مفهوم الهويّة عند قرم (قراءة نقديّة)

by الدكتور أحمد ماجد | أكتوبر 18, 2021 12:47 م

ينظرُ الدكتور قرم للهويّةِ الغربيّةِ باعتبارِها: “رؤيةً تاريخيةً وفلسفيّةً لمسارٍ تاريخيٍّ متواصلٍ”(1)[1]، بدأَتْ تَظْهَرُ معالمَه مع شارل الكبير، وتطورَ بعدَ ذلك حيثُ لقيَ هذا المفهومُ: “ومنذُ نهايةِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ، قبولًا وإقرارًا في الوجدانِ الأوروبيِّ لدرجةٍ أضحى معها كلُّ نقدٍ يطالُه، وكلُّ موقفٍ يتصدّى له عبرَ تفكيكِ الخيالِ الذي اصطنعَهُ، يُثيرُ في أغلب الأحيان ردّاتَ فِعلٍ عدائية”(2)[2]. فالغربُ مفهومٌ مُصطنعٌ تحوّلَ إلى عقيدةٍ: “ثقيلةِ الوطأةِ وشموليّة، لأنَّها تزعمُ الهيمنةَ والتنظيمَ على كلِّ الأشكالِ الأخرى للهوياتِ الخاصّةِ بكلِّ شعبٍ أوروبي، أي الهَويَّاتِ اللغويّةِ والثقافيّةِ، والهوياتِ الدينيّةِ، والهوياتِ المناطقيّةِ والإقليميّة”(3)[3]. وهو يخالف الواقع الذي تمتازُ به القارّةُ الأوروبيّة والسياقات المتنوّعة التي تحفل بها وهو ما نجد دلائله في الحضارة الفرنسيّة لحظة ازدهارها: “وقت كانت أوروبا “فرنسية” الهوى والثقافة بامتياز، في زمن عجّ بعباقرة من أمثال مونتين وديكارت ومونتسكيو وفولتير…”(4)[4]. وهنا نقف قليلًا أمام سؤال أوّل ما هي الهويّة؟

صحيح، أن هناك إجماع لدى الباحثين حول فكرة وجود هويّة لكلّ شعب من الشعوب، ولكن الصحيح أيضًا اختلافهم حول تحديد شكلها حيث ذهب البعض إلى القول بالشكل الميتافيزيقي حيث تقدّم الهوية باعتبارها تصوراتٍ لنماذجَ مثاليةٍ، بينما ذهب البعض الآخر إلى تحديد سوسيولوجي يرى الهوية تتغذّى بالتاريخ وتشكّل استجابة مرنة تتحول مع تحول الأوضاع الاجتماعيّة والتاريخيّة، وبذلك تحققُ نسبيةً تتغيرُ بتغيرِ حركةِ التاريخِ وانعطافاتِهِ(5)[5]. وكلا التعريفان نُقشا في السياقاتِ الفكريّة، ولكن يبدو أنّ الهويةَ تتمحورُ حولَ الثوابتِ المُمَيِّزَةِ للهويةِ والعناصرِ القابلةِ للتغيير، وإلّا كانت الهويةُ بِرُمّتِهَا قابلةً للتدميرِ والإزاحة، وهذا ما حصل في كثير من الأحيان في التاريخ الحضاري حيث غابت حضاراتٌ كاملةٌ كالفرعونيةِ والبابليةِ بسبب فقدان هذا الأمر، فهذه الحضاراتُ عندما خضعتْ لنماذجَ عُليا وافدةٍ إليها، لم توازنْ بينها وبينَ نماذجَ من الدرجةِ الثانيةِ (حياتية) فضاعَتْ هويةُ الذات. وهنا يُطرحُ سؤالٌ على الكاتب. هل يمكن اعتبار الغربِ النموذجِ المثالَ؟ والسياقاتِ القوميّةِ هي نماذجَ فرعية؟ وإذا لا، فلماذا بقيت النماذجُ الفرعيةُ حيةً مع سيادةِ النموذجِ الأعلى؟ وإذا كان الغربُ نموذجًا (مثالًا)، هل يمكن التعاطي معه باعتباره تاريخًا؟ والمثالُ الذي أعطي حول الحضارة الفرنسيّة، ألا يمكن رؤيتُهُ في إطارِ سياقِ تطورِ النموذجِ المثالي، الذي وَجَدَ في فرنسا وثقافتِها تجليًّا له؟

