محورية الفرد في قيم الأسرة الشاهدة في فكر الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)”
شارك سماحة الشيخ شفيق جرادي في اللقاء الأول للدورة البحثية الجديدة لملتقى سكن لمجتمع بمحورية الأسرة بمحاضرة تحت عنوان: “محورية الفرد في قيم الأسرة الشاهدة في فكر الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)“، وذلك نهار الثلاثاء 5/3/2024، الساعة 3:15 عصرًا في قاعة معهد المعارف بمجمع الإمام المجتبى (ع)، أدار اللقاء الإعلامية زينب إسماعيل، وحضره نخبة من المهتمين بشأن الأسرة والمرأة.
استهل سماحة الشيخ محاضرته بتساؤل: هل للأسرة هوية خاصة تلغي هوية الفرد الاجتماعي سواءً داخل الأسرة وخارجها؟ وما هي سمات هوية أي أسرة وفق الإسلام كما قدّمها الإمام الخامنئي؟
ليجيب سماحته، بأن الفرد هو أصل في تكوين مبدأ الاستخلاف الإلهي، بحيث إن كل فرد أودع فيه المولى سبحانه مؤهلات وقوى تحقق خلقه السوي؛ ومن ذلك مبدأ القابلية التي توفر للاختيار والإرادة الإنسانية كل مجالات التكامل والتسامي أو الانحدار والتسافل، ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾[1].
تابع، لذا، كانت أنظمة الحقوق والواجبات والتكاليف لا تقوم إلا على أساس ملاحظة الفرد. وهنا تبرز أصالة الفرد ومحوريته في أي مضمون وسياق اجتماعي أو يتصل بالشأن الحياتي العام. دون أن يعني ذلك أن الوحدات الاجتماعية لا خصوصية لها أو هوية خاصة، بل للأسرة مثلًا أولوية تتجاوز في كثير من الأحيان مصلحة الفرد حينما يتعارض صلاح الأسرة مع مصلحة الفرد الثانوية، بل يمكن الذهاب أكثر من ذلك، أن صلاح الفرد نفسه يتقوم بالغالب الأعم على مقتضى صلاح الأسرة، مما يعطي للأسرة محوريتها الخاصة في رعاية وتدبير تنوع أدوار الأفراد فيها، وبما هي المنطلق لأول وحدة تؤسس للوحدة الاجتماعية مسيرها وسماتها وخصائصها.
ولفت سماحته إلى أنه إذا كانت هذه الإضافة تتسم بالطابع الجمعي للأسرة، فإن القسم الأول من التفاعلات يتسم بالطابع الفردي بتنوعه في الخصائص والأفراد، والجمعي بسماته العامة الموحِّدة لمجتمع أو جماعة الأسرة، ويغلب عليَّ الظن أن للأسرة كما للفرد من الناس، وكما المجتمع أو الشعب من الناس كتابهم الخاص، ومصيرهم الخاص، بحيث كان الخطاب الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[2].
ثم تطرق سماحته إلى الحديث عن الهدف من هذه المحاضرة؛ وهو أن نضع نصب أعيننا توجيهات الإمام الخامنئي (دام ظله) للأسرة بأركانها ودورها، مستفيدين منها بما يتجاوز حد الوصف والتطبيق المباشر الملحوظ فيه البيئة في إيران، وأن توجيهاته انطلقت لرسم مسار دور للأسرة هدفه الدولة الإسلامية. لا نَقِلْ التوجيه إلى حيِّز بيئتنا بخصوصيتها المقاوِمة كمجتمع مقاوم في ظل دولة لا تعتمد الإسلام كمنهج حياة وقانون وسياسة وإدارة، وهذا يعني وحدة التوجيه من الولي وتعدد الخصوصيات في إطار آليات الإجراء لقواعد التوجيه واستهدافاتها.
