وسائل تحصيل الإخلاص وقصد القربة في الصلاة

وسائل تحصيل الإخلاص وقصد القربة في الصلاة

موقعيّة الإخلاص في الصّلاة

إنّ أدنى مراتب النيّة في الصلاة، والتي تبطل الصلاة من دونها، هي أن يؤدّي المصلّي الصلاة طاعةً لله وامتثالًا لأمره. يجب أن يكون دافع المصلّي طاعة أمر الله، بحيث إنّه لو لم يكن لله تعالى أمرٌ بشأن الصّلاة، أو لم تكن هذه الصلاة مطلوبةً عند الله، لما أقامها. وبهذه الدّرجة من النيّة والدّافع، تكون صلاة الإنسان صحيحةً ويسقط التكليف عنه ولا يجب عليه إعادتها وقضاءها. أمّا قبول الصّلاة عند الله تعالى فإنّه يرتبط بكون نيّة الإنسان خالصةً وأن يكون في صلاته قاصدًا للتقرّب إلى الله تعالى، فمثل هذه الصّلاة هي التي تؤدّي إلى تكامل الإنسان وتقرّبه من الله. وكما ذكرنا، ففي بعض الروايات تمّ تقسيم العبادات وبتبعها النوايا المتعلّقة بها إلى ثلاثة أقسام:

  1. عبادة العبيد: وهي العبادة التي يؤدّيها الإنسان خوفًا من عذاب الله.
  2. عبادة الأجراء: وهي العبادة التي يؤدّيها الإنسان على أمل الوصول إلى الثواب والجنّة.
  3. عبادة الأحرار: هي التي تكون لأجل الله فقط.

وهكذا، فإنّ للخلوص درجات ومراتب، وأعلى درجاته هو الخلوص المحض والكامل لله بحيث لا يكون في النفس أيّ دافعٍ أو مطلبٍ، وهي مرتبةٌ عظيمةٌ يجب أن يقطع الإنسان مسافةً طويلةً وشاقّة من أجل الوصول إليها.

إنّ الذين يعبدون الله خوفًا من عذابه أو طمعًا بجنّته لم يصلوا إلى الإخلاص الكامل، وتكون درجة خلوصهم ممتزجةً بحبّ الذّات والتوجّه إلى النفس. وما لم يصل الإنسان إلى تلك المرتبة من الخلوص التي لا يرى فيها نفسه ويصبح فانيًا فناءً تامًّا في جمال المحبوب، يجب عليه أن يقطع مسافةً طويلة. ولقد شاهدنا بالعيان كيف تؤثّر أنواع الترغيب والترهيب والتحذير في الأشخاص العاديين، وبالأخص الأحداث، الذين بلغوا سنّ التكليف حديثًا، وتؤدي إلى أن يؤدّوا الصّلاة؛ ولولا هذه الترغيبات والترهيبات، لما كانوا ليصلّوا.

كلام المرحوم المجلسي بشأن قصد القربة في الصّلاة

للمرحوم المجلسيّ كلامٌ بشأن صعوبة تحصيل الإخلاص في الصّلاة، حيث يقول: “وَأَمَّا الْقُرْبَةُ فَهِيَ أصْعَبُ الأمُورِ وَلاَ يَتَيَسَّرُ تَصْحِيحُها عِنْدَ إِرادَةِ الصَّلاةِ، بل يَتَوَقَّفُ عَلى مُجاهَدات عَظيمَة وَتَفَكُّرات صَحِيحَة وَإِزالَةِ حُبِّ الدُّنْيا وَالأمْوالِ وَالاْعْتِباراتِ الدُّنْيَويَّةِ عَنِ النَّفْسِ… وَالتَّوَسُّلِ في جَمِيعِ ذلِكَ بِجِنابِ الْحَقِّ تَعالى لِيَتَيَسَّرَ لَهُ إِحْدى الْمَعانِي السّابِقَةِ بِحَسَبِ اسْتِعْدادِهِ وَقابِلِيَّتِهِ وَما صادَفَهُ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ وَهِدايَتِهِ، فَإِنَّ كُلاًّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ، وَنِيَّةُ كُلِّ امْرِئ تابِعٌ لِما اسْتَقَرّ في قَلْبِهِ مِنْ حُبِّ اللهِ أوْ حُبِّ الدُّنْيا أَوْ حُبِّ الْجاهِ أَوِ الْمالِ أَوْ غَيْرِ ذلِكَ. وقَلعُ عُرُوقِ هذِهِ الأغْراضِ عَنِ النَّفْسِ في غَايَةِ الْعُسْرِ وَالإشْكالِ، وَمَعَها تَصْحِيِحُ النِيَّةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُحالِ، وَلِذا وَرَدَ “نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ”. فَكَمْ مِنْ عابد مِنْ أَهْلِ الدُّنْيا يَظُنُّ أَنَّ نيَّتَهُ خالِصةٌ للهِ ولا يَعْبُدُ في جَميِعِ عُمْرِهِ إِلاّ نَفْسَهُ وَهَواهُ”[1].