وحتى لا نستغرق في الأسئلة، نتابع مع الدكتور قرم مشروعه، لنرى كيف حقّق الغرب صناعة الأسطورة.

الغرب وصناعة الأسطورة

يستعرض الدكتور قرم نصًّا مؤسسًّا لفيليب نمو، يحدّد خمسةَ أحداثٍ أساسيّةٍ لصناعةِ أسطورةِ الغرب: “1- إبتكارُ الإغريق لكلٍّ من المدينة، والحرية في ظلِ القانون، والمعرفة والمدرسة. 2- ابتكار روما لكلٍّ من القانون والملكيةِ الخاّصةِ والفردِ والإنسانوية. 3- الثورةُ الأخلاقيةِ والأخرويةِ التي أتى بها الكتابُ المقدّسُ المسيحيُّ المتمثّلة في البِر والإحسان والمتجاوزين للعدل، وفي إخضاع الزمن الأفقي للضغط الأخروي، وهو الزمن التاريخي. 4- الثورة البابويّة، التي دامت بين القرنين السادس والثالث عشر، والتي اختارت استخدام العقل البشريّ المتجلّي في وجهين، أحدهما المعرفة الإغريقيّة، وثانيهما القانون الروماني، بغية إدراجِ الأخلاقياتِ والأخلاقياتِ التوراتيةِ في التاريخ، محقّقةً أوّلَ توليفةٍ في التاريخ بين أثينا وروما والقدس. 5- الإعلاء من شأن الديمقراطيّة الليبراليّة والعمل على تشجيعها”(6)[6]. ثم يبدأ بتحليل ونقد ما قام به الغرب من تأسيس لأسطورته الخاصّة، حيث يعلّق كما نرى، فإنّ اللائحة التي يضعها هذا المؤلف ليست لائحةً بالأحداث، وإنما بالعوامل المحتملة التي قد تكون أسهمت في تشكيل العقل الغربي، وتجدر الإشارة إلى افتقار اللائحة المذكورة إلى التجانس افتقارًا كليًّا، لانعدامِ الترابطِ بين المراحلِ الزمنيةِ المختلفةِ اختلافًا للعوامل المذكورة(7)[7].

هذا الكلام بحاجة إلى وقفة متأنّية مع الكاتب، فإذا كنا نتحدّث عن أسطورة فهذا يعني الارتفاع من العياني والمحسوس والانتقال إلى منطقة اللاشعور والخيال، حيث تتركّزُ الرؤيةُ على موضوعِ اعتقاد. يقول كارل غوستاف يونغ بأنّ الأسطورةَ هي تعبيرٌ عن صراعات اللاوعي البشريّ، وأنَّها كتجسيدٍ رمزيٍّ لظواهرِ الطبيعةِ أو كانعكاسٍ للبنى الداخليّة. فالأساطيرُ تُنتجُ النصوصَ وإلّا تحوّلَت إلى تاريخ، بالتالي فالتتبّع التاريخي لولادة أسطورة الغرب هل هو أمر واقعي؟ وهذا ما يدعو إلى طرحِ سؤالٍ عن أهمّيةِ التجانسِ بأصلهِ؟ فالمخيالُ هو العمدة والأساس. بالتالي، هل تقدّمُ القراءةُ التاريخيّة للغرب إجابةً على أسئلتِنا؟ فكيف يمكن قراءةُ الغربِ بما هو هو معطى ذهنيٌ أعلى للهوية؟ وعند مقاربته على مستوى التاريخ ألا نقوم بقراءة نصوصيّة؟ مع العلم أنّ النهضةَ الغربيّةَ، التي انطلقت في القرنِ الخامسِ عشر، لم تكنْ مجردَ حدثٍ تاريخيٍّ عادي، لذلك، نظن أنه لا يمكن أن يُنظر إليها بهذا الاعتبار، فهي جاءت نتيجة تراكمٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ واقتصاديّ، حَمَلَ في طيّاتِهِ بُذُورَ تبدّلٍ جذريٍّ في التفكير الإنسانيّ، تبَلوَرُ كثورةٍ على التقليد، فمعها خرجَ التاريخُ من نطاقِ الدالِّ على مجموعةٍ من الأحداثِ وتحوَّلَ إلى قصة، فهُمِّشَ وتحوَّلَ إلى وجهةِ نظرٍ إنسانيّةٍ تحتملُ الصدقَ والكذب، وهذا الأمرُ ينطبقُ على كلّ علمٍ إنساني، من هنا عند معالجته باعتباره تاريخًا، نثبته بالمنهج، فالقصة وجهةُ نظرٍ تستطيعُ أنْ ترويَ قسمَها الأوّلَ أو حقيقتَها الأولى، وأثبت جانِبَها الثاني، ولكن لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يُثبتَ خطأَ الآخر.

