المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء أنموذجًا

المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء أنموذجًا

تكمن أهمية فهم الواقع ودراسته وفق معطيات علمية اجتماعية في تشخيص الإشكاليات التي تواجهها المجتمعات، وفي تشخيص الحلول الحقيقية لتلك الإشكاليات، حيث لكل مجتمع إشكالياته الخاصة به، لكن لا يعني ذلك عدم وجود مشتركات تشكل إشكاليات قاعدية كلية لكل المجتمعات، وأهم هذه التحديات هي تحدي الهوية، ومحاولات تبديلها أو إذابتها وتغيير معالمها، من خلال الذوبان في النماذج الأخرى، أو الخروج من الهويات والتلبس بهويات هجينة أو غريبة عن جسد الهوية العام لهذه الشعوب، هذا فضلًا عن الخلط بين البحث العلمي التخصصي في علوم الاجتماع التي تشخص الإشكاليات وفق معطيات ميدانية استقرائية، وبين محاولات تسييس بعض التحديات وتحويلها إلى شعارات تزيد من أزمة الهوية، وتدخلها في التشخيص العاطفي الشعاراتي، الذي لا يقدم حلولًا تتناسق وحقيقة الواقع.

ولأن التحدي الأكبر تعاني منه المرأة في هويتها، وتستهدف هذه الهوية بكل أشكال التزييف خاصة المفاهيمي، فإننا سنتناول هذا الجانب وتشخيص الإشكاليات التي تواجهها قدر الإمكان ومحاولة طرح حلول نظرية، على أمل تحويلها إلى مشاريع عمل إجرائية، تكون قادرة على تقديم أنموذجًا بديلًا صالحًا للمرأة صادة للنماذج الفاسدة.

الهوية بين التفاعل الحضاري والاندماج

الهوية هي المعرف عن فرد أو مجتمع أو دولة، تدلنا على الثقافة والأيديولوجيا السائدة وطابع العادات والتقاليد، فترسم معالم المشهد الإنساني وطريقة تفاعله مع ذاته ومحيطه.

فتكون بمثابة المفتاح الذي من خلاله نقرأ داتا الفرد والمجتمع، ومن خلالها تتضح آليات التواصل والاتصال بين مختلف الشعوب والمجتمعات والأقطار.

 

التفاعل الحضاري

للهوية معالم ثابتة تعبّر عن شخصية اعتبارية لحاملها وتؤثر في محيطها، ولكن لها في ذات الوقت جانبًا متأثرًا تأثرًا خاضعًا لظروف العصر أي الزمان والمكان، حيث جانبها المتغير الذي يتطور من خلال التفاعل الحضاري مع الثقافات الأخرى، وما أعنيه بالتفاعل الحضاري هنا هو تداخل إيجابي يؤثر ويتأثر، ويطور وينهض من خلال استفادته من تجارب الهويات الأخرى الإيجابية النهضوية، دون أن تتغير ملامحه الثابتة التي تمثل بصمته الخاصة. فالحضارة في مفهومها العام، هي حركة المجتمع ونشاطه بجوانبهما كافة، المادية منها والمعنوية، وتشمل الخبرات المادية وإنتاجها، والمعارف العلمية والمذاهب، والأفكار الفلسفية، كما تشمل النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والقيم والتقاليد والمؤسسات والجماعات المختلفة وأنماط السلوك..[1]

الغرب بين الإحلال والتفاعل

جاء المشروع الإسلامي بفهم حضاري للتفاعل يهدف منه أمرين:

الأمر الأول: تفعيل القيم الثابتة في فضاءات المعرفة لكل ما هو خارج الجسد الإسلامي، حيث القيم الثابتة جزءًا من الفطرة الإنسانية وتفعيلها كسلوك، فالتفاعل يعمل على إزالة الحجب المعرفية عن النفس، لتمرير تلك القيم التي تمهد الطريق لتحقيق العدالة بين كل البشر. وهو ما يتطلب لوازم أهمها، امتلاك هذه الحضارة مقومات التأثير من مكنة واكتفاء ذاتي وتكافؤ علمي، وتحقيق منجز حضاري فاعل في حياة الإنسان، يسهل عملية السريان المعرفي بين الإسلام وغيره من الحضارات.

الأمر الثاني: المواكبة والمعاصرة، التي لا تتحقق إلا من خلال مراكمة المنجزات الحضارية السابقة مراكمة معرفية تحافظ على أصالتها وترفد متغيرها بمعطيات الزمان والمكان هذا من جهة، ومن جهة أخرى الاطلاع على تجارب الحضارات الأخرى والاستفادة من إبداعاتها العلمية، ونهضتها القيمية في الجانب المشترك الإنساني، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات المنهجية والمنطلقات القاعدية لكل حضارة، أي هو تواصل واتصال ومشاركة واكتساب خبرات تفتيل المسكوت عنه في اللاوعي الإنساني، وتطور من نظرة المجتمعات للحياة، وتزيل الأغلال غير السليمة التي توارثتها المجتمعات عن الآباء دون وجود مسوغ عقلي وشرعي لها.

 

أهمية التفاعل

إن التفاعل الحضاري يضع الحضارة الإنسانية أمام مسؤولية أخلاقية أولًا، كون التفاعل يستند على العلاقات الإنسانية المطلقة، والتي يفترض أن تتمثل ضمن بيئة التفاعل على المحبة والأخوة والعدالة والتسامح والتراحم بين بني الإنسان، وعلى نفي التعصب، والعنف والإرهاب الفكري، ومحاولة الاستقواء وإلغاء الآخر المختلف، وتصبح قيمة التبادل للمنافع المعرفية والعلمية قائمة على هذا الأساس، لذلك التفاعل الحضاري لا بدّ أن يراعي التعددية الحضارية والتمايز الحضاري الذي ينفي كل أشكال التناقض والصراع، ويؤسس لعملية انفتاح كبرى على كل الحضارات والحوار معها في سبيل خير الإنسانية، وتحقيق العدالة التي هي جوهرة القيم في تحقيق الكرامة الإنسانية.

تكمن أهمية التفاعل في أمور عديدة أهمها:

– توسيع المدارك المعرفية وتنضيجها بالاطلاع على تجارب الآخرين البشرية.

– تفعيل ثقافة الخروج من صندوق الذات، بما تحمله هذه الذات من أفكار ومعتقدات وقبليات ومسبقات، وتأثيرات البيئة، وهو لا يعني التخلي عن ثوابت كل ما سبق، تلك الثوابت التي ثبتت بطريق الدليل العقلي والشرعي، بل يعني عدم الركون لكل ما سبق، ومحاولة مواكبة الزمان والمكان في تطوير المفاهيم وتمحيصها، ومراجعة الأدلة على ضوء ما استجد في الساحة العلمية والإنسانية.

– تفعيل مفهوم التعدد الإيجابي، يوسع مساحات الاشتراك المعرفي، ويفعّل عملانيًّا مفهوم التعايش والتسامح الحضاري، على أساس التكافؤ الإثني وليس الإحلال والإلغاء للآخر المختلف، وينضج القدرات العقلية في فهم النص، بما يحفظ خاتميته دون المساس بعناصر خلوده.

– يعمل على تذليل العقبات أمام العقول من خارج الجسد الإسلامي لفهم هذا الدين الخاتم عن قرب، ويسمح للمنتمين للإسلام بفهم الأديان الأخرى والثقافات المختلفة، بالتالي يعمل على ترصيف رؤية كونية قائمة على مفهوم التوحيد، وينهض بمفهوم العبودية في ظل التوحيد.

