الفكر العربي الحديث والمعاصر | حضور التصوف في فكر الدكتور علي زيعور
يشكّل التصوف نقطة محورية في فكر الدكتور زيعور، فهو قاعدة ارتكاز، يشتغل عليها في أكثر من كتاب، ويستخدمها في الكشف عن المخبوء واللاوعيّ في الفكر العربيّ- الإسلاميّ، وهو عندما يتحدث عنه، لا ينظر إليه باعتباره علمًا دخيلًا على الإسلام، إنّما هو يشكل بُعدًا أصيلًا لا يمكن فهم العقل العربي- الإسلامي بمعزل عنه. وهو في هذا المجال، يقف على خطّ النقيض مع محمد عابد الجابري، الذي جعل التصوف فكرًا غنوصيًّا، وأخرجه عن المجال المعرفيّ بل قام برجمه – وهذا النقيض الكاره، لكلّ شرقيّ، حاول قدر الإمكان طمس ما استفاده من مفكرنا لا سيما في المجال الأخلاقيّ، وعمل على عادته بإخفاء المصادر، حيث: “أورد الجابري أنه قرأ كتابنا عن التفسير الصوفيّ للقرآن، مصفوفًا على الآلة الناسخة والموجود في كلية الآداب (الجامعة اللبنانية). لم يذكرني بالاسم إلّا في تلك المناسبة أو المَتاحة؛ ذاك ما كان من شِيَمه، ومن شِيَم غير المتواضع، الواثق من نجاحه وبطولته”[1]– بينما الدكتور زيعور، عمل على اكتشاف الحقل بكليته محاولًا الكشف عن ما فيه وما يمكن الاستفادة منه: “المدرسة العربية الراهنة في “التصوف العقلاني” لا تبخِّس أيّ “بضاعة” حتى المنتَجةِ عند الحَرْفاني أو في الفكر الأحادي؛ ولا تختزل نظريةً أو تفجرها… التصوف مبخَّسٌ عند الجابري على سبيل العيّنة، ومسفَّل من حيث هو، في نظره، نقيضُ الفلسفة، ومعادٍ لعقل وأهل البرهانِ. ويسوق الجابري أدلة، ويَبْسط براهين وحججًا على أنّ “أهل القوم” غير عقلانيين، ولا “تُقبَل شهادَتُهم”، وخسِيسون أو نافرون منفِّرون… من جهتي الخاصة، لا أدافع عنهم؛ ولم أقُل قط إنّهم صالحون؛ أو قد لا ترضى الحداثةُ بغسلهم أو تطهيرِهم، ومن ثم القبول بهم كمنتِجين في عالم الفكر العالمي، والنظرِ الكوني، والنورِ المسكونِي والقيم الإنسانويةِ البُعد والمَدى والمعنى. وأنا، بموجب رؤيتي هذه، قد أحْصَيتُ “مجلوباتٍ” أو “مقولاتٍ مقبولةً” عديدةً للتصوّفات والعرفانيات؛ واكتشفتُ “مرذولاتٍ” كثيرة؛ وقلتُ إنّ الرافض للتصوفات والعرفانيات مُحِقّ فيما يُثْبت، ومُخطئ مسرفٌ فيما ينفي”[2]، فالباحث لا يمكن أن يقف موقفًا أيديولوجيًّا إقصائيًا أثناء المعالجة، إنّما يجب أن يتعامل مع الحقل كما هو، فيقوم بدراسته.
على هذا الأساس يبدأ الدكتور زيعور في معالجة التصوف ناظرًا إليه كمعرفية، لا يمكن التغاضي عنها والقفز فوقها، فهي حاضرة وما زالت كذلك، وهو يحمل في طياته جزءًا من التراث الفكري، والعمل عليه يُساعد في فهم الذات بكلّ مقوماتها، وهذا ما يجعل البحث في هذا الموضوع هامًّا، وهذا ما سنقوم باستعراضه من خلال هذه الورقة، التي ستعمل على إبراز نظرته الخاصة حوله.
