الليبرالية أم الواقعية، أي النظريتين أقرب إلى السياسة الخارجية العراقية؟

by أحمد الخالصي | مارس 28, 2023 1:20 م

يستلزم العمل المؤسسي أن يكون ضمن سياقات معينة مسبقة، ووفق خطط منهجية مدروسة بعناية من ذوي الاختصاص، معروفة المسارات المتبعة أو تلك التي ستتبع، والتي من خلالها تبرز نتائج مقدرة ضمنًا أو طارئة افتراضًا، ضمن سقف زمني خاضع للمرونة وقابل للتضمين وفق ضرورات التبدل والتغير.

تأتي أهمية النظرية، من قابلية إطارها المفاهيمي، الذي يمكن متبعها، من إيجاد أجوبة موجودة سلفًا، أو محددة اعتبارًا وفق مسارها وخلفيتها الفكرية .

من هنا نجد لزامًا أن نبين النظرية الأقرب أو المتبعة أو المفروضة! على السياسة الخارجية العراقية، وهي الليبرالية، ونقول مفروضة من بابين:

الباب الأول: قيود متفرعة

تتصل بكون البلد قد عاش ويعيش حالة انتقالية على مستوى النظام السياسي، وتوابعه المتأثرة سواء كانت الاجتماعية أو الاقتصادية، وكل ذلك جرى ويجري تحت مظلة محتل متسلط عالميًّا، فهذا التبدّل من نظام دكتاتوري منعزل دوليًا، إلى شكل سياسي تعددي يراد له الانفتاح، يتطلب العمل وفق المتطلبات العالمية المستقرة، والمتوافق عليها ولو نسبيًّا، والتي منها الدبلوماسية. إن المسار الدولي في علاقاته المتبادلة قائم على أساس ليبرالي ولو من الناحية الصورية فيما يخص السياسة، وفعليًّا من الناحية الاقتصادية، كما أن قضية الانفتاح تستلزم التعامل والتعاون من خلال سياق المنظمات الدولية، في محاولات مستمرة لإثبات ذلك،  كما أن التعددية في النظام السياسي، تنعكس بطبيعة الحال على الدور الخارجي للدولة، وهذا ما يقرّبنا من النظرية الليبرالية، فهي كمقاربة تفسيرية في العلاقات الدولية عبارة عن رؤية مركبة في بنية المجتمع الدولي، إذ ترى أن الدولة لا تمثل وحدة واحدة، بل تتكون من مؤسسات سياسية، تضم في ثناياها فواعل متناقضة المصالح، فهذه النظرية ذات خط عكسي في المقاربة الدولية، إذ تتجه من فردية الدولة بما تحمله من تفرعات كثيرة لمحاولة تفسير علاقات المجتمع الدولي، وهو أشبه ما يكون بعملية نقل صراع اللوبيات من تأثيره الداخلي للخارجي عبر جعله محور أساسي في عملية تحديد المسار، الذي تتبعه الدولة في علاقاتها مع غيرها، كما أنها ترى أن التعاون بين الدول مبدأ أساسي يتم من خلال ثلاث منطلقات رئيسية في عملية التقارب الدولي ألا وهي الديمقراطية، والروابط التجارية، والمؤسسات الدولية.

الباب الثاني: صعوبة حالية في تبني الواقعية 

 فلا يمكن تصور أن يعتمد البلد على النظرية الواقعية وهو يعيش في خضم التعافي من العزلة، ومكبل بمؤثرات خارجية عدة، تحاول العمل على بقائه ضمن نسق ساكن، ومانع في ذات الوقت من بناء قوته في مختلف الأصعدة، بينما تقوم الواقعية على أساس المصلحة الخاصة بعيدًا عن أي قيمة أُخرى، من ثم التعبئة في مجال القوة من أجل مزيد من النفوذ والسيطرة، في ظل غياب مركزية دولية، تضبط إيقاع التوازن الدولي، بالتالي تكون فرضية الحرب قائمة دومًا، من خلال تقاطع المصالح، وهذه مسحة هوبزية، إذ تتمحور حولها الواقعية، والتي تنقل الأنانية والشر من إطاريهما الفردي إلى المؤسسي (الدول)، وهذا ما يقود إلى ما قلناه في بدء حديثنا عن هذه النظرية، والتي تؤكد أيضًا على جوهرية وفردانية دور الدول في النظام الدولي، بعيدًا عن الأدوار الثانوية لباقي الشخصيات والكيانات الدولية، من هنا فلا مجال للخروج من حالة القلق هذه إلا من خلال توازن القوى، وقد شهدت الواقعية بحلتها الجديدة، انتقال معادلة التأثير (من خلال إلغاء افتراض تأثير الطبيعة البشرية على صانع القرار السياسي، وصولًا لسلوك الدولة خارجيًا)، إلى فوضوية النظام الدولي، نتيجة غياب سلطة مركزية عالمية، بالتالي سباقًا محمومًا نحو مزيد من تأمين وتعزيز القوة داخل الدولة، من أجل الحفاظ على المصلحة (واقعية دفاعية)، أو من أجل مزيد من الهيمنة والتوسع (واقعية هجومية)، وكلتيهما مستمدتان من البنية الفوضوية للنظام الدولي كما أسلفنا.

ومن خلال هذه المعطيات، فإننا نجد أن الوضع السياسي الداخلي للعراق، قد قربه من النظرية الليبرالية خارجيًّا، والأمر برمته مفروض كما قلنا في البداية، هذه الفرضية المتأتية من عوامل ذكرناها، يمكن أن تشكل مرحلة وقتية، تنتهي فاعليتها بانتهاء الأسباب الدافعة لهذه الحالة، وهي متعلقة عمومًا بالوضع الداخلي المرتبك سياسيًّا، المؤدي هو الآخر لنقل هذا الإرباك والتخبط للدور الخارجي للدولة العراقية، من هنا فليس من المصلحة البقاء ضمن هذا الإطار النظري للسياسة الخارجية أو حتى قريب منه، كونها بالأصل محبوسة في أغلب الأحيان داخل الخطاب الدبلوماسي الأمريكي والغربي، وهي صالحة شعاراتيًّا أكثر من الواقع، فحتى منظّروها وتحت ضغط هذا الأخير لم يتوانوا من عملية شرعنة القوة في عملية نشر الديمقراطية أو الحفاظ على الأمن ومحاربة الإرهاب، وهذا ما بدا واضحًا في عملية غزو العراق، والمثير للسخرية أيضًا وعلى الرغم من تأكيدها على أهمية المؤسسات في النطاق الدولي إلا أنها في ذات المثال (غزو العراق) اتخذت أميركا قرارًا فرديًّا دون أي غطاء شرعي من المؤسسة الدولية الأكبر ألا وهي الأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15733/libraria/