الفن الإسلامي
أحد أهم العنايات التي روت الإنسان من الإنتاج الإبداعي هو الفنّ، حيث يحوي حيّزًا مهمًّا من الثقافة الإنسانيّة… ومن دون شكّ هي لغة تعبير منبثقة من روح ذات رؤية من الأحاسيس والمشاعر العميقة، كما هي حالةٌ واقعيّةٌ اجتماعيّة، وقد تظهر في العديد من المجالات.
هنا يمكننا طرح السؤال في مادّية الإفادة من العمل الفني في خدمة دين الله، الدين الذي شاء الله به أن يرفع الإنسان من الظلم ويقتلع الفئويّة والطبقيّة من جذور المجتمع، أعني بالدّين، الدين الإسلاميّ.
إذًا، فالفنّ هو أداة تعبير، وهو سبيل للمساعدة في التبيان وإيصال الرسالة الحقيقيّة التي تتبلور في الدين الإسلاميّ المحمديّ الأصيل.
إنّ من يدخل في دراسة الحركة التاريخيّة العامّة للبنان، يجد أنّ الاستقرار العام -في كلّ المجالات- قلّما كان يتوفّر، وخصوصًا عند الحديث عمّا عاشه لبنان وتفاوت بين الصعود والهبوط في مستويات الفنّ الإسلاميّ، وبما آلت إليه الأحداث، رغم هذا، فقد حصل اعتدال في الحركة اللبنانية مع بداية القرن العشرين… وفي هذا السياق، وتسليطًا للضوء على الفنّ الإسلاميّ وممارسته ومواقعه في لبنان، نطرح الإشكاليّات التالية: هل يعتبر الفن في لبنان أصالة فنيّة أم هو مجرّد تقليد سطحي؟ وما هي شروط الارتقاء الإبداعي للعمل الفنيّ الإسلاميّ في لبنان؟ وكيف بدت معايير الحلال والحرام في النتاج الفنيّ؟
الفن الإسلامي تاريخ ثقافي عريق، وهويّة راسخة، وكانت بداية وجوده تتجسد في فن العمارة الإسلامية، وقد بدا ذلك جليًّا في هندسة “قبة الصخرة” في مدينة القدس، حيث عُدّت الزخرفة، من الناحية العملانية، أبرز أنواع الفن الإسلامي.
وكذلك الأمر في لبنان كان ظاهرًا في الزخرفة الفنيّة الزاهية التي تطرّزت بها المساجد، لكن لا بدّ من التبيان أنّ بلدًا كلبنان وما عاناه كان سببًا مؤثّرًا على تقدّم الفنّ فيه.
أما من ناحية الشعر والأدب، فإنّ الاعتراف جزء من الصواب الواقعيّ، لأنّ الشُحُّ في القراءة والمطالعة كانا السبب الرئيس في تدهورهما، فمن المتعارف عليه أنّ المطالعة هي البحر الذي لا ينضب أبدًا في مجال المخزون اللغويّ، وقلمًا لا يجف حِبره في عالم الكتابة، فالكاتب الجيّد هو بالفعل قارئ جيّد.
وهنا من الجيّد تسليط الضوء على دور الإعلام في الترويج للفنون، فمع ضعف الإمكانات إلا أنّ الحاضر شَهِد تقدّمًا جيّدًا من خلال الترويج له من قبل بعض الجمعيات.
أمّا التمثيل في لبنان، فإن طبيعة تعدّد مذاهبه وطوائفه يُوجِد تباين كبير من حيث الرغبة في المشاهدة، فنرى في الواقع العام أنّ التمثيل من النّاحية الإسلاميّة شبه معدوم -إلّا ما قد ندر- وذلك بعد بزوغ ثُلّة حَوَتْ نهجًا إسلاميًّا ذا نموذجٍ واضحٍ وأطروحةٍ مختلفةٍ عن المحيط العام.