– يبسط نفوذ الله في قبال نفوذ القداسات السياسية والدينية، فهو يفعل مفهوم العبودية والحرية على ضوء مفهوم التوحيد الحضاري، ليزيل الحجب المعرفية العقلية في لا وعي الشعوب، التي اشتغل عليها المستبد بأي شكل من أشكال الاستبداد، لاستعباد الناس وتمكين سلطته عليهم، وهو ما يستدعي تفاعل المقتدر والمدرك للآخر، من موقع امتلاك المكنة في اختراق لا وعيه، بوسائل يفهمها الآخر المختلف، ويمكنها الوصول إلى عقله وقلبه، فالحق والحقيقة بينة.

فثقافة أية أمة وحضارتها لا يمكن أن تكونا معزولتين، وخارج نطاق التفاعل الثقافي والحضاري مع ثقافات الأمم والشعوب الأخرى وحضارتها، والحقائق التاريخية السابقة والحالية، تؤكد أن الثقافات والحضارات كانت ولم تزل، وسوف تبقى، في حال التفاعل والتأثير المتبادل فيما بينها في وحدة متكاملة بين العام، أي الحضارات والثقافات في العالم، والخاص، أي الحضارة والثقافة القومية الخاصة لكل أمة ودولة.

معايير التفاعل الحضاري

– يحتاج التفاعل مكنة وقدرة واكتفاء ذاتي، يكون المتفاعل إما متكافئ مع الآخر، أو يسبقه بدرجة، وهذا من مقومات التحصين الذاتي للثوابت ومقومات الوجود، فيكون التفاعل من موقع التأثير والتأثر الإيجابي[2].

هذا لا يعني أن عدم توفر المكنة. كما هو حالنا – أن ننغلق على ذاتنا، ولكن تصبح مساحة التفاعل أضيق حفاظًا على الهوية العامة الناس، فيكون التفاعل مقتصر على طبقة النخب والتي تسعى بتفاعلها هذا التحصين الداخل، وإيجاد إجابات للتساؤلات المطروحة نتيجة تسرب ثقافة الآخر للجسد، دون وجود ضوابط أو حصانه ومكنة، فتكون النخبة بمثابة الفلتر الذي يحاول تثبيت الثوابت، وغربلة الشوائب لا من باب الوصاية على العقول والحجر عليها كأنها قاصرة، ولكن من باب عدم تهيؤ قابليات عامة الناس معرفيًّا وإدراكيًّا لهضم الآخر المعرفي على أسس سليمة، فيجعلهم عرضة للاستلاب السهل دون أدنى مقاومة تحت هيبة التقدم الظاهري والمكنة العلمية والتكنولوجية التي تسلب لب الإنسان العادي، وتجعله أسيرًا لكل قيمها وثقافتها ومفاهيمها، فهو بمثابة ممارسة عمل تحصيني قادر لا أقل على درء الشبهات وحماية الهوية، دون أن يطمح للتأثير إلا في نطاق النخبة عند الآخر، فتتغير الأولويات هنا نتيجة عدم توفر المعايير اللازمة التفاعل الشامل بين الشعوب والنخب، من أولوية التأثير الواسع إلى أولوية التحصين مع التأثير المحدود، والسعي الدؤوب لتوفير معايير التفاعل الحضاري، وهنا قد يطرح سؤال هل يمكن تحقيق ذلك في ظل توفر وسائل التكنولوجيا، وسهولة الحصول على المعلومة، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي ضيقت المسافات الفاصلة، وقربت الجغرافيات البعيدة، وبالتالي فتحت الآفاق أكثر معرفيًّا؟ إن ما أعنيه هنا هو نوعية المعارف وآليات التعاطي معها وفق قابليات المجتمعات، فمهما فتحت تلك الوسائل طرق التعارف والفهم، إلا أن دور النخبة يبقى ثابتًا في تشذيب تلك المعارف وتفنيدها، وفي نوعية الإشكاليات المعرفية التي على النخب تداولها وطرحها، فليست كل الإشكاليات المعرفية والمعارف هي قابلة للتداول على بساط المجتمع دون مراعاة لتفاوت القابليات داخل المجتمع الواحد من جهة، وبين المجتمعات المتعددة من جهة أخرى.

– لا يمكن أن يتم التفاعل الحضاري مع توفر معاييره، إلا إذا كانت بنية الأمة ثقافيًّا ومعرفيًّا وفكريًّا قوية، وهويتها محصنة بشكل علمي برهاني، بل لديها فلتر للشبهات وقادرة على مواجهة كل محاولات الإقصاء، وتمتلك العزة والكرامة، وهما قيمتان تحافظان على الهوية من خلال تحقيق حالة الاعتزاز بها، وهذا لا يحدث إلا من خلال تأسيس المجال الإدراكي للأمة، وتحصينها بالعلم والمنهج البرهاني، الذي يحاور ويمتلك وعي وجودي ومنفتح على الآخر، فالعلم معيار أساسي في عملية التفاعل الحضاري، وأعني هنا معرفة الذات معرفة عميقة مدركة المباني وشبكة المشتركات والاختلافات القاعدية بيننا وبين الآخر، ومعرفة الآخر أيضًا معرفة عميقة، وامتلاك أدوات منهجية علمية رصينة في مشروع التفاعل الحضاري.

الغرب ونزعة الهيمنة

“المشكلة الأساسية في الثقافة الحاضرة تتمثل في أن تقضي على التصور التسلطي في الثقافة الغربية والاستعاضة عنه بتصور يتطلع إلى حكمة العالم الغربي.. وذلك لا يمكن إلا بالانخراط في حوار حضارات حقيقي مع الثقافات غير الغربية”. روجيه غارودي (1913 – 2012). وفي تصور “رولان بريتون”، فإنه يرجع الإشكالية في ذهنية الغرب، إلى منشأ تصور الأوروبيين لمفهوم الحضارة والثقافة، حيث يرى أنه في ذروة العصر الذي كان الأوروبيون يهيمنون فيه على العالم، فكريًّا وسياسيًّا، جرى تصور الحضارة بصيغة المفرد، وكذلك الحال بالنسبة إلى الثقافة”[3].

تاريخيًّا نشأت أوروبا على أساس نزعات الهيمنة والتوسع، وكانت الحروب والإغارات الوسيلة الأنجع في بسط النفوذ وفرض النموذج الثقافي والسياسي، ومع التقادم وبعد عصر التنوير بالذات وتضاؤل هيمنة الكنيسة، وما حققته أوروبا من اكتشافات علمية هائلة، مكنتها فيما بعد من الهيمنة على الطبيعة، لم يغير ذلك من نزعتها للتوسع والهيمنة، باحثة عن الثروات الجغرافية والمعدنية وعلى رأسها ثروة الطاقة، فقامت باستعمار كثير من دول منطقتنا، وخلال الاستعمار العسكري مارست استعمارًا ثقافيًّا حاولت من خلاله السطو على المجال الإدراكي للشعوب المحتلة، حيث ركّز المستعمر على المجال التعليمي، ففتح مدارس تابعة، يضع هو مناهجها، وكان من خلال التربية والتعليم يفرض قيمه ونظرته الوجودية ورؤاه المعرفية وبنيته القيمية، وأول ما تم استهدافه في بنية العقل العربي والإسلامي هو اللغة، لما للغة من قيمة معرفية كبيرة، دون أن يعمل أي اعتبار لاختلاف الثقافات والهوية، بل كان من موقع القوة والنفوذ لا يريد فقط أن يهيمن على الأرض والثروات، بل حتى على عقول البشر ليمحي كل اتصال لهم بهويتهم الخاصة، ويرسم لهم معالم هوية جديدة مرتبطة به، حتى يتحول وجوده في ذهنية الشعوب المحتلة من مستعمر، إلى وجود ضروري تحتاجه الشعوب لتحقيق طموحاتها في العلم، بعد أن كانت ترزح تحت وطأة الاستبداد العثماني لترى فيه الخلاص، كما كان يطمح المستعمر أن يطرح نفسه لتلك الشعوب على أنه خلاصها من الاستبداد.

