النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية
بدعوة من المنتدى الفلسفي في معهد المعارف الحكيمة، وبمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، تم يوم الثلاثاء في 15 تشرين الثاني 2016 افتتاح الندوة الإقليمية “النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية”.
البداية كانت مع مدير قسم الدراسات في معهد المعارف الحكمية الدكتور أحمد ماجد، الذي استعرض الإنجاز العلمي الذي عمل عليه المعهد بشكل دؤوب على مدار عام كامل وهو “المكنز المنطقي المتخصص”؛ “المساحة العلمية الواسعة التي يقدّمها معهد المعارف الحكمية للباحثين في هذه الأمة الإسلامية في مجال المنطق”، محددًا المراحل تم إنجازها في هذا العمل بالتالي:
-تحديد 7556 كلمة مفتاحية والعمل عليها وتبويبها وإخراج تفرعاتها.
-تحديد الموضوعات المركزية التي تشكل كلمات مفتاحية للكتب المنطقية.
-تحديد الكلمات الأعم والأخص والمترابطة لكل كلمة مفتاحية.
-إنجاز الخريطة الكاملة للمنطق.
-إنجاز المصطلحات المنطقية بشكل كامل.
-إنجاز خريطة معرفية كاملة تحمل كل موضوعات المنطق مع تفرعاتها المرتبطة بها.
ومن ثم ختم رئيس معهد المعارف الحكمية سماحة الشيخ شفيق جرادي الجلسة الافتتاحية، بمداخلة أثار فيها مجموعة من الأسئلة، كما وضع عدد من الملاحظات، أتت على الشكل التالي
-هل حملت الفلسفة الإسلامية بمعناها التقليدي في طياتها نظامًا خاصًا متماسكًا، يمكن أن نعبر عنه بالنظام الفلسفي؟
-هل اكتسب البحث الفلسفي في حوزة الدراسات الإسلامية طابع النظام الفلسفي؟
-هل إذا ما مارس أحد ما نقدًا على هذه المدرسة أو تلك، فإنما يتعامل مع هذه المفردة وتلك بحيث يغيب طابع البحث العام في أصول ومرتكزات المدرسة الفلسفية فضلًا عن النظام الحاكم فيها؟
-هل تغلبت الروح التعلمية للفلسفة الإسلامية على الممارسة النقدية المنهجية والبحثية خاصة فيما يرتبط بمدرسة الحكمة المتعالية؟
-هل بإمكاننا تجاوز الإطار التعليمي والسعي نحو إيجاد خطاب ولغة فلسفية إسلامية معاصرة تقوم بالاستناد على النظام الباني للفلسفة الإسلامية على اجتراح معالجات راهنة؟ أم أن السكونية والجمود هي الروح الغالب والسائد في كل أفق معرفي إسلامي؟
أما اليوم الثاني، في 16 تشرين الثاني 2016، فشهد البدء بالأعمال العلمية لهذه الندوة الإقليمية، حيث تقاسمت هذا اليوم المحاور الثلاث التالية:
-المحور الأول: الملا صدرا وموقعية مشروعه في سياقات الفلسفة.
-المحور الثاني: الوجود في فلسفة صدر الدين الشيرازي.
-المحور الثالث: العالم وإشكاليتي الزمان والمكان في فلسفة صدر الدين الشيرازي.
في المحور اللأول قدم الشيخ علي جابر، ورقة تحت عنوان “صدر الدين الشيرازي وفرادته الفلسفية”. حدد فيها موارد فرادة الملا صدرا، ضمن ثلاثة أبعاد: “الزمن، والمنهج، والأفكار”.
ففي الفرادة الزمنية: “جاءت الحكمة المتعالية في سياق زمني شهد تراجعًا للعلوم الفكرية والعقلية في العالم الإسلامي، وفي الفرادة في المنهج، فإن “قيمة كل منهج تتحدد بالقياس لقدرته على التجديد والإبداع ولا يتوفر ذلك إلا بتوفر عنصرين:
-الغنى في العناصر العلمية.
-القدرة على إيجاد التناغم والانسجام بين العناصر.
