الأبعاد الاعتقادية في الدعاء وأهميتها

by خديجه صفا | أكتوبر 11, 2021 3:36 ص

 

لا بدّ هنا من التأكيد على أن التوسّل عبادةٌ توحيدية، “لا إله إلا أنت” والتوحيد التام يكون من خلال انصياع العبد وخضوعه أمام الأبواب التي جعلها واسطة بينه وبين الله، آل بيت رسول الله (ص). وأي وسيلة، وسيلة عظيمة من عرف حقهم غنم كنزًا لا يفقر بعده أبدًا. تقول فاطمة (ع) في دعاء تفريج الهموم:

“إني أتوجّه إليك بهم وأتوسل إليك بحقهم العظيم”.

فالتوجه والتوسّل بالواسطة التي نصبها الله لخلقه (الرسول وآل بيته، هو التوحيد التام، فبهم يُقبل الدعاء وبواسطتهم تقع الإجابة). فهم نفس الله – نفس الرسول، والرسول نفس الله.

وما يؤكد أحقية هذه الشفاعة قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾[1][1].

فالله سبحانه قرن قبوله الاستغفار بقبول الرسول لاستغفارهم، واستغفار الرسول لهم. فالتوسل بهم عبادة، والدعاء المقرون بالصلاة على محمد وآله عبادة، والاستجابة من الله تكون تحقيق.

*﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾[2][2]؛ وجوده رحمة (ص) ويساوي الاستغفار.

*﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[3][3]. باستحضاره في الصلاة والسلام عليه وآله.

كل الأبعاد الاعتقادية التي سنذكرها لاحقًا تقوم على واحد من أساسين:

*الرهبة أو الرغبة.

فأساس الدعاء من أس العقيدة، فطر عليها الإنسان في توسله، ففي الجاهلية بنوا الأوثان تقرّبًا، وجعلوها واسطة إلى الله، هذه الفطرة جعلت الإنسان يلهث إلى العبادة وإلى تقنينها، التي ترسخت عبر الزمان إلى أن أتى الرسول الحبيب برسالة مقوننة من عند الله عز وجل، وكان وقتها عدة عقائد تنتهي إلى الله بكليتها، أو تنتهي عندما يعبد البشر على مر زمانهم من أصنام وأوثان، فيستزيدون ما يرتأون في قوانينهم غب الطلب والرغبة.

على هذا يكون لدينا عبادتان:

عبادة رهبة عبادة رغبة
عبادة شيطان عبادة المؤمن بالله
الخوف من الله الخشية من الله
ضرب حجاب الخوف وعدم الاستئناس بالله يحب ما يحب الله ويكره ما يكرهه الله
يخاف من عذاب الجسد يخاف من عذاب الهجر والبعد
تقصيره في الواجبات المفروضة تقصيره في انشغاله بغير الله
جنة مادية فيها ما لذ وطاب جنة القرب من الله والتوحد فيه
عبادته خوف عبادته عشق
يتمنى أن يتحرر عتقه لا يتمنى العتق لأن العتق وصل، والفك فصل.

لذا، نشير إلى أن الحالة لا تصطنع، فليس البكاء كالتباكي، ولا الزهد يُصطنع ولا العشق، إنه حالة شعورية بحتة، حالة تلبس العاشق، لذا أشير إلى أن المعرفة النظرية شيء والعرفان شيء آخر، ولكن النظري يؤمن للمتقرب من الله في العلم ما يشفي قلبه شوقًا.

المعرفة أساسها الهمّة، وهي نحت من كلمتين هَمْ= أي لا شغل شاغل غير عشق الله.

همّة= التفكر والفهم.

إذن، هناك بعدان مهمان في المعتقد: البعد الأخلاقي، والبعد الروحي.

* البعد الأخلاقي 

– الحلال في المأكل والمشرب: “منك الدعاء وعلي الإجابة، فلا تُحجب عني دعوة إلا دعوة آكل الحرام” الإمام الحسن (ع).     

عدم اقتراف الذنوب والمعاصي: عن الإمام الحسن (ع): “لا تمل من الدعاء فإنه من الله عز وجل بمكان، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم”.

– عدم الدعاء بما يخالف السنن الإلهية: سئل الإمام علي (ع): “أي دعوة أضل؟ فقال الداعي بما لا يكون”.

– يجب اقتران الدعاء بالعمل: لقول رسول الله (ص): ثلاثة تُردُّ عليهم دعوتهم: “… رجل جلس في بيته وقال: يا رب ارزقني، فيُقال له ألم أجعل لك سبيلًا إلى طلب الرزق؟”.

نأتي إلى البعد الروحي:

وأجاب الصادق (ع): “فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي”. وعندما قالوا: ندعوا فلا يستجاب لنا؟ فقال: “لأنكم تدعون من لا تعرفونه”.

والجواب هنا متحقق لأن فيه حال اضطرار إلى الله.

أي المدى الروحي المعتمد على المدى العقائدي وأهمها:

قال الرسول الأكرم (ص): “إني تارك فيكم الثقلين، كتابي وعترة أهل بيتي”، وقال: “فانظروا كيف تخلفوني فيهما”.        