في هذه المرحلة من الاستعمار العسكري لم تفلح محاولاته تلك، بل تحول من مخلص إلى مستعمر ترى فيه الشعوب وحشًا يريد أن يفتك بها، فكان القرار هو المقاومة التي تعني مزيدًا من التمسك بالهوية، ورفضًا لكل ما له صلة بهذا المستعمر، وهذا لا يعني عدم تأثر كثيرين بهوية هذا المستعمر وببنيته الفكرية والفلسفية، لكن كان الجو الغالب هو الرفض والتحصين ومزيد من التمسك بالهوية.

وهنا تشكلت لدينا تيارات في كيفية التعامل مع المستعمر للأرض:

– تيار وجد في المستعمر الخلاص، وانجذب لكل محمولاته المعرفية والعلمية والثقافية، وبالتالي القيمية وانْدَكّ به ليصبح جزءًا منه، ولم يتوان هذا التيار حتى من التعاون عسكريًّا معه ضد أرضه وشعبه، كون مكنة المستعمر العسكرية والعلمية، استطاعت السطو على المجال الإدراكي لكثير من النخب الذين بهرتهم الإنجازات العلمية والحضارة الغربية ببعدها المادي، التي قدمت خدمات للإنسان وسهلت عليه حياته كما يظهر للوهلة الأولى.

  1. تیار رفض رفضًا حاسمًا كل ما له علاقة بهذا المستعمر، حتى لو كان على مستوى العلم والثقافة بما هو نافع، ويمكن أن يقدم تجربة بشرية تدفع باتجاه مزيد من توسعة المدارك، وذلك لأن المستعمر لهيمنته العسكرية ومطامعه التوسعية ونزوعه نحو إقصاء الآخر، استخدم العلم ليس لأجل خدمة الآخر، بل كوسيلة للهيمنة عليه وإقصاء ثقافته وهويته لتحل محله الهوية الاستعمارية وثقافتها.
  2. تیار امتلك نوعًا من المرونة، واستطاع الاستفادة من المنجز العلمي، ولم يسمح مع ذلك من تغيير الهوية ولا الإحلال الثقافي، بل كان محصنًّا ضد أي نوع من الإحلال، ولكنه استفاد من منجزات الغرب الحضارية والعلمية، وهم في ذلك الوقت قلة لكنهم نخبة.

وبعد الانسحاب العسكري نتيجة ضربات المقاومة وتقسيم المنطقة، ووضع أنظمة مستبدة وموالية للمستعمرين، بدأت عملية غزو وحرب من نوع آخر، تهيئ أرضية وقابليات الشعوب لتصبح سوقًا استهلاكية السلع الغرب. وظهرت ازدواجية الغرب في رفعه لشعارات حقوق الإنسان، وفي ذات الوقت دعمه لأنظمة استبدادية قامعة، وكانت شعارات كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان تستخدم كورقة ضغط في يده على الأنظمة الداخلية.

وفي تقرير حول ممارسات صندوق النقد الدولي، يوضح وحشية الممارسات التي يقوم بها هذا البنك تحت شعار الإنماء وسد العجز، حيث يوضح التقرير بأن الصندوق يعيد خلق العالم على صورته، ويوضح كيف يبشر بـ “دین” أوحد للتقدم ، ويذكر التقرير أنه “عندما تم إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في سنة 1945، مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ كان الهدف المعلن من هذه المؤسسات المالية العالمية هو العمل على تعزيز الاستقرار المالي والتعاون في المجال النقدي على مستوى العال”، لكن وبعد تتبع آثار تدخلات هذه المؤسسات في البلدان النامية خصوصًا، يتضح وجه آخر لتعاملات مشبوهة غير تلك المعلنة، فمن خلال استخدام الشروط نفسها والحلول المالية نفسها في التعامل مع مختلف الدول، التي تطلب القروض من هذه المؤسسات، تدفع بأجندة تخدم مصالح الشركات الكبرى وأصحاب الأموال من جهة، بالإضافة إلى الدول التي تملك نفوذًا كبيرًا داخل هذه المؤسسات بطبيعة الحال.

وتروج هذه المؤسسات المالية العالمية لسياساتها على أنها المنقذ الوحيد للدول التي تعاني عجزًا ماليًّا، وبتقديمها للقروض المالية المشروطة بتنفيذ هذه الدول المعنية سياساتها الليبرالية؛ فإنها تحكم قبضتها على الاقتصاديات الناشئة وترهن مستقبلها، وتجعل أسواقها في أيدي الشركات العالمية الكبرى، بعد فتحها ورفع أيدي الدولة عن التنظيم ومتابعة السوق، مما يدخلها في منافسة غير متكافئة.

ما إن تلجأ أي دولة لأخذ قرض من صندوق النقد الدولي، فإن الصندوق يبدأ في تشغيل الأسطوانة نفسها، وتلاوة القائمة المتكررة من الشروط والطلبات: إصلاحات هيكلية في الاقتصاد تتضمن بيع الشركات المملوكة للدولة، وتقليص الموظفين في القطاع العمومي وتقليص رواتبهم، وفتح الأسواق للاستثمارات الأجنبية بلا شروط، وتشجيع الاستيراد وتقليص الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، والتخلي عن حماية العمال والفلاحين وإضعاف النقابات. ويذكر التقرير تجربة الصندوق مع مالاوي قائلًا: “تحولت مالاوي إلى مجرد أراضٍ زراعية يتحكم فيها لوبي السجائر العالمي، ويحرص على مصالحه التجارية بشكل قانوني تمامًا، بفضل السوق المفتوحة التي فرضتها المؤسسات المالية العالمية. ومن أجل أن يدخن الأوروبي أو الأمريكي السجائر بأرخص سعر ممكن، لا بأس أن يجوع الملايين في مالاوي وغيرها من البلدان النامية التي زارها مسؤول من صندوق النقد الدولي.

حيث أشار تقرير للجارديان البريطانية إلى أن سياسات صندوق النقد الدولي قد أتت بمالاوي إلى المجاعة، “فالدولة الأفريقية التي قررت تحت ضغط الصندوق -خصخصة قطاع البذور وتحريره من يد الدولة التي كانت تنظم الأسعار وتضمن اكتفاءً ذاتيًّا من البذور، وجدت نفسها في سنة 2002 أمام مجاعة هي الأسوأ منذ 1949، وقد بلغت خدمات دیون مالاوي في تلك السنوات 70 مليون دولار أمريكي، أو ما يمثل %20 من ميزانية الدولة، وهو ما يمثل أكثر من ميزانية الصحة والتعليم والزراعة مجتمعة، في بلد ما زالت أوضاعه الاقتصادية معلقة بيد دائنيه، وتقلبات الأحوال الجوية”[4].