ومن المفيد الكلام ولو إيجازًا عن أهمية المطالعة حيث تعتبر أصلًا من أصول الفن وخاصة في الأدب والشعر، فإن الشعوب المثقفة والمتقدمة والمتعلمة، هي شعوب في غالبها يهتم بالمطالعة. ففي كلام للإمام الخامنئي (حفظه الله) بأن علاقة الأمة الإسلامية مع القرآن تحفّز على المطالعة، كما أنه يعتبر أن المطالعة هوية وليست هواية.
إن التقدم أمر شاق، لكن النهوض أمر واقعي محتوم إذا أراد أصحاب الفنون الصعود بفن يعزّ الإسلام وأهله. فمع بزوغ فجر نشاط الرعيل الأول للفن الإسلامي في لبنان كان نتاجهم الفني ذو أصالة مهمة خاصة في الشعر والأدب، أيضًا بعض أنواع الزخرفة.
ومن الآفات التي تواجه الفن، هو بطبيعة الحال التقليد، وهذا مما يحدّ من إبداع الشخص، وبنفس الوقت لا بدّ منه لكن بقدر معين، ومن الواجب أن لا يسيطر بشكل تام ويحوم على المدى الطويل.
إن التقدّم في أي نوع من الفنون يحتاج إلى إيمان بالقدرات، ويحتاج إلى الإرادة، والحال أن هذا لا يمنع الاستفادة من خبرات وإنجازات وقدرات جميع حالات الفن الإسلامي من أي مكان كان.
وإن من أهم عوامل الارتقاء في الإبداع بأي عمل كان هو الإيمان بالقدرات، وإثبات الذات، وهذا بيّن واجب على عاتق كل فرد. الشعور بالمسؤولية اتجاه الإسلام يجب أن يكون الحافز للعمل في كل ما يخدم الإسلام في أي نوع من أنواع الفنون، ومن الجيد وجود نوادي تدريب وتنمية المهارات واكتشاف المواهب وتعزيزها في خدمة السطوع الارتقائي، ومن المهم في بلد كلبنان الاستفادة من التنوّع الأيديولوجي، ومن جميع المكونات اللبنانية، أيضًا من المهم تقبّل الآخرين لك. والتقدم للآخرين كنموذج إسلامي يقرّب الجميع إليك، وهذا منطوٍ تحت خدمة الإسلام والارتقاء الفني. نعم والعمل بواقعية والسير نحو القمة في الفن درجة درجة، والابتعاد عن القفز وتجاوز الأصول الأساسية في عملية الصعود. ومن المفيد أن تهتم العائلة بأولادها وبتنمية قدراتهم وإشراكهم في الجمعيات الإسلامية من كشافة وتنظيمات تهدف إلى خلق اتساع ديناميكي في عملية التكامل الفني الإبداعي، والحاصل الثاني هو التحفيز والتقييم، وأيضًا على المراكز الإعلامية التى لها شأن مهم أن تهتم بالفنون الإسلامية ونشرها، وتسليط الضوء على المبدعين الفنانين، ربما يساهم هذا في إعطائهم وسامًا في التطور نحو الأمام.
كما لا بدّ من دور جامع بالمحافظة على جو من الاستقرار النفسي والتوازن الاجتماعي للحد من الشواذ الاجتماعي الذي يقبض على الأنفاس، ويعزّز ظهور حالات الاشمئزاز الحياتي. إضافة إلى رسم أهداف مستقبلية باعثة على الحثّ والارتقاء في القدرات.
التسليم يقضي أن نعرف ما مرّرنا به في لبنان وأنه قد أثّر على النتاج الاستشرافي للفن الإسلامي، وأن الواقع يعاني من الضعف، والاعتراف كما ورد، هو جزء من الحل، والتقدّم والاقتدار في أي مجال قد يولّد من بعد الضعف قوة، وهذا لا يعني الثبات على الواقع الراهن الحالي، بل التطلع نحو المستقبل، وأن نجعل من الضعف قوة، ومن التهديد فرصة للازدهار والفخار بدائرة شرف خدمة الإسلام من الاستنباط الفني.