لقد توجّه علماء الأخلاق في كتبهم إلى قضيّة النيّة والإخلاص، وخصوصًا في كتاب “أسرار الصلاة” لحضرة الإمام، والكتب التي ألّفها أمثال المرحوم الشهيد الثاني، والمرحوم الميرزا جواد التبريزي، ويوجد أيضًا في الأبحاث التي تطرّق إليها، كلٌّ من المرحوم الملّا مهدي النراقي، والمرحوم الملّا أحمد النراقي، في هذا الصدد، مطالب في غاية الأهميّة وجديرةٌ بالقراءة. ولعلّه يمكن أن يُقال في هذا المجال إنّ الغزّالي في كتابه إحياء العلوم، قد سبق الجميع في هذا المضمار وطرح هذه الأبحاث بمضمونٍ عالٍ جدًّا. ولحسن الحظّ، قام المرحوم الملّا محسن الفيض الكاشاني، بتنقيح  وتهذيب كتاب “إحياء العلوم” للغزّالي، وعُرف كتابه هذا بالمحجّة البيضاء. وفي هذا الكتاب، ذكر الفيض الكاشاني روايات أهل البيت، مكان تلك الروايات الضعيفة والمخدوشة والتي نُقلت في إحياء العلوم عن أهل السنّة. وبهذه الطريقة أضاف على قيمة وفضيلة هذا الكتاب. وفي المجلّد الثامن من هذا الكتاب، عرض لقضيّة النيّة والإخلاص ضمن مباحث قيّمة جدًّا. وأنا أوصي الجميع بمطالعة هذه الأبحاث، التي لها قيمة عالية وهي قليلة النّظير، ولعلّه يمكن الادّعاء أنّ كل ما كتبه الآخرون في هذا المجال لم يزد عمّا ورد في هذا الكتاب، بل كان أخذ وتلخيص لمباحثه.

الرّياء مفسدٌ للصّلاة

إنّ بعض الدّوافع تفسد العبادة فسادًا كاملًا وتبطلها، ولا يكفي أنّها تفرغ هذه العبادة من أيّ أثرٍ إيجابيّ، بل قد تؤدّي أيضًا إلى سقوط الإنسان، ويُعدّ الرّياء أحد أهم موانع تأثير الأعمال العباديّة وأكثرها رواجًا.

والرياء يعني إظهار النفس والتظاهر أمام الآخرين، ويعني القيام بالعمل بدافع أن يراه الآخرون ويثنوا عليه ويمجّدوه وهو يلتذّ بمثل هذا المدح ويفرح ويُعجب به. فكلّ من يقوم بالعبادة بهذه النيّة، فإنّه أثناء عبادته، سيتوجّه بكلّ حواسّه وأفكاره وأذكاره من أجل تحقيق رضا الآخرين، وهو غافلٌ عن كون هذا العمل ممّا يرضي الله أو لا!

ويوجد في القرآن الكريم آيتان بخصوص الريّاء في الصلاة، ففي إحدى السور القرآنيّة قال الله تعالى:

﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ‌﴾[2].

وفي آيةٍ أخرى يقول الله تعالى:

﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً﴾[3].

ولا يكفي أنّ هذه الصّلاة لن تكون ذات فائدة لهم، بل إنّها ستزيد من عذابهم[4].

أمّا النقطة المقابلة للرّياء فهي الإخلاص. فالإخلاص عبارةٌ عن قيام الإنسان بالعمل فقط من أجل الالتزام بالأمر الإلهيّ وتحصيل رضا الله، وألّا يكون في قصده ونيّته أيّ شيءٍ آخر سوى هذا. فهو لا يريد أن يظهر نفسه وعمله للآخرين من أجل الحصول على مدحهم وثنائهم، وإنّما ينظر إلى الله فقط.

بالطبع، من الممكن أن يكون عمله في محضر الآخرين، ولكن لا يكون قصده أن يراه هؤلاء. لا بل يمكن أن يكون أداء هذا العمل في محضر الآخرين في بعض الموارد أمرًا مستحبًّا ويُعدّ عبادةً إضافيّة، فيما لو أخلص الإنسان قصده، وأدّى العمل لأجل الله فقط. فنجد أنّ الله تعالى يقول في كتابه العزيز في مورد الإنفاق: ﴿قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً‌﴾[5].

يوجد روايات عديدة في مورد إخفاء الإنفاق وعدم إطلاع الآخرين على ما ننفقه. وقد جاء في روايةٍ أنّ الله تعالى يحبّ إذا قام عبده بصدقةٍ أو نفقةٍ ألا تعلم يده اليسرى ما تنفقه يده اليُمنى! ومثل هذه الروايات جاءت من أجل التأكيد على كمال الإخفاء في الإنفاق، ولكن مع ذلك، فإنّ الإنفاق العلنيّ يكون مطلوبًا في بعض الأحيان، ولذلك فإنّ القرآن والروايات قد أمرت بالإنفاق السرّيّ الخفيّ، وبالإنفاق العلنيّ الجهريّ. فالإنفاق العلنيّ يكون من أجل الدعوة إلى هذا العمل الحسن والترويج له، أي أنّنا ننفق أمام الآخرين من  أجل أن يتأسّوا بنا، ويتشجّعوا على القيام بهذا العمل الخيّر. وبالطبع، يجب على الإنسان في مثل هذه الموارد أن يكون حذرًا جدًّا لئلا يتطرّق إليه الرياء والعجب ويفسد عمله. ويوجد حدٌّ دقيقٌ ضيّقٌ جدًّا بين الإنفاق لتذكير الآخرين والإنفاق لأجل الحصول على مدحهم، وما لم يدقّق الإنسان في ذلك، فإنّ إنفاقه قد يصبح إنفاقًا ريائيًّا.