هذا النموذج الذي يفرض وجوده ثقافيًّا واقتصاديًّا من خلال ضرب كل مقومات الاكتفاء الذاتي للدول المقترضة، لتصبح أسيرة بشعبها ولقرون لشره نخبة اقتصادية تهيمن على كل مداخيل الدولة، لتفقر أهلها وتجردهم من كل مقومات الحياة، وبذلك تحقق استعمارًا خفيًّا تحت شعار الدعم والمساندة، فبالرغم مما يحمله من شعارات التحرير والعلم، إلا أنها شعارات غالبًا تستخدم للدخول إلى الجغرافيا المستهدفة خاصة إذا كانت غنية بالثروات ومنها ثروة العقول البشرية، وعند تمكنها عسكريًّا بشكل مباشر أو بأدواتها، فإنها تنقلب على شعاراتها ونجد التدمير المنهجي يتسيد منهجها، ولا تزيد شعوب هذه الجغرافيا إلا مزيدًا من الاستعباد لها، فهي تفك عبوديتها من نظام فشستي قائمًا، وتربط عقال عبوديتها بيدها كنظام فشستي جديد، بالتالي هو تغيير فقط للسيد، وليس تحريرًا للعبد.

وبعد العولمة بالذات ورفع شعار صدام الحضارات، والمتصل بماضي الغرب في شرهه للتوسع والهيمنة وإحلال قيمه وهويته، فقد برزت حربًا ناعمة تستهدف الهوية في عمقها الوجودي، تاريخيًّا بضرب كل جذورها المتصلة بالماضي، وقيميًّا بضرب قيمها المعنوية والثابتة وإحلالها بقيم مادية استهلاكية شرهة.

ونتيجة الاستبداد وإفقار الشعوب ماديًّا وعلميًّا، وتحويل وجهة أغلب هذه الشعوب من هدف طلب العلم والنهضة والكرامة والحرية والعدالة، إلى السعي الدؤوب اليومي الذي يلهث فيه الفرد لسد رمقه ورمق عائلته طالبًا للعيش الكريم في ظروف غير كريمة، أي سعيًا حثيثًا وراء رغيف العيش الذي غالبًا في منطقتنا ما يكون مغمّسًا بالذل والإهانة والقمع وتكميم الأفواه والتأسيس لقيمة الرضوخ السلبية لما هو موجود تحت ضغط الحاجة، ورغم أن هناك دول غنية جدًّا بثرواتها المالية، إلا أن معدلات الفقر والبطالة فيها مرتفعة بسبب فساد السلطة، وسيطرة نخبة طبقية على مقدرات الشعب، وشراء ذمم الغرب بشره شراء السلاح بحجة الأمن على حساب التنمية والاستثمار الحقيقي في الإنسان.

ولأن الغرب متقدّم علميًّا وتكنولوجيًّا بما يخدم الإنسان في بعده المعيشي الدنيوي، ومع تقديم نماذج للإسلام متخلفة (داعش – ياسر الحبيب نموذجًا)، أقنعت أغلب الشعوب وتم تحت هيمنة الإعلام العالمي القوي الربط بين الاسلام والتخلف، والغرب والتمدن والحضارة، ومع تقصير كثير من الإصلاحيين والنهضويين من تقديم نموذج سلوكي حضاري للإسلام، تظهر آثاره في الدنيا على نهضة الإنسان، فإن ذلك أزال كل العقبات أمام عولمة النموذج الغربي في كل أبعاده الحياتية والسلوكية والقيمية خاصة فيما يتعلق بالمرأة. حيث هيمنت المدرسة الوضعية الغربية على مجالنا الإدراكي، وبات كل شيء خاضع في تقييمه للتجربة والحس، واضمحل عالم الغيب والمعنى، بسبب عدم وجود نموذج عملي سلوكي يقدم الإسلام على أنه واقعًا دین حياة.

ولعب الإعلام دورًا هامًّا في الترويج للنموذج المراد عولمته، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، من خلال عدة نظریات تبنتها وسائل الإعلام إجرائيًّا وعمليًّا ومنها:

نظرية اجتياز المجتمع التقليدي

صاحب هذه النظرية هو الباحث الأمريكي دانيال ليرنر[5] الذي اهتم بدراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والتغيير الاجتماعي والثقافي، ودور هذه الأخيرة في التنمية القومية لاجتياز المجتمع التقليدي، إذ قدمت نظريته تأثيرات معينة لدور وسائل الإعلام في الإقناع والتأثير على الأفكار والاتجاهات والقيم. والأفكار التي صاغ بها ليرنر نظريته في مجملها كانت حصيلة الأبحاث التي أجراها مع بداية الخمسينات على ستة دول في الشرق الأوسط هي: تركيا، إيران، مصر، سوريا، لبنان والأردن. وأهم جزئية في هذه النظرية هي “التقمص الوجداني”[6]، الذي يعمل على إعادة صياغة النموذج وطرحه للمتلقي، وبالتالي يقوم من خلال هذا النموذج بتغيير كثير من المفاهيم والقيم وتغيير مرجعيتها المعرفية. وبذلك يقدم مثلًا يروج له ليصبح النموذج الذي يراد أن يتم تقمصه بعد الاستحواذ على المجال الإدراكي.

المثل الأعلى

إن التعاطي مع مخرجات الحضارة الغربية وأهمها الحداثة يكون من خلال الدراسة المنهجية المتأنية، فالأفكار القادمة إلينا نستطع أولًا أن نعيدها إلى جذرها المعرفي، ومن ثم مقارنتها مع ما لدينا، فإن لم تتعارض مع أصولنا ورفدت فهمنا وفتحت لنا آفاقًا لإعادة قراءة النص والتراث والإجابة على تساؤلات الراهن، فهنا نتعامل معها على أساس التلاقح والتبادل الحضاري والثقافي، وإلا تعاطينا معها على ضوء أنها رأي آخر لا يتطابق مع مكوناتنا الحضارية والثقافية، وبالتالي لنا ديننا ولهم دينهم ليكون المبدأ هنا احترام الذات من جهة، واحترام الآخر من جهة أخرى، وتكون الندية الفكرية التعددية حاكمة كمعيار، وليس المعيار الإقصائي الإلغائي، فالاختلاف في المثل الأعلى هو اختلاف منهجي بنيوي في المرجعية المعيارية التي تنطلق منها عملية التأسيس للرؤى والنظريات، فبين المدرستين قاعدتا اشتراك: هما الإنسان والطبيعة ودور الحس والتجربة في المعرفة ومصدريتها، إلا أن الاختلاف الجوهري هو في المثل الأعلى الذي يشكل محور التشريعات المعيارية كمرجعية كلية ضابطة وناظمة لعمل العقل، وحافظة له من الانحراف والوقوع في وهم الحقيقة، وعدم القدرة على كشف الواقع، حيث المثل الأعلى المرتفع (الله) هو المشرع الأساس، ومن تشريعاته يمكن للعقل أن يستمد المنهج والمعايير والمقاصد لينظم رؤية ويؤسس لمشروع اجتماعي واقتصادي وسياسي بدرجة عالية من كشف الواقع، ودقة أكبر في الابتعاد عن الوهم. بينما حينما يكون الإنسان هو المثل الأعلى المنخفض وهو من يشرع لنفسه، “حيث يستمد تصوره من الواقع نفسه. ويكون منتزعًا من واقع ما تعيشه الجماعة البشرية من ظرف وملابسات.. فلم يرتفع الوجود الذهني على هذا الواقع، بل انتزع مثله الأعلى من هذا الواقع بحدوده، وقيوده، وشؤونه”[7].