وفي معرض حديثه عن الإمام الخامنئي والأسرة أكّد سماحته أنه من دون أي اندفاعة عاطفية أو أيديولوجية يمكن القول: إن ما أولاه الإمام الخامنئي للأسرة من كلام يكاد يمتد إلى أوسع نطاق تناوله في خطاباته وتوجيهاته، إذ تارة تناول موضوع الأسرة بعنوانها المباشر، وتارة كان يلحظها في كل مرة تحدّث فيها حول المرأة والشباب والتربية والمؤسسات الشعبية والحكومية وإدارات الدولة فيما يخص توفير الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، بل في كل مرة تحدّث فيها عن مشاكل الثقافة والجامعة والإعلام والظواهر الاجتماعية ومنابر الوعي والإرشاد والمساجد، وصولًا إلى الفن والتظاهرات والجهاد في سبيل الله سبحانه.
وصرّح سماحته، في النموذج الإسلامي، المرأة والأسرة هويتان مشكّلتان للمجتمع، بينما النموذج الغربي جعل من الأسرة تجمّعًا لشراكة تقع وصاية المؤسسات التابعة للسلطة، ورهن المرأة لخدمة أصحاب تراكم رأسمال من الرجال في مصالحهم وملذاتهم.
ولفت سماحته بأن الإمام الخامنئي قد رسم هدفية الأسرة وتكوينها بما يلحظ المستقبل من الأجيال، وقد لحظ بتوجيهاته موقع الأجداد اتجاه الأحفاد وفق ذلك، فضلًا عن الآباء. ولهذا الأمر اعتبر أن الأسرة هي ضمانة تناقل الرسالة الإيمانية وقيمها ومبادئها.
واعتبر سماحة الشيخ جرادي أن حفظ معتقدات وقيم وضوابط المجتمعات رهن للدور الذي تؤديه العائلة. وبهذا المعنى، فلو أردنا أن نتحدث حول مجتمع أو بيئة مقاومة علينا الالتفات إلى الأسرة باعتبارها عماد مثل هذا المجتمع والبيئة.
ثم تطرق سماحته إلى أنه في الإسلام وأدبيات الإمام الخامنئي، فإن الأمر يعتمد على جملة من المسؤوليات المعنية بحفظ مناخ تديني إنساني في العائلة الواحدة، من ذلك:
- السكينة.
- المسؤولية.
- التدين والتآلف.
- تعاقب الثقافة الإسلامية.
وأوضح سماحته، أن هذه الموارد الأربع من خصائص المجتمع المتدين لأسرة متدينة تصيغ سمات وأهداف الأسرة التي ينبغي أن تتوفر عليها.
واعتبر أن السكينة هي لباس التقوى في الحياة الأسرية التي تعمل فيها العائلة على ترتيب كل ما يتصل بعناصر الرضا؛ إذ يرضى فيها الابن عن آبائه وحياتهم، ويرضون عنه، وفي ذلك تمثل لمقام الرضا الإلهي “رضا الله من رضا الوالدين”.
تابع، وهذا ليس مجرد رغبة أو أمنيات، بل مسؤولية ينبغي أن ينتهجها كل من الأب والأم، في مبادئ من التسامح وغض الطرف بالعفو، وينبغي أن ينتهجاها بتربية الأبناء على مثل تلك المسؤولية، فلا ينبغي ونحن نربي الأبناء على روحية تحصيل الرضا إلا أن نجنبهم طغيان روحية الاستئثار أو استرجاع الحق بالتواكل أو الضغينة.
أضاف، فالقيمة الحاكمة أن كرامة الفرد برضا الرب والوالدين وقيم الأسرة. والفرد هنا مسؤول عن تدين الآخرين، يشجِّعهم على العبادة وخدمة العباد، والبذل في الرفعة الروحية والكرامة، وهذا ما أفهمه من قول الرسول (ص): “جهاد المرأة حسن التبعل لزوجها”[3]. موضحًا، بأن تطيعه وأن تساعده على تحسين ظروف عبادته وجهاده، ليكون نموذج الصدق الإيماني في قلوب الجيل القادم من الأبناء.