على كلّ حال، يقوم الدكتور بمتابعة ما بدأه تأسيسًا، فيدخل إلى النصوص المؤسّسة لأساطير الغرب، فيبدأ باستعراض ما قام به أرنست رينان من محاولة لطرد الأصول عبر التفريق بين عقلين آري وسامي، وكيفية تطور هذا المفهوم فيما بعد ليصبح شرقًا وغربًا، فالغربُ الأسطوريُّ المؤدلجُ يحسبُ نفسَهُ الوريثَ الأكبر، بل الوريثُ الأوحدُ لتراثٍ عظيمٍ يحتوي على كلِّ القيمِ الإنسانيةِ والإنجازات في جميع الميادين، تجعلُ منه وبما لا يقبلُ الجدلَ كائنًا تستحيلُ مُضَاهاتُهُ(8)[8]، بينما من بقي من الحضارات على قيد الحياة لم تتجدّد أبدًا من الداخل أسوةً بالغرب، وإنما على العكس تقهقرَتْ بشكلٍ حتميٍّ ولم يساعدْها على الخروجِ من سُبَاتِها إلّا مواجهتُها لإنجازات الغرب التي تهددتها(9)[9]، وهذا الكلام يُظهِرُ كيفيّةَ قيامِ فكرةِ الغربِ على التناقضِ مع الشرق. وهذا الكلام يشير إلى حقيقة التحوّل الذي حدث في الحضارة الغربية، فهي وفي رحلتها باتجاه “الأنسنة” أخذت تُحوِّلُ مجرى الفكر، وتقوم بإعداماتٍ متعدّدةٍ لكلِّ ما هو مختلفٌ وخارجٌ عن سياقاتِ الذات. والذات هنا أصبحت “هنا والآن” بعدما تجرّدت من التقليد، ودخلت عصر التصنيف بين عقلاني ولا عقلاني، الأنا والآخر، فأخذت تحدث دلالات جديدة لمدلولات قديمة، تكون قادرة على احتسابها بدقة وعلميّة. عند هذه النقطة يطرح سؤال: هل هذا النفي للآخر مسألة تقنية بسيطة، أو هو من نتاج تمحور الذات حول الإنّيّة؟ فالتحوّل لم يحدث في التاريخ، إنَّما حدث في الفكر، فالذات قد حضرت في العالم ووعت نفسها، بالتالي كان لا بُدّ من تشيئ الأمور المحيطة بها لتتعاطى معها، بالتالي أدّت إلى نمو مفهوم السوق والمدرسة والقانون.