أولًا: في التعريف
يُقارب الدكتور زيعور تعريفه للتصوف انطلاقًا من مفهوم المحبة، فحيثما يكون الصوفيّ، يعود إلى صياغة وتأهيل تعريفات التصوف المعهودة المتحكمة، في تعريفه للمحبة: “إنّها أن تُميتك عنك وتُحييك بها”. هنا مكثّف النظرية العربية الإسلامية في المحبة بالتالي التصوف، وخزعة تمثل نسيج المحبة، أو خطابها ونصّها[3]، والتصوف متنوع: “هناك التصوف النفسيّ أو المعرفيّ، الاستسراري أو الإِيزوتِيري، والباطني والفِيّاوي (من: في)، والداخلي، والقطباني والعرفاني… ذاك هو التصوف المشاعيّ والمشيِّع للنفس؛ وهو الشيعَوي، المنذور، المسيَّب والذي باع نفسه (أو المبَايِع) لله حبًّا مجانيًا للكعبة وأهل الكعبة، لمكة وأهل مكّة، وللعالمين والناس أجمعين (را: الجذر ش و ع؛ المُشَيْوِع أو المستشيِع الجاهلي). وهناك، أيضًا، التصوفُ المشاعي أو المشيِّع والمُشيِع للملكية والأرض والمال. في هذا التصوف السياسي الاجتماعي لا يَملك الإنسانُ ولا يُملك، وهو إنكار للسلطة والدولة، وللثروة والأغنِياء والمُلّاك، ورفضٌ للمِلكية الفردية، ولامتلاك الأرض وأدوات الإنتاج. وهناك التصوف الصوفَوي (= الصوفَتيّ) نسبةً إلى صوفة؛ ثم التصوّف الصوفي نسبةً إلى صوف الغنم؛ والصوفاوية نسبةً إلى صوفا أي المبارَك المقدَّس، المُضحّي والطاهر، الحامي والحارس؛ والتصوف الصَّفائي نسبةً إلى إخوان الصّفا؛ أي الإخوان الطاهرين الأوفياء، أو المَيمامِين والمبارَكين والصَّفاويين أو أصحاب التصوف الصَّفاوي. علاوةً على ذلك، ثمة تصوّف منسوب إلى الصفوة من الناس؛ وهم، أصلًا، أهل مكة أو أهل الكعبة؛ وذاك هو التصوّف الصَّفْوتي. وآخر منسوبٌ إلى أهل الصُّفَّة (ولعلّها الصَّفّة)؛ وهم الصوفيون الصُّفَّتيون المقيمون في صُفّة المسجد والمبايِعون على الموت دفاعًا عن قضِية الدين، وأهله، وربّه. وهؤلاء، هُمْ أيضًا، مسيَّبون، منذورون، يُقدِّمون أنفسهم كضحيةٍ مرفوعةٍ مجانًا لله، وحبًّا بالله خالصًا، أي فداءً وقَرْبنةً (قُربانًا، قُربانيةً) للكعبة ورب الكعبة، ومن ثم لربّ مكة وأهل مكة والعالمين أجمعين”[4]. وهذا الكلام الذي أورده زيعور يحيل إلى ضرورة النظر إلى دلالات اللفظ ومعرفة اشتقاقاتها لفهم المخبوء فيها واللامفكر فيه، حتى نستطيع أن نصل إلى تصور كامل حول الفكرة التي نتكلم عنها، فالتصوف يُبنى على المحبة، ولكنّه يختلف في الغايات التي تتنوع بتنوع المنتمين له.
وأيضًا، يلفت الدكتور زيعور إلى انبثاق هذا التيار المعرفيّ من داخل العقل العربيّ الإسلاميّ، فهذه الفكرة كانت حاضرة دائمًا في اللاوعيّ الجمعيّ، يقول زيعور: “أنا في بحثي عن اللاوعي عند الصوفيّ المسلم، توصّلت إلى صوفة الجاهلي كممثل لدين هو عند الساميين من أبناء هاجر: إنّه دين المسيح الهاجري، دين المسيح العربي أو الإسلامي (ولا أقول: المسلم) الذي نذرته أمه في سبيل خدمة أهل مكة، وليفدي البشر، وليكون كبشًا يذبحه المؤمنون فداءً وقربانًا أو أضحية وهدْيًا لله. هاجر غير مذكورة، بالاسم، في القرآن الكريم. هذا، في حين أن ابنها إسماعيل ورد 12 مرة، وإبراهيم 87 مرة[5]، وفي هذه الفكرة، يكون قد حقق أهدافًا متعددة:
1- قدّم نقدًا للتصور الذي يعتبر التصوف دخيلًا على الحضارة الإسلامية من خلال مثال ورد ذكره في المصادر التاريخية الإسلامية، وهو عند ربطه بالنبي إسماعيل عليه السلام وديانة الأحناف التي كانت سائدة في الجزيرة العربية، أكّد وإن بشكل غير مباشر على أصالة هذا التيار في التفكير الدينيّ: “الثابت إنّ غاية غايات هذه القصص إظهار وإثبات نبوة محمد [صلى الله عليه وآله وسلم…]، والجدير بالذكر هنا أنّ المسلم لا يشعر بأدنى غضاضة في ثنائه على هؤلاء، لأنّهم يمهدون لمجيء محمد، ولأنّهم مسلمون حنفاء، ولأنّهم صالحون سبقوا النبيّ زمنًا فقط”[6].
2- قدّم نقدًا منهجيًّا للمستشرق الفرنسي روجيه أرنالديز لا سيما كتابه “الحلّاج أو ديانة الصليب”، الذي عمل من خلاله للربط بين الحلاج والنظرة اللاهوتية المسيحية للصلب، فأوضح أنّ موضوع صلب الحلّاج لم يأت من خارج المنظمة المعرفية العربية – الإسلامية، خاصة أنّ الحلّاج بقي على إسلامه، وطلب قبيل صلبه أن يصلي ركعتين، وهذا الأمر لا يمكن أن يقوم به من انفك عن ارتباطه الديني، بالتالي فهو تماهى بشخصية صوفة.
