السيادة والتسيّد وإشكاليات التغيير
الزهراء عليها السلام نموذجًا
مقدمة
كثيرًا ما يتم تداول كلمة السيادة والتي تعني مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة وهذه لا تكون إلا لله كونها مطلقة بلا قيد. وفي أبجديات الفكر الشيعي تطرح على مستوى المرأة متمثلة بنموذج الزهراء عليها السلام كسيدة نساء العالمين. وما يحويه هذا التوصيف من تأسيسات مهمة تتشكل منها مرجعية للمرأة في نظم السيادة في كل زمان ومكان.
ارتأينا في ظل لحظات تاريخية تمر بها الأمة – وخاصة النساء مهد الحضارات – بعنق زجاجة يتعلق بالهوية والانتماء المستهدفتان عالميًا خاصة المرأة كمصداق، وما العولمة إلا أداة ذلك الاستهداف خاصة فيما يتعلق بالمفاهيم والثقافات والسلوكيات التي تحدد هوية الشخص ومن ثم تحدد له انتماءه، أللسماء أم إلى الأرض، من خلال تقديم نموذج يشكل مرجعية للاتباع والاقتداء يتحقق من خلاله تشكيل الهوية وتحديد الانتماء.
السيادة بين السماء والأرض
القوة المطلقة غير المقيدة لا يمكن تحقيقها بهذا الإطلاق واللاقيد إلا لله تعالى. ولكي تتنزل هذه السيادة السماوية للأرض فلا بد من وجود أوعية قابلة لهكذا نمط سيادي مطلق وغير مقيد، يكون مستخلفًا واعيًا ومدركًا لكل حيثيات الاستخلاف الصحيح وفق إرادة الخالق لتكون هذه السيادة الأرضية في طول سيادته وليس في عرضها وتأتي بعد ذلك سيادة الخلق في الأرض من السماء وفق مراتب تتصل بمراتب الوجود.
وهذه السيادة تكون:
سيادة على مستوى الذات
سيادة على مستوى الأسرة
سيادة على مستوى المجتمع
سيادة على مستوى الدولة
سيادة على مستوى العالم
وهنا السيادة حينما تبدأ من خارج النفس ترتبط بالسيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى مستوى المفاهيم تكون سيادة قيمية ومفاهيمية، بحيث يفرض النموذج المتسيد مرجعيته في ذلك لامتلاكه القوة والسلطة المستمدة من قوة وسلطة السماء. فتتحقق سيادة العالمين من ناحية المراتب المكانية ومن ناحية المفاهيم،وإذا كان نموذج السيادة نموذج إلهي معصوم فتتحقق السيادة الزمانية أي صلاحيته كنموذج لكل زمان، ليصبح النموذج ذا سيادة زمانية ومكانية.
التربية والربوبية والسيادة
النموذج الذي يسود هو القدوة التي تشكل مرجعية فكرية ودينية وسلوكية عبر الزمن، والقرآن يجعل موقع القدوة بموقع الربوبية بمعنى التربية، وهنا بالسيادة تتحقق الربوبية المتصلة بالتربية والربط بالنموذج الأكمل، وكان صراع الأنبياء مع المستكبرين عبر التاريخ في جزء منه هو صراع حول الربوبية المتصلة بإدارة الشأن والتنظيم والتربية. وكان المعصوم يرى الله ربا بمعنى انه المرجعية المعصومة في التربية. عن النبي الأكرم: ” أدبني ربي فأحسن تأديبي” محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج١٦، ص ٢١٠). وأعاد الراغب الأصفهاني الربوبية والتربية لنفس الجذر اللغوي، فقال في تعريفه ل (الرب): “الرب في الأصل التربية، وهو إنشاء الشيء حالًا فحالًا إلى حد التمام”.
ووظيفة النموذج الأكمل من أكبر الوظائف وهي الربط بين الأمة والله، ووظيفة المثل المتبع لهذا النموذج هو الربط بين الأمة والنموذج، أي أدوار تقع في طول بعضها البعض ويوكل لها وظيفة التربية التي هي لب الدعوة إلى الله كونها تربية في طول تربية الله وإرادته.
