المحاضرة الرابعة- شكوى إلى الله

استهل الشيخ شفيق جرادي محاضرته الرابعة من سلسلة محاضرات “الشكوى إلى الله” ليوم الجمعة 2/6/2023، بالتطرق إلى عنوان: إياك وعبادة الشيطان“، متناولًا الفقرة التالية من مناجاة الشاكين: “إلهي أشكو إليك عدوًا يضلني وشيطانًا يغويني وقد ملأ بالوسواس صدري وأحاطت هواجسه قلبي يعاضد لي الهوى ويزين لي حب الدنيا ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى“. شارحًا بأن هذه المناجاة ذكرت عموم العدو قبل ذكر الشيطان، فكل من يسبب لنا الضلال ويقلل من ديننا وآخرتنا وإسلامنا هو في حقيقة الأمر عدو؛ لأنه يقطع الطريق بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، ويوصلنا إلى الخزي وإلى غضب الله وإلى مصير سوء.

وبيّن سماحته أن هذا النوع من الأعداء هو على صنفين:

  • صنف واضح لا لبس في.
  • صنف غير واضح وتكمن المشكلة فيه؛ فهو قد يتزيّن بزي الصديق العزيز النصوح، أو القريب الحميم، ولكن في آخر الأمر فعله يوصل بنا إلى الضلالة والعياذ بالله. ومن مصاديق هذا الصنف وسائل التواصل الاجتماعي، التلفاز، بعض الأصدقاء، الرضوخ إلى متطلبات بعض الأحبة التي يمكن أن توصلنا إلى الدنيا، اختيار البيئة المدرسية غير المناسبة لأبنائنا. ونبّه سماحته إلى أن الولوج في الدنيا يبدأ من الخطوة الأولى التي نخطوها في الخطأ إذا لم نتداركها.

بعد ذلك تطرق سماحته إلى لفظ “الشيطان”. فقال: إن عبارة “الشيطان” أعم من “إبليس”، وهي تشمل ثلاثة مستويات:   

  • إبليس؛ وقد ركّز القرآن عليه كثيرًا.
  • قبيل إبليس، أو عشيرته من الجن (الجن يمكن تصنيفهم إلى شياطين، وإلى أهل إيمان). فإبليس كان من الجن وليس من الملائكة، ثم ضلّ كما يعتقد البعض، وقد أُسمي شيطانًا لأنه شطّ أي ابتعد وانحرف عن الطريق.
  • شياطين البشر الذين يكونون في البداية تلاميذ لإبليس، ثم يتفوقون عليه فيتعلم منهم ما لا يخطر على باله.

وقد أوضح سماحته بأن ما حصل مع إبليس كان سببه عدم الامتثال لأمر الله تعالى استكبارًا، فقد تكلم عن نفسه وعن آدم (ع)، ونسي الله وأمره تعالى. ونبّه سماحته إلى ضرورة السؤال: هل الإحساس بأمر الله تعالى حاصل عندنا عندما نؤدي العبادة أم أنها عادة اكتسبناها واعتدنا عليها؟

وأكّد سماحته أن الله لا يمكن أن يسمح لهذا المخلوق الذي أصبح خالدًا في النار وصار رمزًا لها بسبب معصيته للأمر الإلهي أن يتحكّم ببني آدم ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾. وهذا يشمل عموم الناس، ولكن ما الذي يحصل؟ ففي معرض الإجابة على هذا السؤال يشرح سماحته قائلًا: إن إبليس لا سلطان له على أحد ولكن النفس الأمارة بالسوء تدعو إبليس، وهو بمجرد أن يشعر بضعف النفس يبدأ بعملية الإغواء “وشيطانًا يغويني”. كيف؟ “وقد ملأ بالوسواس صدري وأحاطت هواجسه قلبي”؛ القلب هو المركز الذي به يضل أو يستقيم الإنسان، والباري عز وجل يحصّن قلوبنا ولا يسمح لإبليس بدخولها، لذلك هو يوسوس في الصدور وهي المنطقة التي تحصّن القلب. ولكن من رحمة الله تعالى أن هذه الهواجس والوسوسات لا تقع على القلب مباشرة فيستطيع الإنسان المسارعة إلى التوبة والمغفرة فلا يبقى شيئًا من أثر الذنب في القلب. وإبليس لا ينشئ الهوى بل يساعد هوى الإنسان “يعاضد لي الهوى ويزين لي حب الدنيا ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى“؛ والزلفى هي العودة إلى الله. وذلك كله لأن إبليس ابتلي بحب النفس فأراد أن يكون جميع الخلق مبتلين بحب أنفسهم على الطريقة الإبليسية، فيحول الأمر بينهم وبين طاعة الله حق طاعته، والعودة إلى الله حق العودة.

وأنهى سماحة الشيخ شفيق جرادي المحاضرة الرابعة والتي كانت ختام سلسلة محاضرات “الشكوى إلى الله”، بالإعلان أنه في الأسبوع القادم إن شاء الله سيتناول موضوعان يعتبران همّين دنيويين مرتبطين بالآخرة عند المؤمنين وهما:

– فقد النبي محمد (ص).

– غيبة الولي الإمام الحجة المنتظر (عج).


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
شيطانوسواسهوىحب الدنياإبليسشكوى

المقالات المرتبطة

التأسّي بالمعصوم

التأسّي بالمعصوم، الجزء الأوّل: من هو المتأسّي الذي نبحث عنه

ما هي إنجازات التراث الفلسفي الإسلامي؟ وهل يمكن أن نستمد منه حلولًا للإشكاليات المعاصرة؟

الحلقة الثالثة من سلسلة “الفلسفة وموقعها في فكرنا المعاصر” التي يقدّمها سماحة الشيخ شفيق جرادي، بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<