يقول السيّد علي الخامنئي (دام ظله): مسألة الفن مسألة في غاية الأهمية. الفن جزء من حياة الإنسان، الفن ذاته إحدى مستلزمات وجود الإنسان شأنه شأن الكثير من الأمور الأخرى. جميع فروع الفن هكذا، يختلف الأشخاص، لكن الوجه المشترك بين جميع أنواع الفن أنه وليد الذوق والخيال، ينتج الفن من خيال واسع وقوي، وذوق رفيع.
وبالحديث عن أي مجال من مجالات الفنون والتي تخدم الدين المحمدي الأصيل لا بد أن تكون النوايا فيه إلهية وهذا أساس القضية. ومن الجميل عندما يكون الفن رائدًا بحمل هكذا نوايا أن يكون القصد منه تنوير القلوب وجلاء الأذهان، وأن يكون هدف الشخص هو نشر الحقائق بقريحته وذوقه، عندها سيكون جندًا لله، وإلا ما الفرق عندما تكون النية شيء آخر، فإنه سيكون كالمرء الذي سار إلى الجهاد، وما من عمل أرفع من الجهاد، من أجل هدف مادي، فلا هو مجاهد ولا هو شهيد إذا قتل. وإن لم تكن الأهداف توصل إلى الرفعة والسمو فإنه هدف لا قيمة له، والنية هي الروح التي في جسد أعمالنا، “إنما الأعمال بالنيات”، فالنوايا هي التي تضفي قيمة على الأعمال.
إذًا، المهم أن تكون الأعمال الفنية ترقّق القلوب، وتزيد في الخشوع، وترغّب في اتباع حب الإسلام، وأن تحث هذه الأعمال على السير في درب العظماء وهو ليس بالأمر السهل الهين.
إن نمو وازدياد الفنون العملية، عليها أن تكون مليئة بالمضامين، وطبعًا الجميلة، وأن تترك أثرًا طيبًا، إضافة لذلك أن ترفع من مستوى ذهنيات الناس وتفكيرهم.
والإنسان طبعًا معرض للزلل، والمخلصون في خطر عظيم، لذلك لا بدّ من مراقبة النفس، وعدم السماح لاحد من استغلال ميل الفرد للشهوات ومشاعر الغضب، والسعي للسلطة، وحب التباهي والتظاهر. فعلى النساء أن يحافظن على حجابهن وعفافهن، فالاستعراض والتمظهر بالزينة لها آثار خطيرة عليهن. كذلك على الرجال والنساء مراعاة الضوابط والحدود الشرعية في السلوك والالتزام بها.
ختامًا، من أهم العطايا التى وهبها الله لخلقه هو النظرة الفكرية الفنية التى تحوم حول الاستقرار النفسي الاجتماعي، وبالتالي تحول دون الاضطراب في رقعة التقدم الإنساني، والرقي البشري العاكس على التطور الخادم في مجالات تسامي الإنسان. عسى ولعل التوفيق قادم إن شاء الله. فهل نرى تكاتف فني إسلامي في وجه الهجمات المتعددة في وجه عز الإسلام؟
المقالات المرتبطة
الهوى الأخلاقي في ارتباط المصريين بأهل البيت (ع) في التاريخ والواقع
إن حب المصريين لأهل البيت (ع) هو حب مقدّس، مرتبط بالوجدان والعقل والنقل والضمير، لا يقل حبهم عن أي منتمي
دور الدعاء في تكامل الإنسان
الدعاء في الضراء والسراء كلنا بحاجة إلى الدعاء، كل فرد، كل جماعة، إنه حاجة كل إنسان التي تنبع من فقره
الفعل والفاعلية وتحديات الراهن
عندما نتحدث عن فعل (عمل) فنحن نتحدث بالمضمون عن وجود أفراد ومجتمع وتفاعل وانفعال، أي أن ما نطلق عليه مصطلح