قصيدة نزار قباني عن الإمام الحسين (ع)

قصيدة نزار قباني عن الإمام الحسين (ع)

شرح وتعليق

الدكتور محمود السيد الفخراني

 

سَأل َالمُخَالِفُ حِينَ أنْهَكَهُ العَجَبْ      هَلْ لِلْحُسَيْنِ مَعَ الرَّوَافِضِ مِنْ نَسَبْ

لَا يَنْقَضِي ذِكْرُ الحُسَــــيْنِ ثَغْرِهِمْ          وَعَلَى امْتِدَادِ الدَّهْر ِيُوقِدُ كالَّلَهَبْ

وكَأنَّ لَا أكَلَ الزَّمَــــانُ عَلَى دَمٍ             كَدَمِ الحُسْينِ بِكَرْبَلَاءِ وَلَا شَرِبَ

أوَلَمْ يَحِنْ كفُّ البُكَــاءِ فَمَا عسى           يُبدِي ويُجدِي وَالحُسَيْن ُقَدِ احْتُسِبْ؟

فَأجَبْتُــــهُ مَا لِلْحُسَـــيْنِ وَمَا لَكُمْ             يَا رَائِــــدِي نَدَوَاتِ آلِيَةِ الطَّرَبْ

إنَّ لَم يَكُنْ بَيْنَ الحُسَــــــيْنِ وَبَيْنَنَا             نَسَــــبٌ فَيَكْفِينَا الرَّثَاءُ لَهُ نَسَبْ

وَالحُــــرُّ لَا يَنْسَى الجَمِيلَ ورَدَّهُ             وَلَئِنْ نَسِى فَلَقَدْ أسَاءَ  إلى الأَدَبْ

يَا لَائِمِـــي حُبُّ الحُسَــيْنِ أجَنَّنَا           وَاجْتَاحَ أوْدِيَــــةَ الضَّمَائِرِ وَاشْرَأَبْ

فَلَقَد تَشَرَّبَ في النُّخَاعِ وَلَم يَزَلْ           سَــرَيَانُهُ حَتَّى تَسَـــلَّطَ في الرُّكَبْ

مَنْ مِثْلُهُ أحْيَــا الكَرَامَــــــةَ حِينَما             مَاتَتْ عَلَى أيْــدِي جَبَابِرَة العَرَبْ

وَأفَاقَ دُنْيَـــــا طَأْطَأَتْ لِوُلَاتِهَـــــا               فَرْقَى لِذَاكَ وَنَالَ عَالِيَـــةَ الرُّتَبْ

وَغَـــدَا الصُّــمُودُ بِإثْرِهِ مُتَحَفِّزًا                وَالذُّلُّ عَنْ  وَهَجِ الحَيَاةِ قَدِ احْتَجَبْ

أمَّا البُّكَـــــاء ُفَذَاكَ مَصْــدَرُ عِزِّنَا              وَبِــــهِ نُوَاسِـــيهِمِ لِيَـــوْمِ المُنْقَلَبْ

نَبْكِي عَلَى الرَّأْسِ المُرَتِّل آيَــــةً                وَالرُّمْحُ  مِنْبَرُه ُوَذَاكَ هُـــوَ العَجَبْ

نَبْكِي عَلَى الثَّغْــــــرِ المُكَسَّرِ سِنّهُ              نَبْكِي عَلَى الجسَدِ السَّلِيبِ المُنْتَهَبْ

نَبْكِي عَلَى خِدْرِ الفَوَاطِمِ حَسْرَةً            وَعَلَى الشـبيبة قُطِّعُــــوا إرَبًا إرَبْ

دَعْ عَنْكَ ذِكْرَ الخَالِدِين َوَغَبْطَهُمْ             كَيْ لَا تَكُون َلِنَارِ بَارِئِهِمْ حَطَبْ

وقفة مع اللغة

 القصيدة من بحر الكامل والقافية الباء الساكنة، وهي عبارة عن حوار دار بين أحد الروافض ومخالف له، وتقع في سبعة عشر بيتًا.

الروافض: جمع  رافضي) وهو مصطلح قديم لتسمية الشيعة، ويُعرف المصطلح بين عموم أهل السنة قديمًا)، أما حديثًا فيُستعمل بشكل كبير من قبل بعض حركات وجماعات الإسلام السياسي التكفيرية، وتشير الكلمة لعدم اعتراف (رفض) الشيعة بالخلفاء أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان كخلفاء شرعيين للنبي محمد، ويعتبرون علي بن أبي طالب أحق بالخلافة.

ومعنى الكلمة المعجمي هو “الترك”. وقد ذكر ابن منظور: “الرفض تركك الشيء، تقول: رفضني فرفضته، رفضت الشيء أرفضه رفضًا. تركته وفرقته، والرفض: الشيء المتفرق والجمع: أرفاض”. قال ابن تيمية الحرّاني التكفيري الأول في أصل تسمية الرافضة: “من زمن خروج زيد – يقصد زيد بن علي – افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما، رفضه قوم فقال لهم: رفضتموني. فسُمّوا رافضة لرفضهم إياه، وسُمّي من لم يرفضه من الشيعة زيديًّا لانتسابهم إليه”.

 لا أكل الزمان عليه ولا شرب: كناية عن طول المدة، وهي كناية أقرب إلى العامية منها إلى الفصحى.

ندوات آلية الطرب: تعبير المقصود به كل أماكن اللهو التي يرتادها السفهاء.

 ولئن نسي: هي في الأصل نسيَ بفتح الياء، واضطر الشاعر إلى نطقها بمد الياء حفاظًا على الوزن الشعري، ولا أعتقد أن هذا من ضرورات الشعر.

