الثورة الإسلامية وقضايا التحرر الوطني

by معهد المعارف الحكميّة | يونيو 6, 2022 11:11 ص

في إطار ندواته التمهيدية لمؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري الخامس دعا معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في مقره في صفير بتاريخ 2 حزيران 2022 إلى ندوة تحت عنوان: “الثورة الإسلامية وقضايا التحرر الوطني” حضرها مجموعة من المثقفين والمتابعين، وقد استعرض فيها الحضور الصراع الذي نشأ في العالم بين القوى الاستعمارية الغربية وبين شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ونشوء مصطلح “التحرر الوطني” في ظل التوازن الدولي بين القطبين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والاتحاد السوفياتي من جهة أخرى، وقد استطاعت شعوب العالم وقواه التحررية من تحقيق عدة انتصارات في كوريا وفيتنام وكوبا والجزائر واشتعال الثورات التحررية على امتداد خريطة الاستعمار، وبروز نماذج من القادة التحرريين الذين حفظ التاريخ أسماءهم كذلك حصول عدة انقلابات وطنية كان أهمها الانقلاب الذي قام به الجيش المصري بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر وما أحدثه من تطور في الصراع الناشىء في العالم العربي والإسلامي، والذي دفع المحور الاستعماري إلى خوض عدة حروب في سبيل إجهاضه لأخذ المنطقة إلى مكان آخر، وقد بين المحاورون الأهمية الخاصة للثورة المصرية التي وضعت الوزن الجيواستراتيجي المصري في مواجهة الاستعمار وقوى الهيمنة الغربية والتي أفضت إلى حراك واسع في بلدان العالم الساعية إلى التحرر، وتمثل هذا الحراك في قمة عدم الانحياز في باندونغ الذي عقد عام 1956 بقيادة الثلاثي عبد الناصر من مصر، تيتو من يوغوسلافيا، وشوان لاي من الصين الشعبية بالإضافة إلى ممثلين لكافة شعوب العالم الساعية إلى التحرر، الأمر الذي أدى إلى إطلاق موجة من النضال العالمي ضد الاستعمار توجت في بداية الستينات بتصفية الاستعمار القديم والمباشر، وحصول معظم بلدان العالم على استقلالها والذي أدى عمليًّا إلى البدء بمرحلة الاستعمار غير المباشر عبر المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وعبر الأحلاف العسكرية والاتفاقات الثنائية والإقليمية، وكذلك عبر سياسة الانقلابات والتهديد بالاغتيالات التي مارستها بنشاط أجهزة المخابرات الغربية، وشدد الحضور على أهمية اللحظة التاريخية لحصول الثورة الإسلامية في الوقت الذي كانت تتهيأ فيه الإمبراطورية الأميركية لتبوّؤ سدّة العرش العالمي للتحكم بمصائر البشرية، وبعد أن بلغ الوهن مبلغه في القوة السوفياتية المقابلة فلقد كانت القوى السياسية الممثلة لشعوب العالم وخاصة في منطقتنا قد بدأت تميل إلى اليأس من القدرة على مناهضة الطاغوت الغربي – الإسرائيلي، وتم أخذها بواسطة أساليب الترهيب والترغيب إلى التسويات المذلة التي تتخلى فيها عن حقوقها التاريخية، وأطلق الرئيس السادات يومها شعاره المشهور ” أن 99،99 بالمئة من أوراق اللعب بيد أمريكا” ثم عند احتلال لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي عام 1982 اعتبر بعض الساسة والباحثين أن منطقتنا دخلت في” العصر الإسرائيلي”. فلقد كان لوجود الثورة الإسلامية أثرًا بالغًا في تغيير مسار الأمور، الأمر الذي أدى على أرض الواقع إلى تصعيد النضال الوطني، وخوض معارك مشرّفة أدت إلى طرد الوجود الأمريكي من العراق وخوض معارك مع الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على الخروج من جنوب لبنان ومن غزة الفلسطينية بدون شروط، كذلك إجباره مؤخرًا على الخروج من أفغانستان بكل مراسم الذل التي رآها العالم كله، كما استعرض الحضور الأهداف التي وضعتها الثورة الإسلامية والتي ركزت على لسان قادتها وخاصة الإمام السيد الخميني قدس الله سره على الاستقلال الوطني وبناء القدرات الذاتية للأمة وعلى شعار “لا شرقية ولا غربية”، ونصرة “المستضعفين” في العالم، وإطلاق شعارات مثل “أمريكا الشيطان الأكبر”،  و”إسرائيل الغدة السرطانية التي يجب استئصالها”، كما توقف الحضور عند شعار “اليوم إيران وغدًا فلسطين” لما فيه من دلالات على التوجه العام للثورة فهذا الشعار يقول على لسان  الشعب الإيراني الذي صنع الثورة وألق هذا الشعار بأن عليه أن يكمل درب الصراع لتحرير فلسطين وليس عليه أن يستكين بدافع بناء دولة الرفاهية والرخاء الاجتماعي، بل بناء دولة المقاومة على كل المستويات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، الأمر الذي استمرت عليه الثورة الإسلامية طيلة هذه الفترة من حياتها المجيدة. وأعطاه حضور القائد السيد الخامنئي دفعًا جديدًا رغم حجم الضغوط والتآمر، وقد لفت الحاضرون إلى أن السعي لبناء وترسيخ مؤسسات الدولة الإيرانية لم تقض على روح الثورة والتحرر في داخلها، وبالتالي تدفعها إلى المساومة مع الاستكبار العالمي والتخلي عن السعي لمساعدة الشعوب الأخرى للتحرر وتحقيق الاستقلال الوطني الحقيقي كما حصل مع نماذج ثورية أخرى في العالم وكما كان يتوقع الكثير من المراقبين والباحثين الذين راقبوا نهوض هذه الثورة، بل في الحالة الإيرانية فقد تم تجنيد الدولة في خدمة الثورة.