وهذا الأمر يؤكد عليه زيعور في أكثر من مناسبة، فالتصوف ينتمي إلى البيئة العربية- الإسلامية، وهو وإن استفاد من تجربة الآخر إلّا أنّه راعى خصوصيته: وإن كان سألني عقل رافض للتصوف المحدث أو الفلسفيّ النقدّي: كيف اهتدى البوذيّ إلى المحبة؛ وكيف اكتشفها، ثم راح يتذكرها، ويذكر بها؟ لم يأخذ الهنديُّ، أو الصوفيّ، إيمانه بالمحبة عن آخرين. فهي تنبع من القلب، وبنت الفكر الباحث عن المعنى. لا حاجة لنا للتفتيش عن مصادر خارجية غير هندية؛ فالمحبة خاصيةٌ الإنسان الذي يعيش في مجتمع، وبين الآخرين نتوصّل إلى المحبة بغير تعلّم، وبغير خبرة أو مناهج. لاحظ الطفل يحب فورًا- بالحدس وعفويًّا- من هم حوله”[7]. فالتصوف المرتبط بالمحبة جزء من الطبيعة البشرية لا يحتاج الإنسان إلى استجلابها من خارجه فهي موجودة في كلّ إنسان. وفي هذا المعنى يثبت الدكتور زيعور قاعدة أساسية إلى أنّ كلّ المنظومات الفكرية تحتوي في داخلها عنصرًا أصيلًا هو التصوف، وهذا ما تعكسه التقسيمات المعرفية إلى بيانٍ وعرفان وبرهان (عبارة أو بيان، وتصوف، وفلسفة). كما استدعينا التقسيم السيناوي إلى زاهد وعابد وعارف… وعلى هذا الأساس نرى أنّ جميع الديانات قد بنت رؤيتها على وحدة التوجه باتجاه الله ومحبته، يقول الدكتور منير الحافظ معبّرًا عن هذا المعنى: “من ينزعون إلى المعرفة المجردة بنظرتهم الشمولية للطبيعة، فهم معنى الوجود من بدء بروز أول مقدس على ظاهرة الوجود، وعلى مختلف تعاليم، وأخلاقيات، وشرائع الديانات التي تستمد رؤاها من جوهر واحد متمثل بإله واحد وحده الإله، لاتصافه بالوحدانية”[8]. فالله يمثل المركز الذي تفيض عنه المعارف، والشرائع وعنه يظهر الحق، والإنسان في تمثلاته الثقافية الدينية سواء في الدين أم في التصوف أم في السيرة الشعبية هي تشكل الرأسمال الثقافي الذي يحاول الدكتور علي زيعور أن يتخذ منه مرجعًا في قراءة العقل، وارتهاناته، ومكاسبه وهزائمه، فإن الدكتور علي زيعور يريدك دائمًا باحثًا عما يبحث هو نفسه عنه.
على الأسس السابقة، نستطيع أن نقول: إنّ التصوف الإسلامي كان وليدة الفكر الإسلامي، وهو يتوافق مع المرتكزات التي يقوم عليها العقل العربي – الإسلامي، لذلك نجح حيث أخفقت الفلسفة، يقول زيعور: “إخفاق الفلسفة عندنا ونجاح التصوف ظاهرتان ملحوظتان. تتميّز الذات العربية بقبول عام ومنفتح للتصوف: إنّ كثرة المتصوفين تنمّ عن أرضية مهيأة لذلك، وعن ذهنية موازية. ورفض الفلسفة، أو نبذ المنطق اليوناني بمقولاته، دليل آخر على الذهنية الصوفية وعلى إنسان مستلب. والأسباب تراثية وتاريخية، وهي أيضًا في طبيعة التكوين الأيديولوجي”[9]، وهذا ما يجعل التفكير يتوجه إليه للاستفادة منه وتثميره: “نؤمن تمامًا بأنّ غرس الفلسفات العقلية في مجتمعاتنا لن يجدي كثيرًا، لأنّها ستلفظ حتمًا إن لم نغير الظروف ومن ثمت الذهنية. لقد بقيت الفلسفة اليونانية هامشية، غير مؤثرة إلى حدّ كاف في وجه التصوف الذي كما كررنا، تجذّر في أبعاد الذات، وبنياتها ـ وتراكيبها. وبالمقابل، أخذ العرب بها وتمثلوا العطاء الصوفيّ (والغنوصي) القادم أو المرتبط باليونان. لكلّ ذلك، ولغيره أيضًا، نحن نظن بأنّه لتكوين فكر عربي مجابه وخلاق، ولتفجير طاقات الشخصية العربية، قد نستطيع، ربما أن ننطلق من التصوف. ففي هذا المجال ربما نجد الكثير من المصطلحات، والنزعات الإنسانية والشخصانية، والمفاهيم العامة والمبادىء القمينة بتخطيط العقل الجديد، والطريقة المثلى في الفعل، وفي النظر العقليّ الشموليّ”[10].
وهكذا نصل إلى نتيجة أنّ التصوف أصيل في الإسلام، ولِد داخله، وعبّر عن العقل العربي- الإسلامي، وهو إن استفاد من مصادر يونانية إلى أنّه أخضعها لمنظومته وتعامل معها انطلاقًا من مركزية الذات وفهمها: “لا نجد في التصوف – في الذات العربية- نشاز استعارة، إذ نلحظ بوضوح أنّ كل امتصاص لتأثير أجنبي تمّ بنجاح وبدون عنف من قبل ثقافة غريبة. لم تتسلك عليه أفكار تبدو غالبة ومسيطرة: لا نجد أثرًا لرفض مطلق، ولا لانصياع مطلق لثقافة من الثقافات. كان التوفيق سمة بارزة، ومثله أيضًا ظاهرة التمثل السريع والدمج”[11].
