الحركـة الجوهريـة والدِّيـن
تتَقَاطعُ الفلسفة عمومًا مع الدّين في المسائل العامة التي تكون موضع بحث مشترك فيما بين الاثنين، ويتمايزان من بعضهما بأن لكلٍ طريقته في الوصول والإيصال إلى نتيجة ما يبحثه، والبلوغ إلى الغاية فيه.
ففي حين تُسلم الطريق الدينية إلى أجوبة قاطعة على الأسئلة المطروحة توقف قلق الاستفهام والتساؤل، بما تمنحه من يقين وجزم، لا تقف الطريق الفلسفية بإجاباتها لتهدِّئ من روع هذه التساؤلات إلاّ لتثير أسئلة أخرى حولها، ولتجيب عليها من جديد، وهكذا.
وفي الوقت الذي يتسم به موضوع ما بأنه صواب أو خطأ من الوجهة الدينية، لا يمكن إطلاق حكم القيمة هذا على موضوع ما داخل فلسفة معيّنة إلاّ بمقدار ما يتناسق مع المنظومة العامّة لهذه الفلسفة من جهة، وتماسكها وخلوها عن التناقض من جهة ثانية.
وقد شهد تاريخ الفكر الإنساني -على اصطباغ ألوانه- فيما شهد، محاولات للتوفيق بين سبيلي البحث المذكورين. بوصف هذه المحاولات حلًا وسطًا بين من انحاز إلى هذه أو تلك -بشكل حاسم- من الطريقين، اللذين وقف كل واحد منهما إزاء الآخر، على درجات مختلفة من التفاوت بلغت في أقصاها حدَّ العداء. وهذا القول يعم كافة الأديان كما يستخلص من تاريخها.
وإذا ما أردنا الكلام في تاريخ الفكر الإسلامي عما ذكرناه، وجدنا على سبيل المثال محاولة نصير الدين الطوسي(597-673هـ/1201-1274م) ومحاولـة ابن رشد، بشكل مبلور وصريح. ولم تكن جهود آخرين من فلاسفة المسلمين بعيدة عن ذلك بدرجة أو أخرى من القوة.
درج حكيم شيراز على هذا المسلك دافعًا به إلى أقصى مدًى أمكنه ذلك، وسنرى فيما يلي بعضًا من ملامح محاولته، وكيف نظر إلى خطير من المسائل الدينية، في ضوء نظريته عن الحركة الجوهرية بعد إذ استغلظت واستوت على سوقها، تعجب صاحبها، مؤتيته يانع ثمرها. تحميل الدراسة