ونلحظ في الحكمة المتعالية التعددية العلومية في المنهج، ووجود دراسات وعلوم متعددة عند دراسة المسائل، وتوفر منهج منطقي لتحليل المعطيات والوصول إلى النتائج. كما وجمعت أيضًا – الحكمة المتعالية – علوم: الكلام، والفلسفة، والعرفان، والحديث والتفسير بشكل تكاملي بديع، ففي بحثعه في إثبات الصانع نجده يعرض أدلته بطريقة الحكماء، والإلهيين، وعلماء النفس والمتكلمين في آن واحد”.
ومن ثم قدّم السيد علي الموسوي، ورقة حول “تطور البرهان العقدي عند صدر المتألهين”، أوضح فيها دوافع تطور البرهان بالتالي:
-اختلاف وتطور القبليات
-توالد الاحتمالات المبطلة أو المحددة لدائرة البرهان الأمر
وقدّم السيد الموسوي ورقته ضمن النقاط التالية:
-البحث في المفهوم
-الخصوصية في تطوير البرهان العقدي
-تصنيف براهين إثبات الله.
-خصوصية صدر المتألهين في فلسفته في برهان الصديقين
-في تقسيم طريقة برهان الصديقين لدى صدر المتألهين
ومن ثمّ تبعه سماحة الشيخ محمد زراقط الذي قدم آخر الأوراق البحثية في المحور الأول من هذه الندوة الإقليمية تحت عنوان “حضور الحكمة المتعالية في الدراسات الفلسفية الإيرانية”.
والتي تولت تقديم “لمحة عن المجالات التي يشتغل عليها في الفكر الإيراني حول مدرسة الشيرازي، فأشار أن الحكمة المتعالية تحولت إلى الإطار الفكري الثقافي الناظم للكثير من الاشتغالات الفكرية في البيئة الإيرانية.
كما أورد تصنيفًا لمجالات الاشتغال الفكري بالملا صدرا، بحسب الشكل التالي:
“أولًا الشرح والتظهير.
ثانيًا مقارنة الحكمة المتعالية بغيرها
ثالثًا استثمار الفلسفة الصدرائية في مجالات متنوعة
رابعًا نقد فلسفة ملا صدرا
أما المحور الثاني والذي تناول موضوعات “الوجود في فلسفة صدر الدين الشيرازي”، افتتح البحث فيه الشيخ الدكتور أحمد جابر، الذي تحدث عن “محورية أصالة الوجود في المدرسة الصدرائية”.
فاعتبر أن “القول بأصالة الوجود واعتبارية الماهية، وكون حقيقته واحدة مشككة، هما ركيزتي الحكمة المتعالية وهذا ما يشير إليه أكثر الباحثين فيها، ولو غضضنا الطرف عن هاتين الركيزتين أو أعرضنا عليها فإن جميع مباحث الحكمة المتعالية تصبح آيلة للسقوط.
في إطار استدلال صدر المتألهين على القول بأصالة الوجود واعتبارية الماهية، يمر علي مجموعة من المسائل
-التأكيد على الصلة الوثيقة بين مسألتي أصالة الماهية والقول في وجود الكلي الطبيعي في الخارج.
-بيان الفرق بين مفهومي الوجود والماهية في انطباقهما على الواقع الخارجي.
-إبطال القول بأصالة الوجود والماهية.
وختام هذا المحور كان مع الشيخ مازن المطوري مع ورقته البحثية المعنونة “معاينة لأصالة الوجود في الفلسفة الوجودية لصدر الدين الشيرازي”. والتي أشار فيها إلى أنّ “المدرسة الفلسفية لصدر الدين الشيرازي، مدرسةً وجوديةً بمعنى أنها تنطلق من الإيمان بالواقعية كفاصلة بين الفلسفة والسفسطة، وتؤسس الأحكام المختلفة كأصالة الوجود ووحدته التشكيكية وكون المعلول رابطًا بعلته”.