في النهاية أكد الحضور على الأهمية الجيواستراتيجية لإيران الثورة المستقلة وعلى ما أحدثته من تأثير على النضال التحرري في العالم، وعلى مساهمتها في إفشال تآمر قوى الهيمنة التي تم توظيفها في مشاريع الإسلام السياسي لتحويله عن أهدافه الحقيقية في التحرر من النفوذ الغربي وجعله أداة من أدوات السيطرة والهيمنة على الشعوب الإسلامية، وأداة ضغط على الأمم الناهضة في الشرق من خلال صناعة سد إسلامي مزيف في مواجهة سعي هذه الأمم إلى النهوض وبناء عالم جديد، وركز الحضور على أن الصمود الثوري الإيراني المتلاحم والداعم للقوى التحررية الناهضة في المنطقة وفي العالم أدى إلى إنتاج الكثير من المتغيرات التي نشهدها على المستوى العالمي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والتي أطلقت موجة عالمية جديدة من النضال لإنهاء السيطرة الغربية على العالم تنخرط فيه دول عالمية وازنة وشعوب تريد أن تعيش حرة عزيزة.

وخلص المحاورون إلى أن على القوى الوطنية العربية شعوبًا وأنظمة أن تستفيد من هذه اللحظة التاريخية المؤاتية، وعليها الاستفادة من توجيهات الثورة الإسلامية ويدها الممدودة للأخوة والصداقة والعمل المشترك، وتتجه نحو بناء علاقات بينية سليمة تساعد على مقارعة نظام النهب الغربي، الذي لا هم له إلا نهب خيرات بلادنا وأرزاق شعوبنا. كما توجه الحضور إلى القوى الثورية والوطنية العربية داعينها إلى ممارسة دورها الوطني في ملاقاة الشعب الفلسطيني في مقارعتة الاحتلال الإسرائيلي والنفوذ الغربي وتطوير أشكال من النضال لمقاومة التطبيع ورهن بلادنا للسياسات التي تمليها السفارات الغربية والمستشارين الغربيين. وذلك بدون اشتراطات دينية وأيديولوجية وطبقية وحزبية وقومية ضيقة، بل الانطلاق جميعًا لبناء بلادنا حرة من الاحتلال والنفوذ الأجنبي .

Source URL: https://maarefhekmiya.org/14975/nadwatamhidya2/