قراءة في كتاب موحى الناجي، الإسلاموية: نظام شمولي جديد

قراءة في كتاب موحى الناجي، الإسلاموية: نظام شمولي جديد

مهدي مظفري

بولدر، كولرادو: دار لين رينر للنشر، 2017، 345 صفحة.

قراءة في كتاب: موحى الناجي، جامعة فاس، المغرب.

ترجمة ملاك بسّام

 

يركّز هذا الكتاب بقلم مهدي مظفري، على العلاقة بين الإسلام ومشروع الإسلاموية السياسي. ويناقش فيه تعدد طوائف الإسلام ومدارسه وأنه لا إجماع على إسلامٍ “صحيح”، بينما ثمة إجماع على الإسلاموية، وهي تفسير شمولي للدين الذي يطمح للفتح العالمي بأي وسيلة. كما يعلل هذا الكتاب عودة أصول الإسلاموية إلى نهاية القرن التاسع ميلادي عندما ظهر الحنين إلى زمن النبي الذهبي في المدينة المنورة (622م-632م.).

ترك مؤلف الكتاب، وهو في الوقت الراهن أستاذ فخري في العلوم السياسية في جامعة آرهوس في الدنمارك، عمله في جامعة طهران بعد الثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني في وجه الشاه في العام 1979م، بيد أنّه عارض كلتا القيادتين. كان لديه منظور شخصي ونظرةَ ملمٍ بالإسلام مما جعل هذا الكتاب زاخرًا بالمعلومات. ما حثه على ممارسة مهنته الأكاديمية، التي تلت الأحداث، هو حرصه على فهم أيديولوجية الإسلاموية التي قلبت حياته رأسًا على عقب، فضلًا عن حياة جميع الإيرانيين وشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الفصل 1).

يتضمن الكتاب تسعة فصول موثّقة بإحكام. يؤكد الفصل الأول الأهمية البالغة لدراسة الإسلاموية والإسلام لفهم أحداث الشرق الأوسط. أما الفصل الثاني فيعالج جذور الإسلاموية الأيديولوجيّة والتاريخية. ويناقش الفصل الثالث نشأة الإسلاموية وتطورها في ضوء الشمولية الأوروبية. ويعالج الفصل الرابع بإيجاز التطرف الشيعي، وهو موضوع قل ما تطرقت إليه المؤلفات. كما يعالج الفصل الخامس العولمة وإحياء الحضارة الإسلامية. ويمهد بذلك إلى الحديث عن احتمال إحياء حضارة مهجورة. ويتطرق الكاتب إلى الإسلاموية وحرية التعبير في الفصل السادس. وتعد هذه القضية مهمة منذ نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، وهجمات شارلي إيبدو في باريس، والاضطهاد المتزايد للكتّاب والصحفيين والفنانين في العديد من البلدان الإسلامية.

وخصص الفصل السابع للحديث عن الإسلاموية والتمييز الذي ابتدعه الإسلاميون بين الأصدقاء والأعداء، بالتحديد إشكالية “التحالف” و”العداء”. ويعالج الفصل الثامن، المتحدث عن الإسلاموية والنظام العالمي، نظرة العالم للإسلامويين ومبانيهم النظرية، وكذلك مواقف الإسلاميين من العالم الخارجي. ويناقش الفصل تداعيات الإرهاب الأبرز، ويحلل السيناريوهات المحتملة لعاقبة نظام إسلاميين. وأخيرًا، يؤكد الفصل التاسع المخصص للحديث عن الإسلاموية بوصفها النظام الشمولي الجديد، الجوانب الشمولية للإسلاموية، وهي ظاهرة معقدة تحتاج إلى مزيد من البحث لفهم أشكالها المتعددة.

وبالتالي، يصف الكتاب تاريخ الإسلاموية، ونقاشاتها العقدية وفرقها، وأحداث القرن العشرين الرئيسة، منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية (1299م-1924م.) حتى نشوء حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م والعقيدة السعودية المستلهمة من الوهابية سنة 1932م. وآخر نهضة للإسلاموية كانت على يد الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي أول نظام إسلامي في التاريخ، وكذلك بفعل هزيمة طالبان للروس في أفغانستان. وظهر تنظيم القاعدة، بوصفه تنظيمًا إرهابيًا، سنة 1988م عندما، ولأول مرة منذ 14 قرنًا، أجازت فصيلة مسلمة ارتكاب المجازر بحق المدنيين في جميع أنحاء العالم ودعمتها (الفصل 2).