ثانيًا: عن نشأة التصوف
بعد أن رأينا أصالة التصوف، حيث نعتقد بأنّ: “الثقافة الصوفية شديدة الصلة بالمجتمع العربي؛ حتى ليكاد يصعب فصلهما عن بعضهما، وعن الإنسان العربي أو عن الشخصية الركيزية العربية”[12]، نصل إلى سؤال كيف نشأت الفلسفة في العالم العربيّ، وما هي الظروف التي أنشأتها؟ الواضح أنّ الظروف التاريخية التي مرّت بها الأمة الإسلامية، فالصراعات التي حدثت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أدّت إلى بروز تيار يعمل على إيجاد التوازن داخل الأمة المأزومة، فكان التصوف: “حلًّا لتوتر، وعودة لتوازن كان يفتقد في الأزمات، أي عندما تختل علاقته الذاتية مع محيطه النفسي الاجتماعيّ. من هنا القول إنّه كان نتاجًا اجتماعيًّا ضروريًّا ولا بدّ منه”[13]، وفي هذا المجال يتفق الدكتور زيعور مع الكثير من الدارسين كعلي سامي النشار، الذي اعتبر التصوف نشأ في بيئات خاصة نتيجة ظروف تاريخية ترتبط بالأزمات، وإن كان زيعور لم يتوسع إلّا أنّه حدّد الفترة اللاحقة للحكم الراشديّ، فقال: “جاء الإسلام: الراشدي لفترة قليلة، ثم تطورت أنظمة الحكم بعده نحو الاستبداد، وأخذت الظروف المعيشية تقسو، وتزداد التعاسة الاقتصادية، وأيضًا الشعور بالخيبة والإحباط لدى الكثيرين. تلك العوامل -مع أخرى فردية- خلقت المناخ لنمو الكرامة، لاتجاه العقل والأمل لا صوب الواقع والحركة، بل الانكماش والتأمّل. فالإرادة التي تقيدت، والعقل الذي كبل أو أبعد عن انخراط وجد متنفسًا في خلق عالم لا تقيده إرادة الله نفسها، أو جسدًا وهميًّا حرية مطلقة في اللعب بالسببية وتحدي الطبيعة”[14]، بالتالي فالتصوف بالنسبة إليه نوعٌ من التعويض وهو متنفس لجأ إليه الإنسان المسلم للتخلص من الانقهار الخارجي الذي تعرض له، وهذا الأمر يطرح إشكالية في إطار منظومته الفكرية، فهو سبق أن تحدث عن التصوف باعتباره عنصرًا أصيلًا في الإنسان في حين أنّ هذه المقاربة تربط بين التصوف والتطور الذي يجري في الواقع، مما يجعله خاضعًا لها، وهذا يذكرنا بالنظرة الماركسية التي تعتبر البنى الفوقية نتاج البنى التحتية، وهنا يُطرح سؤال هل التصوف ارتبط بالواقع فحسب، بالتالي لو لم تمر الأمة بما مرت به لم يكن ليظهر؟ أم أنّ الظروف عجّلت بظهوره فحسب؟ على أيّ حال، بالنسبة لزيعور ساهمت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بظهور التصوف، الذي جاء أشبه ما يكون بعملية التبرؤ من كلّ سلبيّ، بالتالي هو عمل على إعادة التوازن إلى الذات: نجح الصوفيون في التنظير للسلوك الذي يقبل التوبة؛ والذي يتوب -أي يغسل ذاته- يرتفع فوق ذاكرته مستوعبًا متجاوزًا للسلبي واللامهنى، أو الرذيل والمضادّ للقيم الإنسانية والجماعية. فهنا شجاعة، ومعنى جديد للذاكرة والعلائقية والذات. وعمّقوا ذلك النجاح حينما حذّروا حتى من حقّ التمتع بشعور النجاح، أي من لذة الشعور بالانتصار على الذات، وبإعادة تنظيم الذاكرة والمشاعر والسلوك. حذر بعض الأخلاقيين الصوفيين من إشهار لذة الشعور بالتوبة. وبالتغلب على اللذة تلك؛ فقد رأوا في التمتع بالغفران أو بالتسامح والصفح أنانيةً، وتعزيزًا للنفعي والناجح وحتى للتبجّح والافتخار والاستعلاء، وإساءة إلى المغفرة له أو المعفى عنه، والمصفوح عنه أو المسامح. اعتبار الآخر وسيلة لشعور الأنا بأنّها قادرة صفوحة مسامحة ليس شيئًا أخلاقيًّا، ولا هو اعتبار للآخر بأنّه ذات، ومشرّع لنفسه، وغاية، وغير منفصل عن حقوقه اللازمة الكاملة”[15].