وفي المحور الثالث، وتحت عنوان “العالم وإشكاليتي الزمان والمكان في فلسفة الشيرازي”، قدّم سماحة الشيخ حسن بدران “قراءة في العالم والحركة”، أعلن فيها بأننا “مع الشيرازي نكون قد ودعنا العصر الفلكي، ودخلنا العصر الجوهري بدون وعي منا أو إرادة، أو مع وعي وإرداة”. وأفاد “فيما يوافق الشيرازي على نظرية الخلق الجديد والمستمر في كل آن للعالم، إلا أنه ليس بأن يكون ذلك بنحو اللبس بعد الخلع، لا، بل في كل آن تفاض صورة أكمل من الصورة السابقة ومن ثم تكون هذه الصورة مادة لقبول صورة جديدة، وبذلك يجمع بين نظرية الخاص من العدم والاجتماع الرتبي، هذا التمايز يدفعنا للتدقيق بأن الشيرازي قد تأثر بابن عربي في قبوله بالحركة الجوهرية والبرهنة عليها أو ما يقال بأن نظرية العرفاء والمتكلمين المسلمين القائلين بالخلق المستمر أكثر انطباقًا مع نظرية الحركة الجوهرية، مع الشيرازي سوف يتأكد المنحى العرفاني التوحيدي انطلاقًا من أرضية الطبيعة ذاتها، فمن الخطأ أن نترسم مسارنا الزمني في أنات منشطرة لا يتحد فيها السابق مع اللاحق، بل يجب أن نعيد اكتشف وجودنا في هذا العالم من خلال حركة واحدة وزمن واحد لجوهر واحد يمتد كطيف سيال امتدادًا سيالًا العالم ليس موجودًا بكليته في الآن، موجودًا في الزمان، يحدثنا الشيرازي عن العالم كامتداد أي العالم المنغمس في زمان ذاته”، أما الأستاذة إنعام حيدورة، فقدمت “مقاربة معاصرة بين الوجوب والإمكان”، أشارت فيها إلى أنه “لا طالما كانت الفلسفة أم العلوم قديمًا، ولا زالت بل برزت بقوة بعد أن وصل علم الفيزياء حد الاعتراف بأنه يحمل نظريات غير قابلة للتحقيق، واختلط العلم بالفلسفة وأصبح من الصعب معرفة حدود كل منهما. والغاية من العلوم الطبيعية هي الوصول إلى عالم الميتافيزيقا، وكلما تم اكتشاف بحث كان يجر على اكتشاف ما ورائه وحتى الآن لا يوجد ولا نظرية مطلقة في الفيزياء”.
وأشارت بأن الوجود عند الملا صدرا هو حقيقة بسيطة، وبأن هويته أخص الخواص تعينًا وتشخيصًا. مؤكدةً على أن كل ما سوى الذات الإلهية والمرتبة الإلهية عند الشيرازي هو شخص واحد، بعض أجزائه أشرف وأعلى من بعض، وواجب الوجود هو واحد بالذات لا تعدد له. أما الموجود فهو إمام حقيقة الوجود أو غيرها.
أما الدكتور كمال لزيق فتحدث عن “البعد الوجودي للعلم عند الشيرازي – أصالة الحضور، واعتبارية الحصول”. فأشار إلى أن “العلم عند الشيرازي هو الواقعية بعينها، وواقعية العلم أي الأشياء المرتبطة بملكوت الأشياء، فالعلم عندما يحصل بالنسبة للشيرازي يقوم دائمًا باتصال ملكوت النفس مع ملكوت الشيء، ملكوت النفس عندما ترى ملكوت الأشياء الخارجية هنا نسميه واقعية العلم. بناء على هذا يتحقق الوجود الذهني عند الشيرازي بالمعلوم بالذات الذي هو واقعية المعلوم المجردة المتحدة مع واقعية العلم المجردة، أي أن النفس المجردة تتصل. ولهذا سميت بصيرورة الأنا”.
وفي المحور الرابع من هذه الندوة الإقليمية، افتتح الدكتور أحمد ماجد المداخلات، بالحديث عن “نظرة على واقع ومستقبل الصدرائية في الدراسات الفلسفية الحديثة”. واحتوت ورقته على مقدمة وثلاث عناوين فرعية وخاتمة، حيث أبرز في المقدمة أهمية الحكمة المتعالية، وبعد المقدمة قسمت الورقة طبقًا لبدء مرحلة الاهتمام إلى 3 مراحل أساسية.
