قوى النفس والخلق العظيم لا إفراط ولا تفريط

قوى النفس والخلق العظيم لا إفراط ولا تفريط

كما أن للإنسان صورة ظاهرة حسنها بحسن الجميع واعتداله، وقبحها بقبح البعض فضلًا عن الجميع، فكذلك الصورة الباطنة لها أركان لا بدّ من حسن جميعها حتى يحسن الخلق وتحصل الحكمة والحرية، وهي أربعة معان وكما يلي:

  1. قوة العلم.
  2. قوة الغضب.
  3. قوة الشهوة.
  4. قوة العقل.

والعدل بين هذه‌ الأمور، فإذا استوت هذه الأركان الأربعة التي هي مجامع الأخلاق التي تتشعب منها أخلاق غير محصورة اعتدلت وتناسقت وحصل حسن الخلق وخيرها وإنك لعلى خلق عظيم.

بيان:

  1. قوة العلم

فأعدلها وأحسنها أن تصير بحيث تدرك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الجميل والقبيح في الأعمال، فإذا انصلحت هذه القوة واعتدلت من غير تقصير، كما في الجهل في جانب التقصير والجهل المركب في جانب الغلو. إن قوة العقل والحكمة يصدر عن اعتدالها حسن العدل والتدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي، وإصابة الظن والتفطن لدقائق الأعمال وخبايا آفات النفوس، وأما إفراطها فتحصل منه الجربزة والمكر والخدع والدهاء، ويحصل من ضعفها البله والحمق والغباوة والانخداع.

 

 

  1. قوة الغضب

إن اعتدالها يعني أن يصير انقباضها وانبساطها على موجب إشارة الحكمة والشريعة. فيعبر عن اعتدالها بالشجاعة والله تعالى يحب الشجاع، فإن مالت إلى طرف الإفراط سمي تهورًا، وإن مالت إلى النقصان سمّي جبنًا، ويتشعب من اعتدالها وهو الشجاعة خلق الكرم والنجدة والشهامة والحلم والثبات، وكظم الغيظ والوقار وغير ذلك، وأما إفراطها فيحصل منه خلق التهور والصلف، والبذخ والاستشاظة والكبر والعجب، وأما تفريطها فيحصل منه الجبن والمهانة والذلة والخساسة وضعف الحمية على الأهل وعدم الغيرة وصغر النفس.

  1. قوة الشهوة

كما في قوة الغضب.

  1. قوة العدالة

فهي في ضبط قوة الغضب والشهوة، إن العقل النظري منزلته منزلة المشير الناصح، وقوة العدل وهي القدرة التامة منزلتها منزلة المنفذ والممضي لأحكامه وإشاراته، وقوتا الغضب والشهوة هما اللذان تنفذ فيهما الحكم والإشارة وهما كالكلب والفرس للصياد حيث ينبغي أن يكونا في الحركة والسكون والقبض والبسط والأخذ والترك مطيعين له منقادين لحكمه.

الشهوة

يعبر عن اعتدالها بالعفة وعن إفراطها بالشره، وعن تفريطها بالخمود، فيصدر من العفة السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع وقلة الطمع والمساعدة، ويصدر عن إفراطها الحرص والوقاحة والتبذير والرياء والهتك والمجافاة والملق‌ والحسد والشماتة والتذلل للأغنياء واستحقار الفقراء وغير ذلك.

فهذه هي رؤوس الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة المعبر عنها في حديث عذاب القبر للمنافق برؤوس التنين، ومعنى حسن الخلق في جميع أنواعها الأربعة، وفروعها هو التوسط بين الإفراط والتفريط والغلو والتقصير فخير الأمور أوسطها، وكلا طرفيها ذميم قال تعالى‌: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‌ عُنُقِكَ- وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ﴾، وقال:‌ ﴿وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾.

 

* محقق وتدريسي في جامعة المصطفى (ص) العالمية.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الخلق العظيمقوى النفس

المقالات المرتبطة

التوحيد ومعرفة الإنسان (3): البعد المعرفي

بعد أن عرضنا في المقالة الثانية لمجموعة من المعايير الخاصة بتشخيص ماهية الوجود الإنساني وأبعاده المختلفة في النظرة الإسلامية، تحت منظار رصد الانحرافات

بنية النص المؤسس: الحاجة إلى التصنيف

بنية النص المؤسس التي تناولنا بعض معالمها في عجالة سابقة تستدعي نوعًا من الفرز أو التصنيف. هنالك أمران على علاقة

المرأة والتربية العاشورائيّة في لبنان

عاشوراء في العالم كانت ولا تزال مناسبة للمسلمين الشيعة لإحياء التاريخ بدلالاته الحسينية المستمرة عبر الأجيال من خلال استحضار الشهادة وانتصار الدم على السيف، فكان استحضار عاشوراء كل عام فرصة تربوية للمربين والقيّمين على العملية التربوية لربط الأجيال بهذه المدرسة التي لا زالت مناهجها صالحة لكل زمان ومكان.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<