وكانت وظيفة المعصوم وصل الناس بهذا الرب عبر التاريخ، فكان المعصوم النموذج الكامل الذي يمثل مرجعية التربية لتتحقق الربوبية وتتم السيادة.وكان لابد من توفّر أمثلة أو أنماط في كل زمان وظيفتها ربط الناس بالنموذج بحيث يكون النمط الانعكاس الأقرب للنموذج الكامل. والزهراء عليها السلام النموذج الاكمل المعصوم للمرأة التي تجسد شخصية المرأة في المشروع الإلهي. وكونها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين فهذا يعني سيادة زمانية ومكانية وعلى كافة الأصعدة. وبذلك تتحقق الربوبية بنموذج الزهراء للمرأة التي لها شأنية في التربية. ولكن لماذا لم نقدم أمثلة متصلة بهذا النموذج لتسود المرأة في زمانها مستظلة بسيادة الزهراء عليها السلام؟
حيث إن سيادتها الزمانية والمكانية تعتي انها صالحة كنموذج إلهي لكل زمان ومكان وأن في نموذجها ما هو ثابت وما هو متغير كونها كنموذج إلهي إسلامي معني بالأصالة والخلود، فالإسلام له مكونين رئيسيين يحفظانه من الانحراف ويجعلانه صالح لكل زمان ومكان:
المكون الأول
الأصالة التي تعني بالثوابت وكليات الإسلام التي تحفظه من التحريف
المكون الثاني
الخلود والذي يبقيه مرن وباقي لكل الأزمنة
وشخصية الزهراء كنموذج إلهي معصوم سائد إلى يوم القيامة أيضًا فيه بعدي الأصالة والخلود والمتعلقين بالثابت والمتغير تشريعيا.
لكن لماذا لم يسد نموذج الزهراء ولم تسد المرأة كل وفق زمانها؟ لكل زمن متغيراته الاجتماعية وبالتالي وفق هذه المتغيرات ووفق تراكم المعرفة العقلية يمكن قراءة نموذج الزهراء على ضوء هذه المتغيرات فيتم تجليتها كنموذج والتعرف عليها أكثر وبالتالي تسيدها أكثر.
فلكل زمن مقوماته وأدواته في السيادة، ولكن هناك ثوابت وأصالة تاريخية سواء ثقافية أو فكرية واجتماعية أو إنسانية، فالمستقرئ لشخصية الزهراء عليها السلام ووفق موقعها السيادي للعالمين يستطيع في كل حقبة زمنية ونتيجة التكامل والتراكم العقلي والمعرفي أن يكتشف في شخصيتها مقومات لسيادة هذه الحقبة سواء كان مقومات تحاكي الواقع الاجتماعي المتغير ولا تحابيه، أو مقومات ثابتة أصيلة لا تتعلق بتغير الزمان والمكان خاصة فيما يتعلق بمنظومة القيم.
ولكن رغم وجود هذا النموذج الرباني المعصوم نجد هناك عدة مدارس فكرية لها رؤيتها الخاصة بالمرأة، وطبعا هناك مبررات موضوعية لهذا الاختلاف حول المرأة مع وجود شخصية الزهراء النموذجية، وأهم هذه المبررات:
– ابتعادنا عن عصر التشريع
– قصر حياة الزهراء عليها السلام
– شح تاريخي بخصوص شخصية الزهراء عليها السلام حيث لم يصلنا عنها إلا القليل وهو ما قد يؤثر على تكوين رؤية كاملة.
– الذاتية في النظرة
– البيئة ومؤثراتها على قراءة موضوعة المرأة
– آليات وأدوات استقراء التاريخ من جهة والنص من جهة أخرى والاجتهاد من جهة ثالثة.
المدارس الفكرية الدينية والمرأة
نشأت هذه الاتجاهات الفكرية نتيجة المواجهة التي حدثت مع الغزو الثقافي الغربي وما قدمه من نموذج مخل للمرأة بالواقع الاجتماعي الاسلامي والذي يطغى عليه طابع المحافظة ويتمسك بطبيعة الحال بعفة المرأة وعفافها وما لهذه القيم من أصل في حفظ المجتمع من الانحراف والفساد.
