المناهج القرائية للنص الأدبي: المنهج النفسي

المناهج القرائية للنص الأدبي: المنهج النفسي

يعزو المنهج النفسي – التحليلي في قراءة النص، إلى أعمال كل من سيجموند فرويد (نظرية التحليل النفسي)، وشارل مورون (النقد النفسي)، ونورمان هولاند (نظرية استجابة القارئ النفسية)، وجاك لاكان، وجان بيلمان نويل، وجوليا كريستيفا، وغيرهم. فإذا كان التحليل النفسي كنظرية يمكن الاستفادة منها في العلاج النفسي، وفي تأويل الأحلام، فإن أنصار هذا المنهج يؤكدون على أنه يمكن تطبيق ذلك على النص الأدبي، باعتبار أن النص كالحلم تمامًا، فالحلم يستخدم اللغة، والنص أيضًا ما هو إلا بناء لغوي، والتطابق بين الحلم والنص يمكن رصده، ولذلك فإن استخدام هذا المنهج في قراءة النص الأدبي هدفه الكشف عن المعنى اللاسطحي المخبوء في طبقات النص والمترسب في أعماقه، ومن هنا تتجلى أهمية القراءة النفسية التحليلية للنص لدى أنصار هذا المنهج في أنها مارست تصوراتها النفسية على النص فحاورته وسبرت أغواره، وأعادته إلى مرجعيات اللاشعور وقضايا الكبت وغير ذلك.

والقراءة النفسية – التحليلية للنص من وجهة نظر سيجموند فرويد وبالتطبيق على رواية (غراديفا) لا تركّز على قصد المبدع أو المؤلف، وإنما جلّ تركيزها على النص وما يحمله من صور ومضامين تكشف الكوامن اللاشعورية داخل النص، من هنا كان اهتمام فرويد بتحليل النص من الداخل، وبالتركيز على مراحل حياة الشخصيات الرئيسية داخل النص: أحلامها، هواجسها، رغباتها، وميولها، وهي عند نورمان هولاند قريبة من التماثل مع قراءة فرويد، فهي في بعض مستوياتها تهتم بتحليل دوافع الشخصيات في النص وتحليل أفكارهم وأفعالهم مع إقصاء لأفكار الكاتب وتصوراته اتجاه الشخصيات في النص، فالقارئ يبتكر النص ويعيد بناءه من جديد ويعيد قراءة الشخصيات والرموز في عملية خاضعة لخبراته السابقة وثقافته؛ حسب تصوراته وفهمه هو وليس حسب رؤية وتصور الكاتب.

والقراءة النفسية – التحليلية تأخذ منحى آخر عند شارل مورون، فهي تهتم بالغوص في طبقات النص على نحو يتجلى فيها محتوى اللاوعي واللاشعور، كالأحلام والرغبات من خلال مراكبة نصوصJuxtapotion Texts لكاتب معين؛ أي تركيب بعضها على بعض باعتبار أنها تمثل نصًّا واحدًا للكشف عن البنية النفسية للنص، واكتشاف العلاقات النسقية القائمة بينها على أساس أن كل نص يمكن أن يستخدم كأداة سياقية بالنسبة لنص آخر، ونصوص الأديب الواحد يمكن أن تترافق مع بعضها البعض على مستوى الموضوعات والبنيات التصويرية.

إن تطبيق المنهج النفسي على النص الأدبي طبقًا لتصورات أنصار هذا المنهج، يروم الكشف عن المتضادات والتمفصلات بين الرغبات والرؤى المختلفة للشخصيات في النص، وبين ما يفرضه المجتمع من قيم ومعايير وقواعد سلوك يجبر أفراده على الخضوع والامتثال لها، وهو ما يوجب الالتفات إلى أهمية فكرة الصراع النفسي الذي يعتري بعض شخصيات العمل الأدبي المتمثل في “الصراع بين الرغبة والمحظور، وبين الرغبة الواعية واللاواعية، وبين الرغبات اللاواعية ذاتها كالرغبات الجنسية والعدوانية، فعقدة أوديب تمثل صراع رغبة لاواعية؛ السمة البارزة فيها التمفصل، فهي تحمل رغبتين متناقضتين: الأولى حب، والثانية عدوان، تتمثل الرغبة الأولى في رغبة جنسية محرّمة اتجاه الأم، وهي رغبة يرفضها المجتمع، والثانية الرغبة في قتل الأب، وهي رغبة تمثّل فعلًا شائنًا ترفضه القيم والمعايير الاجتماعية .