ويتابع الدكتور قرم لكيفيّة تأسيس أسطورة الغرب، فينتقل للحديث عن أسطورة الفردانيّة الأوروبيّة من خلال الحديث عن قيام الكنيسة البروتسنتية بإدماج رجال الدين في المجتمع، حيث استطاعت هذه الكنيسة من وضع المقدّس في قلب المدينة كما في صلب السلطة(10)[10]، فالمسيحيّة عادت إلى نبوغها الأوّل، ويعتبر قرم هذا الكلام فيه الكثير من الاختزاليّة لأنه يتجاهل كليًّا لكلّ أوجه الألفوية والأخرويّة(11)[11]. فالحدّ الفاصل الأساسيّ أن الكنيسةَ والدولةَ تعايشتا وتعاونتا بوفاق وانسجام ما وراء البحار في وقت كانت فيه مبادئ فصلهما عن بعضهما بعضًا تشهد صرامة متنامية(12)[12] في الغرب. ولا ينسى الدكتور قرم في سبيل نقض هذا الكلام إلى إرجاع المسيحيّة إلى جذورها الشرقية حيث ولدت.

وهنا مرّة ثانية نتوقف قليلًا، لنسأل هل المسيحية بكل تفرّعاتها في الغرب بقيت مسيحيّة بمعنى الفاعليةّ؟ ألم ينتزع منها مفهوم النعمة التي تعتبر الأصل في تكوينها؟ بالتالي خرجت عن سياقاتِ الذاتِ المؤسّسةِ باعتبارها الجماعةَ المؤسّسةَ لجسدِ المسيح؟ ألم تشهد الكنيسة منذ ما يسمّى بعصر النهضة ثورةً في بنية تعاليمها الأساسيّة عبر الثورة على الأرسطيّة ومنهجها، فانتقلت مع”موس أوكام”(1288-1347)، إلى القول: إن شرح أي ظاهرة يعتمد على أقل عدد ممكن من الفروض، وترك أي فرضية زائدة لا تساعد في تفسير النظريّة أو الظاهرة، وهذا الاتجاه الاسمي الذي ساد في الكنيسة وصل إلى القول: الإله حرُّ الإرادة ولكن الإنسان هو الذي يختار. فهل نحن أمام واقعٍ أكثرَ تعقيدًا؟ فالكلام عن حضور الكنيسة كمؤسّسةٍ تُنشئ المدرسةَ والجامعةَ والمشفى، ولكنّها تفتقر إلى المعنى بمعزلٍ عن الحركة الكلية للنهضة الغربيّة.

على كلٍّ، يتابع الباحث عمله، فينتقل إلى ميدان الفلسفة، فيعتبر الهيغليّة والفيبيريّة مسؤولتين عن الخطاب الغربويّ(13)[13] نفسه، فكلاهما اعتمدا على البعد الأخرويّ، ويقول المشكلة الأساسيّة، التي تحول دون النظر إلى تاريخ أوروبا، كما إلى الحضارة المسمّاة غربيّة نظرة حياديّة، إنما تتمّ في ذلك الشغف الإعجابيّ، الذي كان له أن أحيا فلسفات التاريخ المختلفة، التي ولدت خلال القرنين الأخيرين، والتي بقيت مشبعةً بقوة، وخلف ستار دنيويتها الظاهرة، بثقل التقاليد الأخرويّة الخاصّة بالمسيحيّة الأوروبيّة”(14)[14]. وهذا التنظير الفلسفيّ ألا يفترض رؤية ماهية الفلسفة؟ فما قدمه ديكارت من أدلة على وجود الله، تنطلق من خلفية تحمل في طياتها بعدًا رياضيًّا كميًّا، ففكرة الكمال هي التي جعلت وجودَ “الكائنِ الكاملِ” واجبًا، الكمال إذًا هو العلّة الفاعلة، وما ينطلق منه أُسِّسَ على عنصرٍ عقليّ، وهو ما يجعلُها مخالفةً للتقليد، ولعلَّ هذا ما دفع هوبز إلى القول: “المكان اللامتناهي والعدد اللامتناهي هما اللذان استوجبا تسامي هذه الصفات عند ديكارت فتسامى بها إلى مستوى الكمال”. ولا بأس في هذا المورد أن نستعرض ما أورده الدكتور عبد الوهاب جعفر في كتابه من حوار بين هوبز وديكارت، حيث أكد هوبز أن طبيعة الإله وصفاتِهِ التي تحمَّس لها ديكارت تُصوّرُ كائنًا يتعذّر تمثّله، وأردف قائلًا إنّ فكرة الإله تبدو وكأنّها ذاتٌ طبيعةٌ اجتماعية. ولوحظ أنّ ديكارت لا يحتاج إزاء هذا الموقف إلى تبرير ويقتصر على القول بأنه تناول هذا الموضوع وشرحه بما فيه الكفاية.