ولنكن أكثر دقة كانت المدرسة التقليدية تبني أفكار انفعالية اتجاه الغزو الغربي الثقافي من جهة وردا على المدرسة التجديدية من جهة أخرى، والمدرسة التجديدية تبني أفكارها مستقبلة ما يطرحه الغرب ومحاولة لتكييف عناصره الثقافية مع بيئته من جهة، ومن جهة أخرى تنفعل ضد ما يطرحه الاتجاه التقليدي.
لكن كل مدرسة كانت تسعى من وجهة نظرها لتوضيح رؤية الاسلام عن المرأة، فكما ذكرنا آنفا أن الإسلام له مكونان رئيسيان: الأول الأصالة والثاني الخلود.
١- الاتجاه التقليدي الإسلامي
“نعني بالتقليديين هنا مجموعة من العلماء والمتدينين المسلمين الذين عاشوا في القرنين الأخيرين، وحصروا اهتمامهم فقط برفض الثقافة الغربية ومحاربتها، وذلك بدافع من غيرتهم على الدين، وتمسكهم بالمعارف والأحكام الدينية، وهذه الجماعة لا تنضوي تحت مجموعة واحدة ولكن لديها مسلمات مشتركة هي:
– الأصولية
– محورية التكليف والتعبد
– اعتماد الاجتهاد في فهم الدين ( النص حاكما)
– الأصالة ومحاربة الالتقاط
– تقديس الماضي أو الماضوية
ونظرا لذلك تكون هذه المدرسة قد ضحت بخلود الإسلام لحساب أصالته.
٢- الاتجاه التجديدي الإسلامي
هذا الاتجاه نشأ كردة فعل في مواجهة الثقافة الغربية من جهة والتقليدية من جهة أخرى لاستشعارها الصراع الدائر بين التقليدية والتجديد بسبب ما لديها من ميول دينية.
هذا الاتجاه أيضا له سمات عامة مشتركة وان لم يجمعه اطار واحد وهي:
– النزعة الإنسانية
– التنمية
– تقديس العلم والاعتماد على العقلانية
– التاريخية والنسبية في الفهم
– النظر نحو المستقبل
وقد وقع هذا الاتجاه في مأزق التضحية بالأصالة لحساب الخلود
٣- الاتجاه الحضاري الإسلامي
يعتقد هذا الاتجاه أن يمكن الحفاظ على عنصري الأصالة والخلود في الاسلام وجمعهما في نظرية واحدة، تكون على مسافة واحدة بين نسبة منطقية متساوية.
وهم يعتقدون أن الطريق الوحيد للخروج من الإشكالية الحالية في المجتمعات الإسلامية يكمن في التحرك في سبيل إيجاد حضارة حديثة، بحيث تعتمد برامج التنمية والتطوير فيها على القيم الإسلامية وتهتدي بهداها.
ومن هنا يعتقد الكثيرون من المثقفين المسلمين بأن ظهور الإشكاليات المعاصرة المتعلقة بالمرأة في المجتمعات الإسلامية والثقافة الحداثوية من جهة، وإلى معارضة التقاليد الاجتماعية، في المجتمعات الإسلامية للقيم المنبثقة عن التنمية الغربية من جهة أخرى.
وأهم سمات هذا الاتجاه المشتركة هي:
– النظر إلى قضايا المرأة بشكل منهجي
– الأصولية في فهم الدين والتطور في تطبيق الدين
– التطور في منهج الاجتهاد وإعادة النظر في مناهج العلوم
– ضرورة تدوين النمط الأكمل لشخصية المرأة المسلمة ( وضع النموذج )
– التأسيس لحضارة إسلامية جديدة”
وحيث أن الفقه هو المعني الأول في التجديد الديني، لما تلعبه الفتوى من دور في تحريك المجتمعات وتفكيك مكوناتها الثقافية ودفعها نحو الحركة حيث الفتوى سلطة مهمة عبر التاريخ، فبالتالي تصبح المدرسة الحضارية في بحثها وبلورتها لنموذج المرأة الحضاري معنية بموضوع الثابت والمتغير.