والتساؤل الذي يطرح نفسه كيف يمكن الاستدلال على الرغبات اللاواعية أو اللاشعورية في النص؟ إن ذلك مرهون بالبحث عن “تكرار ملحّ”، أو تنافر بين موضوع أو عاطفة، وعن غرابة أو زلة لسان، أو تناقض عن كلمة غير متوقعة، وكذلك من خلال الاهتمام ببنية النص وجمله، وصورة الحلمية، وكلماته ذات الدلالة، والكشف عن الاستيهامات المتمحورة حول موضوع معين، فقد يكون كل ذلك صدى لأحلام وذكريات الطفولة التي طواها النسيان واسترجاع لها أو صدى لكبت عاطفي، وتعبيرًا عن الذكريات والأحلام المنسية.

إن كافة العمليات النفسية من إسقاط ونكوص وتعويض وتماهي وكبت وتبرير وإزاحة ونسيان وأحلام يقظة وتسامي ومرض عقلي … وغيرها يمكن أن تكون ماثلة في النص الأدبي، فقد نجد من الشخصيات من ينسب ضعفه وأخطاءه وعيوبه على الآخرين (إسقاط)، ومنهم من يقوم بتأويل أفعالة السلبية، وسلوكياته الغير مقبولة اجتماعيًّا بأسباب تبدو منطقية (تبرير)، ومنهم من يوجه انفعالاته المكبوتة كالغضب مثلًا نحو شيءٍ هامشيّ غير أساسي (إزاحة)، وهناك من يؤكد رفضة للوجود الاجتماعي والواقع المعاش فيهرب من عالم الواقع المليء بالصراعات والشقاء إلى عالم خيالي طوباوي لا وجود له إلا في أحلام الشخصية (أحلام يقظة)، وقد يستمر هذا الهروب من الواقع لعالم خيالي لا صلة له بالواقع للدرجة التي لا تستطيع الشخصية التمييز بين العالم الواقعي والعالم الذى استحدثته من نسيج أحلامها (ذهان).

 

المراجع:

  1. محمد عيسى، القراءة النفسية للنص الأدبي العربي، في مجلة جامعة دمشق، المجلد التاسع عشر، العدد الأول والثانى، 2003، الصفحة 61.
  2. حميد لحمداني، الفكر النقدي الأدبي المعاصر: مناهج ونظريات ومواقف، فاس، منشورات مشروع “البحث النقدي ونظرية الترجمة”، كلية الآداب ظهر المهراز، الطبعة1، 2009، الصفحات 95-99.
  3. السيد إبراهيم، المتخيل الثقافي ونظرية التحليل النفسي المعاصر، القاهرة، مركز الحضارة العربية، 2005، الصفحات 14و 102و108.
  4. مارسيل مارينى، النقد التحليلي النفسي، في مدخل إلى مناهج النقد الأدبي، مجموعة من الكتاب، ترجمة رضوان ظاظا، مراجعة: المنصف الشنوفي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد 221، مايو 1997، الصفحة 72.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
المناهج القرائيةالنص الأدبيالمنهج النفسي

المقالات المرتبطة

الجهاد والشهادة في غزة هل نشهد “طوفان الأقصى 2؟”

على الرغم من عدم انتهاء أو وقف الحرب الصهيونية على قطاع غزة بعد قيام حركة حماس بعملية عسكرية مباغتة في السابع من شهر أكتوبر الماضي

إلام آل علم الإناسة؟ أو هل من حاجة إلى “طبيعة بشريّة”؟

كان من آثار الاستقطاب الحادّ بين مقولتَي الطبيعة والثقافة أن فقدت الإناسة موضوعها، وبالتالي تماسكها

دلالة الرؤية الكونيّة التوحيدية

ليس بذي بال أن نبحث عن أول انطلاق مصطلح ما، إلا بمقدار ما يفيدنا هذا البحث في تحديد المعنى المقصود من المصطلح.

لذا، فإن الرؤية الكونيّة وإن كان التعبير عنها أول ما جاء في أدبيات الفلسفة الألمانية، إلا أن المراد الذي تحمله بما يعنيه من إحساس بالعالم ومعرفته العميقة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<