وإذا عدنا إلى كتاب الغرب الشرخ الأسطوريّ، نستطيع أن نستكمل الصورة بشكل أفضل، حيث أظهر الكاتب ولادة غرب جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، راح قادتُه ومثقّفوه يعيدون النظر في المسلَّمات القديمة لركائز نهضته الأولى: بدأ التشكيك العلني بانتساب الغرب إلى “المعجزة الإغريقيّة”، وبتقسيم العالم إلى آريين وساميين، وبالديانات السماويّة الواحدة التي تُعرَف باسم “الدين الإبراهيميّ” الذي نشر الوصايا العشر والمنظومات الأخلاقيّة والشرائع التي تشكِّل جامعًا مشتركًا بين اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، وتمَّ استبدال مقولات جديدة بالركائز الثقافيّة والدينيّة القديمة – مقولات تضع الأخلاق في خدمة الهيمنة والعنف، والدين في خدمة نظام رأسمالي منتصر، والثقافة وقيمها في خدمة فلسفة القوّة. ونشر قادة هذا التيار والمنظِّرون له مقولات لا حصر لها بغية التشكيك في منظومة القيم الآسيوية كلِّها، والتهكّم على “المعجزة الآسيوية” في مجال الاقتصاد، ووصف “النمور الآسيويّة” بنمور جريحة في القفص الأمريكي، أو من ورق! يتنكَّر علنًا لتراث الغرب الأوروبي الإنساني، الذي بدأ بمقولات عصر الأنوار حول الحريّة والمساواة والإخاء والعدالة الاجتماعيّة. وبعد أن أزال – لقرون عدّة – أوهام المقدّس، ونشر ثقافة النقد على نطاق واسع، وعمَّم المقولات الإنسانوية لعصر الأنوار، عاد اليوم إلى خطاب الفردانيّة، والتفوّق، والنرجسيّة، والقوّة، وأعاد الاعتبار للمقدّس المنطلِق من مقولات الفكر الدينيّ التوراتي، بعد صوغه على أُسُس جديدة تجعل من الأمريكيين “شعب الله المختار”، ومن رئيسهم جورج بوش رمز القرن الحادي والعشرين – خصوصًا بعد أن ابتدع “مسيحيّة صهيونيّة” تتناقض مع مسيحيّة معظم كنائس العالم، ولا سيما الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة.

ومع إعطاء العامل الديني الوزن الأكبر في الخطاب النرجسي الأمريكي بدأ الشرخ يتسع، ليس فقط بين الشرق والغرب، بل أيضًا بين “أمريكا الجديدة” و”أوروبا القديمة”. وقد اتخذ الأمر طابع الحدَّة بعد ظهور نوع من التهكّم الأمريكي المباشر على الثقافة الأوروبيّة وقيمها الأخلاقيّة، خصوصًا بعد إصرار الولايات المتحدة على غزو العراق خارج إطار الشرعيّة الدوليّة ومعارضة دول أوروبيّة لها.

