قراءة في كتاب عالم المثال في الفلسفة الإسلامية: ابن سينا، والسهروردي، والشهرزوري وآخرين
عالم المثال في الفلسفة الإسلامية: ابن سينا، والسهروردي، والشهرزوري وآخرين
The World of Image in Islamic Philosophy: Ibn Sina, Suhrawardi, Shahrazuri, and Beyond (review)- L. W. C. van Lit
تدوين: فان ليت.
مراجعة أوليفر ليمان.
ترجمة المراجعة: وعد زغيب.
هذا كتاب ممتاز من جميع الجوانب، يندرج ضمن سلسلة تبدو مثيرة للاهتمام للغاية. يتبع فان ليت في الأساس فكرة للسهروردي في حكمة الإشراق حيث يتحدث فيه عما يسميه بالمثل المعلقة، كما يطور نظرية جديدة تمامًا في الوجود والمعرفة. وقد تلقّى هذه الفكرة لاحقًا جمعٌ من المفكرين بحماسة، فأضحت جوابًا مثيرًا للاهتمام وخلّاقًا عن كيفية تفسير الثواب والعقاب في الحياة الآخرة دون الانحراف بعيدًا عن الفهم الحرفي للنص القرآني. ويقوم فان ليت بدراسة غاية في الدقة يناقش فيها كيفية معالجة مجموعة متنوعة من المفكرين لهذه الفكرة، والتي كما يقول هو تعود في الأصل إلى ابن سينا، كمعظم الأفكار المطروحة في الفلسفة الإسلامية.
إن الشهرزوري هو المبتكر الحقيقي لفكرة عالم المثال، ولكوربان الحق بالامتعاض لعدم إدراكه التام أن الفكرة لم تطرح بهذا الشكل بالتحديد عند السهروردي، مع أنني أعتقد أنها نقطة واضحة بعض الشيء. إذ لم يستخدم السهروردي التعبير الدقيق عن هذه الفكرة بالضبط، رغم وجودها في عمله، وكوربان هو من لفت الانتباه إليها.
علاوة على ذلك، تعامل كوربان بجرأة مع المضامين الفلسفية لمفهوم عالم المثل، بينما يبدو أن فان ليت فضّل مقاربة أكثر تاريخية لكيفية تطور المثل في الفلسفة الإسلامية. لا شك أن كلا المقاربتين مهمتان، ورغم أن كوربان قد أخطأ مرارًا، إلا أن هذه الأخطاء هي أخطاء شخص كان يفتتح حقل دراسة جديدًا تمامًا، وهو أمر لا ينبغي نسيانه أبدًا.
في الفكر الشيعي، كان لمفهوم عالم المثل دورٌ في شرح عالم البرزخ، وعلى الرغم من أن الملا صدرا عدّل هذا المفهوم، إلا أنه أدى دورًا مهمًا على مدى قرون في مدرسة أصفهان. قطعًا، ليس ثمة خصوصيّة شيعية في الفكرة، إلّا أنها تستتبع آثارًا معرفية مثيرة للاهتمام دفعت بكثير من المفكّرين الإيرانيين إلى استخدامها. غالبًا لم يكن عندهم سوى إيحاءات بسيطة تشير إلى أن هذه الفكرة تعود للسهروردي، ولم يكن بمقدورنا حتّى الآن رؤية تاريخ الفكرة الكامل نسبيًّا. وتتمثل إحدى إنجازات الكتاب في تقديمه عرضًا واضحًا للمرة الأولى للطريقة التي استحدث بها التراث الفكري مفهومًا على مدى قرون عدة وعمل به، غالبًا في اتجاهات مختلفة جدًّا ولأغراض متنوعة.
في رأيي، الجزء الأهم في الكتاب هو بحث في غاية الوضوح يتطرق فيه الكاتب إلى الاختلافات الدقيقة حول الموضوع بين ملا صدرا من جهة والسهروردي والشهرزوري من جهة أخرى. إنّه عمل تحليلي مميّز يعالج بفعالية الطرق المختلفة في المفهوم ضمن سياقات متنوّعة. وينتقد فان ليت عن كامل حق بعض المعلقين الرئيسين بسبب افتقارهم إلى الدقّة في الرد عما كانت تتم مناقشته بالفعل في ذلك الوقت. من ناحية، كان البحث مزيجًا ناجحًا جدًّا من التاريخ والفلسفة. ومن ناحية أخرى، كان من المفيد تخصيص مزيد من الوقت للنظر في كيفية توسيع فكرة المثل – التي تكمن حقًا في جوهر البحث – وفهمها بطرق متنوعة.
