حوار منطقي بين سقراط وأرسطو

حوار منطقي بين سقراط وأرسطو

سقراط: أهلًا وسهلًا بكم أيها السادة والسيدات محبي الحكمة، أرجو منكم أن تشحذوا عقولكم وتنصتوا جيدًا لهذا الحوار المنطقي الذي ستعلمون منه أشياء مفيدة في حياتكم.

الجمهور: يرحب بسقراط وأرسطو الذي كان يقف بجوار سقراط كتفًا بكتف.

سقراط: الجمهور يا أرسطو يرغب بشغف لتحدثه عن القياس والاستقراء والتمثيل وأهميته في حياتنا اليومية.

أرسطو: إن القياس والاستقراء والتمثيل الذي ذكرتهم يا سقراط طرق علميه للاستدلال على الأشياء من حيث وجودها أو عدمها، ومن حيث صحتها وخطأها، وهي صور وأنماط من الاستدلال غير المباشر.

الجمهور: ممكن توضح يا أرسطو قصدك بالاستدلال غير المباشر؟

أرسطو: الاستدلال غير المباشر هو خلاف الاستدلال المباشر الذي بواسطته نتوصل إلى نتيجة أو استدلال من خلال مقدمة واحدة لأن العقل في هذه الحالة لا يحتاج إلى واسطة كي يستنتج القضية الجديدة، فصدق القضية أو كذبها يكون في قضية واحدة معلومة فقط، بينما الاستدلال غير المباشر نتوصل بواسطته إلى نتيجة لأكثر من مقدمة واحدة.

سقراط: هل تعطي لنا يا أرسطو بعض الأمثلة حتى يستطيع جمهورنا الحبيب الفهم بشكل أعمق؟

أرسطو: نعم بالطبع فهذه الأمثلة مهمة جدًّا للفهم وكثيرًا ما نستخدمها في حياتنا اليومية فبالنسبة إلى الاستدلال المباشر لو قلنا مثلًا أن (بعض الإنسان رسام) فمن الممكن أن نستنتج أن ليس كل إنسان رسام، وأن كل رسام إنسان ويمكن أيضًا أن نقدم مثال آخر يطلق عليه البديهية المنطقية المستخدمة في العلوم الرياضية وهو إذا أضفنا أو طرحنا أو قسمنا أو ضربنا شيئًا واحدًا إلى الشيئين المتساويين فإن نسبة التساوي لا تتغير فلو قلنا مثلًا إن: (أ = ب)  و(ب = 7) نستنتج أن أ=7. أما المثال على الاستدلال غير المباشر الذى يكون فيه مقدمتين مثلًا يستلزم عنها نتيجة فنقول مثلًا: (القضية الأولى): كل إنسان فان (القضية الثانية): فلان إنسان (النتيجة): فلان فان.

سقراط: حسنًا يا أرسطو، والآن عرّف لنا ما هو القياس؟

أرسطو: القياس أيها الأعزاء هو قول مؤلف من قضايا إذا صحّت لزم عنه قول آخر يلزم عنه لزوم واقعي وذهني لذاته، وفيه يتم الاستدلال من حال الكلي إلى حال الجزئي أو كلي آخر.

الجمهور: ماذا تعني كلمة لذاته؟

أرسطو: المقصود بها أن تكون نتائج القياس لازمة لمقدماته، فصحة النتائج توقف على صحة المقدمات، وأن تكون النتائج مرتبطة بالمقدمات لا تنفك عنها.

الجمهور: هل هناك أمثلة للقياس في حياتنا اليومية؟

أرسطو: بالطبع يمكن الاستدلال على بعض القضايا المهمة في حياتنا اليومية من خلال القياس، فمثلًا يمكن الاستدلال على حدوث أو قدم العالم من خلال القياس التالي: العالم متغير (قضيه أولى) – كل متغير حادث (قضية ثانية) – إذن العالم حادث (نتيجة)، وإذا أردنا مثلًا أن نعرف أمورًا ترتبط بالعقيدة أو نحكم على الأشخاص يمكن الاستدلال على ذلك من خلال المقدمات فإذا قلنا مثلًا: شارب الخمر فاسق – كل فاسق يدخل النار نستنتج أن شارب الخمر يدخل النار (إذا لم يتب)، أو نقول: شارب الخمر فاسق – كل فاسق لا تقبل شهادته إذن شارب الخمر لا تقبل شهادته. ومثال آخر: لو كان فلانًا عادلًا فهو لا يعصي الله – ولكنه عصى الله نستنتج أن فلانًا ليس عادلًا.

