by معهد المعارف الحكميّة | مارس 6, 2017 6:44 ص
ختم سماحة الشيخ شفيق جرادي أمس محاضراته والتي ألقاها بمناسبة الليالي الفاطمية، فتابع الحديث حول النهج الفاطمي الذي فيه تأسي ومواساة، وأشار إلى أنه في التأسّي علينا أن نبحث كثيرًا في كل ما يرتبط بخصوصيات السيدة الزهراء من أجل أن نتبعها لأنها تمثل بالنسبة إلينا القدوة والأسوة.
وأشار سماحته، إلى ثلاث مستويات من التأسي: مستوى له علاقة بالواجبات، وكنموذج نذكر تسبيحة السيدة الزهراء. ومستوى له علاقة بالأخلاقيات والتي بالأصل مبنية على الرحمة عند السيدة الزهراء عليها السلام، ودين النبي محمد (ص) مبني على الرحمة، بحيث كانت عليها السلام عندما تدعو الله تبدأ بالناس أولًا وبعدها تدعو لأهل بيتها. واعتبر سماحته أنه لا يوجد جزء من حياتنا خارج عن الإطار الأخلاقي، حتى الجهاد في سبيل الله الأصل فيه هو عنصر الأخلاق، بالتالي ينبغي أن نتأسى بالسيدة الزهراء في كل ذلك. والمستوى الثالث هو مستوى تأسي الحال، أي أن نتخذ من السيدة الزهراء أسوة لنا بحيث أن يشعر الإنسان في عقله ووجدانه حالة الود لأهل البيت والسيدة الزهراء، وحالة الإخلاص لآل محمد والسيدة الزهراء.
وقال سماحته: المقصود بالحال، مرة يقال إن اللسان هو من يذكر، وأحيانًا القلب هو الذي يستغفر ويصبح لديه حضور واستقبال فيستغفر الباري عز وجل، وهناك مستوى أعلى حينما يصبح حال الإنسان هو الاستغفار فيصبح كل شأن من شؤونه في حالة استغفار.
واعتبر سماحته، أن التأسي بالسيدة الزهراء يكون في أعلى مستوياته بدءًا بالفناء بالسيدة الزهراء، والفناء في الإخلاص للسيدة الزهراء عليها السلام.
وأشار سماحة الشيخ جرادي إلى أنه انطلاقًا من هنا ندخل إلى موضوع المواساة كدليل، والمواساة غير التأسي؛ أي أن تدخل الأنس إلى قلب من تواسيه، فالإنسان في لحظات الألم الشديد والابتلاءات الشديدة لا يستطيع أن يفعل أي شيء، ولا يلتفت لأحد من الناس لأنه يكون في وضع استثنائي جدًّا، ومن أكثر الأمور استثنائية إذا نزلت البلايا العاطفية والتي هي الموت.
ورأى سماحته، أنه لما عاش مجتمعنا على مدرسة الولاء لمحمد وآل محمد أصبحنا نرى أشياء أشبه ما تكون بالكرامات، ومن أمثلة ذلك ما نسمعه ونراه من أم الشهيد حينما تودع ابنها فتقول له: بيضت وجهي عند السيدة الزهراء عليها السلام، هذا هو الحال بأقصى حالات الشدة، حال هؤلاء كان أن السيدة الزهراء حاضرة فيهم، بحيث إنه ما كان في قلبها من أمنية تحول إلى لسانها قول هذا الحال، والسبب في ذلك هو قدرة الولي على تقليب وتبديل القلوب، فكيف إذا كان الولي أم الأولياء جميعًا هي السيدة الزهراء عليها السلام.
وتابع سماحته، أنه في المواساة أنت تعيش في قلب مدرسة السيدة الزهراء، تشعر في كل لحظات مرت مع شهادتها، وكل لحظات مرت مع أبنائها، فأمر طبيعي أن يكون لها هذه الولاية والسلطة على قلوب المحبين والموالين.
وتساءل سماحته، هل حقيقة أن السيدة الزهراء تحتاج منا إلى مواساة؟ في الواقع هي ليست بحاجة لمواساتنا، لأن قلبها بين يدي ربها، قلبها مطمئن وفيه سكينة. رغم ذلك هناك معيار الصدق الولائي للسيدة الزهراء وهو أن تعلن ولايتك لولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأن تتبع كل إمام بإمام، وأن تدخل إلى عمق كل الابتلاءات التي مرت مع الإمام الحسين عليه السلام. بالتالي مسألة المواساة ليست أن السيدة الزهراء بحاجة لها، لكن نتلقاها نحن ونحفظها.
وأضاف سماحته، أن هذا المستوى من المواساة والتأسي ينبغي أن يكون لمن هو مفروض الطاعة.
وأشار سماحته في معرض حديثه عن ميزة الطاعة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام إلى حديث للإمام الباقر عليه السلام حيث يقول: “ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة”؛ وكأن في ذلك نحو من الولاية التكوينية والطاعة التكوينية على الإنس والجن والطير والملائكة.
واعتبر سماحة الشيخ جرادي أن هذا المقام المعنوي والعبادي والولائي للسيدة الزهراء، بحيث من أطاعها فإنه يلتحق بالملائكة وبالله، ويلتحق بسر السيدة الزهراء.
ثم تطرق سماحته إلى الحديث عن مفهوم الطاعة، وما معنى الطاعة، وما معنى أنك تطيع الله وأنك تطيع النبي، فاعتبر أن مفهوم الطاعة هو أن تصلي وأن تلتزم وأن تصوم عن وعي وعن إرادة حرة. لذلك يقول الباري عز وجل: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾؛ فالذي تطيعه ينبغي أن يكون المرجع والمصدر، وإذا أردت الطاعة يجب أن تثق بمن تطيع، وأن تسلم بحكمه في الأمور.
وختم سماحة الشيخ شفيق جرادي محاضرته الأخيرة من محاضرات الليالي الفاطمية برواية وردت عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يقول الرسول الأكرم (ص): “يا علي أنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة…”، فاعتبر سماحته هنا، أن المؤمنون هم أشبه بعائلة، وأب ووليّ هذا العائلة هو الإمام علي عليه السلام، وأم وولية هذه العائلة هي السيدة الزهراء عليها السلام. بالتالي، علينا فعلًا أن نتسابق لنكون بطاعة ومواساة ومتبعين هذا النهج الولائي الفاطمي.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/8793/%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d8%a7%d9%84%d8%ab-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%8a%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b7%d9%85%d9%8a/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.