السيادة الشعبيّة الدينيّة (معالجات في التطبيق)
مقدّمة
تشكّل مرحلة الاختبار لأيّ نظريّة من النظريّات لا سيّما إذا شكّلت جديدًا على الساحة الفكريّة نقطة أساس في تاريخ تلك النظريّة، بل إنّ ما يقع عادة هو أن تنطلق الأحكام على النظريّة من خلال تجربة التطبيق، فالحكم بالصحّة والخطأ، وتوجيه سهام النقد للنظريّة تجده يضع أمامه مرحلة العمل بالنظريّة.
ولعلّ هذه العادة الخاطئة الحاكمة على الكثير من الدراسات التي تحاكم بعض النظريّات، تكون صائبة بشكل جزئيّ، ولكنّ المشكلة تكمن في التعميم الذي يظلم الفكرة بل قد يقوم بوأدها نهائيًّا.
فمن الواضح أنّ وضع النظريّة في مختبر التجربة سوف يثير بعض الملاحظات عليها، وسوف يكون عاملًا مولّدًا لإشكاليّات لا بدّ من النظر فيها من جديد بلحاظ المكوّنات الأساس لهذه النظريّة التي قد يتناقض أو يتهافت بعضها مع التجربة التطبيقيّة. ومن هذه النقطة بالتحديد، نصل إلى أنّه لا يمكن لنا أن نتجاهل هذا كلّه، أو نخطّئه بتمامه، بل لا بدّ من إعادة النظر وفي إطار المنهج المعتمد لدراسة النظريّة والعمل على تقديم إجابات.
نعم، بعض ملاحظات التطبيق لا ترجع إلى نفس النظريّة، بل ترتبط بآليّات التطبيق أو بالتجربة الأولى الماثلة أمامنا للنظريّة، وهذا لا يبرّر نقد نفس النظريّة ومكوّناتها بل ينبغي أن يوضع ذلك في حدوده الخاصّة.
وعندما نتحدّث عن السيادة الشعبيّة الدينيّة، وبعد أن نتجاوز المفهوم النظريّ لها، لا بدّ وأن نعالج ما يرتبط منها بجانب التطبيق، فهل هذه النظريّة تصطدم بالفعل ببعض الملاحظات التي تجعلها غير صالحة تمامًا. فنحن أمام تجربة عمليّة لهذه النظريّة، تتجلّى فيها النظريّة بنظمٍ تحكم دولة مترامية الأطراف، متعدّدة الأعراق، تحوي في داخلها اتجاهات مختلفة ومذاهب متعدّدة، ولكنّها استطاعت أن تجمع الكلّ في إطارها النظريّ هذا، كما شهدت تطوّرًا لافتًا في كافّة المستويات؛ ومنها أنّ مستوى نمط وشكل السلطة أصبح ينافس نظريّات الغرب بكلّ ما تحمله من جذابيّة ونفوذ.
كما أنّنا أمام خطابات أصحاب هذه الرؤيا التي تحكي بوضوح تجربتهم الفعليّة وكيف أمكنهم العمل على تطبيق هذه النظريّة.
فتتناول مقالات هذا الكتاب بعض الدراسات التي تناولت نظريّة السيادة الشعبيّة من الناحية التطبيقيّة لتبحث في ملاحظات يمكن أن تسجّل على هذه النظريّة.
ففي المقالة الأولى والتي تتحدّث عن “مصادر وأصول ومكوّنات السيادة الشعبيّة الدينيّة”، نسعى لمعالجة الدليل الذي يجعل لهذه النظريّة رواجًا عمليًّا مقنعًا في الأوساط التي تُعنى بالموضوع.
أمّا المقالة الثانية “تجربة السيادة الشعبيّة الدينيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة” فتسعى لقراءة نموذجٍ ماثلٍ بين أيدينا، يعمل على تطبيق النظريّة في عالمنا اليوم.
وفي المقالة الثالثة والتي تحمل عنوان “السيادة الشعبيّة الدينيّة في خطاب القائد الخامنئي” نتحدّث عن النظريّة لدى رائد هذه النظريّة والذي نظر لها في خطاباته ووقف على رأس التجربة الفعليّة التي تشكّل تطبيقًا لهذه النظريّة.
والسلام عليكم ورحمة الله
السيّد علي عبّاس الموسوي