لذا، كان الدعاء مطلب احترام، ومشروع كينونة، هدفه التوليف بين العقل والوجود، كما أنه مطلب احترام من الذات التي أقرّت بالآخر، عرفته فعرفت هويتها، هذه المعرفة ملتصقة بلفظة “اعتراف”، وقد تكون اشتُقت منها، لأن المعرفة قيمة وجودية روحية، وغاية موضوعية بحد ذاتها؛ أي الإنسانية العامة.

إذن، هناك البعد المعرفي، وهناك البعد الأخلاقي في هذا المجال.

البعد المعرفي

لما كان الدعاء مرحلة انتقالية؛جسر/قنطرة بين “أريد ويريد”، أو بين أنا العبد وأنا الله، ليخرج الداعي منتقلًا من الدنيا إلى الآخرة، من دائرة اللذة الغريزية إلى دائرة اللذة العقلية المعرفة – الحب أو العشق، وبالأحرى يخرج الداعي من أناه إلى دائرة الأنت- بعد فناء هذه الأنا الفقيرة في حضرة الله، حيث الخطاب هنا أنسيًّا بين أنت – أنت.

فليس الاختلاف أن تصنع الطريق، بل أن تختلف نفسُك عن نفسِك، لأنك ذو شطرين، ولكل نفسه منك وفيك واحدة ليس لها هم إلا الهوى الذي يسلخ منك عين ما أنت نازل فيه، والثانية همّها اختراق التراب، فلا تفوتنّك الثانية لأنها القميص الذي نسجته السموات، أما ما أنت فيه فقميصها نسجته الأرض زائل لا محال. إن أعداء النفس هم أعداء الله فتولى الله نصيرًا عليهم ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً [4][4] .

هذا البعد المعرفي، ينتج ثلاث أبعاد:

  1. الرضا.
  2. الحب.
  3. الأنس.

قيل عن لسان داوود (ع): “إن الله عز وجل جعل بحكمته وجلاله الروْح والفرح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في الشك والسخط”.

إن الرضا يولد السكينة، هذه السكينة تتنزل من الله، لقوله عز وجل: ﴿أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[5][5].

هذا الرضا، سر الحنيفية، ومن رضا الله ربه، كان مخلصًا، فعن أمير المؤمنين (ع) كان يقول: “طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشف قلبه بما ترى عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره”.

الرضا يولِّد الحب، قال بعض العلماء: “إذا كان الإيمان في ظاهر القلب، أحبّ الداعي الله حبًا وسطًا، وإذا دخل سويداء القلب أحبّ الله حبًّا بالغًا وترك المعاصي”.

وأشار الرسول (ص) بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾[6][6].

أي من أحب الله أحب من يحبه، فحبيب الحبيب حبيب.

نأتي إلى البعد الأخلاقي، وبالتالي هو في الحقيقة البعد الاجتماعي، لأن الأول نتيجة الثاني.

هذا البعد نجده في دعاء السجاد (ع) وفيه يتبين أصول هذا البعد:

  1. الإخلاص لله: “اللهم إني أخلصت في انقطاعي إليك”.

والانصراف عن غير الله: أي لا شغل شاغل غير الله.

  1. الإقبال إلى الله: “وأقبلت بكلي عليك”.
  2. الانصراف عن غير الله، والتواضع في حضرة الله:

“اللهم لا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدِث لي عزًّا ظاهرًا إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي مثلها، ولا تُحدِث لي عزًّا ظاهرًا إلا أحدثت لي ذِلة باطنة عند نفسي بقدرها”.

بمجرد اللجوء إلى الله فهو تهشيم للأنا وافتقار وتواضع وخشوع.

الدعاء هنا لسان فقر ونفي الأنا.

هذه كلها ترسم ملامح الروح، وتربط العاملين الفعلي والمعرفي بذات الله وتضفي لذة الحضور بين يدي المعشوق.

والمسافة الملاحظة هنا زمنيًّا للدعاء، هي مسافة هجرة من عالم الدنيا إلى عالم الروح، من عالم الأرق والهم إلى عالم السكينة والسلام والأمان. وهذا الشعور هو الإجابة المنالة، وناس هذا الدعاء أنت أنت، والمكان هو البساط الأنسي الخطابي الإلهي، بل قل هو “أرض طِوى”.

إذا تمّم الداعي هنا ترقّي نفسه، وتقرّبه من الله بالمعرفة إلى جانب المعتقدات الدينية، فهو يرقى ليتخلص من نفسه نهائيًّا واحتراقها في النفس الكلية ويبقى شيء منها في حضرة عالم التوحيد، وهناك تفنى، ثم تستفيق روحًا عاقلة في حضرة الواحد، ليكون من المصطفين، لعل الله يمن عليك بذلك.

 

[1][7]  سورة النساء، الآية 64.

[2][8]  سورة الأنفال، الآية 33.

[3][9]  سورة الأنفال، الآية 33.

[4][10]  سورة النساء، الآية 45.

[5][11]  سورة الفتح، الآية 4.

[6][12]  سورة آل عمران، الآية 31.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [1]: #_ftnref1
  8. [2]: #_ftnref2
  9. [3]: #_ftnref3
  10. [4]: #_ftnref4
  11. [5]: #_ftnref5
  12. [6]: #_ftnref6

اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13841/importanceofduaa/