقاربة السريعة في الروايات السنيّة والشيعيّة توصّلت إلى النتائج التالية:
نقاط الاشتراك:
أ. يشترك الشيعة والسنّة في التعظيم والحثّ الشديد على إحياء هذه الليلة.
ب.كون هذه الليلة في العشر الأواخر على أغلب الروايات المشهورة.
نقاط الاختلاف:
أ. يركّز الشيعة على الليالي الثلاثة 19، أو 21، أو 23، وخصوصًا الأخيرة، حيث حصر الليلة بعض العلماء كالشيخ الصدوق بها، أمّا السنّة فيركّزون على الليلة السابعة والعشرين.
ب. عند بعض علماء السنّة تنتقل ليلة القدر في العشر الأواخر، ففي كلّ سنة ليلة مختلفة، أمّا عند الشيعة فهي ليلة واحدة، وإن كانت مخفيّةً لعلّةٍ أو حكمة معيّنة.
[1] سورة البقرة، الآية 185.
[2] سورة الدخان، الآيات 3- 5.
[3] الإمام الخميني، الآداب المعنويّة للصلاة، تعريب: السيّد أحمد الفهري، الصفحة 501.
[4] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الجزء10، الصفحة 385.
[5] الكليني، محمد بن يعقوب، الأصول من الكافي، تصح. وتع. علي أكبر الغفاري، (طهران: دار الكتب الإسلامية، الطبعة3، 1388هـ)، الجزء4، الصفحة 157.
[6] الحر العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، (مؤسسة أهل البيت(ع) لإحياء التراث، الطبعة 2)، الجزء 10، الصفحة 360.
[7] الكافي، مصدر سابق، الجزء 4، الصفحة 156.
[8] الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق: السيد الحسن الخرسان، (طهران: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة 3)، الجزء 4، الصفحة 330.
[9] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، (مؤسسة النشر الإسلامي)، الجزء 2، الصفحة 160.
[10] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تصحيح: محمد باقر البهبودي، (دارإحياء التراث العربي، الطبعة 3)، الجزء 94، الصفحة5، الحديث 6.
[11] العلّامة المجلسي، مرآة العقول، (دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة 2)، الجزء 16، الصفحة 382.
[12] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة 1)، الجزء20، الصفحة 333.
[13] الكافي، مصدر سابق، الجزء 7، الصفحة 619.
[14] البكري، كتاب حاشية إعانة الطالبين، الجزء 2، الصفحة 257.
[15] الميزان، الجزء 20، الصفحة 334.
[16] صحيح البخاري، الحديث 2020.
[17] صحيح مسلم،حديث 1166.
[18] صحيح مسلم، الحديث 1165.
[19] البخاري، الحديث 2017.
[21] صحيح البخاري، الحديث 2021.
[22] صحيح البخاري، الحديث 2021.
[23] صحيح البخاري، الحديث 2023.
[24] صحيح مسلم، الحديث 1165.
[25] صحيح مسلم، الحديث 1165، وصحيح البخاري، الحديث 6991.
[26] صحيح مسلم، الحديث 1168.
[27] صحيح مسلم، الحديث 762.
[28] صحيح مسلم، الحديث 1170.
[29] راجع تفسير فرات الكوفي، الصفحة 582، وتفسير القرآن لابن عربي.
المقالات المرتبطة
إطلالة في تعريف “أدب المقاومة”
شاع استخدام مصطلح “أدب المقاومة” خلال النصف الآخر من القرن العشرين. وربّما لعبت آثار معركة يونيو 67 دورًا في شيوع المصطلح،
تأثيرات جائحة كورونا على النّظام التّعليميّ
يشهد العالم أجمع حدثًا جللًا يتمثّل في جائحة كورونا؛ هذا الفيروس الخفيّ الذي أثبت للعالم ككل، أنّ الإنسان خُلِق ضعيفًا، إذا مسّه الشرّ جزوعًا، هذا الوباء الذي لا يُرى بالعين
المهدي (عج)، الانتظار، والتمهيد
لا ريب أن الاعتقاد في المهدي/المخلص لا يختص بالإسلام أو بالمذهب الشيعي الاثني عشري، وإنما يمثل مشتركًا عقائديًّا يؤمن به العديد من أبناء الديانات سواء الإبراهيمية أو غيرها،
اشکر الکاتب علی هذا المقال، ولکن الامر لیس هکذا، اي ان ليلة القدر كانت متعينة في زمن الرسول صلى الله عليه و اله، اخفاء ليلة القدر حدث في زمن عمربن الخطاب ، و الائمة عليهم الصلاة و السلام لم يصرحوا به لمصالح و لكن بينوا عليهم السلام صفات من هذه الليلة المباركة… الروايات المتشتة كلها مزيفة و مجعولة
اشكركم على التعليق المفيد، ما ذكرتموه من التشتّت قدينطبق أكثر على الروايات السنيّة في التعيين، حيث يوجد فيها عدم تصريح بالأسماء”التعبير بفلان وفلان”، أو إنّ أحدهم قد نسي التعيين، من هنا لفتموني إلى أهميّة إضافة مبحث جديد وهو علّة الإخفاء في المصادر السنيّة، أمّا في الروايات الشيعيّة فالواضح أنّها في مصادر معتبرة وقد ذكر بعضها علّة الإخفاء وكذلك فعل العلماء الأعلام، وإن شاء الله سأحاول التفتيش عن دليلٍ واضح حول ما ذكرتموه من كون الإخفاء قد حصل من قبل الخليفة الثاني
المصادر السنيّة تذكر إنّ علّة الإخفاء هي الشجار الذي حصل بمحضر الرسول (ص) ،و أنّه أراد التعيين ثمّ عدل لحصول المشاجرة، أو إنّه نسي وهذا ما لا نقبله طبعا كمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، لهذا استندت في هذه المسألة إلى الروايات الشيعيّة وكلمات العلماء???