ومن هنا يجب أن نكون في غاية الحساسيّة اتجاه هذه القضيّة ونراقب كثيرًا وندقّق، لئلا نقضي عمرنا معتقدين بأنّنا أدّينا صلاتنا على نحوٍ جيّد ويكون قلبنا مطمئنٌّ لذلك، أمّا حين يفتحون كتابنا ويصلون إلى الحساب، يقولون لنا: إنّكم قد صلّيتم كل هذه الصلوات لأجل الناس، فاذهبوا وخذوا أجرها منهم! وقد جاء في إحدى الروايات المرتبطة بخفاء الرياء، أنّه قد يكون الرياء خفيًّا وغير محسوسٍ إلى درجة أنّ الملائكة نفسها لا تلتفت إليه، والله تعالى وحده يعلم بأنّه رياء.

إنّ الأعمال التي نقوم بها يجب أن تعبر عدّة محطّات تفتيشٍ قبل وصولها إلى درجة القبول. وقد جاء في هذه الرواية: “أنّ العبد يقوم بالعمل فيرتفع إلى السماء حتّى يصل السماء الأولى، وحين تفتّش ملائكة السماء الأولى المأمورة في فحص هذا العمل لا تجد فيه أيّ مشكلةٍ وتمضيه وتقبله، ثمّ يرتفع هذا العمل إلى السماء الثانية، فلا تجد ملائكة السماء الثانية فيه أي إشكال، فتمضيه وتصدّقه. وهكذا يتدرّج هذا العمل من سماءٍ إلى أخرى حتّى يصل إلى السّماء السّابعة، وبالرغم من أنّه يكون قد تعرّض للتفتيش والفحص سبع مرّات، وفي كلّ مرّة كان الفحص أدق من سابقه، ولم يظهر فيه أي فساد أو خراب وحصل في النهاية على كل علامات القبول، لكنّه حين يصل إلى محضر الله، فإنّ الله تعالى يقول: إنّ هذا العبد لم يؤدّ العمل لي فعليه لعنتي”[6].

وعلى كلّ حال يوجد روايات كثيرة في هذا المجال أخشى أن يؤدي نقلها إلى حصول حالةٍ من اليأس. ولكن أؤكّد مرّة أخرى على أنّه ما لم يظهر الإنسان الحذر والهاجس اللازمين، يُخشى من أن يُبتلى بالرياء.

الرياء

كنّا قد بيّنّا رغم أنّه يمكن لأي عمل أن يُنجز لنيل رضا الله وأن يُضفى عليه صبغة العبادة، ولكن يوجد هناك أعمال لا بدّ من قصد القربة فيها والامتثال للأمر الإلهيّ أثناء أدائها، وإذا لم تؤدَ وِفق هذه النيّة، لا أنّها تكون فاقدة للثواب فحسب، بل تستوجب العذاب. وفي هذه الأعمال التي تُعتبر عبادة بالمعنى الخاصّ للكلمة، فإنّ النيّة شرط لصحّة العمل؛ بناءً عليه مع فرض عدم صحّة النيّة يكون ذاك العمل باطلًا. ورغم أنّ بحثنا يدور حول الصّلاة بالخصوص، لكنّنا أشرنا إلى أنّ هناك عبادات أخرى غير الصلاة تتقوّم بالنيّة أيضًا، وفي حال أدّاها العبد بنيّة الرّياء فإنّها تصبح باطلةً.

بالطبع، هناك أبحاثٌ بين الفقهاء فيما يتعلّق ببعض العبادات مثل الخمس والزكاة، وهي أنّه لو لم ينوِ الإنسان فيها قصد القربة فهل يعني ذلك أنّ التكليف المالي لم يسقط عنه، أم أنّه يسقط ولكنّه يُعدّ مذنبًا بسبب قيامه بهذه الفريضة مراءاةً، أو أنّ الرّياء في الخمس والزّكاة ليس مبطلًا للعمل ولا يُعدّ معصيةً، إنّما فقط يؤدّي لأن يخسر صاحبه ثواب العمل، فمثل هذه المباحث تخصّصيّة وترتبط بالفقهاء والمراجع وهي خارجةٌ عن مورد بحثنا.

هناك أعمالٌ، يمكن تقسيمها بالتقسيّم الكلّيّ إلى فئتين، إذا ما تمّ أداؤها بصورة العبادة وتمّ ملاحظة قصد القربة فيها: الفئة الأولى منها، هي تلك الأعمال التي ليس لها ماهية وعنوان أصلي سوى إظهار العبوديّة في محضر الله، ولم يُلحظ فيها أيّ وجهٍ آخر، مثل الصيام والصلاة والحج.

أمّا الفئة الثانية فهي تلك الأعمال التي لم يكن القصد والغرض الأصليّ فيها إظهار العبودية في محضر الله، ولكنّ قصد القربة قد اعتُبر شرطًا فيها في الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال، إنّ الهدف الأساسيّ لتشريع الزكاة هو إعانة المساكين والمحتاجين وتأمين المصارف الأخرى التي حُدّدت في الزكاة، وفي الوقت نفسه تمّت ملاحظة قصد القربة أثناء أدائها. وقد كان الإمام الخمينيّ، قائد الثورة الكبير، يُعبّر عن هذه الأفعال بالأفعال القربيّة.

