الديمقراطية في التجربة الغربية

by الدكتور أحمد ماجد | أبريل 14, 2016 10:32 ص

يعتبر مفهوم الحاكمية أو السيادة من المفاهيم المركزية، التي أُنتِجَتْ منذ عصر النهضة الإسلامية الأولى، وهي جاءت نتيجة التعارف بين الحضارات، وفي لحظة تاريخية، أخذ العالم الإسلامي ينظر إلى التقدم الحضاري في أوروبا، وما ينتجه من مفاهيم ثقافية وسياسية، ويحاول أن يجد في تراثه الدينيّ والحضاريّ ما يماثلها أو يتكيّف معها، من أجل سدّ الثغرة الحضارية، التي أخذت بالاتساع.

 فهذا المفهوم لا ينتمي إلى الحقل الدلالي الإسلامي، كما هو معروف، وهو لا يتكأ إلى مرجعية نصِّية، يمكن الركون إليها للتأسيس له، – وإن كان الإسلام قد عالج الموضوعات المرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر -، فهو وُلِدَ في سياق تطور الحضارة الأوروبية، عندما أخذت هذه القارة تخرج من التقليد الديني الذي حكمها منذ القرن الثاني للميلاد؛ – عندما تبنى الأمبراطور الروماني المسيحية كديانة رسمية للدولة-، وأخذت تُعيد إنتاج نفسها على أساس النظرة الإنسية، التي لا تنفي الدين، ولكنّها تجعله جزءاً من مكونات الذات، التي تتشابك مع أصول مرجعية أخرى، لا تقلّ عنها أهمية.

وهذا الحفر في الذات، أدى إلى الكشف عن المنسيّ والمُهمَّش، فأعادة تأويله بما يتناسب مع الوقائع الجديدة، فاستحضرت العقل وقيم الحضارة المادية اليونانية، ومن جملة الأمور التي أعادت لها الاعتبار الديمقراطية، ولكنّها لم تكتفِ بذلك، إنّما قامت بإعادة ضبطها على مقتضى وقيم الحضارة الأوروبية الناشئة، وعبر وضعها على أسس قانونية قابلة لتتحول إلى مرجعية، يقوم عليها مبدأ الضبط والاحتساب.

 بالتالي، عَمِلت الحضارة الأوروبية على إعادة إنتاج ما هو موجود عبر ربطها بقيم الحضارة الناشئة، فلم يعد هذا المفهوم مجرد أمر يمكن الحديث عنه بشكل مباشر، وعبر عملية تحليل لغوي، إنّما يكتسب مكانته من العناصر القيمية المؤسسة له، وعبر تجلِّيه في المؤسسات الناتجة عنه.

فهو ليس مفهوماً مجرداً، يمكن تحديده باعتباره قول، فهو شكل من أشكال تجلّي قيم الحداثة بكلّ مفرداتها، لا سيما قيمتها العليا والمطلقة المتمثلة بالدولة، التي جاءت لتعلن نفسها صاحبة السيادة الحقيقية، فأخذت من الناس حقّهم في إنتاجها، وسمحت لهم بالمقابل بحقل تداولي أسمته الديمقراطية/ الحاكمية، يسمح بشكلّ مستمر في تغيير الحقل دون المساس بالأصل، وعلى الرغم من اختلاف أنواع الديمقراطية وتفرّقها إلا أنّها تجتمع في أصل ثابت هو الدولة صاحبة السيادة، وهذا الأمر لم تستطع حتى الماركسية الخروج منه، فتحوّلت عندما ترافقت مع عنصر عقدي إلى سيادة مطلقة، تمارس عنفها اتجاه الآخرين.

لذلك، لا يمكن التعاطي مع هذا الموضوع بشكلّ جزئي، دون النظر إليه بتعلقاته، فهذه النظرة تؤدي في الكثير من الأحيان إلى حكم، يمزج بين المعطى المتعالي (الدولة) والحقل، فينّظر لهما باعتبارهما أمراً واحداً، يمكن تحديد الأول على ضوء الثاني، مع العلم بأن الأول بما هو صاحب السيادة، يحدد دور الثاني ويحكمه، وهذا ما سنحاول أن نتابعه من خلال هذه الورقة، التي ستعالج مسألة الحاكمية (الديمقراطية)، فتبدأ باستعراض كيفية حضورها في التراث الحضاري الغربي، لتنتقل بعد ذلك للحديث عن انتقالها إلى العالم الإسلامي، والإشكاليات والتساؤلات، التي رافقتها، والمتعلقة بمشروعيتها وإمكان استخدامها، وعلاقتها بالشعب. تحميل البحث

 


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/3406/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9/