تأثير الثورة الإسلامية في إنتاج إعلام مقاوم

عقدَ معهد المعارف الحكمية للدّراسات الدّينية والفلسفية يوم الخميس الواقع فيه 26.5.2022 ندوةً تمهيدية لمؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري الخامس، تحدّث فيها وكيل الأمين العام لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الشيخ ناصر أخضر عن موضوع “تأثير الثورة الإسلامية في إنتاج إعلام مقاوم وأبرز خصائصه”.

أدار الندوة الأستاذ عدي الموسوي، بحضور جمع من الباحثين والأكاديميين المهتمّين في المجال الإعلامي. أثار الأستاذ الموسوي في مداخلته الافتتاحية مجموعة من التساؤلات. أولى هذه التساؤلات مرتبطة بضرورة التمييز في البُعد الدلالي الوظيفي بين مُصطلحي “الثورة” و”المقاومة” كونه صار محط تلاعب وتزييف في الوعي التاريخي يُمارسه الاستعمار عبر الترويج لمصطلح الثورة وتغييب مصطلح المقاومة. وقد سبق للاستعمار الفرنسي، على حدّ تعبير السيد الموسوي، أن روّج لما يُسمّى بـ”ثورة الأمير عبد القادر الجزائري” للإيحاء بأنّ ما قام به الشعب الجزائري هو حركة مسلحة ضد سلطة قائمة وليست مقاومة لغزو خارجي.

ميّز الأستاذ الموسوي بين المصطلحين: الثورة بما هي “فعل تغييري وظيفي، تشير إلى قيام فئة اجتماعية بحركة تغييرية بوجه سلطة حاكمة” ، أما المقاومة تُعبّر عن “فعل سكوني ورجعي، من حيث محاولته للحفاظ على حالة راهنة أو استعادة حالة سابقة أو استردادها من أرض أو ما يشابهها”.

انتقل بعد ذلك إلى المستوى الثاني من التساؤلات، متدرّجًا من العلاقة التفاعلية بين الفعل الثوري والفعل المقاوم ومجالات التداخل والتأثير فيما بينهما، لينهي مداخلته بالسؤال التأسيسي للندوة، مفاده التالي: “هل يفترض للإعلام المقاوم أن يكون ثوريًّا أو أن امتداده وشكله الوظيفي أوسع امتدادًا من ذلك؟ هل أثرت الثورة الإسلامية في إنتاج رؤى مقاومة معاصرة تستلهم الفعل الثوري كفعل مناهض للظلم لتصوغ الفعل المقاوم انطلاقًا من “القيمة” والتي بدورها تشكّل خصائصه المتنوعه، منها الفعل الإعلامي بأدواته وأشكاله المختلفة؟”.

ثم كانت مداخلة وكيل الأمين العام لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية الشيخ ناصر أخضر فأعلن  في بداية كلمته عن المقاربة التي اعتمدها في الإجابة على سؤال التأثير. صرّح بأنه لن يدخل بدراسة موارد ومجالات التأثير التي حصرها في أربعة عناوين: الأهداف- الجمهور- الخطاب والمحتوى- الأدوات والوسائل، إنما سيورد خصائص الإعلام المقاوم وإعلام الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي بحسبه تشكل بحدّ ذاتها علامات فارقة حول سؤال التأثير والتي يمكن تصنيفها على العناوين الأربعة آنفة الذكر.

قبل الغوص في خصائص الإعلام المقاوم، لفت الشيخ أخضر إلى اعتماده مصطلح “الإعلام المقاوم” وهو مصطلح يتبنّاه السيد القائد علي الخامنئي [دام ظله] وَسيّله في كل قطاعات الدولة بوصفه فعلًا مستحسنًا في كل المجالات، علمًا بأن في زمن الثورة وقيام الدولة في عهد الإمام الخميني ساد استخدام مصطلح “الإعلام الإسلامي”.