ففي مثل هذا النوع من الموارد، التي تكون ماهية الفعل عبارة عن إظهار العبوديّة بين يديّ الله، يجب أداء العمل بصورةٍ خالصةٍ بقصد القربة، ولا ينبغي أن يكون فيه أيّ قصدٍ أو نيّةٍ أخرى. فلو أنّ الشخص الذي يصلّي، صلّى من أجل امتثال الأمر الإلهيّ من جهة، وكذلك من أجل الرّياء والحصول على مدح النّاس، فإنّ صلاته لا تكون باطلة وفاقدة للثواب فحسب، بل تُعدّ معصيةً. ولكن هناك موارد أخرى كالإنفاق، الذي لا تكون ماهيّته عبارة عن إظهار العبوديّة، فإذا لم يؤدَّ بقصد القربة، فإنّ أثره بحسب الظّاهر سيكون منحصرًا بهذا الحدّ، وهو أنّ هذا العمل لن يعود على صاحبه بالنفع لكنّه لا يستوجب العذاب والعقاب أيضًا. ففي الإنفاق مثلًا، سيكون حال مثل هذا الشخص مثل ذاك الذي رمى ماله في البحر[7]. إنّ فائدة ومؤثّرية هذا النوع من الأعمال يكمن في تأديتها بقصد القربة، أي أنّ قصد القربة مقوّمٌ للعمل ومن دونه لن يكون للعمل رسمًا حتى يكون له أثر. وبتعبير القرآن يجب أن يكون فيه: ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[8]، و﴿ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلى﴾[9].

وعلى كلّ حال، إذا أردنا لأيّ عملٍ أن يتّخذ صبغة العبادة فلا بدّ من القيام به بنيّةٍ خالصةٍ وبقصد القربة، ولأجل إكمال هذا البحث نشير إلى عدّة روايات.

وقد جاء في حديثٍ قدسيّ: “اَنَا خَيْرُ شَريك فَمَنْ عَمِلَ لي وَلِغَيْري فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ غَيْري”[10].

إنّ لكلّ شخص من الأشخاص الذين يشاركون في عملٍ ما سهم معيّن من الربح والمردود الحاصل منه. الله تعالى يقول أنا خير شريكٍ؛ وذلك لأنّني أصرف النظر عن كامل حصّتي، مهما كانت كبيرة وأعطيها لشريكي. فلو أدّيت صلاةً وكان 99% منها لله، و1% منها للنّاس، سيصرف الله النظر عن سهمه البالغ 99% ويعطيه للنّاس لكي تكون كلّ صلاتك لهم. فكلّ عبادةٍ فيها أدنى سهم لغير الله، فسوف تُبتلى بذلك المصير وسوف يردّها الله تعالى كلّها؛ ويكون الرد أحيانًا مقتصرًا على بطلان العمل وفقدانه للثواب، وفي أحيانٍ أخرى، علاوة على ذلك، يعقبه العذاب[11].

 

علامات الإخلاص والرّياء

لأجل تحديد فيما إذا كانت نيّة الإنسان خالصةً أثناء القيام بأي عمل أم لا، يوجد طُرق مختلفة وعلامات، لو قام المرء بالتدقيق فيها، فسوف يتّضح له اتّضاحًا كاملًا فيما إذا كانت نيّته خالصةً أم لا.

فلو قام أحدٌ ببناء مشفًى، عليه أن ينظر هل أنّهم إذا كتبوا اسم شخصٍ آخر مكان اسمه على هذه المشفى، سيكون لهذا الأمر أهميّة بالنسبة له وسوف ينزعج أم لا؟ فلو كان العمل للّه، فلا ينبغي أن يختلف الأمر بالنسبة له سواء كتبوا اسمه أم لم يكتبوا، ولو رأى عكس ذلك، فهذا دليلٌ على أنّ عمله لم يكن خالصًا. في بعض الأحيان يكون الرياء في العمل خفيًّا على الإنسان نفسه، وهو يتصوّر أنّ عمله كان خالصًا في حين أنّ الأمر في الواقع لم يكن كذلك. إنّ من وظائف علماء الأخلاق هو أن يسعوا لتنبيه الإنسان إلى دوافعه الخفيّة وغير المرئيّة في سلوكه وعمله والتي لا يكون ملتفتًا إليها. فعلى سبيل المثال لو أنّ هذا الإنسان صلّى في مسجدٍ وبين جماعة عليه أن ينظر فيما لو لم يأتِ هؤلاء الناس وكان لوحده في المسجد، فهل كان سيؤدّي صلاته على النحو نفسه؟ ولو كان الجواب سلبيًّا فليعلم أنّ الرياء قد وجد طريقًا إلى صلاته. ولو كان الظلام دامسًا ولم يتمكّن الآخرون من ملاحظة حركاته ووجهه وأفعاله في حال الصلاة، فهل كان ليتصرّف بالطريقة نفسها الآن وقد أصبح المصباح مضاءً وأضحى بإمكان الآخرين مشاهدة حركاته؟ فلو كان الجواب سلبيًّا، فهذا علامة على أنّ عمله كان رياءً. ولو كان يصلّي دائمًا في مكانٍ معيّن من المسجد، ثمّ صدف في أحد الأيّام أنّه لم يتمكّن من الصلاة في مكانه المعتاد، فهل كان لينزعج؟ فإذا انزعج فإنّ هذا علامة على أنّ عمله لم يكن خالصًا، بل ربما يوجد لموقعيّة العمل أيضًا تأثيرٌ في فعله!

أو لو أنّه على سبيل المثال كان إمامًا للجماعة وحصل له أن أخطأ في الصّلاة ولاحظ أنّه بسبب هذا الخطأ اعتراه الخجل وسال العرق على جبهته، فهذا علامة على أنّ لحضور الناس أو عدم حضورهم أهميّة بالنسبة له، لأنّه لو لم يكن الناس موجودين لما كان خجل من خطئه، ولكن حيث إنّ الناس الآن موجودون فإنّه يخجل، وهذه مرتبة من مراتب الرياء.