وأشار سماحته، إلى أن المسؤولية في تجنّب الخطر الأخروي، والرجاء الإلهي لا يرتبط بالفرد، بل بالأهل أجمعهم، وشرط توفره التدين ومراعاة الأحكام الشرعية وِفق الإمام الخامنئي، وهو الأمر الذي علينا أن نضمنه في تربية المعرفة على الأحكام الشرعية وقيم التدين كأولوية تفوق كل أولوية لثقافة الشهادات والكفاءات العلمية والتعليمية المطلوبة أصلًا.
وصرّح سماحته بأن هذه الملاحظات لقوام عائلة إسلامية محددة هي عينها ما ينبغي أن تشكّل عماد العائلة الممتدة بالزمن والتاريخ، وهي تشكل الوحدة العظمى لبناء وحدة مجتمعية متراصّة الإرث فيها للتدين قبل النسب، وللمسؤولية قبل التشرف، وللجهاد المفضي للسكنية قبل أي اعتبار آخر.
وأضاف، قبل أن أطوي هذا الجانب، أود القول: إن ضمانة استمرار المقاومة في حركة الأجيال القادمة حتى بزوغ فجر الحق المهدوي تكتبها أسر وعوائل المجاهدين اليوم، وبما أن لهم هذه القيمة التأسيسية، فإن واجبات الحفظ لسكينتهم وروحهم الراضية وإرادتهم المسؤولة، وثقافتهم المحمدية العلوية هي من أكبر وأعظم الواجبات الجهادية.
ثم تطرق سماحته في محاضرته إلى الحديث عن بعض التوجيهات للإمام الخامنئي؛ فقد أوصى مثلًا الشباب بالعناية بأسرهم، وتكوين أسر ناجحة متفاعلة منخرطة مع المجتمع ومع العائلة.. أيضًا ووجّه للرجال والمسؤولين تخصيص أوقات لعوائلهم يعبِّرون خلالها عن اهتمام عميق وواسع بحاجات العائلة المنزلية والروحية، والتواصل مع الزوجة باعتبارها تحمل قيمة عالية في حياته، وفي الدور المنوط بها، وأن يفتح أفق تواصل من الأبوة الصادقة والصديقة مع الأبناء فيما يخص معرفتهم بالحياة، وتقوية دورهم في الشأن العام، وأن يهتم بشكل سليم وبتواضع رحيم مع تنميتهم الروحية ومعارفهم الدينية، فإذا سُئل أمرًا ولا يعرف جوابه مثلًا، فليقل سأبحث عنه، وليسأل، وليراجعهم فيه، فينمو في معرفته وينمّيهم.
تابع، أما المرأة فلقد خصص لها قسطًا وافرًا من الاهتمام، منطلقًا من دفع شبهة امتياز الرجل عن المرأة في الإسلام، قائلًا: “الإسلام يتحدث عن الإنسان، ولا اختلاف بين الرجل والمرأة في مجال القيم الإنسانية والإسلامية، ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ…﴾[4]. يذكر المولى عشرة خصائص مشتركة، ويقول: ﴿…أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾[5]… وفيما يتعلق بالواجبات المتبادلة، إن هذه الواجبات متنوعة لكنها متعادلة ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[6]… فكل واجب يكلف لشخص هنا حق قبالته… طبعًا الواجبات ليست نفسها، لكنها متعادلة… والنظرة للواجبات يعتمد على الخصائص الطبيعية للرجل وللمرأة… أما عن الواجبات الاجتماعية، فإن واجبات الرجل والمرأة واحدة. الأدوار مختلفة، لكن الواجبات هي نفسها. معناه أن الجهاد واجب على الرجل والمرأة أيضًا، لكن جهاد الرجل نوع، والنساء نوع آخر”[7].
