البدء التأريخي قراءة في تشكّل روح عالم جديد
يظل من العجيب والمثير للانتباه أن يضحي هيغل أحد أهم الرموز الفكرية للرؤية العولمية كما تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية، فموضوعة “نهاية التأريخ” التي دافع عنها المفكر فرنسيس فوكوياما آخذًا تصور هيغل بعين الاعتبار، لم يكن من باب المصادفة والتأثر الشخصي بهكذا رؤية، بل لأن هيغل نفسه لم يناقش نهاية التأريخ إلا بعد أن عاين هزيمة بروسيا أمام جيش نابليون بونبارت، عندما اكتشف بأن لحظة تأريخية جديدة تتولد منهية الإرث الملكي والأمبراطوري في الآن نفسه، فبعد معركة يينا خلص إلى أن كل البنى الفكرية السياسية العتيقة قد انتهت اعتبارًا وتأثيرًا في الحراك الدولي بعد أن نجح نابليون في الانتصار على أقوى جيش أوروبي في حينه وهو الجيش البروسي، وبالتالي لا يمكن للصراع العالمي أن يستمر بعد هذه الهزيمة التأريخية، إلا إذا تحولت الأمم الأوروبية إلى تبني الإرث الثوري الفرنسي، فنهاية التاريخ عند هيغل كانت نهاية إيديولوجيا وبنية سلطوية متحكمة لفائدة أخرى متولدة تعيش بدءًا تأريخيًّا بعد هذا الانتصار، لذلك لم يتفاجئ المتابع الدقيق والحصيف حجم استحضار “هيغل” في كتاب فرنسيس فوكوياما، لأن ثمة متواز تأريخيّ سعى هذا المفكر للدفاع عنه، وهو أن سقوط الاتحاد السوفياتي هو مؤذن بسقوط الإيديولوجيا المواجهة للفكرة الليبرالية، وبالتالي فالعالم بعد هذا الانهيار التأريخي والمفاجئ، لا يمكنه أن يدخل حرم الحركة العالمية إلا بتبنيه للتصور الليبرالي الأمريكي نفسه، فالمواجهة الأساس تنطلق من الأرضية الفكرية الغالبة نفسها، أو لنقل بأن المغلوب مجبول على تقليد الغالب وفق التوصيفة الخلدونية.
لكن واقعًا كلا المفكرين أخطآ الطريق فالفترة الزمنية اللاحقة لما بعد معركة يينا أدت إلى هزيمة نابليون بونبارت وأكدت على ديمومة الخصوصيات الهوياتية الفاعلة في الصراع الدولي والتي دفعت نتيجة انسداداتها إلى ثورة جديدة عكسية تمامًا للبنية الفكرية الليبرالية التي كانت تقبع في عمق الثورة الفرنسية، وهي التي أدامت الجرح التأريخي الغائر في الحلم الهيغلي، إلا أن فوكوياما بعد انهيار أهم كتلة دولتية ممثلة للماركسية، اعتقد بأن التأريخ يأخذ مساره من جديد نحو نهاية جديدة وأكيدة، إلا أنه بدوره وعكس هيغل اكتشف خلال سنوات قليلة بأن حلمه كان أقرب إلى سكرة “انتصار” منها إلى قراءة عميقة، فالعالم كان يعيش على وقع ولادة كتل جيوبولتيكية جديدة جمعت من “الهجانة” و “المزيجية” الشيء الكثير، صارت معه الخطابة الانعزالية الأمريكية تتصعد أكثر من ذي قبل….تحميل المقال
المقالات المرتبطة
كيف نستقبل عاشوراء
مع بداية كل عام هجري، تتجدّد ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه الكرام، الذين سطّروا أروع البطولات…
الإسلام والمسلمون ورياح الثورة النقديّة
من على المحك اليوم: الإسلام أم المسلمون؟ الفكرة أم التجربة؟
عن اللحن الذي لم يُعزف بعد…
ما هي أهم المشاكل والعوائق، وما العمل لتجاوزها وصولًا للارتقاء الإبداعي بالفن الإسلامي الجامع بين الأصالة والعمق والمعاصرة والإبداع والنفع وخدمة الأهداف الكبرى واللذة الفردية والجمعية معًا، نحو جعله سبيلًا وأسلوبًا أساسيًّا للتكامل والتربية وصناعة الإنسان الحقيقي والمجتمع القوي السعيد؟