فالتصوف جاء كردة فعل على الاضطهاد الذي تعرض له الإنسان ومحاولة طمسه، حيث عمل على إيجاد لغة جديدة، تنطلق من نظرية الإنسان الكامل في الإسلام في الفكر العربي الإسلامي، إلى جانب القطاع الباطنيّ، في التخيلات الكرامتية والكارزمية، في بعض الشعر وعند ممجدي الطبيعة والحياة والعقل، أو الحرية والمحبة كما الذاكرة والمعرفة البشرية، وهو تيار يستند: “إلى العمق الروحيّ في التجربة الدينية حيث يحتل الإنسان المكانة الأولى، وينطلق مكحلنًا نفسه باستمرار من خلال “الهجرة الكبرى” إلى الحقيقة الأسمى، ومؤمنًا بأخيه الإنسان، ومحبًّا للطبيعة والعقل والحرية. والإنسانوي غير منقفل على دين واحد. إذ هو يؤمن بوحدة الأديان، أو بقدراتها كلّها وتضافرها مجتمعة في مساعيها للألفة والتعاون والتوادد بين البشر، والحب الشمّال الكونيّ”[16].
وقد وجد هذا التيار سندًا كبيرًا له من خلال شخصيات إسلامية كبيرة، وفي هذا المجال، نجد: “التفسير الصوفيّ للقرآن يسهل اقتباس القراءة الرمزية لموت السيد المسيح ثم قيامته، بعد ثلاثة أيام، من الموت. إنّ قراءة [الإمام] جعفر الصادق[عليه السلام]، في تفسيره لبعض آيات من بعض سور قرآنية كريمة، تُطلق النخبة التي يتسع أفقها اللامحدود واللامتناهي على الارتفاع في دنيا الرموز؛ والإقرار بالفضل لمعلّمي البشر أينما كانوا، ولأيّ أمة أو دين انتموا؛ وعلى الفهم المرن المرهف للألوهية تشدنا إلى الروحاني، والأوسع، وما بعد الحرف… هذا الفهم هو وحده، يحرّر الإنسان، ويعتقه من الربقات المألوفة والوشائح الربحية، والتبادلية الآلية أو التواصل الفاتر اللاقيمي والاستلابي”[17]، فالإمام الصادق بما قدّم شكّل انطلاقة فعلية للفكر الصوفيّ الذي عرف من بعده تطورًا كبيرًا، يقول زيعور: “هي جدّ متميزة تصورات [الإمام] جعفر الصادق عن الألوهية والدين، والشعائر والتكاليف، والأخرويات والمعجزات. ويرتبط بتلك التصورات نظريته في معنى الإنسان، وواقعية الوجود. وتبدو نظريته في المعرفة مؤسسة على النفسي والرمزي، ومتحركة ـ ومتوقّدة بالذاتانية والإبداعي، بالحدسي و”الصوفي”، بل بالروحاني والإلهي. غير أنّ هذه النظرية الصادقية، الروحانية الغاية والطريق، شغلت اتجاهًا كان يعنى بالتجربة والتطبيق في ميدان العلوم الآنذاكية. أخيرًا، إنّ الرئاسة (الفعل السياسيّ، السلطة)، في ذلك المنظور، لم تخرج عن فهم روحاني وتصور مثالي لما يجب أن يكون عليه الفعل السياسيّ أو الحاكم والمحكومون. سوف يزداد التيار الصادقي/ الصوفي/ الروحاني وضوحًا وانغراسًا مع ازدياد تعمّق الفكر الصوفيّ والنظر المثالي الأمثلي داخل الحضارة العربية الإسلامية. ومن الصادق والتفسير الصوفي، إلى ابن عربي وقمم سبقته ثم أخرى ستأتي بعده، تيار فكري يُقال فيه: إنّه أصيل؛ وتطوّرات فلسفية يقال فيها: إنّها ممثلة للنسغ الذاتاني (الروحاني، الأمثلي) في التجربة العربية الإسلامية مع الحضارة والدين، والإنسان”[18]. كما نرى أنّ الدكتور زيعور، يكشف النقاب من خلال تحليله على نقاط متعددة، تعتبر جديدة على صعيد الفكر الصوفيّ، منها:
أ- يعتبر أنّ الفكر الصوفيّ وصل إلى ذروته من خلال ما قدمه الإمام جعفر الصادق عليه السلام، إذ معه تطور الكلام ووصل إلى مرحلة الانتظام المنهجي المُنتج للمعنى، وهذا الكلام، قد يلتقي مع دارسي التصوف والعرفان في تقسيمه إلى مراحل متعددة من الزهد إلى الشطح وصولًا إلى التصوف، ولكنّه يحدد الإطار الزمني والشخصية التي أنتجته.
ب- تُقدم المقاربة قراءة جديدة للفكر الصوفيّ، تقوم على مبدأ التفريق بين أنواع التصوف بين تصوف يعتزل الحياة ويقوم على الشطح فحسب، وآخر كتصوف الإمام الصادق الذي جعله منغمسًا بالحياة، فالتصوف ليس تصورات فحسب، إنّما هو تجربة تنغمس بالحياة بكلّ تفاصيلها، وهذا يشي إلى ما يريدنا الدكتور الذهاب إليه.