 اشرأب: مد عنقه وارتفع، وفيه كناية عن تمكن حب الحسين من القلوب.

 طأطأت لولاتها: كناية عن الذل والهوان.

 فرقى: خائفة جزعة. جاء في لسان العرب: فرَق بالتحرك الخوف، فرِق منه بالكسر فرقًا، جزع، فرِق عليه فزع وأشفق، ورجل فرِق وفرُق وفَروق وفَرٌوقة وفُرُوق وفُرُوقة وفارُوق وفارُوقة، والتاء في كل هذه ليست لتأنيث الموصوف بما هي فيه، إنما هي إشعار أريد من تأنيث الغاية والمبالغة، وامرأة فَرُوقة ولا جمع لها، ويقال للمؤنت فروق أيضًا، ولم يرد لفظ (فرقى).

 الخِدْرُ: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كلُّ ما واراك من بَيْتِ ونحوه خِدْرًا، والجمع خُدُورٌ وأَخْدارٌ، وأَخادِير جمع الجمع؛ والفواطم: المنتسبات إلى السيدة فاطمة الزهراء[ع].

شرح الأبيات

  1. الأبيات من الأول إلى الرابع

الروافض اسم يطلق على الشيعة الإثني عشرية، والمخالف الذي يخالفهم في معتقداتهم، والحسين هو الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله، يسأل هذا المخالف الذي أخذ منه العجب كل مأخذ إن كانت صلة نسب تربط الروافض بالحسين (ع)، ذلك لأنه رأى أنهم يذكرونه دائمًا ولا يفتر لهم لسان عن ذكره، وعلى مدى سنوات الدهر لا يزال يشعل الحزن في صدورهم، ومن يراهم هكذا يظن أن دم الحسين الذي أريق بكربلاء لم تمر عليه هذه السنون الطويلة، ثم يتساءل متى يكف هؤلاء عن البكاء الذي يرى أنه لن يظهر الحسين مرة أخرى، ولن يجدي نفعًا والحسين قد مات واحتسب أمره عند الله تعالى.

  1. الأبيات من الخامس إلى التاسع

هنا يجيب الشاعر هذا المخالف فيقول: إن ليس له أن يسأل مثل هذه الأسئلة لأنه من المتلهين بأدوات الطرب، ومن مثله لا تربطه بالحسين [ع] أية صلة، ثم يقرّر أنه إن لم يكن بين الحسين والروافض صلة نسب فرثاؤه يكفيهم أن يكون له صلة نسب، وقد جبل الحر على عدم نسيان الجميل ورده بمثله، فإن نسي ففي نسيانه إساءة إلى قيمة الأدب، ثم يخاطب الشاعر محب الحسين من يلومه مؤكّدًا أن حب الحسين أصابهم بالجنون وقد غزا ضمائرهم واستقر بها كما يستقر المحتل في أرض احتلها، واشرأب أي علا ومد عنقه، وفيه كناية عن قوة التسلط عليهم. فقد تشرّب هذا الحب إلى النخاع وظلّ يسري به حتى وصل إلى الركب.

  1. الأبيات من العاشر إلى الثاني عشر

يعدد الشاعر في هذه الأبيات مآثر الحسين (ع)، فيقول: إنه أحيا الكرامة في النفوس بعد أن أماتها الجبابرة من حكام العرب وجعل الدنيا تستفيق بعد أن ذلت للولاة وهي حزينة، لذلك نال رتبة عالية بين الأنام فتحفز الصمود على إثره واختفى الذل عن بريق الحياة المتوهج.

  1. الأبيات من الثالث عشر إلى الأخير

أما عن البكاء الذي أبدى المخالف تعجبًا لاستمراره على مدى هذه السنوات الطويلة فيقول الشاعر: إنه مصدر عزهم؛ أي إن البكاء يشعرهم بالعزة ويواسون به آل البيت (ع) إلى يوم القيامة، ثم يقول: إنهم يبكون رأس الحسين التي كانت تتلو القرآن من فوق منبر الجهاد في سبيل الله وقد رمز له بالرمح، وهذا من عجائب الأمور، ويبكون فمًا تكسّرت أسنانه، وجسدًا تم انتهابه من التعذيب، يبكون خدر الفواطم- يقصد أخوات الحسين بنات فاطمة الزهراء، ويبكون الشباب الذي تم تقطيعه.

وفي الختام ينصح الشاعر هذا المخالف أن يدع الحديث عن الذين خلّدهم التاريح لأفعالهم الحميدة، أو لعله يقصد الخالدين في الجنة، وأن يدع غبطهم كي لا يكون مصيره نار جهنم.          


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الروافضالأبياتالفواطمالشاعرالشيعةالإمام الحسين

المقالات المرتبطة

نشأة الباطنية وأثرها في الأديان (2)

أسرار الهند وأما بلاد الهند فهي مجمع الأسرار، وموطن الأساطير، تمتاز بتعدد الأصول العرقية وتنوع الديانات، وكثرة اللغات التي زادت

الفكر العربي الحديث والمعاصر | المنهج عند الدكتور علي زيعور

يقول محمد عبد الرحمن مرحبا: “إنّ صديقه علي زيعور هو مؤسس مشروع الفلسفة في العالم والتاريخ وللمستقبل، وأول من قال

النهج الفاطمي

تطرقنا سابقًا إلى موضوع التأسي، وقلنا إنّه علينا أن نبحث كثيرًا في كل ما يرتبط بخصوصيات السيدة الزهراء (ع) من أجل أن نتبعها ونقتدي بها

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<