وهو من يضع المرجعية المعيارية فلا يمكننا هنا أن نثق بموضوعيته وتجرده وصراعاته الداخلية وتغليبه لمصالحه ومنافعه وتفاعلاته مع المحيط وانفعالاته وعدم شمول رؤيته، وهو ما اتضح منذ عصر التنوير إلى اليوم، لأن كثيرًا من النظريات والآراء يمكن تصنيفها على أنها ردود أفعال على العهد الكنسي وتداعياته الفكرية والسياسية، وتفاعل المفكرون الغربيون مع التطورات المحيطة بهم وانفعالهم بها. “ومن نافل القول إن تيار الأحداث في التاريخ الغربي اندفع بشكل أدى إلى هيمنة الفلسفة الإنسانية (Humanism)[8] وسيطرتها على جميع أركان المجتمع. فبعدما غابت شمس آخر يوم من أيام القرون الوسطى، انصب اهتمام كل الحركات الاجتماعية الكبرى والمصيرية منذ القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر، ومنها حركة الإصلاح الديني وحركة التنوير والحركة العلمية والثورة الصناعية والثورات السياسية وغيرها، انصب اهتمامها على إحياء دور الإنسان الذي تم تجاهله طيلة العصور الماضية، ليستعيد دوره المنسي، وليتربع على الكرسي الذي طالما نحي عنه من دون وجه حق. وكان الشعار الوحيد والمشترك “استقلال الإنسان” يمثل القاعدة الصلبة التي بني عليها أساس نبذ الاستبداد السياسي ورفض التقاليد الدينية وإنكار الحدود التي تقيد العقل، والتأكيد على الإرادة واختبار الأساليب الحديثة والسبل الجديدة، والخوض في المجالات المجهولة.. وغير ذلك. ومن بين الإنجازات التي قدمتها تلك الحركات الاجتماعية، تحرير السلطة من احتكار وهيمنة الأمراء، وتحرير المعرفة من غياهب الحصار الكنسي الذي كان مفروضًا عليه، وفك الأموال من قيد الأثرياء والإقطاعيين، فكانت تلك الحركات كلها تؤكد على أهمية الإنسان ودوره الفعال”[9]. ومن هنا يتضح الفرق الجوهري والاختلاف البنيوي بين المدرستين، إلا أننا لا ندعي أبدًا أن على مستوى التطبيق هذا الحاصل، فواقع المسلمين غالبًا لا يعكس محورية الله ومرجعيتها المعيارية، بينما واقع الغرب يعكس عمليًّا نظريته التي آمن بها وطبقها، فالإنسان هو محور ومركز التفكير والتنظير، وأدواته المعرفية هما الحس والتجربة، ليصبح واقعًا عمليًا متجسدًا في كل مجالات الغرب الحياتية والاجتماعية، بينما وقع العالم الإسلامي تحت نير الاستبداد والجهل والتآمر. فالإنسان في المدرسة الغربية هو المشرع وهو المعيار.

سيادة النموذج وتسيده

كثيرًا ما يتم تداول كلمة السيادة والتي تعني مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة وهذه لا تكون إلا لله كونها مطلقة بلا قيد. وفي أبجديات الفكر الشيعي تطرح على مستوى المرأة متمثلة بنموذج الزهراء عليها السلام کسيدة نساء العالمين. وما يحويه هذا التوصيف من تأسيسات مهمة تتشكل منها مرجعية للمرأة في نظم السيادة في كل زمان ومكان.

ارتأينا في ظل لحظات تاريخية تمر بها الأمة – وخاصة النساء مهد الحضارات – بعنق زجاجة يتعلق بالهوية والانتماء المستهدفتان عالميًّا خاصة المرأة كمصداق، وما العولمة إلا أداة ذلك الاستهداف خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الشخص ومن ثم تحدد له انتماءه، هل هي للسماء أم إلى الأرض، من خلال تقديم نموذج يشكل مرجعية للاتباع والاقتداء يتحقق من خلاله تشكيل الهوية وتحديد الانتماء.

السيادة بين السماء والأرض

القوة المطلقة غير المقيدة لا يمكن تحقيقها بهذا الإطلاق واللاقيد إلا الله تعالى. ولكي تتنزل هذه السيادة السماوية للأرض فلا بدّ من وجود أوعية قابلة لنمط سيادي مطلق وغير مقيد كهذا، يكون مستخلفًا واعيًا ومدركًا لكل حيثيات الاستخلاف الصحيح وفق إرادة الخالق لتكون هذه السيادة الأرضية في طول سيادته، وليس في عرضها وتأتي بعد ذلك سيادة الخلق في الأرض من السماء وفق مراتب تتصل بمراتب الوجود.

وهذه السيادة تكون:

سيادة على مستوى الذات.

سيادة على مستوى الأسرة.

سيادة على مستوى المجتمع.

سيادة على مستوى الدولة.

سيادة على مستوى العالم.

وهذه السيادة حينما تبدأ من خارج النفس ترتبط بالسيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى المفاهيم تكون سيادة قيمية ومفاهيمية، بحيث يفرض النموذج المتسيد مرجعيته في ذلك لامتلاكه القوة والسلطة المستمدة من قوة وسلطة السماء. فتتحقق سيادة العالمين من ناحية المراتب المكانية ومن ناحية المفاهيم، وإذا كان نموذج السيادة نموذج إلهي معصوم فتتحقق السيادة الزمانية أي صلاحيته كنموذج لكل زمان، ليصبح النموذج ذا سيادة زمانية ومكانية.

التربية والربوبية والسيادة.

النموذج الذي يسود هو القدوة التي تشكل مرجعية فكرية ودينية وسلوكية عبر الزمن، والقرآن يجعل موقع القدوة بموقع الربوبية بمعنى التربية، وهنا بالسيادة تتحقق الربوبية المتصلة بالتربية والربط بالنموذج الأكمل، وكان صراع الأنبياء مع المستكبرين عبر التاريخ في جزء منه هو صراع حول الربوبية المتصلة بإدارة الشأن والتنظيم والتربية. وكان المعصوم يرى الله ربًّا، بمعنى أنه المرجعية المعصومة في التربية. عن النبي الأكرم: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”[10]. وأعاد الراغب الأصفهاني الربوبية والتربية النفس الجذر اللغوي، فقال في تعريفه لـ (الرب): “الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا حالًا إلى حد التمام”.

ووظيفة النموذج الأكمل من أكبر الوظائف وهي الربط بين الأمة والله، ووظيفة المثل المتبع لهذا النموذج هو الربط بين الأمة والنموذج، أي أدوار تقع في طول بعضها البعض، ويوكل لها وظيفة التربية التي هي لب الدعوة إلى الله كونها تربية في طول تربية الله وإرادته.