بالنسبة إلى ملا صدرا، فإن الخيال غير مادي، بينما يؤكد السهروردي على وجود جانب مادي. بالنسبة إلى الأول، تظهر المثل المعلقة في العالم غير المادي ولا حاجة للأجسام الروحية لاحتوائها. أما الخيال فهو نوع من المفهوم المعرفي؛ بحيث تطأ قدماه في آن واحد كل من عالم الشهادة وعالم المثل. إنّه حقًّا مفهوم متّصل بالمنطقة البرزخية بين هاتَين المقاربتَين المختلفتَين للمعرفة، فنرى الملّا صدرا يتحدّث عن برزخ المثال، مؤكّدًا على دور الخيال باعتباره وسيطًا. غالبًا ما تكون أهم النظريات في الفلسفة هي تلك التي تصف شيئًا وسطيًا، ومن الواضح أن الخيال هو أحد هذه الأفكار.
يقودني هذا الأمر إلى ملاحظة حول منهجية فان ليت؛ هذا الكتاب قيّم بلا شك في دراسة تاريخ الأفكار وهو يؤدّي دورًا ممتازًا في توضيح الرحلة التي خاضتها في العالم الفكري الإسلامي نظرية طرحها السهروردي في الأصل. غالبًا ما يشير فان ليت إلى أولئك الذين يستخدمون الفكرة بطريقة مختلفة وينتقدهم، كما لو كانوا يسيئون استخدامها، ولكن حقيقية الأمر هي أن مجموعة متنوعة من المفكرين يطورون الفكرة ويعدّلون عليها لتناسب أغراضهم الخاصة، وهذا أمر شائع في مجال الفلسفة.
وهذا ما يجعل الخيال أمرًا مثاليًا، ففي بعض الأحيان ما نتخيله يبدو حقيقيًا جدًّا ونحن ملزمون بأن نسأل أنفسنا أن إلى أي مدى ينبغي اعتباره حقيقيًا؟ وكيف يمكننا الارتباط عاطفيًا وكذلك جسديًّا بشيء قد يُصنف من نواح كثيرة أنه غير واقعي وغير مادّي؟
قد تكون المثل على وثيقة الصلة بالعالم المادي أو قد تكون مجردة تمامًا، وثمة سلسلة متواصلة هنا، ورغم كون الأخيرة أكثر شياعًا لعل من المتعيّن البدء بما هو جزئي وملموس. إن الأمر الذي أقنعني بإجراء هذه المراجعة هي الصورة التي كانت في ذهني عندما شارفت على الانتهاء من قراءة الكتاب، والكتاب بالطبع، لكن هذه الحقيقة لم يكن لها وجود إلا بعد أن أتممت قراءة الكتاب كاملًا وهي لم تدخل بعد حيّز الوجود بعد فيما يخص المراجعة.
كيف يمكن لشيء غير حقيقي، من حيثية ما، أن يكون جزءًا مهمًا من دافعنا للقيام بأشياء معينة؟ بالأحرى، ما الذي يعنيه أن يكون هذا الفعل عقلانيًّا؟ السبب هو أنني وضعت الهدف نصب عيني، فبدا الشروع بهذا العمل منطقيًا، كما هو حال السفر إلى مكان محدد بدلًا من التسكع العشوائي مثلًا.
ومع ذلك فإن الهدف النهائي هو مجرد صورة، ولا تكلل كلّ محاولاتنا لإتمام المهام بالنجاح، لذا فبعض الصور لا تتحقّق إلى الأبد. هل يعني هذا الأمر أنها ليست حقيقية؟ ما قدمناه هو بعض المسائل التي أدت إلى استحداث عوالم وجودية مختلفة تناقش في الفلسفة الإسلامية، ويعدّ فان ليت دليلًا ممتازًا لفهم تعقيدات النقاش المتنامية.
أوليفير ليمان
جامعة كنتاكي
المقالات المرتبطة
قراءة في كتاب موحى الناجي، الإسلاموية: نظام شمولي جديد
يركّز هذا الكتاب بقلم مهدي مظفري، على العلاقة بين الإسلام ومشروع الإسلاموية السياسي. ويناقش فيه تعدد طوائف الإسلام ومدارسه وأنه لا إجماع على إسلامٍ “صحيح”،
شارات المُلك في قصور الحمراء
حدّثنا العلامة ابن خلدون في مقدّمته عن الشارات الخاصة بالملك والسلطان فقال: “أعلم أن للسلطان شارات وأحوالًا تقتضيها الأبهة والبذخ
مطالعة في كتاب الجمهورية، الأديان، الرجاء.
يؤمن ساركوزي بعلمانية إيجابية لا تعادي الأديان، بل تؤمّن لها إمكان الوجود وعيش إيمانها، والفصل بين الكنيسة والدولة شرط ضروري وحاسم من أجل السلام الديني.