ويواصل مظفري التأكيد على أن الدين هو مجرد عامل واحد في السياسة، وأن الأزمة الاجتماعية الداخلية والعوامل الخارجية بالغة الأهمية. يركز على الحركات الأخرى وصولًا إلى ستينيات القرن التاسع عشر، ومنها القومية والإشتراكية والسلطوية والقومية العربية والليبرالية، التي هيمنت على المجتمعات المسلمة (الفصل 4). ويقول مظفري فيما يتعلق بما يدعى بالربيع العربي في مصر وتونس، أنها كانت ثورات ذات دافع علماني لا ديني تزامنت مع انشقاق الإخوان المسلمين حيال الثورة (الفصل 4).

ويذكر أن القداسة وفلسفة الحق الإلهي مفضلة على الحقوق الطبيعية لدى الإسلاميين، مما يعني المزيد من التمييز، وحرية ومساواة أقل. ويذكر أنه عند الحديث عن “إصلاح” الإسلام، سواء ناقشه العلماء الإسلاميون الليبراليون أو الأصوليون والمتطرفون، لا يتعلق الأمر عادةً بالقيم الحديثة للعلمانية والحرية والمساواة، بل بالعودة إلى رسالة الإسلام الأصيل (الفصل 5).

يستنتج المؤلف أن ثمة حدود للتأثير الإسلاموي العالمي، على الرغم من أن الإرهابيين الخارجون عن نظام الدولة سيشكلون مشكلة أبدية. وتشكل الانقسامات العميقة داخل الإسلاميين وفي البلدان الإسلامية، التي كثير منها استبدادي ومفرّق، عوائق أمامهم. ومع ذلك، تعيد إشعال نار القتال فيهم التدخلات العسكرية الغربية. وهو ما أدّى إلى التصاعد الحالي للإرهاب في المنطقة (الفصل 8).

ومع ذلك، فأنا لا أوافق على أن “المستقبل بالنسبة للإسلاميين ليس سوى إعادة إنتاج، في ظل الظروف الجديدة، للنموذج الراقي الذي يجب إعادة بنائه بشكل يشبه قدر الإمكان النموذج الأصلي”(الفصل 8). ويعتقد معظم الإسلاميين، بما فيهم حسن البنا، أنه على الرغم من كون النصوص، أي القرآن والسنة، صحيحة إلى الأبد، إلا أنه يجب على المسلمين العمل بمفهوم الاجتهاد  للتكيف مع ظروف معينة. على سبيل المثال، يعتقد راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي المتحضر في تونس، أن النظام البرلماني متوافق مع الإسلام؛ بل إنه زعم في أحد خطاباته أنه النظام الأقرب إلى الإسلام من بين جميع الأنظمة السياسية الحديثة. ويناقش مظفري بأن “الإخوان المسلمين قد صاغوا أيديولوجية تقترح استعادة الخلافة” (الفصل 14). وفي الحقيقة لم يؤيّد حسن البنا إعادة إحياء الخلافة إلّا قولًا.

 

وفي الختام، يشرح كتاب الإسلاموية بنحوٍ شامل للقراء وطلاب التاريخ والعلوم السياسية، الغربيين وغير الغربيين. وإنه مساهمة بارزة في النقاش الحالي حول خطر الأيديولوجيات والحركات الشمولية في القرن الحادي والعشرين. كما يساعد على فهم العلاقة بين الإسلام والحركة الإسلامية والوضع في الشرق الأوسط.

 

 

 

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
نظام شموليالإسلاموية

المقالات المرتبطة

أصالة الوجود ومشكلة الشر

اختلف الكثير من الفلاسفة والمفكرين في أصل الشر ومبدئه، بين من ينسبه للأعمال الشيطانية، فيشكل عليه آخرون بقدرة الله على مواجهتها، فهل هو عاجز عن ذلك؟

مصطلحات عرفانية | الجزء 16

تام – هو سبحانه لما كان مجرد الوجود القائم بذاته من غير شائبة كثرة أصلًا، فلا يسلب عنه شيء من

لا إنسان من دون سؤال

مع افتتاح معهد المعارف الحكمية في ضاحية بيروت الجنوبية، أعاد الشيخ شفيق جرادي الحياة لاختصاصات علمية فلسفية إسلامية. جرادي الذي يرى أنّ الإنسان اضاع الفلسفة الحقيقية للأديان

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<