فالدكتور زيعور، يرى أنّ التصوف تجربة للإنسان في العالم بكل تفاصيلها: “الغزالي، أو أي صوفيّ (الحلّاج، ابن عربي، إلخ)، ينطلق من الإنسان، من الذات، من التجربة الشخصية والمعاناة والمعيوشية. ويستند إلى قدرة الإنسان على النجاح في هجرته إلى الحقيقة الكبرى – أو في المعراج إلى الكائن الأسمى- عبر الأحوال والمقامات…أخيرًا، تهتم النظرة المحدثة إلى الغزالي بقراءته كمفكر رأى أنّ الخلاص حقّ لكل فرقة إسلامية، ولكلّ دين أو أمة أو ملة…؛ وأنّ التأويلانية منهجية أو رؤية إنقاذية، تحريرية، شمولانية ومنفتحة”[19]، ولكن المشكلة الأساسية في عدم اهتمامها بما هو إنسانيّ واجتماعيّ، فهي أهملت هذا الجانب، مما جعلها منهج نظريّ، يظهر وكأنّه قد تخلى عن الحياة الإنسانية، فاكتفى بالتنظير الاعتقادي، مما أفسح المجال للفقهاء بشن حملة عنيفة عليه مستفيدين من هذا الجانب: “لم ينجح الغزالي، أو ابن عربي فيما بعد، في قراءة صوفية للفقهيات. اكتفى، هذا وذاك ومن إليهما ممن جرّب تلك المحاولة الصعبة، بأن يراكم التصوف فوق الفقه. بذلك جاء العمل تقديسًا وإلصاقًا لقطاع تشريعي تنظيميّ مع سيل متدفّق مضطرم، أو تيار روحاني رحب ومنفتح، منفلت من القيود والرسوم والذاكرة الضاغطة والمضغوطة”[20]، فالفقيه استطاع أن يتحكم بالواقع، لأنّه بقي ملتصقًا به، لذلك: “كان الفقهاء هم المنتصرون أحيانًا كثيرة، يؤلبون السلطات على المتصوفين: محنة غلام الخليل، حالة ذي النون المصري، الحلّاج، السهروردي، ابن المرأة. وأفتى الفقهاء بكفر الخراز، وشهدوا على الجنيد بالكفر، ونفوا البسطامي سبع مرات من بلده، وأخرجوا محمد بن الفضل البلخي من بلده وحول عنقه حبلًا ومرّوا به في الأسواق…”[21]. وهذا ما جعل العلاقة بينهما مريرة: “الأول يدّعي الغوص، أو الاهتمام بالنية (المحاسبي مثلًا)، والبعد الجواني أو الصميمي للتدين، والارتباط الاتحادي بالإله، ويرمي الفقه بالاكتفاء بالشكليات، والوقوف عند البراني وقسيم الطقوس وتبريرها”[22]، بينما الثاني استخدم المظهر الصوفي سببًا لمهاجمتهم مع العلم أنّ المتصوفة كانوا على دراية بعلم الفقه والكلام، ولكنّهم لم يثمروه في معركتهم، فذهبوا باتجاه الكرامة والحكاية كبديل: “جابههم الصوفيون بالحكاية، والاستعارة، فقد حاربوهم أيضًا بالكرامة: تلك المعركة إذن هي التي تفسر ما يرويه القشيري عن ابن حنبل الفقيه وشيبان الراعي المتصوف، إذ يشهد الأول والشافعي أيضًا لهذا الأخير بالعمق. وضمن الحركة الجدلية نفسها تقع رواية أخرى تظهر الشبلي كصوفي، والجنيد وغيرهما، يتفوق في قضايا فقهية على فقهاء أعلام. كبار الصوفية، عادة، يظهرون متعمقين في علم الكلام، لكنهم يتركوه (المحاسبي، البسطامي، الجنيد، الغزالي)[23]، مع العلم: “على ضوء مناهج التحليل النفسي، نجد الخوارق نسيج عمليات لا واعية في الدفاع عن الصوفيّ، فالكرامة تعيد له – بطرائق سلبية- الاستقرار الذي يفقده من وجهة نفسية، وتحلّ توتره مع الحقل الاجتماعي. بذلك تؤمن له توازنه المهدد دائمًا بفعل عوامل صراعية مع ذاته، أم مع الغير، أم مع القيم والمجتمع. لكن ذلك الاستقرار وذلك التوازن غير دائمين: من هنا تأتي الكرامة لتقديم البديل، وتكيف المجتمع، وتعطي النقص، وتلغي التوتر، وتؤكد الذات الصوفية، وتحميها من الأمراض النفسية، ومشبعة بالكلام وحده رغبتها بالقوة والاقتدار”[24].
التصوف كبديل حقيقيّ
يظهر جليًّا أنّ الدكتور زيعور، يذهب باتجاه التصوف كبديل حقيقيّ لأزمة الفكر العربيّ الإسلاميّ، فهو وسيلة للقضاء على الانقهارات التي تعاني منها هذه الشخصية: “لقد تقبلت الذات العربية بانفتاح التصوف؛ ولعلها اتخذته تكبرًا ورغبة بالبطولة؛ كما بداية حماية لها ضد عقدة النقص إزاء اليونانيّ، ومؤخرًا ضد التقييم الدونيّ للذات. أجل! يبدو ذلك على الخصوص في الأزمنة الحديثة: فالتصوف اليوم درع يقي من الوقوع في الهامشية، ويرد على كلّ تحدّ ينقص من قيمة الذات أو يشعر بالضعف، والتقصير، وعدم القدرة على استيعاب الحضارة الحديثة”[25]. فالتصوف يمثّل الفكر في انطلاقه مقرونًا بالإرادة: “هنا يُسمّى الفكر، من وجهة النظرانية أو الفلسفة، وعيانية، بسبب الانطلاق من القول بالإرادة المخطّطة المتعمّدة، إرادويّة…تحلّل وتقارن، تنتقد وتتجاوز المدرسة العربية في التحليل النفسيّ، تلك الأوالية ومن ثم ذلك التفكير؛ وذلك بالاستناد غير الدقيق إلى الوعيّ والإرادة الحرة، وإغفال ضعف الإنسان ومطموراته وغورايته”[26].
