الفكر العقائدي عند الشيخ محمد جواد البلاغي
كلمة الناشر
لطالما شكّلت أبحاث ودراسات الأقدمين في شتّى المجالات العلمية عاملًا أساسًا في بناء وتحصين الأمة الإسلامية، حيث شكلت الرافد لهذا الدين القيم بالمنظومات الفكريّة التي جعلته يقف صامدًا أمام الشبهات المتعددة التي دخلت الساحة الإسلامية إن من الفلسفة اليونانية أو غيرها، فسبروا غور الحديث والنص القرآني، وخاضوا معاركهم المعرفية متسلحين بتراث أسلافهم، ليقدموا بدورهم ما يبنى ويراكم عليه، ليواجه به أبناؤهم فيما بعد شبهات عصرهم الطارئة عليهم.
وبدءًا من المدرسة الجعفرية وحتى يومنا هذا، برزت في فضائنا الإسلامي أسماء لامعة كان لها دورها الريادي، حتى ليمكننا الجزم بأنه لم يأتِ على الإسلام قرن لم يقرن بإحدى تلك الأسماء، وإمامنا الجليل العلامة محمد جواد البلاغي – الذي يدور هذا الكتاب حول خلاصة طرحه في العقائد والكلاميات – كان أحد أبرز رواد القرن العشرين، فهو – كما يصفه العلامة السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة – عالم فاضل، أديب شاعر، حسن العشرة سخي النفس، صرف عمره في طلب العلم وفي التأليف والتصنيف، وصنف عدة تصانيف في الردود.
وكتابنا المقدَّم له يحاول أن يشكل عرضًا تحليليًا منظمًا للفكر العقائدي لدى البلاغي، حيث انتظمت مع مؤلفة هذا السفر آراء البلاغي الكلامية وطروحاته العقائدية، كما وردوده لما كان قد طُرح من إشكالات منهجية وموضوعية على المدرسة الكلامية الشيعية، في سلسلة مترتبة الأبحاث تتبع في تراتبيتها النظم المتبعة في الأنساق العقائدية السائدة، فبدأ مع التوحيد فالعدل فالنبوة فالإمامة فالمعاد، وقوفًا بذلك على تفصيل آراء البلاغي كما ونقاشاته لذوي الأديان والمذاهب المختلفة في كل واحد من تلك الأبواب.
إن القيمة المعرفية التي يمكن أن يضيفها هذا الكتاب هي في تنظيمه لكل طروحات الرجل وتقديمها كوجبة متكاملة تغني الطالب على صعيدَي تقديم العقائد الصحيحة والحقة مع طرح الاستدلال عليها من جهة، وتعريف الباحث بالمنهجية العلمية التي أسس لها البلاغي وقدمها من جهة أخرى، وذلك معين في مجالات عديدة ليس أقلها فهم الذهنية الكلامية العامة لعلماء الشيعة، ومن ثم الاستناد إلى هذا الفهم للدخول عبره إلى مجالات أخرى تتخطى المبحث الكلامي والعقائدي.
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن الكتاب هذا هو واحد من مجموعة أعمال يسعى دار المعارف الحكمية إلى تقديمها للقراء، تتناول المشاريع الفكريّة لكبار علماء ومفكري العالم الإسلامي، حيث سبق هذا الكتاب العمل على جملة أعلام من فلاسفة وعلماء كلام، وسيتبعه فيما بعد تناول شخصيات أخرى في دراسات شاملة للمنظومات التي عملوا عليها إن في الأخلاق، أو الكلام، أو الفلسفة أو غيرها.
إن دار المعارف الحكمية إذ ينشر هذا الكتاب، فإنه يأمل له أن يكون خطوةً محفزةً للعلم والعلماء، وأن يحقق نشره جزءًا من غاية كبرى هي إعادة قراءة التراث العلمائي الإسلامي على أرضية عالم اليوم، في سبيل الاستفادة والتزود منها لتقويض ما قد تواجهه الحالة من طروحات نقدية وإشكالية.
والله من وراء القصد.