وكانت وظيفة المعصوم وصل الناس بهذا الرب عبر التاريخ، فكان المعصوم النموذج الكامل الذي يمثل مرجعية التربية لتتحقق الربوبية وتتم السيادة. وكان لا بدّ من توفر أمثلة أو أنماط في كل زمان وظيفتها ربط الناس بالنموذج، بحيث يكون النمط الانعكاس الأقرب للنموذج الكامل. والزهراء عليها السلام النموذج الأكمل المعصوم للمرأة، التي تجسد شخصية المرأة في المشروع الإلهي. وكونها سيدة نساء العالمين، فهذا يعني سيادة زمانية ومكانية وعلى كافة الأصعدة. وبذلك تتحقق الربوبية بنموذج الزهراء للمرأة التي لها شأنية في التربية. ولكن لماذا لم نقدم أمثلة متصلة بهذا النموذج لتسود المرأة في زمانها مستظلة بسيادة الزهراء عليها السلام؟

حيث إن سيادتها الزمانية والمكانية تعتي أنها صالحة كنموذج إلهي لكل زمان ومكان، وأن في نموذجها ما هو ثابت وما هو متغير، كونها نموذج إلهي إسلامي معني بالأصالة والخلود، فالإسلام له مكونين رئيسيين يحفظانه من الانحراف ويجعلانه صالح لكل زمان ومكان:

المكون الأول: الأصالة التي تعنى بالثوابت وكليات الإسلام التي تحفظه من التحريف.

المكون الثاني: الخلود والذي يبقيه مرن وباقي لكل الأزمنة.

وشخصية الزهراء كنموذج إلهي معصوم سائد إلى يوم القيامة، أيضًا فيه بعدي الأصالة والخلود والمتعلقين بالثابت والمتغير تشريعيًّا.

لكن لماذا لم يسد نموذج الزهراء ولم تسد المرأة كل وفق زمانها؟ لكل زمن متغيراته الاجتماعية، وبالتالي وفق هذه المتغيرات ووفق تراكم المعرفة العقلية، يمكن قراءة نموذج الزهراء على ضوء هذه المتغيرات، فيتم تجليتها كنموذج والتعرف عليها أكثر وبالتالي تسيدها أكثر.

فلكل زمن مقوماته وأدواته في السيادة، ولكن هناك ثوابت وأصالة تاريخية سواء ثقافية أو فكرية واجتماعية أو إنسانية، والمستقرئ شخصية الزهراء عليها السلام ووفق موقعها السيادي للعالمين يستطيع في كل حقبة زمنية ونتيجة التكامل والتراكم العقلي والمعرفي، أن يكتشف في شخصيتها مقومات السيادة هذه الحقبة، سواء كانت مقومات تحاكي الواقع الاجتماعي المتغير ولا تحابيه، أو مقومات ثابتة أصيلة لا تتعلق بتغير الزمان والمكان خاصة فيما يتعلق بمنظومة القيم.

ولكن رغم وجود هذا النموذج الرباني المعصوم نجد هناك عدة مدارس فكرية لها رؤيتها الخاصة بالمرأة، وطبعًا هناك مبررات موضوعية لهذا الاختلاف حول المرأة مع وجود شخصية الزهراء النموذجية، وأهم هذه المبررات:

ابتعادنا عن عصر التشريع.

قصر حياة الزهراء عليها السلام.

شح تاريخي بخصوص شخصية الزهراء عليها السلام حيث لم يصلنا عنها إلا القليل وهو ما قد يؤثر على تكوين رؤية كاملة.

الذاتية في النظرة.

البيئة ومؤثراتها على قراءة موضوعة المرأة.

آليات وأدوات استقراء التاريخ من جهة والنص من جهة أخرى والاجتهاد من جهة ثالثة.

المدارس الفكرية الدينية والمرأة

نشأت هذه الاتجاهات الفكرية نتيجة المواجهة التي حدثت مع الغزو الثقافي الغربي، وما قدمه من نموذج مخل للمرأة بالواقع الاجتماعي الإسلامي، والذي يطغى عليه طابع المحافظة ويتمسك بطبيعة الحال بعفة المرأة وعفافها، وما لهذه القيم من أصل في حفظ المجتمع من الانحراف والفساد.

ولنكن أكثر دقة، كانت المدرسة التقليدية تبني أفكارًا انفعالية اتجاه الغزو الغربي الثقافي من جهة، وردًّا على المدرسة التجديدية من جهة أخرى، والمدرسة التجديدية تبني أفكارها مستقبلة ما يطرحه الغرب ومحاولة لتكييف عناصره الثقافية مع بيئته من جهة، ومن جهة أخرى تنفعل ضد ما يطرحه الاتجاه التقليدي.

لكن كل مدرسة كانت تسعى من وجهة نظرها لتوضيح رؤية الإسلام عن المرأة، فكما ذكرنا آنفًا أن الإسلام له مكونان رئيسيان: الأول الأصالة، والثاني الخلود.

  1. الاتجاه التقليدي الإسلامي

نعني بالتقليديين هنا مجموعة من العلماء والمتدينين المسلمين الذين عاشوا في القرنين الأخيرين، وحصروا اهتمامهم فقط برفض الثقافة الغربية ومحاربتها، وذلك بدافع من غيرتهم على الدين، وتمسكهم بالمعارف والأحكام الدينية، وهذه الجماعة لا تنضوي تحت مجموعة واحدة، ولكن لديها مسلمات مشتركة هي:

– الأصولية.

– محورية التكليف والتعبد.

– اعتماد الاجتهاد في فهم الدين (النص حاكمًا).

– الأصالة ومحاربة الالتقاط.

– تقديس الماضي أو الماضوية.

ونظرًا لذلك تكون هذه المدرسة قد ضحت بخلود الإسلام لحساب أصالته.

  1. الاتجاه التجديدي الإسلامي

هذا الاتجاه نشأ كردة فعل في مواجهة الثقافة الغربية من جهة، والتقليدية من جهة أخرى لاستشعارها الصراع الدائر بين التقليدية والتجديد بسبب ما لديها من ميول دينية.

هذا الاتجاه أيضًا له سمات عامة مشتركة، وإن لم يجمعه إطار واحد وهي:

– النزعة الإنسانية.

– التنمية.

– تقديس العلم والاعتماد على العقلانية.

– التاريخية والنسبية في الفهم.

– النظر نحو المستقبل.

وقد وقع هذا الاتجاه في مأزق التضحية بالأصالة لحساب الخلود.

  1. 3. الاتجاه الحضاري الإسلامي

يعتقد هذا الاتجاه أنه يمكن الحفاظ على عنصري الأصالة والخلود في الإسلام، وجمعهما في نظرية واحدة، تكون على مسافة واحدة بين نسبة منطقية متساوية.

وهم يعتقدون أن الطريق الوحيد للخروج من الإشكالية الحالية في المجتمعات الإسلامية، يكمن في التحرك في سبيل إيجاد حضارة حديثة، بحيث تعتمد برامج التنمية والتطوير فيها على القيم الإسلامية، وتهتدي بهداها.

ومن هنا يعتقد الكثيرون من المثقفين المسلمين بأن ظهور الإشكاليات المعاصرة المتعلقة بالمرأة في المجتمعات الإسلامية والثقافة الحداثوية من جهة، وإلى معارضة التقاليد الاجتماعية، في المجتمعات الإسلامية للقيم المنبثقة عن التنمية الغربية من جهة أخرى.

وأهم سمات هذا الاتجاه المشتركة هي:

– النظر إلى قضايا المرأة بشكل منهجي.

– الأصولية في فهم الدين، والتطور في تطبيق الدين.

– التطور في منهج الاجتهاد، وإعادة النظر في مناهج العلوم.

– ضرورة تدوين النمط الأكمل لشخصية المرأة المسلمة (وضع النموذج).

– التأسيس لحضارة إسلامية جديدة.

وحيث إن الفقه هو المعني الأول في التجديد الديني، لما تلعبه الفتوى من دور في تحريك المجتمعات وتفكيك مكوناتها الثقافية ودفعها نحو الحركة حيث الفتوى سلطة مهمة عبر التاريخ، فبالتالي تصبح المدرسة الحضارية في بحثها وبلورتها لنموذج المرأة الحضاري معنية بموضوع الثابت والمتغير.