المرحلة الأولى: في بداية القرن العشرين من عام 1929حتى عام 1987.
المرحلة الثانية: هي المرحلة التي تمتد من عام 1978 حتى عام 2003.
المرحلة الثالثة والأخيرة: الممتدة من عام 2003 حتى وقتنا الراهن.
واستعرض الدكتور أحمد ماجد في كل من المراحل الثلاث، مستوى التفاعل العلمي مع فلسفة الملا صدرا، من خلال إحصاء عدد العناوين والمجلات والدراسات الأكاديمية التي اشتغلت على فلسفة الملا صدرا أو إحدى خصائصها.
وفي المحور نفسه قدّم الدكتور جمال نعيم، ورقةً حملت عنوان “أسئلة منهجية حول النظام الفلسفي من خارج الحكمة المتعالية”، اعتبر فيها أن “الحكمة المتعالية نظام فلسفي في الحكمة الإلهية، يدعي البعض أنه ما زال صالحًا لعصرنا الحالي، لذا تتم المحافظة على تماسك هذا النظام، وتؤلف الكتب التي هي بمثابة تكرار لأهم العناصر الأساسية فيه، هذا يعني أن الميتافيزيقا الكلاسيكية التي تعالج موضوعات الله والنفس والكوسمس ما زالت ممكنة، وهذا يعني أنه بالإمكان تجاوز كل النقد الفلسفي للميتافيزيقا من كنط، لنيتشه وصولًا لهايدغر والمدرسة الوضعية”.
أمّا الورقة الأخيرة في هذا المحور فقدمها الدكتور جهاد سعد تحت عنوان “منهج المقاربة في مدرسة الحكمة المتعالية ما بين تاريخ الفلسفة ومستقبلها”. فأشار إلى أن “الأصل هو الفصل بين صيرورة الفلسفة في التاريخ، ورسالة الأديان التوحيدية، فالمؤسس للجهد الفلسفي هو دعوة العقل بأنه قادر على معرفة حقائق العالم على نحو الاستقلال، وبلا معية الوحي ولكن القيمة التي منحها الإغريق ومن بعدهم الغربيون للعقل الفلسفي جعلت اللاهوت يتسلح بالنظر العقلي دفاعًا عن الإيمان، وألجأت بعض الفلاسفة المسلمين إلى بذل جهود مضنية لمصالحة الفلسفة مع النص الإلهي بغض النظر عن مستوى النجاح”.
وختام هذا اللقاء العلمي المتميز، والذي استمر على مدار ثلاثة أيام، كان مع سماحة الشيخ سمير خير الدين، الذي قدم ورقة تحت عنوان “قراءة في مسار الاستدلال على وجود الله على أرضية كتاب النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية”.
حيث أشار في ورقته إلى النقاط التالية:
أولًا: هناك ارتباط وثيق بين طلب الحقيقة وطلب الله، وهناك ارتباط بين طلب الله والسير إليه، من هنا تكمن أهمية وعي الذات بلحاظ لحظة يقينها.
ثانيًا: بلحاظ أن الحقيقة أعم من الغيب والشهادة، فهناك تلازم بين حس التعرف على الغيب ووجود عالم الغيب، إن طلب القرآن الإيمان بالله دال على أن فعل الإيمان فعل إنساني يكشف عن علاقة الإنسان بالعالم الغيبي. في عالم الشهادة مجهزون بحس التعرف على عالم الغيب بمقتضى الاندفاع الإيماني نحو ذاك العالم.
ثالثًا: هناك تلازم بين الحقيقة ومعرفتها.
رابعًا: الإنسان بلحاظ كونه مستدلًا هو أصيل في معرفة الله، وتغاير المعرفة هو من باب أن الحقيقة يمكن التعرف عليها بطرائق متعددة وكثرة الطرائق ليست كثرة للحقيقة”.
سلام عليكم تولد في ذهني مشروع تنموي لهذه المدرسة الرائعة ولكن الظرف لم يسعفني في تطبيقه، وأود تطبيقه ما دمت حيا. شكرا