ثم تطرق سماحة الشيخ جرادي إلى أهمية دور الأم عند الإمام الخامنئي؛ وذلك بقوله (دام ظله): “فيما يرتبط بالأمومة، إن دور المرأة هو دور حق الحياة.. هي صاحبة حق الحياة ثم استمرار النسل والأجيال…. والأمهات سبب الانتقال لعناصر الهوية من العادات واللغة والتقاليد والأعراف والأخلاق… الأب مؤثر لكنه غالبًا بنسبة أقل من الأم… الأمهات من ينثرن الإيمان في الأفئدة، وينشئن الابن مؤمنًا. والإيمان ليس درسًا. إنه نماء وتسام معنوي يحتاج إلى نثر البذور، وهذا نثر تقوم عليه الأم، وكذلك هي الأخلاق وهذا دورها الاستثنائي”[8].
تابع الشيخ جرادي، ويشير الإمام الخامنئي (دام ظله) إلى “أهمية المنزل وأولويته دون أن يرفض الدور الاجتماعي العام ما لم يتعارض مع بناء إنسان الأسرة المجاهدة الشاهدة، ما لم يكن الشأن العام من باب الفريضة عندما تكبر الفريضة يصير لها رجحان حتى على حياة الطفل أيضًا”[9].
وأوضح سماحته، لقد ختم الإمام الخامنئي (دام ظله) صلة الوصل بين واجبات الأسرة الداخلية وواجباتها اتجاه الأمة والمجتمع بمفصل الجهاد، فتوفير السكينة والإيمان وصلة التعاضد على المودة، ورضا العيش، وبناء الجيل هو جهاد الأسرة في مكوناتها الداخلية، وهي وحدةٌ متصلة بوحدة المجتمع الإسلامي، وقضاياه الكبرى العقائدية والحياتية والسياسية، وعلى الأسرة أن تتربى على الإيمان الولائي- التعاضدي مع المجتمع…
وشدد سماحته، بأن لا خصوصية لعائلة مهما كانت قدسيتها عند داعي الجهاد والنفير الاجتماعي والثقافي والسياسي والعسكري مهما بلغت التضحيات، لأنه انتماء إلى مصدر الوجود، الذي هو الله سبحانه في الطاعة والتولي، والعمل والحب والفداء، كل ذلك لله سبحانه أولًا.
وختم سماحة الشيخ شفيق جرادي محاضرته بالقول: إن هذه القيم والوعي الجهادي على العائلة أن تتربى عليه، وإلا لا معنى لبيئة المقاومة والشهادة والتوحيد، كل حسب دوره، وكل حسب إمكاناته وواجباته، ولكل حقوقه.
[1] سورة الإنسان، الآية 3.
[2] سورة التحريم، الآية 6.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 100، الصفحة 247.
[4] سورة الأحزاب، الآية 35.
[5] سورة الأحزاب، الآية 35.
[6] سورة البقرة، الآية 228.
[7] كلمة للإمام الخامنئي (دام ظله) في جمع من النساء 4/1/2023.
[8] من كلام للإمام الخامنئي(دام ظله) في لقاء مع فئات نسائية مختلفة 2023/01/04
[9] المصدر نفسه.
المقالات المرتبطة
استقم كما أمرت: أخلاقيات التولي والتبري جهاد البصيرة والثبات- المحاضرة الثانية
استكمل سماحة الشيخ شفيق جرادي لقاءه الثاني من سلسلة محاضرات أخلاقيات التولي والتبري جهاد البصيرة والثبات
انتهاء الفصل الدراسي الأول
أقامت إدارة التعليم في معهد المعارف الحكمية،قسم الأخوت، اليوم الإثنين في 30-01-2017، نشاطا بمناسبة انتهاء الفصل الدراسي الأول
الدرس التاسع – شرح الدعاء الأوّل من الصحيفة السجادية
نورد في التقرير بعضًا مما أورده سماحة الشيخ شفيق جرادي خلال شرحه لأدعية الصحيفة السجادية، حيث استهل الدرس بالتذكير ببعض ما ورد في الدرس السابق، من أن الله هو صاحب الحب الأعظم لكل خلقه