السلفيّة الجهادية ومسألة الدولة
يكتنف مصطلحَ أو مفهومَ “السلفية” الغموضُ، إن في دلالته أو مضمونه، أو بيان نشأته، أو معرفة حدّه. وتلك سمة الكثير من المفاهيم والمصطلحات الشائعة في ساحة الثقافة الإسلامية. فبالقدر الذي يصبح فيه المصطلح شائعًا ومتداولًا بين فرقاء مختلفين، يزداد غموضه الفكري، لأن السائد في الفكر الإسلامي والعربي عمومًا، هو السجال الأيديولوجي لا التداول المعرفي.
وبالرغم من هذا الغموض أو التعميم في الاستخدام، سواء لدى “السلفيين” ممّن صنعوا منه اتجاهًا مدرسيًا، أو خصومهم من “المبتدعين” ممن حملوه نسبًا تاريخيًا، فإننا سنسعى إلى مقاربة المضمون المفاهيمي للمصطلح، بعيدًا عن عملية التوظيف الأيديولوجي أو التجييش العاطفي للمصطلح من قبل الأدعياء أو مخالفيهم.
إن الدارس لمصطلح “السلفية” يجد أن الشائع هو الاصطلاح العام لا الاصطلاح المعرفي الخاص بالمضمون، لأن الأول أقرب إلى الاصطلاح اللغوي، في حين تعرَّض الثاني إلى التنوع في الدلالة الاصطلاحية بحسب التطور التاريخي للمصطلح، والاجتهادات النظرية، والمواقف العملية للجهة التي تتسمّى وتتصف به، أو الجماعات التي انتسبت إليه. فمثلًا نجد أن المصطلح في بعض البلدان يتسع ويمتد تاريخيًا ليكون جزءًا هامًا من تراث الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار، وفي بلد آخر يضيق ليصبح أكثر تأثيرًا ويمثِّل الأيدولوجيا السائدة لدى السلطة الحاكمة، وفي بلدان أخرى يتشكَّل من تيارات وحركات راديكالية تناهض السلطة، في حين تنتسب له حركات واتجاهات معتدلة في بعض البلدان.
الاصطلاح العام الشائع “للسلفية” والمستقر نسبيًا هو: الاتجاه الذي يدعو إلى الإقتداء بالسلف الصالح واتخاذهم قدوة ونموذجًا في الحاضر. على أساس أن السلف الصالح هم أهل القرون الثلاثة الأولى من عمر الأمة الإسلامية، ومصدر ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله فيما رواه الشيخان من رواية عبد الله بن مسعود: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذي يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته”.
والاصطلاح العام للسلفية لا يمنحها مضمونًا محددًا، يجعلها تنطبق على جماعة من المسلمين بعينها وينفيها عن أخرى، لأن أغلب المسلمين بالمعنى العام سلفيون. ولكن مع التطور التاريخي للاتجاهات السلفية وما نشأ عنها من حركات وجماعات، تشكّلت لدينا سلفيات متعددة تختلف فيما تتبناه من قضايا، كما وتتباين في درجة التسلّف وفي المقاصد والوسائل. وتعريف السلفيين للسلفية يأخذ طابعًا أخلاقيًا ايجابيًا وقيميًا، ولكننا إن أردنا أن نخلص بتعريف أكثر إيجابية وأرحب يضم السلفيات كافة، يمكننا القول أن: السلفية: حركة دينية إصلاحية، تدعو إلى التمسك بالنصوص الشرعية، والعودة إلى سيرة السلف الصالح، وإحياء التراث دينًا وثقافة ووجدانًا، من أجل التزام أصح بالإسلام، ومن أجل الخروج من الركود المعرفي، والتدهور السياسي، والتسلط الاستعماري….تحميل البحث
المقالات المرتبطة
مصادر المعرفة من دراسة التوثيق إلى توثيق الدراسات/ مقاربة أولية
أغلب المعارك الفكرية والمعرفية التي تدور رحاها حول الوجود تعود في جذورها إلى مصادر المعرفة البشرية، وما يترتب على هذه المصادر ويبتنى على أساسها كل مسارات البشر في هذه الحياة
التصوّف في الأديان السماويّة الثلاثة: القواسم المشتركة، والخصوصيّات
إنّ التصوّف ظاهرة عالميّة عابرة للأديان والزمان والمكان والإثنوجرافيا، وهو تجربة ذاتيّة فرديّة، وهو كمذهب روحيّ متمثّل في كلّ الأديان، يسعى لاكتشاف الحقيقة الجوهريّة للوجود من خلال تصفية القلب، والتأمّل، والتخلّي عن رغبات الجسد وشهواته، وعن كلّ العيوب الأخلاقيّة، والتحلّي بالفضائل والتواضع، والتقشّف، والزهد.
الإنحصارية الدينية مقاربة برهانية في نقد التعددية
يواجه أي فرد يبحث عن أجوبة دينية لأسئلة إنسانية، اتجاهات مختلفة من النظريات، تجعل الاختيار عنده أمرًا محيّرًا.