أو لو كان الإنسان يذهب مع صديقه كلّ يومٍ إلى المسجد، وصادف أنّ صديقه اليوم كان مشغولًا ولم يأتِ، لذا لم يذهب إلى المسجد، فمن الواضح أنّ قصده لم يكن خالصًا في الأيّام السابقة، بل كان لمجيء صديقه دخالة في نيّته.

وحول هذه المسألة بالتحديد، ينقل المرحوم الحاج الميرزا جواد آغا الملكي التبريزي (رضي الله عنه)، في كتاب “أسرار الصلاة” هذه القصّة:

كان أحد الوجهاء يصلّي لسنوات في جماعة أحد العلماء الكبار، وكان دائمًا يقف في الصفّ الأوّل وفي مكانٍ خاصّ. في أحد الأيّام، حين وصل إلى الصّلاة كان الصفّ الأوّل قد اكتمل ولم يجد له مكان في ذلك الصفّ وفي ذلك المكان الخاصّ، فاضطرّ لأن يقف في مكانٍ آخر. وأثناء الصّلاة، شعر بالخجل لأنّه كان يصلّي في ذلك الصفّ، وفي ذاك المكان، وذلك لأنّ الناس كانوا دائمًا يشاهدونه في الصفّ الأوّل، وها هم اليوم يرونه يصلّي في الصف الثاني مثلًا، ممّا جلب لنفسه الشعور بالخجل!

وقد نقل المرحوم الحاج الميرزا جواد آغا ملكي، أنّه بعد هذه الحادثة قام هذا الرّجل الوجيه بإعادة صلواته التي صلّاها على هذه الحالة لمدّة ثلاثين سنة، وكان يقول إنّني حتّى اليوم لم أكن أعلم أنّني كنت أصلّي من أجل أن يراني الناس في الصفّ الأوّل، واليوم رأيت أنّني خجلت من الوقوف في الصفّ الثاني، فأدركت أنّ نيّتي لم تكن خالصةً وأنّ هناك شيء دخيلٌ فيها غير الله. فلو كانت خالصةً لله، لما كان ينبغي أن يكون هناك أي فرق بالنسبة لي بين الصفّ الأوّل والثاني، فربّ الصفّ الثاني هو ربّ الصفّ الأول أيضًا، لا يوجد أي فرق!

وكذلك ينقل المرحوم الحاج الميرزا جواد آغا ملكي التبريزي في كتاب “أسرار الصلاة” قصّة أخرى على هذا النحو:

كان هناك شخصٌ يرغب في أيّام محرّم، حيث تُقام مجالس العزاء المختلفة، بالمشاركة في مجلسٍ خاصّ، وفي أحد الأيّام شعر في نفسه وكأنّ ذاك المجلس الخاصّ قد كان له أهميّة بالنسبة له، ففكّر في نفسه وقال: لو كنت أذهب للمشاركة في مجالس العزاء من أجل البكاء على الإمام الحسين وإقامة العزاء لسيّد الشهداء، فإنّ المجالس من هذه الجهة لا تختلف فيما بينها، فلماذا كنت أرغب دومًا في أن أذهب إلى ذلك المجلس الخاصّ؟ وبقي مدّةً يفكّر في نفسه حتّى أدرك في النهاية وبعد مشقّةٍ ما هو السبب الذي جعل ذلك المجلس يتمتّع بتلك الخصوصيّة التي كانت سببًا في ترجيحه على غيره، وهكذا وبعد هذه الحادثة قرّر أن يشارك في تلك المجالس التي لا يكون لها أيّ خصوصيّة بالنسبة له.

الرياء الخفيّ

إذا كانت العبادة خالصةً فإنّ قيمتها ستكون بمستوى قد لا تتمكّن الملائكة في بعض الأحيان من تحديد قيمتها، ولا يكون سوى الله تعالى قادرًا على إحصاء ثوابها. أمّا إذا لم تكن نية العمل خالصةً فإنّ هذا العمل سيكون مثل البضاعة المزيّفة التي لا تحوز على أيّ قيمة، أو مثل الغذاء المسموم الذي لا يكون فاقدًا للقيمة فحسب، بل يكون قاتلًا ومضرًّا أيضًا. ومن زاوية الأحكام الإسلاميّة، فإنّه لو سقطت قطرة دمٍ بمقدار رأس إبرة في وعاءٍ كبيرٍ جدًّا يحتوي على شرابٍ أو غذاءٍ سائل، فإنّ كل ذاك الشراب أو العصير أو الغذاء سيصبح نجسًا، وينبغي التخلّص منه وإهراقه بالرغم من كل المشقّات التي بُذلت من أجل إعداده والأموال التي أُنفقت لتأمينه.

وفي بعض الأحيان، قد تكون أعمال الإنسان العبادية على هذا النحو. فمن الممكن أن نؤدّي عبادةً ما، مع آلاف المشقّات والمتاعب، ولكن لأنّنا كنّا نحمل في أنفسنا مقصدًا غير إلهيٍّ ولو كان بدرجةٍ صغيرةٍ جدًّا، فإنّ ذلك العمل بأسره يكون قد ضاع وذهب هباءً. ووفق الروايات، فإنّ الله تعالى يخاطب ملائكته ويأمرهم بأن يضربوا بهذا العمل وجه صاحبه[12].