المدرسة الحضارية بين الثابيت والمتغير
يقول الشيخ أحمد مبلغي بخصوص موضوع الثابت والمتغير: “يحظى بحث الثابت والمتغيّر في الإسلام بأهميةٍ كبيرة؛ ففي ظلّه نستطيع ان نجلّي قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات المعقّدة، ونثبت بطلان الشبهة التي ترى عدم قدرة الأحكام الإسلامية على حلّ مشكلات الإنسانية، أو محدوديّة هذه القدرة مع تزايد احتياجات البشرية وكثرة أزماتها، فهذا الفكر الخاطئ يرى عدم قدرة الأحكام الإسلامية الثابتة على تلبية تلك الاحتياجات المتفاقمة، ورفع الصعوبات المتزايدة وإدارة المجتمعات المعقّدة.
فالبحث في هذا المجال يحتاج – من جهة – إلى خبرة طويلة بالمجتمعات الإنسانية المعقّدة، كما يتطلّب – من جهة أخرى – فهم الإسلام وأهدافه وعمق تعاليمه، إضافةً إلى اطّلاع كافٍ على أسس الاجتهاد ومناهجه، وهذه المعارف شرطٌ رئيس في حلّ المعضلة، وحلّ هذه المسألة يحتاج إلى تنظير، أيّ ينبغي على من اكتسب المعرفة حتى أصبحت طوع يده أن يقدّم – بشكل جاد وعلى مستوى عال من الدقة مع مراعاة الجوانب كافّة – نظريةً تتوافر على خصلتين، هما:
أ – تصوير الإسلام وقدراته تصويرًا صحيحًا وواضحًا.
ب – القدرة على وضع أساس وإطار أفضل للتوجّه الإسلامي والسياسة الإسلامية العامّة.
إن ما قلناه سابقًا دليلٌ على كمال أي نظرية في هذا الخصوص، لكنّ هناك ملاكين إذا تجرّدت النظرية عن أحدهما غدت باطلةً من الأساس، وهما:
أولًا: عدم الخلط بين مساحات الثابت والمتغير، أو الخطأ في تحديد مصاديق كلّ واحدٍ منهما.
ثانيًا: أن لا تُبتلى النظرية بتقليد الآراء واجترارها؛ فأغلب من يَرِد هذا البحث لا يملك اطلاعًا على علم أصول الفقه والاجتهاد مما يجعل نظريّته فاقدةً لكلا الملاكين، فلا يضعنّ من ليس له الأهلية قدمه في هذا الوادي السحيق، كما ينبغي على من ينظّر من العلماء أن يراعي الدقة في عمله.” ٢
٢- الثابت والمتغير في الفقه الإسلامي – قراءة في جهود التيار النهضوي الخميني، الطباطبائي، الصدر
يتطرق الشيخ في نفس المصدر إلى النظريات الثلاثة:
١- نظرية العلامة الطباطبائي، الثبات الإنساني والتحوّل البشري
يقول العلامة: قسّم الإسلام أحكامه إلى قسمين متمايزين ومنفصلين بعضهما عن بعض، الأحكام الثابتة والأحكام المتغيّرة.
أمّا الأحكام الثابتة، فهي الأحكام والقوانين التي وضعت على وفق مقتضى حاجات الطبيعة الواحدة والثابتة للإنسان؛ فقد سمّى الإسلام تلك الأحكام التي أقامها على أساس طبيعة الإنسان وخصوصيّاته بالدين والشريعة: فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم.
وأمّا الأحكام المتغيّرة، فهي الأحكام المؤقّتة أو تلك التي لُحظ فيها شيء ما، وتختلف وفق أنماط الحياة المختلفة، ويتماشى هذا القسم مع التقدّم التدريجي للمدنية والحضارة وتغيّر المظاهر الاجتماعية وظهور الأساليب الحديثة وانضمار الأساليب القديمة، وتختلف بحسب مصالح الزمان والمكان المختلفة.
وهذه الأحكام باعتبارها من آثار الولاية العامة، منوطةٌ بنبيّ الإسلام محمد- والقائمين مقامه والمنصوبين من قبله، وتشخّص وتنفّذ في دائرة الثوابت الدينية، وطبقًا لمصالح الزمان والمكان، قال تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(النساء: 59).
