دور الجامعات في التربية على الحوار والعيش المشترك
خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين وأراد لنا أن نظل كذلك، وبث هذا الاختلاف في جميع مخلوقاته، في الإنسان والنبات والحيوان والجماد، فاختلفت طبائعها ووظائفها وألوانها وأشكالها وأحجامها، وهذا الاختلاف والتعدد والتنوع هو من مشيئة الله، وهذا الاختلاف يتطلب حوارًا، والحوار بشتى أشكاله يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع والفكر وفي الاجتهاد والرؤى، ولكن الاختلاف لا ينبغي أن يكون مجالًا للتفرقة بل للمحبة والتعاون والتفاهم والتعارف والصداقة، فالقبول بالتعدد والتنوع والاختلاف ركائز من ركائز الحوار، ومن العبث إلغاء الآخر، ومن المستحيل تحويل الاختلاف إلى خلاف.
وعلى هذا فالاختلاف سنة طبيعية، وإذا ما التزم الناس بآدابه وأقروا بقوانينه، كان ظاهرة اجتماعية إيجابية، لأنه سيكون في سياق التكوين والخلقة والنشأة الأولى. نعم المشكلة تبدأ فقط عندما يتحول هذا الاختلاف إلى نزاع وجدل وشقاق، فيضعف الجميع وتذهب ريحهم. لأن إرادة الله سبحانه وتعالى أن يكون التقارب من خلال التباعد، وأن ينشأ الاتفاق من الاختلاف، وأن يخرج التآلف من رحم التباين. ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة متحدي الأفكار والمشارب والأهواء والمظاهر، ولكنه جعلهم شعوبًا وقبائل مختلفي الأعراف والألوان والأديان والنوازع والمصالح، ليتقاربوا ويتعارفوا ويتعاونوا ويتكاملوا، وجعل الإنسانية الواحدة في حقيقة جوهرها منطوية على التنوع والتعدد. وحين تدرك المجتمعات الإنسانية هذه الحكمة الإلهية فإنها ستتعامل معها بالأسلوب الذي أراده الله لها: بالحوار، والتسامح، والموعظة الحسنة، والكلم الطيب، وليكون التنوع والتعدد مصدر حياة وقوة، لا تناحر واقتتال وخصام. تحميل الدراسة