من هنا، ينبغي أن نتوجّه، بالإضافة إلى ظاهر العبادة ومراعاة مسائلها الشرعيّة وأدائها بصورةٍ صحيحة، إلى النيّة فيها أيضًا، لكيلا ندرك ـ لا سمح الله ـ بعد مرور سنواتٍ على العبادة أنّ قصدنا لم يكن خالصًا، وأنّ عبادتنا طيلة هذا العمر لم تثمر أيّ ثمرةٍ لنا.

يوجد رواية ذُكرت في كتب الشيعة، وكذلك في كتب أهل السنّة، وهي أنّ الرسول الأكرم(ص) وبعد أن اعتبر الرياء نوعًا من الشرك، قال:

“إنّ الشِّرْكَ اَخْفى مِنْ دَبيبِ النَّمْلِ عَلى صَفاة سَوْداءَ فِي لَيْلَة ظَلْماءَ‌”[13].

إنّ النملة حشرةٌ صغيرةٌ جدًّا ولا تمتلك أيدٍ وأرجل طويلة، كما أنّ هذه الصخرة تكون صافيةً وملساء، وبناءً عليه فإنّ حركة مثل هذه النملة على الصخرة الصافية الملساء لا تحدث أي احتكاك أو اصطكاك ولا يمكن أن يصدر عن دبيبها أيّ صوتٍ مسموع يلتفت إليه سمع الإنسان. ومن هنا إذا كان هذا الدبيب في ليلةٍ ظلماء فإنّه سيكون خفيًّا من جميع الجهات ولا يمكن الشعور به بحيث يمكن للإنسان أن يجد طريقًا لإدراكه فتبقى هذه الحركة خفيّةً خفاءً كاملًا، وقد ذكر النبيّ (ص) أنّ نفوذ الشرك في قلب الإنسان هو أشدّ خفاءً من هذا الدبيب. ومن هنا، فإنّ الرّياء الذي يُعدّ نوعًا من الشرك يمكن أن يكون بمثل هذا الخفاء، ولعلّ هذه الآية الشريفة تشير إلى هذا النوع من الشرك، حيث يقول تعالى: ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ‌﴾[14].

بالطبع، للشرك مصاديق ومراتب متعدّدة وعلى الإنسان أن يطلب من الله تعالى ويسعى بنفسه لأداء عباداته بعيدًا عن أيّ نوعٍ من الشرك والرياء والدوافع غير الإلهيّة.

وفي بعض العبادات، فإنّ تمييز الرياء عن غير الرياء، يكون أسهل وفيه علائم أكثر وضوحًا. فالدعوة واعتلاء المنبر للخطابة، الذي هو عملنا نحن طلّاب العلوم الدينيّة، يُعدّ من هذه الموارد. ولا شكّ بأنّ هداية الناس وإرشادهم وترويج دين الله وبيان الأحكام والمعارف الإسلاميّة، كلّ ذلك يُعدّ من أكبر العبادات. وقد ورد في روايةٍ عن النبيّ الأكرم(ص) وهو يخاطب أمير المؤمنين عليًّا (ع):

“لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا واحِداً خَيْرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ‌”[15].

بناءً عليه، فإنّ لهداية النّاس فضيلة لا يمكن أن توصف وثوابًا أعلى من أيّ تصوّر. لكنّ هذا العمل نفسه، الذي له كل هذا الثواب، إن لم يكن لله فلا يحوز على أي قيمة. إنّ كلّ هذا الثّواب إنّما يرجع إلى كون التبليغ والخطابة والهداية هم فقط وفقط من أجل نيل رضا الله. لكن من أين لنا أن نعرف إن كان هذا العمل للّه أم لا؟ أحد السبل لإدراك ذلك هو أن نرى لو كان هناك مبلّغٌ أو واعظٌ آخر قد ألقى هذا الكلام نفسه وأدّى كلامه إلى هداية شخصٍ ما، هل أنّنا حقًّا سنكون مسرورين بالقدر نفسه، أم أنّنا مسرورون الآن ونشعر بالرضا لأنّ هذا العمل قد أُنجز على أيدينا؟ فلو كان هدفنا فقط هداية الناس، فلا ينبغي أن يكون هناك أي فرق بين الحالتين. أو لو أنّكم بنيتم مشفى فصار النّاس يأتون إليه للعلاج وهو يقدّم العلاج المجّانيّ للمحتاجين فسوف يصلكم ثواب ذلك، سواءٌ وُضع اسمكم على هذا المشفى أم اسم شخصٍ آخر. فمن هذه الجهة لو كان الهدف في الواقع نيل رضا الله فإنّه يحصل باسمٍ أو بغير اسم، أمّا إذا أصرّ مثل هذا الإنسان على وضع اسمه على هذا المشفى فلا ينبغي أن يشكّ في عدم إخلاص نيّته.

بالطبع، إنّ الوصول إلى مثل هذه المراتب من الإخلاص ليس أمرًا سهلًا، بل يحتاج إلى السعي والكدح الكثير، مثل هذا العمل هو الذي يحوز على القيمة ويستحقّ مثل هذه المشقّة، لأنّ الفارق بين العمل الخالص والعمل غير الخالص كالفرق بين السماء والأرض.