٢- نظرية الإمام الخميني، التحوّل الموضوعي وإطلاق ولاية الفقيه
يؤكّد الإمام الخميني على أصلين هما:
أ – تبدّل موضوع الحكم إلى موضوع آخر في ظلّ العلاقات الحاكمة، يقول بهذا الخصوص: بلحاظ العلاقات الحاكمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد في نظامٍ ما لعلّ حكمًا جديدًا يطرأ على مسألة ما، كان حكمها السابق يختلف، بمعنى أنّ الإحاطة الدقيقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جعلت ذلك الموضوع نفسه بالظاهر موضوعًا جديدًا فيستتبعه حكم جديد.
تكمن أهمية نظرية الإمام الخميني في أنّها ترى – من جهة – أنّ العصر الحاضر عصر سيادة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقّدة، ومن جهة أخرى تأثير ذلك في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية بشكل بسيط وواضح
أهمّ بُعدٍ جديد في نظرية الإمام الخميني أنّ تبدّل الموضوع في ضوئها يمكن أن يتمّ بشكل خفي ودون أيّ ضجيج، أي قد نرى ظاهر الموضوع ساكنًا لكنّ هناك تحولًا يجري خلف هذا السكون الظاهري، فقبل هذه النظرية كان الفقهاء يقبلون ذلك حينما يتحوّل الموضوع إلى موضوع آخر، وتبرز علامات تدلّ عليه، كما في استحالة الخمر إلى خلّ أو الميّت إلى ملح، أمّا الإمام الخميني، فإن معرفته بالوقائع المتأثرة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية من جهة، وتعريفه موضوع الحكم الشرعي ومناطه وفلسفته من جهة أخرى، لم يحصرا تبدّل الموضوع بظهور ما يدلّ عليه، مثيرًا – إلى جانب ذلك – فكرة التبدّل الداخلي.
ب – الولاية المطلقة للفقيه، يقول الإمام الخميني: الحكومة المتفرّعة عن ولاية رسول الله – المطلقة، هي أحد الأحكام الأوّلية للإسلام، ومقدّمة على جميع الأحكام الفرعية.. فالحكومة قادرة على منع الحجّ، الذي هو من الفرائض الإلهية المهمّة، مؤقتًا، إذا كان في ذلك صلاح البلد الإسلامي.
٣- نظرية الشهيد الصدر، منطقة الفراغ التشريعي
وخلاصة نظرية الشهيد الصدر:
أ – ترك الإسلام، في نظامه التشريعي، منطقةً خالية من أيّ حكمٍ إلزاميّ من وجوب أو حرمة، تسمّى منطقة الفراغ.
ب – لا تدلّ منطقة الفراغ على نقصٍ في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة.
ج – وضع الإسلام منطقة الفراغ الخالية من الحكم تحت تصرّف وليّ الأمر ليملأها على أساس متطلّبات الزمان ومصالحه، وفي ضوء أهداف الشريعة ومقاصدها.
وهذه النظريات في الحقل الفقهي تساعد على توضيح المرونة في التشريع الإسلامي وطبيعة هذه المرونة.
والمرونة هنا لا تعني الخضوع للواقع بل محاكاة الواقع ومن ثم الذهاب للنص اي هي انفتاح عقلي على النص ياتي بقراءته وفق أدوات ثابته أصوليا ومتحركه على مستوى انكشاف الواقع للعقل.وطبعا الخوض في حقول الثابت والمتغير تحتاج متخصصين وأهل خبرة في ذلك وذكرنا لهذا الموضوع جاء فقط لتسليط الضوء على شخصية الزهراء عليها السلام من باب السيادة ومتطلبات هذه السيادة لتقديم النموذج المعصوم والمشروع البديل لما يقدمه الغرب، والسيادة لكل العالمين تحمل في عمق شخصيتها كمعصومة ما يحمله الاسلام للمرأة تجسدت في شخصيتها النموذجية وهما الاصالة والخلود وبالتالي في التشريعات الفقهية الاسلامية شخصيتها أيضا تحمل الثابت والمتغير.