وفي التالي، عرضٌ موجزٌ لخصائص الإعلام المقاوم الواردة في كلمة الشيخ أخضر:  

  • الهدفية: تحقيق الرّقي بالمستوى الثقافي عند الناس مع هوية أخلاقية خاصة تعبّر عن الفكر الإسلامي الأصيل. يتّضح هذا الهدف من خلال اعتماد مجموعة من الأدبيات كقبيل “المجتمع يعمّه الخير والصلاح – الإصلاح الثقافي- … “.
  • المصداقية: قول الحقيقة في مجال الأخبار- ومواجهة الأضاليل بالمعارف والحقائق والأرقام والمعطيات دون استغلال، فضلًا عن عدم وضع الإعلام في سياق الصراعات المؤدية إلى ضياع حقيقة الحياة والمجتمع.
  • المسؤولية: ينطلق الإعلام من مسار برنامح عمل دقيق مُحكم، الإعلام هو “جامعة عامة” يرتبط بالدين والقيم والأخلاق، ونابع من رسالية الإنسان.
  • ثلاثية الحكمة والعلم والفن: توظيف الإعلام كأداة تثقيف. يستند الإنتاج الإعلامي إلى قراءة علمية للأهداف المحدّدة، ويبني برامجه بناءً على استطلاعات رأي تبحث في حاجات الجمهور وعلاقته بالبرنامج السياسي في البلاد.
  • الخطاب القرآني: إعلام المقاومة وإعلام الجمهورية الإسلامية يركزان على تلاوة القرآن وفهمه وتحليله وإقامة حوارات لبيان المفاهيم والمصطلحات فيه ودرء الشبهات حول مضامينه.
  • الارتكاز على ثنائية “الحسينية والمهدوية”: الثنائية مرتبطة مباشرة بالحركة الاجتماعية الفعلية والواقعية، هي عملية إشراك حقيقية للإعلام في بناء حياة الناس.
  • روح المقاومة والشهادة والثورة: التركيز على الشهداء والمقاومة والتضحيات باعتبارها المحرك الأبرز لمناصرة المظلومين وإحقاق الحق، وتكريس النموذج الذي يجب أن يحتذي به الناس.
  • المواجهة والتحدّي: نمط العمل الإعلامي المقاوم يتميّز بالمواجهة والتحدي. يأتي التحدّي في امتلاك الأدوات والقدرات.

 

  • كشف الأكاذيب والأضاليل: فضح صورة الغرب والتركيز على مساوئه في تعاطيه مع المسلمين والشعوب الأخرى، ومواجهته بالحقائق العميقة لكل التلوث الثقافي الذي يحدثه في العقل والقلب.

 

  • احترام المقدسات والثقافات: احترام عقائد الآخر والالتزام بأصول التخاطب وبآداب الحوار مع كل المكونات الاجتماعية، انطلاقًا من ضرورة حفظ كرامة الإنسان والنظام الاجتماعي.

 

  • الحرية والإعلام: الإعلام المقاوم حرّ، ولكنه ملتزمٌ ويتحمّل مسؤولية. الحرية الإعلامية تعني بالنسبة لنا عندما نوجّه النظام إلى مسؤولياته ونُنتج وعيًا جماهيريًّا مصروفًا في بناء المجتمع ضمن إطار إصلاح المجتمع.

 

  • التبليغ والإعلام: التبيلغ مرتبط بالرسالة الدينية وعلماء الدين، أما الإعلام أوسع من ذلك، صار أداة تشبه الماء تحتاجها جميع الفئات. قارب الإعلام المقاوم الموضوع الإعلامي والتبليغي معًا، لطالما كان الإعلام دوره الهداية والتنمية ورقي المجتمعات.
  • التمكين: الإعلام يرتبط بالقدرات المادية والبشرية.
    • عملت الجمهورية الإسلامية على التمكين في مجالات: الموارد البشرية – التكنولوجيا للوصول إلى الجمهور التي نحن فيها بموقع المتفاعل أو اللاّعب في ميدان الخصم الذي باستطاعته أن يحجب البث على الأقمار الاصطناعية ويقطع الإنترنت.

تحاول إيران الثورة والدولة تجاوز هذه التحديات بسعيها الحثيث بامتلاك بنية تحتية للوصول إلى سيادة كاملة في هذا الشأن.