قصّة حول الرياء والإخلاص

يُنقل عن العّلامة المجلسي قصّة، لا أعلم مدى صحّتها، ولكن على أيّ حال إنّ لهذه القصّة عبرة واقعيّة وإن لم تحدث بهذا الشكل. يُنقل أنّه بعد وفاة العلّامة المرحوم المجلسي، رآه أحد الأشخاص في منامه وسأله: ما هو الشيء الذي أدّى إلى نجاتكم، ومن بين كل الخدمات التي قمتم بها والكتب التي ألّفتموها، والدروس التي أعطيتموها، أيّها كان الأكثر نفعًا لكم؟ فأجابه قائلًا: لم يكن لأيٍّ من هذه الأعمال التي قمت بها ذلك الأثر الذي توقّعته، فأثناء الحساب كان لكلّ منها عيوب ومشكلات. فسُئل ما هو الشيء الذي أدّى إلى نجاتكم؟ فقال: كنت ذات يوم أمرّ في زُقاق وأحمل بيدي تفّاحة، وأنا على هذا الحال، وإذ بامرأة (ويبدو أنّها كانت يهوديّة) تمرّ من ذلك المكان وهي تحمل ابنها في حضنها؛ فوقع نظر الطفل على التفاحة التي بيدي، وفهمت من حركاته أنّه يسعى لأخذ التفاحة من يدي. وحين التفتت أمّه إلى ذلك منعته وأمسكت بيده. فتقدّمت مباشرةً إلى هذا الطفل وأعطيته تلك التفاحة من أجل إسعاده. وأنا الآن في هذا العالم يُقال لي أنّ عملك الخالص مئة بالمئة كان هذا العمل الذي لم يكن فيه شائبة التملّق إلى السلطان أو الشهرة أو التفاضل العلمي والمباهاة وأمثالها و… فقد وهبت تلك التفّاحة لأجل رضا الله فقط من أجل أن يسعد قلب ذلك الطفل.

على أيّ حال، ما هو مهمٌّ عند الله هو الخلوص والطهارة. فالله تعالى يحبّ أن تكون معاملة عباده معه خاليةً من الغلّ والغشّ. والله لا يقبل إلّا ما كان له خالصًا مئة بالمئة وإلّا فإنّه يقول أنا خير شريك وإنّني أتنازل عن حصّتي للشركاء الآخرين الذين جعلتموهم معي من وراء أعمالكم[16]. فالله لا ينظر إلى حجم العمل وكبره وصغره وظاهره، بل ما هو مهمٌّ عنده هو تلك النيّة التي تقف وراء ذلك العمل. إنّ روح العمل هو النيّة ويجب علينا أن نوصل معرفتنا ومحبّتنا لله لذلك الحدّ الذي ينبع منه الخلوص والطّهر بصورةٍ تلقائيّة. فلا ينبغي لنا أن نبتهج بأنّنا عبدنا الله واجتنبنا معاصيه؛ فلعلّنا عند القيام بهذه العبادة أو الابتعاد عن المعصية، كنّا نمدّ النظر إلى غير الله، فكنا نريد مثلًا أن يمدحنا الناس أو أن نصبح مشهورين بالزهد والتقوى، أو … فإن لم يكن العمل لله فإنّ حسابه سيكون أيضًا على من قمنا بالعمل من أجلهم.

[1] . بحار الأنوار، الجزء 84، الصفحة 372.

[2] . سورة الماعون، الآيات 4-6.

[3] . سورة النساء، الآية 142.

[4] . وقد أشار القرآن الكريم إلى الرياء أيضًا في الإنفاق والزكاة، والرياء في الجهاد أيضًا. ففيما يتعلّق بالرياء في الزكاة يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الاْخِرِ﴾، [النساء، الآية 38]؛ وفيما يتعلّق بالرياء في الجهاد: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النّاسِ﴾، [الأنفال، الآية 47].

بناءً عليه، فإنّ الرّياء لا يختصّ بالصلاة. فإنّ كل عبادة يؤدّيها الإنسان من أجل التظاهر وإراءة الناس تكون عبادةً ريائيّة.

[5]. سورة إبراهيم، الآية 31.

