التفسير الديني للتاريخ
تعد إشكالية التفسير أهم مقومات دراسة التاريخ، إذا تتعلق بالكشف عن الأسباب والعلل التي تحرك الأحداث والوقائع، وتحولها إلى مقومات تتضمن الأحكام العامة. وتتفاوت قيمة إنجازات المؤرخين في هذا الصدد، فيكتفي البعض بتحقيق الروايات لإثبات مصدقية الحدث ليس إلا، ودون ولوج باب التفسير أو حتى التعليل. ولا غرو، فقد ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن التحقيق هو غاية المؤرخ، أما التفسير فيعكس رؤية المؤرخ الخاصة، بما يسهم في تضبيب الأحداث والوقائع، ويزيد في غموض الحقائق الموضوعية بإضافة “عندياته” التي تحتمل الصواب أو الخطأ. على أن الاتجاه يفت في قيمة عمل المؤرخ، لأن علمًا بلا تعليل أو تفسير، أنما هو علم ناقص. عندئذ يتحول المؤرخ إلى “إخباري” يقتصر دورة على جمع الروايات وتدوينها. ويترك المجال لغير المتخصصين لتفسير الأخبار، بما يثير البلبلة والتخبط. وعندنا أن التعليل والتفسير أمر لازم لكي يكون المؤرخ بحق مؤرخًا، فلا علم بلا سببية. بل إن مهمة العلم الأولى هي استكناه العلل والأسباب التي تكشف عن الحقيقة. وإذا كان التعليل تعبيرًا عن رأي المؤرخ، فيعبر التفسير عن رؤيته. وقد تتعدد الآراء وتتنوع الرؤى حسب درجة ثقافة المؤرخ، فيعبر التفسير عن رؤيته. وقد تتعدد الآراء وتتنوع الرؤى حسب درجة ثقافة المؤرخ ووضعيته الطبقية ومعتقداته الدينية والمذهبية وأيديولوجيته السياسية.
ولعل هذا يفسر تعدد الآراء وتنوع الرؤى بصدد دراسة وتثمين حقبة تاريخية معينة، أو حتى بالنسبة لحدث تاريخي عظيم الشأن. ومع ذلك، فلا مندوحة عن ولوج باب التفسير حتى يكتمل دور المؤرخ، وتتكامل مهنته ورسالته، وهو أمر جد عسير، لارتباطه بقدرة المؤرخ وتميزه لا لشيء إلا لأن المهمة تدخل في إطار “فلسفة التاريخ”.