السيّد حسن نصر الله، القيادة وفعل الاستنهاض
مقدّمة الناشر
يعرَّف علماء الاجتماع الإنسان على أنّه اجتماعيّ بطبعه، وبالتالي لا يمكنه أن يعيش بمفرده دون الحاجة إلى التواصل والتعارف وتبادل الخبرات. من أجل ذلك، يحتاج في مسيرته وحياته إلى توجيهٍ وإرشاد وإلى مشورة نفسه والآخرين في جميع أموره. وفي هذا السبيل، كان من الضروريّ أن يكون في كلّ مجموعة فردٌ يتصدّى لقيادة تلك المجموعة، بمثابة الراعي لها أو المدبّر، وقد ورد في الحديث “إذا كنتم في سفرٍ ثلاثة فأمّروا عليكم أحدكم”[1] بغية تنظيم أمورهم.
فالقيادة هي القدرة في التأثير على مجموعة من الأفراد على نحوٍ يدفعهم إلى التعاون الاختياريّ بمحض إرادتهم بغية الالتحام وتحقيق أهداف المجموعة ككلّ. وهذا التأثير له مقوّماته المتعلّقة بالشخص القائد، كما وتعرف المجموعات من خلال قادتها.
والكتاب الذي بين أيدينا السيّد حسن نصر الله، القيادة وفعل الاستنهاض يأتي ضمن هذا السياق، حيث يستعرض في ثلاثة فصول ما يتعلّق بمفهوم القيادة وغيرها من الأمور.
ففي الفصل الأوّل والذي يحمل عنوان “القيادة: محدّدات وأنواع”، يعرض الكاتب مفهوم القيادة ويفترض لها وجود طرفين: القائد أو الزعيم الذي ينبغي على الجماعة أن تدين له بالولاء والطاعة وهو بدوره يضمن تماسها وتضامنها، والجمهور أو الشعب أو الأمّة التي تسلّم بوجود هذه القيادة وتذعن لتوجيهاتها ولأوامرها.
ثمّ يستعرض أنواع القيادة من القيادة الرئاسيّة، إلى الدينيّة وصولًا إلى القيادة الكاريزميّة. وفي كلّ نوع، تتطلّع الجماعة إلى مواصفات خاصّة واستعدادات ومؤهّلات وما يمكن أن تقدّم هذه القيادة إلى شعبها وجمهورها، وهذه المؤهّلات بدورها تفرض مجموعة من الأحكام التي تحدّد العلاقة بينها وبين مناصريها.
أمّا في الفصل الثاني “القيادة ومحدّدات الاستنهاض”، فيشير إلى أنّ المرحلة التاريخيّة التي انطلقت خلالها المقاومة الإسلاميّة في لبنان شكّلت مرتكزًا أساسيًّا في الالتفاف الجماهيريّ حولها في سائر الأقطار العربيّة والإسلاميّة. وقارب في شخصيّة السيّد حسن نصر الله كقائد ورمز دينيّ للقيادة لما لشخصه وللدور والوظيفة التي يضطلع بها كرجل دين ولما للرأسمال الدينيّ من دور في عمليّة الجذب وشدّ الأفراد إليه وتكريس موقعه القياديّ، فضلًا عن الآليّة التنظيميّة التي تحدّد قواعد الطاعة وإظهار الولاء.
ثمّ يعرّج الكاتب لذكر محدّدات القيم، وأنّ فعل المقاومة بما يتضمّنه من قيم أخلاقيّة من قبيل الشجاعة والصبر والتحمّل ورفع الظلم ومساعدة المظلوم والإقدام والجرأة، ونيل العزّة والكرامة والحريّة والإيثار، يحاكي القيم ويتوازن معها، وبذلك تصبح المقاومة النموذج المحدّد للسلوك الرمزيّ والمرجعيّ في مجاراته لمنظومة القيم في النظام الاجتماعيّ السائد.
فترتسم في الذاكرة الجمعيّة دلالات وإنجازات من شأنها أن تحيط هذه المقاومة بهالة كبيرة من القداسة والشرف والرفعة والحكمة، وخاصّة فيما يتعلّق بالصراع مع إسرائيل.
وينتقل الكاتب في فصله الثالث والأخير “القيادة والخطاب السياسيّ” إلى التوجّه نحو دراسة الخطاب السياسيّ للمقاومة واستراتيجيّتها الاستنهاضيّة انطلاقًا من كلام السيّد نصر الله نفسه والاطلاع على مضمونه.
وقارب هذا الخطاب من زوايا ثلاث هي: الهويّة وحقل السلطة وصولًا إلى وظيفته في التواصل الداخليّ والخارجيّ. فحين يتوجّه خطاب حزب الله للمسلمين، فهو يتحرّك باتجاه الأبعاد الانتمائيّة العامّة المتجسّدة في واقع الحال دون أن يهدف إلى استيعابها في الدائرة الولائيّة الخاصّة التي تتحرّك في إطار ولاية الفقيه.
فالدور القياديّ للسيّد نصر الله ليس مقرونًا بموقع رئاسيّ حتّى يقتضي الطاعة بمعزل عن حال الإقناع أو عدمه كما في الدول التسلّطيّة أو الديمقراطيّة، ولا بكونه زعيمًا لطائفة أو لحزب معارض وإنّما بوصفه زعيمًا شعبيًّا تحوّل على هذا النحو بفضل القضيّة المطروحة وهي فعل المقاومة في التحرير والاستنهاض.
في حين أنّ وقع كلماته تحمل كلّ ممكنات هذا التحويل نحو الشعور بالاقتدار والشجاعة وعدم الخوف من مواجهة العدوّ. كما أنّها مقرونة بالفعل المقاوم الذي سرعان ما يثير مشاعر سارّة في نجاحاته الممتدّة من العمليّات الدائرة قبل التحرير والتي انتهت إلى تحقيق التحرير عام 2000 ثمّ الانتصار في حرب تمّوز عام 2006 والتي لم يسبق لمقاومة عربيّة أن خاضتها على هذا النحو من الصمود والعناد على إحراز النجاح.
ومهما تكن المفاهيم التي تعرّف وتحدّد لمفهوم القيادة، لا اعتبار لها إذا لم تكن مقترنة بالبصيرة والاستقامة في القول والعمل. فنرجو من الله أن يعيننا لنكون طلّاب حقيقيين في مسيرة الحقّ وأن تكون أعمالنا وأفعالنا كلّها خالصة له سبحانه.
سكينة أبو حمدان
[1] المتّقي الهندي،كنز العمّال (لبنان- بيروت: مؤسّسة الرسالة، 1409 ه/ 1989م)، الجزء 6، الصفحة 727.