فالتصوف من خلال ما يملكه من مقومات قادر على تغيير رؤية الإنسان المسلم لعالمه، وهو يستطيع أن يعطي المعنى لهذا العالم، الذي أُغرق في التقانة: “الإنسان في الإنسانانية العربية المحدثة، قادر على أن يغير سلوكه (وفق الحالات والمقامات في النظرية الصوفية العربسلامية)، أو يتغير سلوكيًّا وفكريًّا باتجاه الناجع والناجح فالأنجع والأنجح. هذا الإنسان جزء من الآخر: فالأنا والأنت يتكونان معًا؛ هما يكوّنان بعضهما بعضًا. ليس الأنا كائنًا منعزلًا، ولا هو مضاد أو عدو للآخر؛ ولا يكتفي بنفسه وينغلق عليها أو ينقفل في حلقتها. إنّه كائن اجتماعيّ ذاكريّ بيولوجي ذو عقل وحرية، ومنغمس في تواصل تاريخيّ وضروري ومتشابك مع الآخر وفي هذا العالم. ليس الفرد عالمًا قائمًا بذاته، ولا هو جزيرة؛ ولا يستغني عن الآخر؛ أو عن الأنت. الفردانية مقولة خطرة. وليست هي هنا شعور الفرد بشخصيته وبحريته وكرامته، أو بطبيعته ككائن منغرس حتى بيولوجيًّا في الآخر والجماعة والمجتمع”[27]. فهو يُلبي متطلبات الإنسان المعاصر، وينقذه من الوقوع في حبائل اللامعنى والعقل الآداتي: “إنّ إيمان الصوفيّ العربسلامي بأنّه مسافر إلى الحقيقة المطلقة يقوم على إيمان بقدرته على تجاوز ذاته اللامتطابقة باستمرار وغنى متكاثر. كذلك يُعمّق تيار الإنسانانية المحدثة الثقة بقدرة الإنسان على تغيير ذاته، أي بقدرة العقل وبمسؤوليتنا عن الفعل الذي نقوم به، والفكرة التي نقول بها، والحرية التي هي نحن؛ ونكون نحن، من جهتنا”[28].
فالصوفيّ الذي انطلق في التاريخ العربسلاميّ ليتحدى الشكلانية والقواعدية والنّصانية في التدين أو بناء السلوك وفق المعايير الشائعة المتّبعة، يعود اليوم إلى الحياة في التيار الفلسفيّ هذا حيث نجد أنّ الإنسان يجب أن “يخلق” الالتزام والواجب؛ وأن لا يرضى بالتنازل عن حريته لمصلحة القانون أو المبدأ الأخلاقيّ إلا بعد اقتناع ومعاناة وتجربة أي من الداخل. الامتثال حيال القاعدة الأخلاقية مبدأ أخلاقي واجب؛ وليس هو أخلاقيًّا – أو قضية وخبرًا- الخضوع لسيطرتها وهيمنتها وعموميتها إن سحقت الإنسان، أو داست كرامته أو اعتبرته وسيلة ومتاعًا، بالتالي فالتصوف يزيل العوائق أمام تفتّح الإنسان وإرادته والعدمية: “التصوف المحدث احتجاج على التسطّح؛ إنه رفض لهذه الرّتابة، التصوف الحديث وردة حية، وتنكُرٌ لإقصاء الاعتبار والأخلاقيّ؛ وهو عودة إلى الحياة المُمعينة، ودفق الوجود؛ وهو تيار يفتح الفضاء الكينوني اللاحرفي، ويكسر الأغلال المستلبة للحرية والمعنى أو الأنسنة والرّوحنة”[29]، فهو نقطة انطلاق الحداثة الجديدة: “ومثلما اجتهد الصوفيّ المؤسّس، ومثلما اجتهد زميلنا في تقييمه للاجتهاد الصوفيّ، فنحن اليوم نجتهد في إنتاج نص صوفيّ معاصر متفاعل مع مبادىء المعاصرة ومع مفاهيم التنوير والحداثة. وما التصوف الذي ينتج وفق تلك الرؤى والأصول المعرفية سوى الفكر الصوفيّ “الحداثويّ” والمتسائل، النقدي والتنويري، الفلسفيّ، والرشدانيّ، المتذكّر والمُنتظر”[30].