المدرسة الحضارية بين الثابت والمتغير

يقول الشيخ أحمد مبلغي بخصوص موضوع الثابت والمتغير: يحظى بحث الثابت والمتغير في الإسلام بأهمية كبيرة؛ ففي ظله نستطيع أن نجلي قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات المعقدة، ونثبت بطلان الشبهة التي ترى عدم قدرة الأحكام الإسلامية على حل مشكلات الإنسانية، أو محدودية هذه القدرة مع تزايد احتياجات البشرية وكثرة أزماتها، فهذا الفكر الخاطئ يرى عدم قدرة الأحكام الإسلامية الثابتة على تلبية تلك الاحتياجات المتفاقمة، ورفع الصعوبات المتزايدة وإدارة المجتمعات المعقدة.

فالبحث في هذا المجال يحتاج – من جهة – إلى خبرة طويلة بالمجتمعات الإنسانية المعقدة، كما يتطلب – من جهة أخرى – فهم الإسلام وأهدافه وعمق تعاليمه، إضافة إلى اطلاع كاف على أسس الاجتهاد ومناهجه، وهذه المعارف شرط رئيس في حل المعضلة، وحل هذه المسألة يحتاج إلى تنظير، أي ينبغي على من اكتسب المعرفة حتى أصبحت طوع يده أن يقدم – بشكل جاد وعلى مستوى عال من الدقة مع مراعاة الجوانب كافة – نظرية تتوافر على خصلتين، هما:

أ- تصوير الإسلام وقدراته تصويرًا صحيحًا وواضحًا.

ب – القدرة على وضع أساس وإطار أفضل للتوجه الإسلامي والسياسة الإسلامية العامة.

إن ما قلناه سابقًا دليل على كمال أي نظرية في هذا الخصوص، لكن هناك ملاكين إذا تجردت النظرية عن أحدهما غدت باطلة من الأساس، وهما:

أولًا: عدم الخلط بين مساحات الثابت والمتغير، أو الخطأ في تحديد مصاديق كل واحد منهما.

ثانيًا: ألا تبتلى النظرية بتقليد الآراء واجترارها؛ فأغلب من يرد هذا البحث لا يملك إطلاقًا على علم أصول الفقه والاجتهاد مما يجعل نظريته فاقدة لكلا الملاكين، فلا يضعن من ليس له الأهلية قدمه في هذا الوادي السحيق، كما ينبغي على من ينظر من العلماء أن يراعي الدقة في عمله[11].

يتطرق الشيخ في نفس المصدر إلى النظريات الثلاثة:

  1. نظرية العلامة الطباطبائي: الثبات الإنساني والتحول البشري

يقول العلامة: قسم الإسلام أحكامه إلى قسمين متمايزين ومنفصلين بعضهما عن بعض، الأحكام الثابتة والأحكام المتغيرة.

أما الأحكام الثابتة: فهي الأحكام والقوانين التي وضعت على وفق مقتضى حاجات الطبيعة الواحدة والثابتة للإنسان، فقد سمى الإسلام تلك الأحكام التي أقامها على أساس طبيعة الإنسان وخصوصياته بالدين والشريعة: ﴿فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم﴾.

وأما الأحكام المتغيرة: فهي الأحكام المؤقتة أو تلك التي أحظى فيها شيء ما، وتختلف وفق أنماط الحياة المختلفة، ويتماشى هذا القسم مع التقدم التدريجي للمدنية والحضارة وتغير المظاهر الاجتماعية وظهور الأساليب الحديثة وانضمار الأساليب القديمة، وتختلف بحسب مصالح الزمان والمكان المختلفة.

وهذه الأحكام باعتبارها من آثار الولاية العامة، منوطة بنبي الإسلام محمد (ص)، والقائمين مقامه والمنصوبين من قبله، وتشخص وتنفذ في دائرة الثوابت الدينية، وطبقًا لمصالح الزمان والمكان، قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾[12].

  1. نظرية الإمام الخميني، التحول الموضوعي وإطلاق ولاية الفقيه

يؤكد الإمام الخميني على أصلين هما:

أ- تحول موضوع الحكم إلى موضوع آخر في ظل العلاقات الحاكمة، يقول بهذا الخصوص: بلحاظ العلاقات الحاكمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظام ما لعل حكمًا جديدًا يطرأ على مسألة ما، كان حكمها السابق يختلف، بمعنى أن الإحاطة الدقيقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، جعلت ذلك الموضوع نفسه بالظاهر موضوعًا جديدًا فيستتبعه حكم جديد.

تكمن أهمية نظرية الإمام الخميني في أنها ترى – من جهة – أن العصر الحاضر عصر سيادة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة، ومن جهة أخرى تأثير ذلك في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية بشكل بسيط وواضح.

أهم بُعْد جديد في نظرية الإمام الخميني أن تبدل الموضوع في ضوئها يمكن أن يتم بشكل خفي ودون أي ضجيج، أي قد نرى ظاهر الموضوع ساكنًا لكن هناك تحولًا يجري خلف هذا السكون الظاهري، فقبل هذه النظرية كان الفقهاء يقبلون ذلك حينما يتحول الموضوع إلى موضوع آخر، وتبرز علامات تدل عليه، كما في استحالة الخمر إلى خل أو الميت إلى ملح، أما الإمام الخميني، فإن معرفته بالوقائع المتأثرة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية من جهة، وتعريفه موضوع الحكم الشرعي ومناطه وفلسفته من جهة أخرى، لم يحصرا تبدل الموضوع بظهور ما يدل عليه، مثيرًا – إلى جانب ذلك – فكرة التبدل الداخلي.

ب – الولاية المطلقة للفقيه، يقول الإمام الخميني: الحكومة المتفرعة عن ولاية رسول الله – المطلقة، هي أحد الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية.. فالحكومة قادرة على منع الحج، الذي هو من الفرائض الإلهية المهمة، مؤقتًا، إذا كان في ذلك صلاح البلد الإسلامي.

  1. 3. نظرية الشهيد الصدر، منطقة الفراغ التشريعي

وخلاصة نظرية الشهيد الصدر:

أ- ترك الإسلام، في نظامه التشريعي، منطقة خالية من أي حكم إلزامي من وجوب أو حرمة، تسمى منطقة الفراغ.

ب – لا تدلك منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة.

ج – وضع الإسلام منطقة الفراغ الخالية من الحكم تحت تصرف ولي الأمر، ليملأها على أساس متطلبات الزمان ومصالحه، وفي ضوء أهداف الشريعة ومقاصدها.

وهذه النظريات في الحقل الفقهي تساعد على توضيح المرونة في التشريع الإسلامي وطبيعة هذه المرونة.

والمرونة هنا لا تعني الخضوع للواقع بل محاكاة الواقع ومن ثم الذهاب للنص، أي هي انفتاح عقلي على النص يأتي بقراءته وفق أدوات ثابته أصوليًّا ومتحركة، على مستوى انكشاف الواقع للعقل. وطبعًا الخوض في حقول الثابت والمتغير تحتاج متخصصين وأهل خبرة في ذلك، وذكرنا لهذا الموضوع جاء فقط لتسليط الضوء على شخصية الزهراء عليها السلام من باب السيادة ومتطلبات هذه السيادة، لتقديم النموذج المعصوم والمشروع البديل لما يقدمه الغرب، والسيادة لكل العالمين تحمل في عمق شخصيتها كمعصومة، ما يحمله الاسلام للمرأة تجسدت في شخصيتها النموذجية وهما الأصالة والخلود، وبالتالي في التشريعات الفقهية الإسلامية شخصيتها أيضًا تحمل الثابت والمتغير.