ولكن السؤال كيف يمكن اليوم النهوض بالمرأة من خلال تقديم مثال لشخصيتها في الاسلام يصلنا بالنموذج الاصل ؟
للفتوى عمل السحر في عقول الناس اذا الفقه بوابة التغيير، ولكن هل مشروع النهوض بالرؤية الفقهية اتجاه المرأة يكون بالمقارنة بين الأحكام ومعارضتها أو عدم معارضتها للقيم وهو ما يمكن أن يقوض غالبا كثير من الأحكام الفقهية وهو أمر غير مقبول عقلا كون الفقيه يمتلك أدوات علمية ومنهجية في قراءة النص واستخلاص الحكم الفقهي، أو أن التغيير يكون من خلال تغيير زاوية النظر الاجتهادية بمعنى إعادة النظر في مناهج وأدوات الاجتهاد وفق مقولة الثابت والمتغير والأصالة والخلود والزمان والمكان خاصة في قراءة النصوص؟
لتتحقق السيادة وفق النموذج الرباني الزهراء عليها السلام:
إن الفكرة التي نريد صياغتها كمشروع عمل هو كيف يمكننا اليوم من خلال نموذج الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين أن نصوغ مثال في طول هذا النموذج يكون قادر على سيادة زمننا بحيث يصاغ وفق قراءة موضوعية للواقع وحاجات المرأة في هذا الزمان وهذا المكان ووفق الحفاظ على الثوابت والأصالة لكنه يقدم نظرية إسلامية تبين قدرة الإسلام على إدارة المجتمعات.
من وجهة نظرنا يمكن ذلك كفكرة أولية من خلال تكريس الابحاث في ٣ اتجاهات للخروج برؤية أولية:
– الاتجاه القرآني ونظرته للمرأة اي النظرية القرآنية في المرأة
– الاتجاه الفقهي والخروج برؤية الفقه لشخصية المرأة من خلال عملية استقراء لكل الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة خاصة فيما يتعلق بالبعد الأسري الحقوقي والبعد الاجتماعي ومجالات العمل الاجتماعية وبحقوقها كفرد جزء من أسرة وجزء من مجتمع.
– الاتجاه التاريخي من خلال استقراء دقيق لكيفية تعامل المعصوم مع قضايا المرأة من عصره وخاصة الزهراء ع، والخروج بمنهج دقيق.
ثم بعد هذه الدراسات الدقيقة وفق أدوات منهجية أصيلة يتم وضع هذه الدراسات في هيكل عام ومن ثم دراسة اين يقع التعارض والخلل بين الهيكليات الثلاث تكون فيها النظرية القرآنية في المرأة هي المرجع المعرفي المعصوم في كشف ثغرات الاتجاهات الأخرى لتتم موالمة تلك النظريات مع الرؤية القرآنية.
وبعد الخروج بتصور عام وفق هيكل يشكل شخصية المرأة في الإسلام، يمكن بعد ذلك الولوج في موضوع إعادة النظر في مناهج الاجتهاد خاصة فيما يتعلق بالمرأة.
فسيدة نساء العالمين لقب جاء وفق استحقاقات ومؤهلات توفرت في الزهراء وحولتها لنموذج معصوم قادر على سيادة المجتمعات في كل زمان ومكان كمرجعية معرفية تصون المرأة من كل الانحرافات والتوجهات المنحرفة التي تحاول جرها لتغرد خارج سرب هذا النموذج وهو ما يفرض واقعا على كل المهتمين أن يدرسوا النموذج المعصوم ليصوغوا المثال الحضاري الإسلامي للمرأة الذي يقع في طول نموذج الزهراء المعصوم في السيادة، والقادر على سيادة المجتمعات الإنسانية وحمايتها من كل الافكار المنحرفة التي تحاول تجريد المرأة من هويتها الإنسانية التي تستبطن وظيفة الخلافة الربانية على الأرض وما لهذه الوظيفة من حقوق وما عليها من واجبات، وتبرز هويتها الأنثوية التي تركز على تمييع دورها وتحويلها لمعول هدم للمجتمعات.