[6] . بحار الأنوار، الجزء 70، الباب 54، الرواية 20، الصفحة 247. نص الرواية: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ سَبْعَةَ أَمْلَاكٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، لِكُلِّ سَمَاءٍ مَلَكٌ وَجَعَلَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهَا بَوَّابًا مِنْهُمْ. فَكَتَبَ الْحَفَظَةُ عَمَلَ الْعَبْدِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى يُمْسِيَ، ثُمَّ يُرْفَعُ، وَلَهُ نُورٌ كَنُورِ الشَّمْسِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَيُزَكِّيهِ، وَيُكَثِّرُهُ فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَقُلْ لَهُ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، أَنَا صَاحِبُ الْغِيبَةِ، وَهُوَ يَغْتَابُ الْمُسْلِمِينَ، لَا أَدَعُ عَمَلَهُ أَنْ يُجَاوِزَنِي إِلَى غَيْرِي، وَقَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ وَلَهُ نُورٌ وَضَوْءٌ يُضِيءُ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَقُلْ لَهُ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ إِنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْعَمَلِ عَرَضَ الدُّنْيَا، وَأَنَا صَاحِبُ عَمَلِ الدُّنْيَا، لَا أَدَعُ عَمَلَهُ أَنْ يُجَاوِزَنِي إِلَى غَيْرِي، قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجًا بِهِ بِصَدَقَةٍ وَصَلَاةٍ كَثِيرَةٍ، فَتَعْجَبُ الْحَفَظَةُ، فَيَتَجَاوَزُونَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، قُلْ لَهُ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنَا صَاحِبُ الْكِبْرِ، إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ وَتَكَبَّرَ عَلَى النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِمْ، فَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ لَا أَدَعَ عَمَلَهُ يُجَاوِزُنِي إِلَى غَيْرِي، قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ، وَهُوَ يَزْهُو كَمَا تَزْهُو النُّجُومِ بِتَسْبِيحٍ وَصَوْمٍ فَيَمُرُّ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَقُلْ لَهُ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَنَا مَلَكُ صَاحِبِ الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَدْخَلَ فِيهِ الْعُجْبَ. فَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ لَا أَدَعَ عَمَلَهُ يُجَاوِزَنِي إِلَى غَيْرِي، فَيُضْرَبُ بِالْعَمَلِ وَجْهُهُ، فَيَلْعَنُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَالْعَرُوسِ الْمَزْفُوفَةِ إِلَى زَوْجِهَا، فَتَمُرُّ بِهِ إِلَى مَلَكِ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ بِالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَاحْمِلْهُ عَلَى عَاتِقِهِ، إِنَّهُ كَانَ يَحْسُدُ مَنْ يَتَعَلَّمُ وَيَعْمَلُ لِلَّهِ فَهُوَ يَحْسُدُهُمْ وَيَقَعُ فِيهِمْ فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَتَلْعَنُهُ حَفَظَتُهُ مَا دَامَ هُوَ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ بِوُضُوءٍ تَامٍّ، وَقِيَامِ لَيْلٍ، وَصَلَاةٍ كَثِيرَةٍ، فَيَمُرُّ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، أَنَا مَلَكُ صَاحِبِ الرَّحْمَةِ إِنَّ صَاحِبَكَ لَمْ يَرْحَمْ شَيْئًا، فَإِذَا أَصَابَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ذَنْبًا أَوْ ضُرًّا شَمِتَ بِهِ، وَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ لَا يُجَاوِزَنِي عَمَلُهُ إِلَى غَيْرِي قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ بِصِدْقٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ لَهُ ضَوْءٌ كَضَوْءِ الْبَرْقِ، فَتَمُرُّ بِهِ إِلَى مَلَكِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: قِفْ وَاضْرِبْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَاقْفُلْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ أَنَا مَلَكُ الْحِجَابِ أَحْجُبُ كُلَّ عَمَلٍ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الرِّفْعَةَ وَذِكْرًا فِي الْمَجَالِسِ وَصِيتًا فِي الْمَدَائِنِ، وَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ لَا أَدَعَ عَمَلَهُ يُجَاوِزَنِي إِلَى غَيْرِي، قَالَ: وَتَصْعَدُ الْحَفَظَةُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجًا بِهِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَصَمْتٍ، وَذِكْرٍ كَثِيرٍ، وَتُشَيِّعُهُ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى تَحْتِ الْعَرْشِ فَيَشْهَدُونَ لَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتُمُ الْحَفَظَةُ عَلَى عَمَلِ عَبْدِي، وَأَنَا الرَّقِيبُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْعَمَلِ وَجْهِي، وَأَرَادَ غَيْرِي فَعَلَيْهِ لَعْنَتِي.

[7] . بالطبع إنّ هذا العمل من حيث كونه إسرافًا يُعدّ معصيةً ويستوجب العقاب، ولكنّه لا يستوجب العقاب من جهة عدم إنفاقه. (غياثي كرماني).

[8] . سورة الأنعام، الآية 52.

[9] . سورة الليل، الآية 20.

[10] . بحار الأنوار، الجزء 72، الباب 116، الرواية 32، الصفحة 299.

[11] . يجب الالتفات إلى أنّ النيّة ليست شيئًا يصلح من المرّة الأولى، بل يحتاج إلى مقدّمات. الأمر ليس أنّ الإنسان كلّما أراد أن يقوم بفعلٍ يمكن أن يقوم به بأيّ نيّةٍ، فلأجل إخلاص النيّة، يجب على الإنسان أن يهيّئ ويعد المقدّمات مسبقًا، ومثل هذه المقدّمات من قبيل المعرفة والإيمان والتوجّه.

[12]. فلاح السائل، الصفحة 121.

[13] . وسائل الشيعة، الجزء 16، الباب 36، الرواية 21501، الصفحة 254.

[14]. سورة يوسف، الآية 106.

[15]. بحار الأنوار، الجزء32، الباب 12، الرواية 394، الصفحة 448.

[16]. بحار الأنوار، الجزء 72، الباب 116، الرواية 32، الصفحة 299.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
تحصيل الإخلاصالقربة في الصلاةالصلاة

المقالات المرتبطة

أفكار حول “مناجاة الفيلسوف”

طالما أبديتُ أسفًا على الواقع الراهن للكتب، خصوصًا العربية منها، التي يغلب فيها الجمع على التأليف. الكثير من الكتب العربية

الشعائر العاشورائية في ضوء منهج الدراسات الأنثروبولوجية

الشَّعائرُ الحسينيَّةُ لها دورًا عظيمـًا في الحفاظِ على الصِّبغةِ الإصلاحيَّةِ للنهضةِ الحسينيَّة، وأنَّها انمازتْ بطابعٍ يختلفُ عن بقيةِ الثَّورات الإصلاحيَّة،

ما هو الإيمان الفلسفيّ؟

للإيمان وجهان: (1) ذاتي، أي فعل الإيمان الذي أعتقد من خلاله؛ و(2) موضوعي

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<