خلاصة
– يمثل التصوف نقطة محورية في فكر زيعور، وهو يأتي استجابة لمتطلبات الذات بالنهوض انطلاقًا من خصوصية الذات، وهو يعطي لحياة الإنسان المعنى من خلال: “البعد العالمينيّ عند كبار الصوفية يمثل، من بين أفكار عظيمة لهم أخرى، في أوالية الاهتداء إلى الحقيقة. فمبدأ الانتقال إلى نظام فكري، أو نسق روحاني، شديدُ البروز عند “أهل التحوّل”. إنّهم يعلنون أنّ الوصول إلى المعنى الجديد لحياتهم أو فكرهم، قد تمّ عن وعي، وبإرادة حرة، وبعد تفكير مليّ عميق مديد”[31]، وهذا الكلام مهم، ولكن يبقى أنّ هناك خطورة كبيرة في هذا الكلام أنّ تتحول الصوفية إلى نزعة فردانية في الحضارة العربية – الإسلامية، وهو ما حصل في الحضارة الغربية، كما أنّ هناك نقطة هامة، تتمثل في الخوف من انكماش الناس على أنفسهم، وقطع العلاقة مع الواقع والاجتماع، وهذا كثيرًا ما لحظناه في العالم العربي الإسلاميّ حين تحوّل التصوف إلى مظهرية، وهذا ما تنبه إليه الدكتور ذاته، حين قال: “لكنّ الصوفيين في عالمهم الخاص، وثقافتهم الخاصة، أكثروا وبالغوا في تلك المجالات وانفصلوا عن واقعهم إلى حدّ شبه مرضيّ. وأبوا أن يروا الأشياء والمحسوس إلا وفق نظرتهم، لا كما تكون وكما هي قائمة. لقد ابتعدوا، في طرائق نظرتهم إلى الواقع، عن أولئك الذين كانوا – قبل إقامة الحدّ على المخالف- يذهبون في التحقيق وجمع الشواهد إلى درجة تثير الاحترام. وبينما يكتفي الصوفيّ بالرواية والخبر، ثم بالذوبان في الحقيقة، نجد أنّ الأمر يتمّ – عند الطرف الآخر- وفق أقصى ما يمكن من البحث الحسيّ والعقليّ، ووفق طرائق الحسّ والمشاهدة. إلا أنّنا إذا نظرنا إلى التصوف من زاوية أخرى ألفيناه طريقة تعبير خاصة، أو لغة رمزية توصل الحقيقة الصوفية والتجارب الروحية. من هنا ضرورة أخذ تلك اللغة الخاصة، ووسائلها التعبيرية المقنعة أو الرمزية، أخذًا ينطلق من كونها تختلف وسيلة وغاية عن طرائق النظر عند الفقيه وعالم الكلام والفيلسوف والإنسان العادي[32].
مصادر البحث:
[1] مقابلة خاصة مع الدكتور علي زيعور في شهر آذار من عام 2017.
[2] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[3] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 117.
[4] مقابلة خاصة مع الدكتور علي زيعور في شهر آذار من عام 2017.
[5] مقابلة خاصة مع الدكتور علي زيعور في شهر آذار من عام 2017.
[6] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، (بيروت: دار الأندلس، 1984)، الصفحة 32.
[7] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 63.
[8] منير الحافظ، التماثل، جمالي وحدة الإله والوجود في معايير العقل الباطني، (بيروت: النايا للدراسات والنشر، 2014م)، الصفحة 6.
[9] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 98.
[10] المعطيات نفسها، الصفحة نفسها.
[11] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 107.
[12] المعطيات نفسه، الصفحة 108.
[13] المصدر نفسه، الصفحة 108.
[14] المصدر نفسه، الصفحة 99.
[15] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 107.
[16] المصدر نفسه، الصفحة 107.
[17] المصدر نفسه، الصفحة 301.
[18] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 301.
[19] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 245.
[20] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 117.
[21] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 123.
[22] المصدر نفسه، الصفحة 122.
[23] المصدر نفسه، الصفحة 123.
[24]– المصدر نفسه، الصفحة 119.
[25] علي زيعور، الكرامة الصوفية والأسطورة والحلم/ القطاع اللاوعي في الذات العربية، مصدر سابق، الصفحة 107.
[26] علي زيعور، ألف قولة وقولة في الفلسفة والصحة العقلية كما الحضارية، مصدر سابق، الصفحة 266.
[27] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 231.
[28] المصدر نفسه، المعطيات نفسها.
[29] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 62.
[30] المصدر نفسه، الصفحة 64.
[31] علي زيعور، ألف قولة وقولة في الفلسفة والصحة العقلية كما الحضارية، مصدر سابق، الصفحة 266.
[32] علي زيعور، ذكريات الفكر الجامعي العربي، مصدر سابق، الصفحة 112.
المقالات المرتبطة
تاريخ علم الكلام | الدرس الخامس | كلام غير الإماميّة في حقبة التنظير: نشأة المعتزلة وتاريخها
مسألة الإمامة وقيادة المجتمع الإسلامي، مسألة الإيمان والكفر، مسألة القضاء والقدر وعلاقتها باختيار الإنسان، ومسـألة الصفات الإلهيّة.
حوار الدهشة والرهبة بين لحظتي انبثاق
الوقوف على الحوار الإسلامي-المسيحي، يقتضي الرجوع إلى اللحظة الأولى لانبثاق الدعوة الإسلاميّة، فهي جاءت في محيط جاهليّ، ولكنّه لم يخلُ
ثورة الإمام الحسين (ع) في عيون المستشرقين
يعرف الاستشراق اصطلاحًا بأنه “العلم باللغات والآداب والعلوم الشرقية” . والعالم بها يسمى بالمستشرق، والذي ينحصر مصداقه عادة بالمتخصص الغربي بتلك العلوم.