سقراط: وماذا عن الاستقراء يا أرسطو؟

أرسطو: الاستقراء يا أحبائي هو أن يدرس الذهن عدة جزئيات فيستنبط منها حكمًا كليًّا عامًا. أي يستدل من حال الجزئيات إلى حال الكلي.

سقراط: وهل الاستقراء على نوع واحد يا أرسطو؟

أرسطو: لا يا سقراط هو على نوعين تام وناقص، التام يدرس الذهن فيه كل الجزئيات ولا يترك حالة جزئية واحدة، وهذا النوع من الاستقراء صعب للغاية ولا يمكن الوصول إليه. أما الناقص يدرس بعض الحالات الجزئية فقط وليس كلها.

سقراط: أحسنت يا أرسطو.

الجمهور: كيف يمكن تطبيق الاستقراء في حياتنا اليومية؟

 

أرسطو: هناك أمثلة عديدة بعضكم ينظر إلى أحد الإعلانات البارزة في وسائل التواصل الاجتماعي التي ترصد أحد الرجال يقوم بضرب امرأة في أحد الشوارع فيقوم البعض منكم بالتعميم على حالة المرأة ويقول إن المرأة تعاني من عنف الرجل وتسلطه عليها بالرغم من أنها حالة أو أكثر من حالة، أو أن يقوم أحدكم بناء على خبرة فردية خبرها في أحد المؤسسات الحكومية والتي تمثلت في أن أحد الموظفين رفض أن يؤدي له المطلوب إلا بعد الحصول على رشوة مالية فيخرج بحكم كلي عام أن كل موظفي المؤسسة مرتشون وهو تعميم خاطئ، لأنه استدل بالخاص على العام. ولو لاحظنا عدة أنواع من الحيوان يحرك فكه الأسفل عند مضغ الأكل فنستنبط قاعدة كلية أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ.

سقراط: نعم يا أرسطو باق لنا أن تعرّف الجمهور ما هو التمثيل؟

أرسطو: التمثيل هو أن ينتقل الذهن من حكم جزئي إلى حكم جزئي آخر لوجود جهة مشتركة بينهما.

الجمهور: هل من أمثلة على ذلك يا أرسطو؟

أرسطو: نعم. إذا ثبت أن النبيذ يشابه الخمر في تأثير السكر، ومن الثابت أن الخمر حرام فنستنبط أن النبيذ حرام أو يحتمل الحرمة لأنه يشترك مع الخمر في حالة السكر. وهناك مثالًا آخر: جاري الملتحي سيء الخلق وفلان ملتحي إذن فلان الملتحي سيء الخلق.

سقراط: هل تخبر الجمهور يا أرسطو عن حجية الاستلال في القياس والاستقراء والتمثيل؟

أرسطو: القياس هو الحجية القطعية في الاستدلال فهو يمكن أن يعطينا أحكام قطعية يقينية بشرط صحة مقدماته، بينما الاستقراء والتمثل يعطي نتائج ظنية احتمالية ففي مثالنا الذي ذكرناه في الاستدلال على أن كل الحيوانات تحرك فكها الأسفل عند المضغ بناء على مشاهدات عده تظل احتمالية وظنية لأننا لم ندرس كل أنواع الحيوان لنحكم عليها وإنما درسنا بعض الجزئيات، إذ نحكم على يقينيتها في حالة الاستقراء التام الذى يصعب تحقيقه، وكذلك الحال   في التمثيل فليس كل ملتحي سيء الخلق.

سقراط: شكرًا لكم أيها الجمهور الحبيب ونأمل أن تكون الفكرة قد وصلت إليكم لتستطيعوا الاستفادة منها.

المصادر:

 

  1. السيد رائد الحيدري، المقرر في شرح منطق المظفر، بيروت، دار المحجة البيضاء، 2001.

علي عبد المعطي محمد، مقدمات في الفلسفة، بيروت، دار النهضة العربية، 1985.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
حوار منطقيسقراطأرسطو

المقالات المرتبطة

مصطلحات عرفانية | الجزء التاسع

أوْل – مراتب التأويل: للوجود خمس مراتب: ذاتي وحسي وخيالي وعقلي وشبهي: أما الوجود الذاتي فهو الوجود الحقيقي الثابت خارج

مصطلحات عرفانية | الجزء 12

برزخ – إن البرزخ في اصطلاح حكمة الإشراق هو الجسم فيعبّر عن الأجسام الفلكية والعنصرية بالبرازخ العلوية والسفلية، والهيئة هي

قراءة في كتاب نظرات في الثقافة العرفانية

قدّمت هذه القراءة النقدية لكتاب نظرات في الثقافة العرفانية من قبل الشيح حسين شمس الدين

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<