  • التمكين في مجال التشريعات: المقصود بها الضوابط السياسية.
  • التمكين على مستوى التشكيلات الإعلامية: المؤسسات الداعمة والمؤسسات الإعلامية والمواطن الإعلامي بفعل ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
  • الإنفاق في الإعلام أقل بكثير من حجم الموزانات المخصصة من قبل الإمبراطوريات الإعلامية للإعلام، ولكن بفعل الخصائص التي ينتمي إليها الإعلام المقاوم وتضافر المؤسسات الإعلامية معًا والإيمان بقدرة الإنسان المقاوم وإيمان الشعوب قد تصنع فارقًا تمكّنه بتحقيق فعالية وتأثير كبيرين.
  • وجود مرجعية رشيدة تتمثل بالفهم العميق والدور الكبير الذي يلعبه الإمام السيد علي الخامنئي خصوصًا في المجال الإعلامي، شخصية علمية دينية قيادية تفهم الإعلام وتنظّر للممارسة الإعلامية ويدقق على مستوى الفكر الإسلامي، محاولًا التأصيل الإسلامي للممارسة الإعلامية.

في القسم الثاني من مداخلته، ردّ الشيخ أخضر على الاتهامات الموجهة إلى الإعلام المقاوم وإعلام الجمهورية الإسلامية، والتي حصرها في التالي:

  1. المذهبيّة: لا يمكن إخفاء الانتماء العقائدي للمقاومين، ولكن من موقع الجمهورية الإسلامية المذهبي الديني يتعاطى الإعلام مع أبعد القضايا البعيدة عنها مذهبيًا وسياسيًّا.
  2. الافتقار إلى الجاذبية: موضوعة المقاومة والقضية الفلسطينية صارت قضية عالمية بفضل هذا الإعلام.
  3. جدّي- تعليمي مدرسي: لا يمكن إلّا أن يكون كذلك، وهذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى ترفيه، بل على العكس، ولكن بشكل مضبوط وأخلاقي. شروط الترفيه صعبة لأنها مرتبطة بالصناعيين الإعلاميين وبالمتلقي.
  4. إعلام أحادي فارسي عنصري: يخاطب الإعلام المقاوم بكل لغات العالم.
  5. إعلام فئوي: إعلام يخرج من فئة معينة ولكنّه غير عنصري.
  6. إعلام غير نافذ: الإعلام النافذ له علاقة بالعقل والقدرة. ويمكننا القول، إن الرغبة صارت أيضًا تتدخل في شراء العقول. نحن بحاجة إلى قدرات استثنائية في الإعلام. صناعة الكوادر تتطلب ميزانية عالية، وهذا يجب السعي إليه.

في ختام كلمته، قدّم الشيخ أخضر مجموعة توصيات دعا فيها إلى جمع تراث الإمام الخامنئي في موضوع ممارسة العمل الإعلامي وتصنيفه والبحث في رؤاه، وشدّد على ضرورة إعداد أبحاث ودراسات تبحث في التجربة الإعلامية وتأصيلها فكريًا وإبراز تحدياتها، فضلًا عن تأكيده على مسألة تعزيز القدرات في المجال الإعلامي.

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الشيخ ناصر أخضرالثورة الإسلاميّةالإعلام المقاوم

المقالات المرتبطة

“دور جهاد التبيين في مواجهة الحرب الناعمة”

أقام معهد المعارف الحكمية نهار الأربعاء 10/5/2023 الساعة الخامسة عصرًا، وضمن سلسلة محاضرات “جهاد التبيين” المحاضرة الرابعة مع الدكتور علي الحاج حسن فكانت بعنوان: “دور جهاد التبيين في مواجهة الحرب الناعمة”

الاستشهاد الأخير وعلامات الظهور

عقد معهد المعارف الحكمية مساء أمس لقاءًا حواريًّا مع سماحة الشيخ شفيق جرادي، تحت عنوان: “الاستشهاد الأخير وعلامات الظهور”،  حيث تطرق سماحته فيه إلى أنه لا يوجد كلام في الروايات حول اسم محدّد، بل الكلام هو حول صفات للراية، مثل راية اليماني.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<