ولكن السؤال كيف يمكن اليوم النهوض بالمرأة من خلال تقديم مثال لشخصيتها في الإسلام يصلنا بالنموذج الأصل؟

للفتوى عمل السحر في عقول الناس إذ الفقه بوابة التغيير، ولكن هل مشروع النهوض بالرؤية الفقهية اتجاه المرأة، يكون بالمقارنة بين الأحكام ومعارضتها أو عدم معارضتها للقيم، وهو ما يمكن أن يقوض غالبًا كثير من الأحكام الفقهية، وهو أمر غير مقبول عقلًا كون الفقيه يمتلك أدوات علمية ومنهجية في قراءة النص واستخلاص الحكم الفقهي، أو أن التغيير يكون من خلال تغيير زاوية النظر الاجتهادية، بمعنى إعادة النظر في مناهج وأدوات الاجتهاد، وفق مقولة الثابت والمتغير والأصالة والخلود والزمان والمكان خاصة في قراءة النصوص؟

لتتحقق السيادة وفق النموذج الرباني الزهراء عليها السلام:

إن الفكرة التي نريد صياغتها كمشروع عمل هو كيف يمكننا اليوم من خلال نموذج الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين، أن نصوغ مثالًا في طول هذا النموذج يكون قادرًا على سيادة زمننا بحيث يصاغ وفق قراءة موضوعية للواقع وحاجات المرأة في هذا الزمان وهذا المكان، ووفق الحفاظ على الثوابت والأصالة، لكنه يقدم نظرية إسلامية تبين قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات؟

من وجهة نظري يمكن ذلك كفكرة أولية من خلال تكريس الأبحاث في ثلاث اتجاهات للخروج برؤية أولية:

  1. الاتجاه القرآني ونظرته للمرأة، أي النظرية القرآنية في المرأة.
  2. الاتجاه الفقهي والخروج برؤية الفقه الشخصية المرأة، من خلال عملية استقراء لكل الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، خاصة فيما يتعلق بالبعد الأسري الحقوقي والبعد الاجتماعي، ومجالات العمل الاجتماعية، وبحقوقها كفرد جزء من أسرة، وجزء من مجتمع.

3 . الاتجاه التاريخي من خلال استقراء دقيق لكيفية تعامل المعصوم مع قضايا المرأة من عصره وخاصة الزهراء (ع)، والخروج بمنهج دقیق.

ثم بعد هذه الدراسات الحقيقية وفق أدوات منهجية أصيلة، يتم وضع هذه الدراسات في هيكل عام، ومن ثم دراسة أين يقع التعارض والخلل بين الهيكليات الثلاث، تكون فيها النظرية القرآنية في المرأة هي المرجع المعرفي المعصوم في كشف ثغرات الاتجاهات الأخرى، لتتم مواءمة تلك النظريات مع الرؤية القرآنية.

وبعد الخروج بتصور عام وفق هيكل يشكل شخصية المرأة في الإسلام، يمكن بعد ذلك الولوج في موضوع إعادة النظر في مناهج الاجتهاد خاصة فيما يتعلق بالمرأة، فسيدة نساء العالمين لقب جاء وفق استحقاقات ومؤهلات توفرت في الزهراء وحولتها لنموذج معصوم قادر على سيادة المجتمعات في كل زمان ومكان، كمرجعية معرفية تصون المرأة من كل الانحرافات والتوجهات المنحرفة التي تحاول جرها لتغرد خارج سرب هذا النموذج، وهو ما يفرض واقعًا على كل المهتمين أن يدرسوا النموذج المعصوم لصياغة المثال الحضاري الإسلامي للمرأة، الذي يقع في طول نموذج الزهراء المعصوم في السيادة، والقادر على سيادة المجتمعات الإنسانية وحمايتها من كل الأفكار المنحرفة، التي تحاول تجريد المرأة من هويتها الإنسانية، التي تستبطن وظيفة الخلافة الربانية على الأرض، وما لهذه الوظيفة من حقوق وما عليها من واجبات، وتبرز هويتها الأنثوية التي تركز على تمييع دورها وتحويلها المعول هدم للمجتمعات.

 

 

 

 

[1] د. محسن الأمين، حصاد لم يكتمل، (بيروت: دار الأمير، الطبعة 1، 2019)، الصفحة 219.

[2] د. محسن الأمين، حصاد لم يكتمل، مصدر سابق، الصفحة 222.

[3] د. محسن الأمين، حصاد لم يكتمل، مصدر سابق، الصفحة 223.

[4] https://www.sasapost.com.

[5] Daniel Lerner (1917 – 1980)[1] was an American scholar and writer known for his studies on modernization theory. Lerner’s study of Balgat Turkey played a critical role in shaping American ideas with Wilbur Schramm and Everett Rogers, were influential in launching the study and practice of media development and development communication.ppt.

[6] https://www.wizig.com

hلاتصال-نظريات-5-محاضرة-509789/…

[7] المدرسة القرآنية، الشهيد محمد باقر الصدر، (دار الكتاب الإسلامي، الطبعة 1، 2004)، الصفحتان 111و 112.

[8] الفلسفة أو المذهب الإنساني مصطلح يستخدم في معان كثيرة: أولًا: على تلك الحركة الفكرية التي سادت في عصر النهضة الأوروبية، وكانت تدعو إلى الاعتداد بالفكر الإنساني ومقاومة الجمود والتقليد، ويرمي بوجه خاص إلى التخلص من سلطة الكنسية وقيود القرون الوسطى، ومن أشهر دعاتها بترارك وإرزم. ثانيًا: ضرب من البراغماتية قال به شیلر وأساسه أن كل معرفة مرتبطة بظروف التجربة الإنسانية، وفي هذا ما يتصل بمبدأ بروتاغوراس القائل: إن الإنسان مقياس كل شيء. النظرية الإسلامية في التربية والتعليم، جميلة علم الهدى، (مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسة الدراسات الحضارية)، الجزء1، الصفحة 279.

[9] جميلة علم الهدی، مصدر سابق، الصفحات 277- 279.

[10] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 16، الصفحة 210.

[11] الثابت والمتغير في الفقه الإسلامي، قراءة في جهود التيار النهضوي الخميني، الطباطبائي، الصدر.

[12] سورة النساء، الآية 59.

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
المثل الأعلىفاطمة الزهراءالسيدة الزهراء

المقالات المرتبطة

السعادة الخالدة في مبدأ الحسين (عليه السلام) ونهضته

ليست السعادة في بناء قصور شامخة وجنائن يانعة وخزائن قارونية إذ كلها تنهار ولا في جلال جمال مزان بتيجان يذهب شعاع سناها الأبصار وكلها تذبل.

إشكالية التفكير ومنهجيته

إن أكبر إشكالية تواجه الإنسان هو عدم الالتفات الذهني للأولويات، والغفلة عن عملية ذات أهمية قصوى ومصيرية في حياته

نشأة الباطنية وأثرها في الأديان (4)

ثالثًا: الإسلام لم يسلم الباحثون عن الحركات الباطنية في الإسلام، من كثير من التطرّف ومجافاة الحقيقة، ذلك أنهم ربطوا نشأة

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<