لكن الجناح الأمريكي في هذا الغرب يريد ترسيخ هيمنته على الشرق المتخلِّف وعلى الغرب الأوروبي القديم معًا. ويجاهر قادتُه ومنظِّروه، من أمثال فوكوياما وهنتنغتون وبرنارد لويس، بمقولات يعتبرونها “جديدة” لأنها تتنكر لمقولات “عصر الأنوار” التي انتشرت كبقعة الزيت الثقافي في العالم كلِّه – وفي طليعتها مقولات الحرية، والمساواة، والعدالة الاجتماعيّة، والعلمانيّة، والليبراليّة، والديموقراطيّة، وحقوق الإنسان، وفصل الدين عن الدولة، وسواها – وهي من الركائز الأساسيّة التي طبعت الغرب بطابع “مادّي” أبعَدَه عن الشرق، الذي استمرّ يمارس أشكالًا مزيّنة بطقوس وشعائر قديمة، تقدَّم باسم الروحانيات، لكنها، في حقيقة أمرها، لا علاقة جوهرية لها بالدين والروحانيّة، بل هي تستخدم الدين كذريعة إضافيّة لتعميم الاستبداد المقرون إلى التخلّف والجمود والابتعاد التام عن العلوم العصرية والتقدّم التكنولوجيّ والثورات العلميّة والإعلاميّة.

خلاصات:

  1. إذا كان الغرب مجرّد أسطورة، فكيف يمكن عيشها وتمثلها؟
  2. هل صحيح يحرّر الغرب من غربنته عند الحديث عن تاريخه؟
  3. هل التثاقف بين العالم العربيّ والإسلاميّ سيؤدّي إلى نفي التضاد بينهما؟
  4. وهل الهوية المثالية واحدة بين الغرب والعالم الإسلاميّ؟
  5. إذا قرّر الشرق تبني مقولات النهضة، هل يمكنه القيام بذلك دون التخلّي عن الذات؟
  6. هل يكفي أن ننزع عقدة الغرب من أنفسنا حتى ينتهي الغرب؟

 

 

(1)[15] جورج قرم، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب (بيروت: دار الفارابي، 2009)، الصفحة 39.

(2)[16] المصدر نفسه، الصفحة 41.

(3)[17] المصدر نفسه، الصفحة 42.

(4)[18] المصدر نفسه، الصفحة 44.

(5)[19] نديم البيطار، حدود الهوية (بيروت: دار الوحدة، 1982م)، الصفحة11.

(6)[20] جورج قرم، تاريخ أوروبا، مصدر سابق، الصفحة 45.

(7)[21] المصدر نفسه، الصفحة 46.

(8)[22] جورج قرم، تاريخ أوروبا، مصدر سابق، الصفحة 69.

(9)[23] المصدر نفسه، الصفحة 69.

(10)[24] جورج قرم، تاريخ أوروبا، مصدر سابق، الصفحة 130.

(11)[25] المصدر نفسه، الصفحة 132.

(12)[26] المصدر نفسه، الصفحة 137.

(13)[27] المصدر نفسه، الصفحة 175.

(14)[28] المصدر نفسه، الصفحة 185.

Endnotes:
  1. (1): #_ftn1
  2. (2): #_ftn2
  3. (3): #_ftn3
  4. (4): #_ftn4
  5. (5): #_ftn5
  6. (6): #_ftn6
  7. (7): #_ftn7
  8. (8): #_ftn8
  9. (9): #_ftn9
  10. (10): #_ftn10
  11. (11): #_ftn11
  12. (12): #_ftn12
  13. (13): #_ftn13
  14. (14): #_ftn14
  15. (1): #_ftnref1
  16. (2): #_ftnref2
  17. (3): #_ftnref3
  18. (4): #_ftnref4
  19. (5): #_ftnref5
  20. (6): #_ftnref6
  21. (7): #_ftnref7
  22. (8): #_ftnref8
  23. (9): #_ftnref9
  24. (10): #_ftnref10
  25. (11): #_ftnref11
  26. (12): #_ftnref12
  27. (13): #_ftnref13
  28. (14): #_ftnref14

اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13887/identityconcept/